الاثنين ٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
قراءة في المجموعة القصصية
بقلم عبدالله تايه

كأكثر من فكرة

قصص قصيرة «كأكثر من فكرة» للكاتبة دولت محمد المصري المجموعة الفائزة بمسابقة أكتب 2009م

 مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم_الإمارات

مؤسسة ثقافة للنشر والتوزيع

الصفحات95صفحة

القطع متوسط

تضمنت المجموعة خمسة عشر نصا وكمعظم المجموعات التي تنشر وفق مسابقات أو منح نشر يتم التأكيد كما جاء على الغلاف الأول على اسم الكاتبة دولت محمد المصري الفلسطينية الموزعة بين فلسطين والشام، وعنوان المجموعة القصصية "كأكثر من فكرة" عنوان يشي برغبة الكاتبة التأكيد على أن مجموعتها تتضمن أفكارا متعددة ومحاورا كثيرة، فمجموعتها مزدحمة الأفكار في السياسة والاجتماع والفلسفة والاغتراب والألم والفقد، والمقاومة الإنسانية والوطنية، والأحلام عناصر بارزة في المجموعة، فهي مجموعة القلق والأسئلة الدائمة التي تمتلئ بإنكار الظلم، والتأشير على العلاقات المتشابكة للناس خاصة ما يقع من ظلم واضطهاد على المرأة من الرجل ومن المجتمع،إننا ننتج مسلكيات غريبة مريضة تحت شعار استخدام أسماء الإشارة (هذا،هذه) فـ (هذا) اسم شاء له علماء الأسماء والحروف أن يكون بالألف الممدودة لتناسب ذكورية الأشياء، أما (هذه) فشاءوا أن تتلاءم مع استدارة التشريح الفسيولوجي للمرأة، لكنها خدعة لاستمرار التمييز والاضطهاد، ناس قصصها أنهكتهم الأيام ولا يزالون يحلمون ويتصدون.

لوحة الغلاف تظهر هذا الواقف الثابت كأنه في صلاة،يقف بقدميه على تشابك الأسلاك، أسلاك الزنازين والحدود والاغتراب وسجن الروح والجسد،تنيرها قبضة مقاومة للواقع المرير، قبضة واثقة من وراء الأسلاك تبعث أملا لتبديد الظلام المحيط بالمكان، هذا وقوف ثابت وملتزم بقضايا الإنسانية وأولها حرية الروح والإنسان، جاء الغلاف معبرا حتى بألوانه الباهتة عن عمق التنغيص الدائم على هدأة الروح وانطلاق الأحلام.

بدأت المجموعة بما يشبه المقدمة "شكرا أيها..." واختتمتها بتوقيع اسم الكاتبة، ربما يؤشر هذا الشكل بأنها تقدم للمجموعة، تتحدث في حوار فلسفي عميق جذاب ذو هدف ورؤية بينها وبين القارئ لتصل في النهاية إلى أهدافها، ورأيت أن ما ورد في "شكرا أيها..." من قص وفن هو في الحقيقة نص قصصي، تتحدث في حوارها عن القارئ ودور الكاتب تقول الكاتبة "القارئ هو المجهول الدائم في نظري، الذي أحسب له ألف حساب.. كم فكرة ستصل إليه..كم ألم سيحمل فوق ألمه"،وتقول الكاتبة في محاورتها للقارئ المتخيل "كل من يكتب حرفا سيكون منبها يرن..ويرن..حتى تتلف مفاصل ذلك المنبه وتتكسر عقاربه فإما أن تستيقظ على صوت المنبه وتنهض لممارسة الأعباء الجديدة وإما أن تغلقه في وجه عالمك وتمضي إلى النوم، والنوم عميق ومريح"،إنها تمضي في الحوار الفني واللغة التي تنبض بالحياة والتحليل الفلسفي لتبيان أن الكتابة لها دور في الحفز والخروج من حدود الجسد، أو من متعة القراءة إلى متعة التصدي والفعل تقول "من أراد أن ينهض.. ينهض من جراحه، وليس من كلماتي أو كلمات غيري"،إنها تدفع بلغة واضحة إلى أن تأخذ ذواتنا زمام المبادرة،وبدون ذلك ستكون العلاقة بين الكاتبة والقارئ علاقة منقوصة. إنه نص اعتمد على الحوار بلغة وأفكار خدمت فكرة القص.

أما قصتها "أحلام طفلة"، فجاءت بشكل فني آخر للقص،هي خمسة مقاطع، كل مقطع عبارة عن حلم، القصة خمسة أحلام، في كل حلم تتضح مرارة ذات مذاق خاص،الحلم الأول رغبة بتحرر الأب من زنزانته، والثاني الصغار الذين من المأساة يصبحون كبارا، والثالث تمرد ورفض للعادات الاجتماعية في الزواج المبكر، والرابع فكرة ومعتقد ديني عن تحول الأطفال الموتى لفراشات وطيور في الجنة، والخامس تعاطفها مع الفقراء حيث تريد من الساحرة أن تحول شعرها ذهبا كي تعطي لكل فقير خصلة لتسعده، على أن يخرج مكان كل شعرة تنزعها عشرات من الشعر الذهبي لتواصل العطاء.

من يرى الشكل الفني لكتابة الأحلام سيرى كأن الكاتبة تكتب قصيدة في طريقة توزيعها للعناوين والأرقام، وكأنها اختارت هذا الشكل القصير من أسطر الكتابة ليذهب السأم عن القارئ وينقله من الأسطر الطويلة إلى الأسطر الصغيرة، فتشرك القارئ في مزاج أعلى للقراءة، وتغيير فضاء الصفحة. القصة محملة بلغة جذابة، بعيدة عن السرد المطول، في مخاصمة لتهويمات اللغة غير المفهومة، لأن الفكرة واضحة لدى الكاتبة فهي تناقش مبادئ وأفكار يعاني منها المجتمع بأسلوب فني ولغة متألقة، بعيدة عن الحشو، وينتهي القص في اللحظة التي تشعر فيها الكاتبة أنها وصلت لهدفها.

في قصتها "انتصار"، قرأت القصة عدة مرات، فالكاتبة جندت فيها كل إمكانياتها الإبداعية بطريقة واعية، إنها كاتبة موهوبة ومثقفة ومحملة بأسرار وأدوات الكتابة الناضجة. "انتصار" اسم له دلالته،وفي قصتها هذه استخدمت الحوار الذي يضيء الأفكار ويفتح فضاءات جديدة، ويستكشف دواخل الشخصيات فيفضحها فكأنها تحت ضوء الشمس عارية. وتستخدم تاء المخاطبة " قمتِ، كسرتِ التلفاز الغبي الذي لم ينفك يصور مصائبها دون أن ينبس العالم بكلمة.."واستخدام تيار الوعي المونولوج الداخلي وهي تكلم نفسها "أين تذهبين؟ الليل طويل شاق في فضاء ملغوم بالرصاص والقلق والدم..." وتقول "والعالم بأسره يتفرج على سحرة العصر يا انتصار"، وتعالج في قصتها فكرة الحواجز ومرور الناس عن جند الاحتلال، هذه "انتصار" نموذج المقاومة التي ظن الناس أنها مجرد إنسانة بسيطة، تقف كل يوم لتساعد الناس على المرور وتمر هي تحمل حقيبة كبيرة، اعتاد الجنود على مرور انتصار عن الحاجز بعد أن تساعد الأمهات والشيوخ وأصحاب الأحمال والأطفال، حين فتشها الجندي أول مرة شاكا ً في حقيبتها الكبيرة لم يجد فيها إلا ساندويتشا من الزعتر فابتسم مستهجنا ً أن كل هذه الحقيبة من أجل ساندويتش، وفي المرة الثانية يفتشها نفس الجندي فيجد في الحقيبة مجرد وردة، يسألها الجندي كل يوم ماذا في الحقيبة؟ لا ترد عليه إنما تقدم له الحقيبة ليفتشها، اعتاد عليها جندي الحاجز كانت كلما عبرت الحاجز تحمل الحجارة إلى نقطة الاشتباك بين الناس والجنود إلى أن جاءت المروحية " وانهمر رصاص المروحية على الإحداثيات البشرية" "إنهم مشعوذون قتلة " كانت تقول انتصار. في القصة تعدد وتنوع للأسئلة" من يجرؤ أن يقول لانتصار إلى أين؟"، السرد مقتضب، الألفاظ منتقاة، يتزعم الفعل المضارع جمل القص دلالة الاستمرار "تتقلب، يتسكع، يوقظها، يتميز، يتسلل، يطارد، تضرب، تحث، تنحني... يبشرك.." وغيرها كثير، إنها قصة الفعل المضارع، لماذا استخدمت دولت الفعل المضارع بكثافة في هذه القصة؟ إنها ليست مجرد أفعال تتقافز وحيدة بدون جمل، إن جمل القص تبدأ بالأفعال المضارعة، جمل متزنة وألفاظ مختارة في حدود حاجة التعبير الفني اللازم، مشحونة بألم عميق، يساندها حوار فني يعطي السرد حيويته وفعل مضارع يؤشر على الاستمرار.. استمرار المعاناة واستمرار المقاومة. وعندما بدأت الجموع تصل إلى جثمان الشهيد الذي أسقطته رصاصات المروحية، تجيئ "انتصار" لتشارك فيقول لها البعض "ليس وقتك يا انتصار.. ابتعدي "تتراجع وتصرخ إلى جهة الشهيد" أعطني الأمانة، سلمني الأمانة.. الأمانة غالية" ثم يغيب صوتها وهي تبكي الشهيد، تضع في قبره وردة وتتساءل " كم شهيدا ً سنودع؟ تبتسم الشهداء يعطوننا ظلالهم". في المرة الأخيرة اكتشف الجندي أن في حقيبة "انتصار" سكين، صُدم الجندي الذي كان يعتقد أنها بلهاء، تعاركت معه، بادر الجنود إلى زميلهم لنجدته، يطلقون الرصاص فتضحك انتصار، تقول:" ها أنا أسلّم ظلي الآن "، تطير انتصار، تستشهد،تحلق حمائم في أفق وردي خجول، الصبية انتصار تقف في عليين مع فتى من جيلها، يراقبان المارين على الطرقات بلا حواجز.

قصة "الكرسي" قصة رمزية، تدور حول تساؤل فلسفي قديم حديث " من أهم الغاية أم الوسيلة؟ " لتحقيق الأهداف، إنها قصة تتناول رمزية الصراع على الحكم وميل معظم الجماهير للفائز، بنية النص تدور حول لعبة الكراسي الموسيقية وكل من يصل إلى الكرسي ليجلس عليه يبادره منافسه بفعل يمنعه من الجلوس،وحسب النص إما " بالإزاحة الإجبارية أو خلع العينين أو إطلاق الرصاص أو ضرب الآر بي جي"،ليبق على الكرسي صاحب الغاية تبرر الوسيلة، ورغم أن رجل الكرسي كسرت أثناء الصراع عليه - والذي هو أحد أهداف الترميز - إلا أن الصراع يستمر على الكرسي؛ أي كرسي، حتى لو كان لا يُمكّن الجالس من الاستقرار والجلوس المطمئن عليه، بل الفائز الأخير بدون وجه حق صنع من بقايا أشلاء منافسه بديلاً عن رجل الكرسي التي تحطمت رجلا بديلة، تقول الكاتبة " خلطها بإمكانات ضخمة.. صانعا ً رجلا ً لن تنكسر أبدا ً "، ولم لا ألم يتخلص من منافسيه، والإمكانيات الضخمة التي أشارت لها الكاتبة ترمز إلى الدعاية والإعلام والشعارات الكاذبة وتفخيم الزعيم وتقزيم منافسيه بل وقتلهم لإرهاب الناس، فيسوق الحاكم الناس للطاعة وقد ثبت كرسيه بالقمع، وهو بين الحين والآخر يظل مشغولا ً كما تقول الكاتبة " بأعمال التصليح والنجارة للكرسي الذي بدأ يتهرأ " فيتضح لنا انشغال الحاكم عن إصلاح شئون الرعية بإصلاح وتثبيت سلطاته. في القصة تناوب بين استخدام الفعل المضارع والماضي خلال السرد، لكن جاء المضارع ثلاثة أضعاف الماضي في العدد، بما يشي أن الكاتبة تعرف أن أمر الحكم والصراع عليه قديم حديث، لكن وطأة الحديث صارت أشد، والوسائل أصبحت أكثر تطورا ًعن الماضي، الفعل المضارع في القصة (79)فعلا، والفعل الماضي (18)فعلا، وفعل الأمر تم استخدامه لمرة واحدة (1)، ما معناه أن لا مستقبل دون تثوير وتغيير الحاضر، وأنه لا ينبغي التطلع كثيرا ً إلى الماضي، ولا أمل في المستقبل دون إصلاح الحاضر، ولو أن القصة كتبت فيما يسمى الربيع العربي لما التفت كثيرا لاستخدامات الأفعال لكن القصة مكتوبة في العام 2003،والمفارقة استخدام فعل أمر واحد إذ كيف ننظر للمستقبل ونحن لم نهندس الحاضر.

أما نص "في زجاجة "، إذا أرادت الكاتبة أن تكون "في زجاجة" قصة على شكل قصيدة في توزيع جملها فلنا كلام، وإذا كانت تقصد بها نصا شعريا فلنا كلام آخر، إذ لا يفضل خلط القصائد بالقصص في مجموعة قصصية إلا بفصل واضح أو إشارة واضحة كي يعرف القارئ أنه انتقل من القص إلى الشعر. وعند قراءتي لها تمنيت أن تكون الكاتبة عنت الفكرة الأولى، أي قصة سردتها ورتبتها على هيئة الشعر، فاللغة شعرية والنص فيه فكرة واضحة، وهي رسالة شوق من الاغتراب إلى الحضور، مليئة بالصور والفاجعة والتشوق والأحلام والتمني لاجتياز حواجز الجسد من الأسلاك إلى انطلاق الروح، أشبه ما تكون بتغزل واشتياق سجين إلى وطنه ومشتاق إلى اشتياقه، إنها قصة لو كتبت على الطريقة العادية لصف الكلام على السطور لكانت قصة متكاملة الشكل والفن وتحمل ما تحمل من دلالات،ولو بقيت على شكلها الحالي وكانت الكاتبة تعني بها قصة وقد ضمتها إلى مجموعة القصص لقلت أنها أتت بشكل جديد للقص لسنا معتادين كثيرا عليه، تمنيت لو كتبت تحت العنوان "في زجاجة " كلمة قصة للتأكيد على ذلك، فهذا النص أكثر تماسكا ً من "لا مكان" و "فنجان قهوة" إذا أصرت الكاتبة على أن" في زجاجة" نص شعري، فإن ترتيب الأسطر الشعرية ليست حكرا ً على الشعر.

قصة الغلاف "كأكثر من فكرة"، تقول الكاتبة دولت المصري "تعال ننضج كأكثر من فكرة، تعال نبقى بلا قيود.. أبقيني حلما ً"، في القصة تـتـنقل الكاتبة في عدة أساليب للقص مستخدمة الفعل المضارع والحوار وضمير المتكلم، والمونولوج الداخلي، وتاء المخاطبة. السرد يدور حول فكرة الحلم، جدلية بينها (شخصية النص وربما الكاتبة) وبين المخاطب (ربما الحبيب أو القارئ)؛ الذي يرى أن لا جدوى إذا لم يتحقق الحلم، وهي ترى أنه ما الجدوى من أن يتحقق؟ مناقشة فلسفية تظهر تناقض الرغبات الحاد، أو أنه لم يعد من شيء يثيرها، حتى تحقق الأحلام لم تعد ذات قيمة، فهل هناك من الإحباط ما يعادل ذلك؟ تقول الكاتبة " بل نستمر لأن الحلم أجمل وسنبقى هكذا حتى نرحل "ويظهر اليأس في تذكرها لقول أمها عند ولادتها "جئت لمصائبك"، هذا الإحباط والتذمر ناتج من نظرة المجتمع القاصرة للأنثى، تقول دولت " أمارس حياتي لتلقي المصائب... أدب ُّ لإبعاد الأشباح في البيت.. المدرسة.. الشارع..وأخيرا ً الجامعة والعمل، أنفي كوني أنثى...لم أشك يوما ً بقدرتي على كره الرجال"، إنها تلاحظ كيف فقدت الأشياء جدواها، حتى تصل لدرجة أن "الرجل شيء يُستغنى عنه في الذاكرة" لاحظ كلمة (شيء)، الرجل يصبح في نظرها شيئا، يعني خالٍ من الحرارة والعواطف والحياة، إنه مجرد شيء، وتقول " لا يهم نسيانه فلا تأتِ... واترك لحلمي سحر الأسطورة "، ثم ينبري خصمها أو قرينها الرجل في القصة متظلما ً من تركها له، وأن الحياة كلها حروب حتى للحصول على زجاجة حليب الرضاعة، وحين تلد الأم بنتا ً تسميها " منتهى " علّها تكون آخر البنات في العائلة، وتصل الكاتبة من خلال سرد وحوار ومونولوج إلى تحديد الفكرة بأنها حملت الكثير من قيم المجتمع القاسية،فتقول الكاتبة:"مارست تجاهلي للحياة، أنهكت بالبحث عن منفذ يروقني "،هذا أكثر من إحباط ويأس مصدره قيم المجتمع التي تنظر للمرأة نظرة قاصرة وقاسية، وتأتي الكاتبة على علاقة الأم والأب،تقول أن: " الأب ثورجي تجده في كل المظاهرات ولا يمل من إنجاب الأفواه التي تظل جائعة لأنه لا يبحث عن الحصول على ما يسد جوع هذه الأفواه، أب قاس ٍ لم يتحمل شتيمة في حقه من الزوجة المظلومة في لحظة غضب " فأدبها بيدين غليظتين خارج القانون"، شخصية النص تتذكر (الكاتبة لم تذكر لها اسما ً) وهذا ذكاء من الكاتبة ؛ فمعاناة امرأة النص - وكل نصوص المجموعة - والتمييز ضدها وقمعها هو لكل بنات جنسها فما جدوى ذكر الاسم؟! إنها تمثل أي امرأة.
وترى أن ذات المعاناة التي لاقتها أمها ها هي الأخرى تتجرع نفس المعاناة من زوجها، ولا مفر ولا سبيل للهروب. ثم تأتي على تجربة سجنها في الزنازين وتعذيبها، وزميلتها التي تلد في عتمة السجن فترى " أن الحياة في نظري مؤلمة كعروس لا تدري أنها ستفرح لآخر مرة في ليلتها المنفتحة على الأضواء والناس والبهرجة الزائفة، ستعرف معنى طرحة بيضاء تغطي الوجه الكسول بعباءة من ليل طويل حتى الاحتضار وتعلم أن من اقتيدت له سجان ".كما تتناول القصة أفكارا ً ضد سلطة الرجل وغوغائيته، ونظام الأسر، والتملك،والأنانية،وكل ذلك كما تقول "لئلا يتنازل لاحترام امرأة كإنسان لها حقوقها مثل ما له من واجبات عليها"، زوجها كان سجينا فترى فيه خلق السجان يمارسه على أعز الناس، وفكرة التغيير للأحسن أو الأسوأ، وفكرة أننا أسرى لأفكارنا تظل تلح علينا، بل إن ذكرها لمروحة السقف وهي تدور كأنما تشير إلى استمرار الحالة رغم حركة الزمن، فالمروحة تدور لكنها لا تغادر المكان، والناس يتحركون لكنهم لا يغادرون طباعهم القاسية ضد المرأة والتمييز بينها وبين الرجل، تنهي دراستها الجامعية بعد 34 سنة من عمرها، تذهب للعمل لكنها لا تجرؤ على إزعاج زوجة الأب ولا تذكير الأب بحسرتها، هي امرأة صارت كارهة لكل ما حولها حتى ترى جنسها موتى مؤقتي الإقامة، بل صارت ترى ابنها أحمقا شرب حقد والده يسألها الولد الابن "لماذا طُلقتِ منه؟"، وتناقش الكاتبة نظرة المجتمع للمرأة المطلقة وظلم الناس لها، إن الكاتبة تأتي بهذا النموذج السوداوي المتشائم المحبط الحانق لتعري قيما مجتمعية متخلفة وجاهلة ولا إنسانية، وتـنتـقل الكاتبة بأفكارها وسبر أغوار شخصياتها حتى تأتي أخيرا على أستاذها في الجامعة الذي يذكرها بأن أمه توفيت قبل خروجه من السجن بشهر واحد عندما وصلت أخبار خروجه من المؤبدات مع تبادل الأسرى فماتت قبل خروجه تقول:"هكذا هن نساؤنا ولدن للمعاناة المؤطرة باحتلال ينفث سمومه فينا"، ثم يعرض الأستاذ عليها الزواج " هل تقبلين برجل بترت يده في معتقله" فتوافق قائلة:"سأمسك يدك الأخرى بفخر أركض مع شهودي إلى من يخط وثيقة قراني بك".

قصة تستحق أن تأخذ اسم المجموعة،فالكاتبة تحاول باستخدام كثير من الأساليب الفنية التي عرفتها من حوار ظاهر وحوار داخلي وتاء مخاطبة ونا الفاعلين وسرد ذكريات الماضي والحاضر مستخدمة لغة مؤلمة وتساؤلات صادمة وموجعة وشخصيات للمرأة التي نصادفها طول الوقت،لتظهر لنا الكاتبة هذه المعاناة التاريخية الدائمة للمرأة بلغة جادة، وألفاظ وتراكيب تضفي على حزن الموضوع وقسوته جملة من مهاراتها في القص،والإبداع،والذوق الفني، والانشغال بالأسئلة الكبيرة حول نظرة المجتمع العربي للمرأة حيث لا يزال ينظر لها نظرة فيها كثير من التمييز وهدر الحقوق والتجاهل، في الوقت الذي يصعقنا الإعلام الكاذب كل يوم بعبارات عن الحرية والمساواة والحقوق.

المجموعة القصصية "كأكثر من فكرة" للكاتبة الفلسطينية دولت المصري مليئة بالتساؤلات بلغة مختارة، وأسلوب نابض بالحياة، وأشكال فنية متعددة، تلك الأسئلة التي بالتأكيد تعرف الكاتبة إجاباتها لتحقيق واقع أفضل لبنات جنسها، لكنها تترك القارئ لوعيه، ليغوص في ذاته ويطور انحيازه الإيجابي نحو قضايا المرأة وكل القضايا الاجتماعية والوطنية،وليجيب بنفسه على ذات الأسئلة، لحفز فاعلية التلقي، والتذوق الفني والجمالي، واستكشاف ثقافة الرفض،ثم الانطلاق نحو التغيير.وليظل الحافز نحو مزيد من الوعي للاقتراب من لحظة الخلاص والحرية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى