الخميس ٢٨ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم رندة زريق صباغ

بين ربيع عيد و... لينا مخول

لينا وربيع...اسمان لشابين فلسطينيين تناقلتهما الأخبار في الأسبوع الأخير...

اسمان لشابين فلسطينيين يحملان الهوية الإسرائيلية أثارا جدلاً بين مؤيد ومعارض لموقف كل منهما...خاصة وأن الحدثين وقعا في فترة زيارة الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما.

ربيع عيد ناشط سياسي واجتماعي يشار له بالبنان في قريته عيلبون، المنطقة، الجامعة وفي كل محفل يتواجد فيه...شاب جريء وطموح لا يخشى المواجهة ولا التحدث بصراحة...لا ينسى مجزرة عيلبون1948 ولا يألُ جهداُ في الحديث عنها والتعريف بها.

لينا مخول شابة طموحة من مدينة عكا المختلطة والتي يعاني سكانها الويل جراء خطط تهويد المدينة وخطط تهجير سكانها العرب...الفن حياتها والغناء وسيلتها لايصال فكرتها وأهدافها الخاصة.

اهتم ربيع أن يوصل صوت شعبه وصوته لأوباما وللعالم...محتجاً ومتسائلاً من جهة مؤكداً ومذكراً بحق الفلسطينين من جهة أخرى...طارحاً سؤالاً إستنكارياً أمام الرئيس الأمريكي حول سبب زيارته الحقيقي لإسرائيل... وطبعا لم ينس ذكر ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري كنوع من الإحراج ونوع من التلويح بدور نشطاء السلام الدولين الذين راح بعضهم ضحية الات الإحتلال الإسرائيلي...

تحية لربيع الذي جاء كلامه مع بداية الربيع الطبيعي وليس العربي ...مؤكداً أن ربيعنا نحن الذين نزعاه بأنفسنا وليس عن طريق نباتات وأشجار مستوردة تبهرنا بألوانها وأثمارها التي سرعان ما يتضح لنا أنها مسممة قاتلة...تحية لهذه الجرأة والمصداقية، تحية لهذا الإنتماء الصادق والصارخ....تحية لقريتي الغالية عيلبون على مقدرتها اللا متناهية في إنتاج المبدعين والمميزين شامخي الرأس بإنتمائهم.

كان من المهم لربيع -الذي يمثل مندوباً لشريحة واسعة- أن يقول ما قاله على مسمع ومرأى من الحاضرين والمتابعين على أنواعهم مذكراً القيادات الإسرائيلية والأمريكية بأن الفلسطيني لا يزال موجوداً وقادراً على المواجهة والاعتراض والتعبير عن نفسه...وليذكر الفلسطينيين أنفسهم بأن الفلسطيني لا زال موجوداً قادراً على التفكير ورفض الظلم والاستبداد...ملوحاً لجيل الشباب بكوفية فلسطينية من نوع اّخر.

أما أوباما من جهته فقد علّق على الحدث بقوله:- "هذا هو الحوار الحقيقي الذي تحدثت عنه، انتظرت أن تتم مقاطعتي، وأنا سعيد بهذه المقاطعة، فلن أشعر أنني في بيتي لو لم يزعجني أحد" وابتسم مرتين..!

رغم تصريحه هذا لم يحاول أوباما منع رجال الأمن من إخراج ربيع خارج القاعة...لم يحاول أن يفهم ما قال ولا ماذا بقي لديه ليقول...لم يحاول التعرف على اسم هذا الشاب على الأقل أوفهم مشاعره، أفكاره، طموحاته وأحلامه...!

ندرك دميعاً أنه وبفضل تصريح أوباما هذا حول الحوار قرر رجال الأمن إطلاق سراح ربيع وعدم إعتقاله...فإسرائيل أذكى من أن تبدو متعسفة جهاراً وعلى الملأ..إنها أذكى من أن تبدو مستهترة بكلام المواطن الأول في العالم وزعيم أقوى دولة حتى لو صبّ ذلك في مصلحة مواطن عربي من الدرجة الثانية... ستحاول الظهور كدولة تحترم مواطنيها كلهم بغض النظر عن إنتمائهم وتعطي الفرص للجميع....وطبعاً فإن ما ينتظر ربيع في المستقبل القريب أو البعيد ليس مفروشاً بالورود والشاباك الإسرائيلي سيلقنه "درساً" فيما بعد!!

إنطلاقاً من نفس هذه النقطة تماماً قررت اسرائيل أن فوز شابة عربية ببرنامج (ذا فويس) إنما هو لَبِنَة اخرى تفيد مصالحها وصقل صورتها العامة أمام العالم من جهة، ووسيلة لإلهاء (عرب إسرائيل) بحدث خفيف ولطيف إثر زيارة أوباما لدعم إسرائيل ومنحها صكوك الوقوف دائماً وأبداً معها، خلفها، أمامها ولجانبها... تماماً كما قررت في حينه أن يفوز فريق سخنين لكرة القدم بالبطولة مما سيحول أنظار، أفكار وطاقات الجماهير العربية عن الإحتجاج ضد الحرب على غزة... فمقابل الحصول على الوجبة الدسمة لا بأس من تقديم بعض النقرشات لمجتمع بات متخبطاً، مثقلاً، خائفاً ومتردداً....مجتمع تاه معظم أفراده بين الماضي، الحاضر والمستقبل....مجتمع لم يعرف كيف تؤكل الكتف ولن يعرف على ما يبدو...مجتمع لا زال بعض من جيل نكبته موجوداً يحاول التمسك بالأرض والدار والمفتاح، بالمقابل جاء الجيل الثاني وعانى الويلين نتيجة إزدواجية الأنتماء...فما بين القومية والهوية أضناهم المشوار...جيل أتعبه قيامه بدور الجسر بين اّبائه المحملين بذكرات النكبة ودمائها وأولاده مكسّري البوصلة!

المغريات كثيرة من جهة، وإسرائيل التي تخطط لعقود طويلة إلى الأمام لما فيه مصلحة شعبها وأبنائها إنما زادت الثقل ليتضاعف الحمل على الفلسطينيين في إسرائيل من جهة ثانية... وبالتالي تاهت بوصلة البعض، وتعب البعض الاّخر كونه لا يرى ضوءً في اّخر النفق، وأما البعض فقد استسلم قائلاً: لا يمكن للكف أن تواجه المخرز...وهكذا وجدوا بالإندماج مع المجتمع الإسرائيلي وسيلتهم نحو ضمان مستقبل أفضل لهم ولأولادهم....وجدوا بالإندماج حتى الإنصهار وسيلة نحو تحقيق الذات الفردية لدرجة أصبح معها هذا الإندماج هو الهدف لا الوسيلة، وهنا تقرع الأجراس وتضاء كل الإضاءات الحمراء محذّرة مما هو قادم...والقادم أعظم وأخطر.

وما الشابة العكاوية لينا مخول إلا مثالاً واضحاً وصارخاً يعكس هذا الواقع المرير والأليم والمستقبل المخيف حد الفزع...لينا والتي أرادت أن تثبت لنفسها، لبلدها من جهة ولليهود من جهة أخرى أنها لا تقل قدرة ومقدرة عن غيرها فقررت المشاركة ببرنامج فني هو الأكثر شهرة وشعبية...لسان حالها يقول: سأرفض حتماً إن حاولت المشاركة في البرنامج العربي المماثل، فإن العرب يرفضوننا وبالتالي ما دامت إسرائيل تسمح لي بالمشاركة فسوف أثبت نفسي" وهكذا كان...وكانت لينا طعماً سهلاً جاهزاً بيد إسرائيل تصطاد به الرأي العام ...!

لينا -التي تمثل مندوبة عن شريحة تتزايد أعدادها تباعاً- نسيت كما يبدو أنها في مثل هذه الحالة لا تمثل نفسها فقط بل أقلية فلسطينية كاملة يرفض معظمها أن تمثلهم في برامج ومسابقات إسرائيلية يهودية بل وصهيونية أيضاً..لا ألوم لينا شخصياً فإنها بالتالي شابة لم تتجاوز العشرين من العمر، بل ألوم كل أجواء وأشخاصاً...مؤسسات ومجموعات لم تنجح بايصال الرسالة والقضية كماضٍ، حاضر ومستقبل للينا ومن تمثلهم من شريحة تعبت، تخبطت فتاهت...على ما يبدو لم تجد لينا من يشرح لها المقولة الهامة(السم في الدسم).
لن أسمح لنفسي بالتشكيك بوطنية لينا وإنتمائها فأنا لا أوزع صكوك الوطنية وانعدامها...

لكنني أسألها ألم يجدر بك التريث قليلاً والتفكير بتداعيات مشاركة وفوز كهذا؟

ألم يكن بإمكانك إظهار موهبتك وقدرتك الصوتية دون المشاركة في هذه البرامج؟!

هل ستتحملين الكم الهائل من العنصرية واللا تقبّل التي ستلاقينه لعروبتك ولن أقول فلسطينيتك؟! وهل أكيدة أنت بأنك لن تضعفي أكثر ولن تقدمي المزيد من التنازلات؟

فإن مشوارك ليس مفروشاً بالورود كما تتخيلين..تماماً كما أن مشوار ربيع ليس مفروشاً بالورود، لكن مجابهة الشوك في سبيل قضية شعب مع كل ما يتضمنه ذلك من طموحات شخصية نحو تبوأ قيادة شعبية، يختلف تماماً عن مجابهة الشوك لتحقيق طموحات شخصية مع كل ما يبثه ذلك من تشويه مجتمع وقضية شعب!!

رغم الفارق بين ربيع ولينا إلا أن إسرائيل نجحت باستعمالهما كفوطة ناعمة لمسح غبارها لتبدو لامعة في عيون باراك حسين أوباما وغيره ممن نجحت بتلميع صورتها أمامهم بوسائل عدة بررت غاياتها.

ربيع ولينا...نموذجان لشابين فلسطينيين يحملان الهوية الإسرائيلية، يحاول كل منهما إثبات حقيقة تختلف عن الثانية، مع التذكير بأن نقطة الإنطلاق واحدة للإثنين لكن إتجاه قفزة كل منهما أخذت إتجاهاً ومنحاً مختلفاً تماماً!!! فشتان بين الإتجاهين وشتان بين الإنطلاقتين!!

وما بين هذا وتلك جاءت زيارة باراك حسين أوباما الذي أكد على ولاءٍ متفاوت للمسميات التي يعكسها كل إسم منفرد من إسمه الثلاثي وليبدو واضحاً وجلياً أن لا علاقة تربط هذا الرئيس لا بالحسن ولا بالحسين...والباقي عندكم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى