الثلاثاء ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
بقلم محمد جمال صقر

فِي مَقَامِ الِاسْتِمَاعِ وَالتَّحَدُّثِ

أَسْئِلَةُ الِاسْتِمَاعِ وَالتَّحَدُّثِ

ولو كان ما نَنْتَظِر أن يُتَحَدَّثَ به إلينا نمطا واحدا لكفانا الاستماع منه إلى مثال واحد، ولكنه يتعدد تعدد المتحدثين، ويتنوع تنوعهم، ويتزايد تزايدهم، ومن ثم أتحدث إليكم فيما يأتي بكلام آخر جديد عليكم -أو ينبغي أن يكون جديدا عليكم حتى تستمر التجربة على منهجها- أحب من خلاله أن أقيس درجة مهارتي بالتحدث، ودرجة مهارتكم بالاستماع، بالأسئلة الآتية التي لا تمنع اقتراح غيرها:

 كَيْفَ تَتَدَرَّجُ فِي أَوْهَامِ النَّاسِ حُظُوظُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا؟

 كَيْفَ تَسْتَوِي فِي الْعَدْلِ الرَّبَّانِيِّ حُظُوظُ النَّاسِ مِنَ الدُّنْيَا؟

 مَا أَثَرُ الْإِيمَانِ بِالْعَدْلِ الرَّبَّانِيِّ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ؟

 كَيْفَ لِأَهْلِ الْحِكْمَةِ وَأَهْلِ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفُوا؟

 كَيْفَ غَلَبَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أُسْلُوبَا الطِّبَاقِ وَالْمُقَابَلَةِ؟

 مَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الدَّخِيلَةِ؟

 مَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْحَدِيثَةِ؟

 مَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ التَّعْبِيرَاتِ الْحَدِيثَةِ؟

 مَا الَّذِي غَفَلَ عَنْهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الدَّقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ؟

 لِمَنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ؟

وعلى رغم اختلاط أساليبِ التفكير (حركة أفكار المتحدث)، والتعبير (حركة عبارات المتحدث)، والتقويم (حركة أحكام المستمع)، في أجوبة هذه الأسئلة كذلك، أميز فيما يأتي بعضها من بعض، فأتحدث إليكم بالكلام نفسه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لأسألكم بعد المرة الأولى عن أسلوب التفكير، وبعد المرة الثانية عن أسلوب التعبير، وبعد المرة الثالثة الأخيرة عن أسلوب التقويم.
فَاسْتَمِعُوا أَوَّلًا، لِتُمَيِّزُوا أُسْلُوبَ التَّفْكِيرِ:

"الَّذِي يَسْكُنُ فِي أَعْمَاقِ الصَّحْرَاءِ، يَشْكُو مُرَّ الشَّكْوَى لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ الصَّالِحَ لِلشُّرْبِ. وسَاكِنُ الزَّمَالِكِ[1] الَّذِي يَجِدُ الْمَاءَ وَالنُّورَ وَالسَّخَّانَ وَالتَّكْيِيفَ وَالتِّلِيفُونَ وَالتِّلِيفِزْيُونَ، لَوِ اسْتَمَعْتَ إِلَيْهِ لَوَجَدْتَهُ يَشْكُو مُرَّ الشَّكْوَى هُوَ الْآخَرُ مِنْ سُوءِ الْهَضْمِ وَالسُّكَّرِ وَالضَّغْطِ. وَالْمِلْيُونِيرُ سَاكِنُ بَارِيسَ الَّذِي يَجِدُ كُلَّ مَا يَحْلُمُ بِهِ، يَشْكُو الْكَآبَةَ وَالْخَوْفَ مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ وَالْوَسْوَاسِ وَالْأَرَقِ وَالْقَلَقِ. وَالَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ الصِّحَّةَ وَالْمَالَ وَالزَّوْجَةَ الْجَمِيلَةَ، يَشُكُّ فِي زَوْجَتِهِ الْجَمِيلَةِ وَلَا يَعْرِفُ طَعْمَ الرَّاحَةِ. وَالرَّجُلُ النَّاجِحُ الْمَشْهُورُ النَّجْمُ الَّذِي حَالَفَهُ الْحَظُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَانْتَصَرَ فِي كُلِّ مَعْرَكَةٍ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْتَصِرَ عَلَى ضَعْفِهِ وَخُضُوعِهِ لِلْمُخَدِّرِ فَأَدْمَنَ الْكُوكَايِينَ وَانْتَهَى إِلَى الدَّمَارِ. وَالْمَلِكُ الَّذِي يَمْلِكُ الْأَقْدَارَ وَالْمَصَائِرَ وَالرِّقَابَ تَرَاهُ عَبْدًا لِشَهْوَتِهِ خَادِمًا لِأَطْمَاعِهِ ذَلِيلًا لِنَزَوَاتِهِ.وَبَطَلُ الْمُصَارَعَةِ أَصَابَهُ تَضَخُّمٌ فِي الْقَلْبِ نَتِيجَةَ تَضَخُّمِ الْعَضَلَاتِ.

كُلُّنَا نَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا بِحُظُوظٍ مُتَقَارِبَةٍ، بِرَغْمِ مَا يَبْدُو فِي الظَّاهِرِ مِنْ بُعْدِ الْفَوَارِقِ، وَبِرَغْمِ غِنَى الْأَغْنِيَاءِ وَفَقْرِ الْفُقَرَاءِ، فَمَحْصُولُهُمُ النِّهَائِيُّ مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ الدُّنْيَوِيِّ مُتَقَارِبٌ، فَاللَّهُ يَأْخُذُ بِقَدْرِ مَا يُعْطِي وَيُعَوِّضُ بِقَدْرِ مَا يَحْرِمُ وَيُيَسِّرُ بِقَدْرِ مَا يُعَسِّرُ. وَلَوْ دَخَلَ كُلٌّ مِنَّا قَلْبَ الْآخَرِ لَأَشْفَقَ عَلَيْهِ، وَلَرَأَى عَدْلَ الْمَوَازِينِ الْبَاطِنِيَّةِ بِرَغْمِ اخْتِلَالِ الْمَوَازِينِ الظَّاهِرِيَّةِ، وَلَمَا شَعَرَ بِحَسَدٍ وَلَا بِحِقْدٍ وَلَا بِزَهْوٍ وَلَا بِغُرُورٍ. إِنَّمَا هَذِهِ الْقُصُورُ وَالْجَوَاهِرُ وَالْحُلِيُّ وَاللَّآلِئُ مُجَرَّدُ دِيكُورٍ خَارِجِيٍّ مِنْ وَرَقِ اللَّعِبِ، وَفِي دَاخِلِ الْقُلُوبِ الَّتِي تَرْقُدُ فِيهَا تَسْكُنُ الْحَسَرَاتُ وَالْآهَاتُ الْمُلْتَاعَةُ،وَالْحَاسِدُونَ وَالْحَاقِدُونَ وَالْمُغْتَرُّونَ وَالْفَرِحُونَ مَخْدُوعُونَ فِي الظَّوَاهِرِ غَافِلُونَ عَنِ الْحَقَائِقِ.

وَلَوْ أَدْرَكَ السَّارِقُ هَذَا الْإِدْرَاكَ لَمَا سَرَقَ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ الْقَاتِلُ لَمَا قَتَلَ، وَلَوْ عَرَفَهُ الْكَذَّابُ لَمَا كَذَبَ، وَلَوْ عَلِمْنَاهُ حَقَّ الْعِلْمِ لَطَلَبْنَا الدُّنْيَا بِعِزَّةِ الْأَنْفُسِ وَلَسَعَيْنَا فِي الْعَيْشِ بِالضَّمِيرِ وَلَتَعَاشَرْنَا بِالْفَضِيلَةِ، فَلَا غَالِبَ فِي الدُّنْيَا وَلَا مَغْلُوبَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْحُظُوظُ كَمَا قُلْنَا مُتَقَارِبَةٌ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، وَمَحْصُولُنَا مِنَ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ مُتَقَارِبٌ بِرَغْمِ الْفَوَارِقِ الظَّاهِرَةِ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ، فَالْعَذَابُ لَيْسَ لَهُ طَبَقَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَاسِمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، يَتَجَرَّعُ مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ كَأْسًا وَافِيَةً، ثُمَّ فِي النِّهَايَةِ تَتَسَاوَى الْكُؤُوسُ بِرَغْمِ اخْتِلَافِ الْمَنَاظِرِ وَتَبَايُنِ الدَّرَجَاتِ وَالْهَيْئَاتِ.

وَلَيْسَ اخْتِلَافُ نُفُوسِنَا هُوَ اخْتِلَافَ سَعَادَةٍ وَشَقَاءٍ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ مَوَاقِفَ، فَهُنَاكَ نَفْسٌ تَعْلُو عَلَى شَقَائِهَا وَتَتَجَاوَزُهُ وَتَرَى فِيهِ الْحِكْمَةَ وَالْعِبْرَةَ، وَتِلْكَ نُفُوسٌ مُسْتَنِيرَةٌ تَرَى الْعَدْلَ وَالْجَمَالَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتُحِبُّ الْخَالِقَ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ- وَهُنَاكَ نُفُوسٌ تَمْضَغُ شَقَاءَهُا وَتَجْتَرُّهُ وَتُحَوِّلُهُ إِلَى حِقْدٍ أَسْوَدَ وَحَسَدٍ أَكَّالٍ، وَتِلْكَ هِيَ النُّفُوسُ الْمُظْلِمَةُ الْمَحْجُوبَةُ الْكَافِرَةُ بِخَالِقِهَا الْمُتَمَرِّدَةُ عَلَى أَفْعَالِهِ. وَكُلُّ نَفْسٍ تُمَهِّدُ بِمَوْقِفِهَا لِمَصِيرِهَا النِّهَائِيِّ فِي الْعَالَمِ الْآخَرِ، حَيْثُ يَكُونُ الشَّقَاءُ الْحَقِيقِيُّ أَوِ السَّعَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، فَأَهْلُ الرِّضَا إِلَى النَّعِيمِ، وَأَهْلُ الْحِقْدِ إِلَى الْجَحِيمِ. أَمَّا الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِيهَا نَعِيمٌ وَلَا جَحِيمٌ إِلَّا بِحُكْمِ الظَّاهِرِ فَقَطْ، بَيْنَمَا فِي الْحَقِيقَةِ تَتَسَاوَى الْكُؤُوسُ التَّي يَتَجَرَّعُهَا الْكُلُّ وَالْكُلُّ فِي تَعَبٍ.

إِنَّمَا الدُّنْيَا امْتِحَانٌ لِإِبْرَازِ الْمَوَاقِفِ، فَمَا اخْتَلَفَتِ النُّفُوسُ إِلَّا بِمَوَاقِفِهَا، وَمَا تَفَاضَلَتْ إِلَّا بِمَوَاقِفِهَا، وَلَيْسَ بِالشَّقَاءِ وَالنَّعِيمِ اخْتَلَفَتْ، وَلَا بِالْحُظُوظِ الْمُتَفَاوِتَةِ تَفَاضَلَتْ، وَلَا بِمَا يَبْدُو عَلَى الْوُجُوهِ مِنْ ضَحِكٍ وَبُكَاءٍ تَنَوَّعَتْ، فَذَلِكَ هُوَ الْمَسْرَحُ الظَّاهِرُ الْخَادِعُ، وَتِلْكَ هِيَ لِبْسَةُ الدِّيكُورِ وَالثِّيَابُ التَّنَكُّرِيَّةُ الَّتِي يَرْتَدِيهَا الْأَبْطَالُ، حَيْثُ يَبْدُو أَحَدُنَا مَلِكًا وَالْآخَرُ صُعْلُوكًا، وَحَيْثُ يَتَفَاوَتُ أَمَامَنَا الْمُتْخَمُ وَالْمَحْرُومُ. أَمَّا وَرَاءَ الْكَوَالِيسِ، أَمَّا عَلَى مَسْرَحِ الْقُلُوبِ، أَمَّا فِي كَوَامِنِ الْأَسْرَارِ وَعَلَى مَسْرَحِ الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ فَلَا يُوجَدُ ظَالِمٌ وَلَا مَظْلُومٌ وَلَا مُتْخَمٌ وَلَا مَحْرُومٌ، وَإِنَّمَا عَدْلٌ مُطْلَقٌ وَاسْتِحْقَاقٌ نَزِيهٌ يَجْرِي عَلَى سُنَنٍ ثَابِتَةٍ لَا تَتَخَلَّفُ، حَيْثُ يَمُدُّ اللَّهُ يَدَ السَّلْوَى الْخَفِيَّةَ، يَحْنُو بِهَا عَلَى الْمَحْرُومِ، وَيُنِيرُ بِهَا ضَمَائِرَ الْعُمْيَانِ، وَيُلَاطِفُ أَهْلَ الْمَسْكَنَةِ، وَيُؤْنِسُ الْأَيْتَامَ وَالْمُتَوَحِّدِينَ فِي الْخَلَوَاتِ، وَيُعَوِّضُ الصَّابِرِينَ حَلَاوَةً فِي قُلُوبِهِمْ- ثُمَّ يَمِيلُ بِيَدِ الْقَبْضِ وَالْخَفْضِ، فَيَطْمِسُ عَلَى بَصَائِرِ الْمُتْرَفِينَ، وَيُوهِنُ قُلُوبَ الْمُتْخَمِينَ، وَيُؤَرِّقُ عُيُونَ الظَّالِمِينَ، وَيُرَهِّلُ أَبْدَانَ الْمُسْرِفِينَ. وَتِلْكَ هِيَ الرِّيَاحُ الْخَفِيَّةُ الْمُنْذِرَةُ الَّتِي تَهُبُّ مِنَ الْجَحِيمِ، وَالنَّسَمَاتُ الْمُبَشِّرَةُ الَّتِي تَأْتِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَالْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي تَسْبِقُ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ يَوْمَ تَنْكَشِفُ الْأَسْتَارُ وَتُهْتَكُ الْحُجُبُ وَتَفْتَرِقُ الْمَصَائِرُ إِلَى شَقَاءٍ حَقٍّ وَإِلَى نَعِيمٍ حَقٍّ، يَوْمَ لَا تَنْفَعُ مَعْذِرَةٌ وَلَا تُجْدِي تَذْكِرَةٌ.
وَأَهْلُ الْحِكْمَةِ فِي رَاحَةٍ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا هَذَا بِعُقُولِهِمْ. وَأَهْلُ اللَّهِ فِي رَاحَةٍ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا إِلَى اللَّهِ فِي ثِقَةٍ، وَقَبِلُوا مَا يُجْرِيهِ عَلَيْهِمْ، وَرَأَوْا فِي أَفْعَالِهِ عَدْلًا مُطْلَقًا دُونَ أَنْ يُتْعِبُوا عُقُولَهُمْ، فَأَرَاحُوا عُقُولَهُمْ أَيْضًا، فَجَمَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ بَيْنَ الرَّاحَتَيْنِ رَاحَةِ الْقَلْبِ وَرَاحَةِ الْعَقْلِ، فَأَثْمَرَتِ الرَّاحَتَانِ رَاحَةً ثَالِثَةً هِيَ رَاحَةُ الْبَدَنِ، بَيْنَمَا شَقِىَ أَصْحَابُ الْعُقُولِ بِمُجَادَلَاتِهِمْ. أَمَّا أَهْلُ الْغَفْلَةِ وَهُمُ الْأَغْلَبِيَّةُ الْغَالِبَةُ فَمَا زَالُوا يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ أَجْلِ اللُّقْمَةِ وَالْمَرْأَةِ وَالدّرْهَمِ وَفَدَّانِ الْأَرْضِ، ثُمَّ لَا يَجْمَعُونَ شَيْئًا إِلَّا مَزِيدًا مِنَ الْهُمُومِ، وَأَحْمَالًا مِنَ الْخَطَايَا، وَظَمَأً لَا يَرْتَوِي، وَجُوعًا لَا يَشْبَعُ!
فَانْظُرْ مِنْ أَيِّ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْتَ، وَاغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ"!
كَيْفَ تَتَدَرَّجُ فِي أَوْهَامِ النَّاسِ حُظُوظُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا؟

دُرِّجَتْ في الكلام السابق حظوظ سبعة رجال، على النحو الآتي:

1 ساكن أعماق الصحراء (المنقطع من الخدمات).

2 ساكن الزمالك (المتمتع بأرقى الخدمات العربية).

3 ساكن باريس (المتمتع بأرقى الخدمات الأجنبية).

4 صاحب الصحة والمال والزوجة الجميلة.

5 الناجح المشهور.

6 الملك المتحكم.

7 البطل المصارع.

ولا ريب لديَّ في قصد الكلام السابق إلى دلالة السبعة المجازية على أن حظوظ الناس أقرب إلى السبعمئة تَعَدُّدًا وتَنَوُّعًا منها إلى السبعة، ولا سيما أن تدريج هذه الحظوظ السبعة مختل في نفسه غير مُحْكَم، فلا هو تَصَاعُدِيّ، ولا هو تَهَابُطِيّ -فلا وجه في أوهام الناس لمجيء البطل المصارع أخيرا بعد الملك المتحكم- ثم بَعْضُها مشتمل على بعض -فالبطل المصارع داخل في صاحب الصحة، وصاحب المال داخل في ساكن الأحياء الراقية- وكأن المراد إنما هو التنبيه على مبلغ تعدد حظوظ الناس وتنوعها!

كَيْفَ تَسْتَوِي فِي الْعَدْلِ الرَّبَّانِيِّ حُظُوظُ النَّاسِ مِنَ الدُّنْيَا؟

تتفاوت مشاغل الناس، ولا يتفاوت اشتغالهم بها عما سواها، فـ"مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ"[2]، فكلهم تستغرقه مَشْغَلَتُهُ الشاغلة، حتى لَتَصْرِفُهُ عما سواها، فلا يلقي له بالًا. وفي غَمْرة ذلك الاشتغال يتطلع إلى من سبقه في مشغلته هذه نفسها إلى درجات أعلى مما وصل إليه فيها، فيحسده، وينعى حظه القليل، وربما كان هو نفسه قد سبقه في غيرها من المواهب أو المكاسب.

إن حَظَّ كل إنسان من المواهب والمكاسب، مقدارٌ كاملٌ -وليكن مِئَةً بالمئة مثلا- وإنما يختلف الناس باختلاف أجزاء هذا المقدار بينهم، فبعضُهم نَصيبُ صحته من المئة أكبرُ من نصيب ماله، وبعضهم على العكس، وبعضهم نَصيبُ ذُرِّيَّته من المئة أكبرُ من نصيب نجاحاته، وبعضهم على العكس...، وهَلُمَّ جَرًّا!

فخالق الناس -سبحانه، وتعالى!- هو رَبُّهم جميعا، مؤمنين به وكافرين، وعربا وعجما، يقسم حظوظهم من الدنيا قِسْمةَ رُبوبيَّةٍ: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ"[3]. ولكنه إله المؤمنين به فقط، يقسم حظوظهم من الآخرة قِسْمَةَ أُلُوهيَّةٍ: "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"[4].

هذه هي رسالة ذلك الكلام السابق، التي انصرف بكُلِّه إلى تفصيلها، حتى لَيَجُوزُ -لو لم يكن عُنْوِنَ- أن نُعَنْوِنَه "الْعَدْلُ الرَّبَّانِيُّ"! وفيها نظر من حيث إن الدنيا دار ابتلاء، يبتلي فيها الحق -سبحانه، وتعالى!- عباده ولا سيما الصالحون، ليختبرهم ويطهرهم، سئل رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: "الْأَنْبِيَاءُ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ- ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ, ثُمَّ يُبْتَلَى النَّاسُ عَلَى حَسَبِ أَدْيَانِهِمْ, فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَسَنَ الدِّينِ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ, وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ شَيْءٌ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ, فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ عَنِ الْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ"[5].

مَا أَثَرُ الْإِيمَانِ بِالْعَدْلِ الرَّبَّانِيِّ وَالْغَفْلَةِ عَنْهُ؟

إذا لم يؤمن الإنسان بالعدل الرباني لم يخلص النية، ولم يتقن العمل، ولم يثبت على ذلك، وسخط على الحق، وسخط عليه الحق، وافتقد حظه الذي بين يديه، وحسد غيره عليه!
قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: "لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ"[6].
وإذا آمن الإنسان بالعدل الرباني أخلص النية، وأتقن العمل، وثبت على ذلك، ورضي عن الحق، ورضي عنه الحق، ولم يفتقد شيئا من حظه ليحسد عليه غيره!

كَيْفَ لِأَهْلِ الْحِكْمَةِ وَأَهْلِ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفُوا؟

يعتمد الكلام السابق على اشتغال أهل الله (خاصته) بالتسليم له، كما يُسَلِّمُ الابن الغِرّ لأبيه الصالح المصلح الحافظ البار- تسليما يُبَوِّئُهُمْ مقام الولاية، ليفوزوا في الدنيا والآخرة: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"[7].

وأهل الحكمة هم أهل العقل والسداد، الذين يضعون الأمور في مواضعها ويُطَبِّقُون مفاصلها. ولا يمتنع أن يَكُونَهُمْ أهلُ الله (خاصَّتُه)، فليس أَرْسَخَ في الحكمة من التسليم للخالق العليم الحكيم السميع البصير. ولكن أهل الحكمة يُقَصِّرون أحيانا عن بلوغ مقام أهل الله (أوليائه)، ويتوقفون، ويعيدون ويبدؤون، ولا يسلمون، فيتعبون حتى يستقروا على مُسْتَقَرّ!
وإذا كان الأحرى بالمتعلق بطريقة أهل الله (خاصَّتُه) في التسليم لله -سبحانه، وتعالى!- أن يتمسك بمعنى الابتلاء الدنيوي- فإن الأحرى بمجادل عموم الناس عن حظوظهم الدنيوية، أن يتمسك بمعنى العدل الرباني!

ثُمَّ اسْتَمِعُوا ثَانِيًا، لِتُمَيِّزُوا أُسْلُوبَ التَّعْبِيرِ: ...

كَيْفَ غَلَبَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أُسْلُوبَا الْمُطَابَقَةِ وَالْمُقَابَلَةِ؟

من أساليب البيان عن الفكرة الغامضة، أن تُخْتَارَ منها الأوجه المُتَضَادَّة أو التي تبدو متضادة، ويُوضَعَ بعضها أمام بعض، "وَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ"، فإن الموازنة بين هذه المتضادات، كفيلة للمتأمل بفائدتين: تمييز ما فيها كلّها من مناقب ومثالب، وتكوين صورة واحدة مكتملة مما تفرق بين بعضها وبعض من أجزاء!

وإن المطابقة والمقابلة أسلوبان من وضع الأشياء المتضادة -أو التي تبدو متضادة- بعضها أمام بعض، ولكن هذه الأشياء مفردة في المطابقة مركبة في المقابلة، أي يوضع في المطابقة ضِدٌّ مُفْرَدٌ أمام ضِدٍّ مُفْرَدٌ، فأما في المقابلة فيوضع ضِدٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ أجزاءٍ أمام ضِدٍّ مُرَكَّبٍ مِنْ أجزاءٍ[8].

وفيما يأتي بعض ما وقع بالكلام السابق من مُفَرَدَاتٍ مُتَطَابِقَةٍ:

أ ب أ ب
صعلوك ملك فقراء أغنياء
محروم متخم جوع شبع
مرض صحة بكاء ضحك
عسر يسر حقد رضا
جحيم نعيم مظلوم ظالم
مغلوب غالب جهلاء عقلاء
ظاهر باطن دنيا آخرة
منذرة مبشرة شقاء سعادة

ولقد اعتمد الكلام السابق في الإقناع بتساوي حظوظ الناس الدنيوية، على حركة مفردات الأضداد المتطابقة، من داخل ثبات مركبات الأضداد المتقابلة، فإذا كان الحرمان من نصيب زيد مثلا والإتخام من نصيب عمرو، فالصحة من نصيب زيد والمرض من نصيب عمرو -وَهَلُمَّ جَرًّا- حتى تتساوى الحظوظ على الإجمال.
مَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الدَّخِيلَةِ؟
في عصر المعلومات تتسابق اللغات، فأيما لغة نشأت فيها المعلومة سبقت بها، وتركت سائر اللغات تلهث خلفها، فإما أن تترجمها، وإما أن تُحَوِّلها، وإما أن تستعيرها، وفي معاملة أسماء المخترعات الأجنبية مثال ذلك!

إننا إذا نظرنا في متن اللغة العربية المعاصر، وجدنا لاختراع أجنبي واحد (جهاز بث الصور والأصوات المعروف)، ثلاث الكلمات الآتية: "تِلِفِيزْيُون"[9]، و"تِلْفَاز"[10]، و"مِرْنَاة"! أما "مِرْنَاة" فكلمة عربية مشتقة من مادة "ر، ن، و"، التي تشتمل على ما يحتمل الناظر والمنظور إليه، على وزن "مِفْعَلَة" أحد أوزان اسم الآلة العربي -ومنه "مِصْفَاة"، و"مِكْوَاة"- تُرْجِمَتْ بها الكلمة الأجنبية. وأما "تِلْفَاز" فكلمة مُعَرَّبَةٌ على أحد أوزان الأسماء العربية -ومنه "تِمْثَال"، و"تِلْقَاء"- صُبَّتْ فيها حروف الكلمة الأجنبية. وأما "تِلِفِيزْيُون" فكلمة أجنبية دخيلة، نقلت إلى العربية على ما هي عليه في لغتها الأجنبية، كما نقلت كلمة "راديو"، و"كمبيوتر".

ولقد هجرنا كلمة "مِرْنَاة" قولا واحدا، وأَلْمَمْنا بكلمة "تِلْفَاز" في بعض المواقف الفُصْحَوِيَّة الخاصة، وتَوَسَّعْنا في استعمال كلمة "تِلِفِيزْيُون"! وإنه إذا كان "الدخيل" دليل علاقة طبيعية لازمة بين اللغات المختلفة، فإنه لا يمتنع مع ذلك أن تقاس به غلبة بعضها على بعض.
لقد اشتمل الكلام السابق من الكلمات الأجنبية الدخيلة، على مثل: التِّلِيفُون، التِّلِيفِزْيُون، الْمِلْيُونِير، الْكُوكَايِين، الدِّيكُور، الْكَوَالِيس- مما لم يشتمل عليه ما سبقه مما تناولناه، فدلنا على طرف من نتائج ذلك التنافس اللغوي المعاصر!

مَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْحَدِيثَةِ؟

ولقد اشتمل الكلام السابق مع ذلك الدخيل، على مثل: السَّخَّان، والتَّكْيِيف، وتَضَخُّم- مما لم يشتمل عليه ما سبقه مما تناولناه كذلك، فدلنا على طرف من اجتهاد اللغة العربية المعاصر، في استيعاب المعلومات الحديثة.

أما كلمة "السَّخَّان" فمصوغة على وزن "فَعَّال" أحد أوزان المبالغة في اسم الفاعل -ومنه "عَلَّام" مبالغة في "عَالِم"، و"هَدَّام" مبالغة في "هَادِم"- ولكنه تحمل أحيانا الدلالة على اسم الآلة، فتوسع فيه المعاصرون -ومنه عندهم "عَدَّاد"، و"طَرَّاد"- وأقره مجمع اللغة العربية (الجهة المسؤولة حديثا عن تنمية اللغة العربية).

وأما كلمة "التَّكْيِيف"، فمصوغة على وزن "تَفْعِيل" أحد أوزان المصادر (أسماء المعاني)، ومنه "تَعْلِيم"، و"تَكْرِيم". ولكنه يتحمل الدلالة على اسم الآلة من باب جواز دلالة المصدر على مشتقاته. وقد اشْتُقَّتْ كلمة "تَكْيِيف" نفسها من كلمة "كَيْف" في قول صانع الآلة عندما يضبطها للمصنوع له: كيف تريدها؟ وهي طريقة من الاشتقاق شبيهة بالاشتقاق من أسماء الأعيان، ومنه "تَبْوِيب" من "بَاب"، و"تحْجِير" من "حَجَر".

وأما كلمة "التَّضَخُّم"، فهي كلمة مستقرة في متن اللغة القديم، مصوغة على وزن "تَفَعُّل"، أحد أوزان المصادر (أسماء المعاني)، ومنه "تَعَلُّم"، و"تَكَرُّم". ولكنه نُقِلَتْ دلالته مصطلحا على أحد أمراض القلب. ولم يستغن المعبِّر العربي قطُّ -ولن يستغني أبدا- في استيعاب المعاني الجديدة بالكلمات القديمة، عن توسيع دلالتها أو تضييقها أو نقلها.

مَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ التَّعْبِيرَاتِ الْحَدِيثَةِ؟

في التعبير تنضاف الكلمة إلى الكلمة، فتتصل بينهما علاقة، وتتكون فكرة، من بعد أن كانت الكلمة مفردة بمعنى مفرد. ولا ريب في أن التعبير أعلى من الكلمة، لأن الفكرة المتشابكة المعاني أهم من المعنى المفرد، ومن ثم ينبغي للمتلقي أن يتأمل طويلا ما في التعبيرات الحديثة، من دلالة على حركة التفكير.

ربما كان التعبير الحديث أصيلا خارجا من ثقافة المعبر الذي اتسعت رؤيته فضاقت عنها العبارة القديمة، فتَلَمَّسَ كل ما يعينه عليها، كما فيما يأتي مما وقع في الكلام السابق:

1 "وَفِي دَاخِلِ الْقُلُوبِ الَّتِي تَرْقُدُ فِيهَا تَسْكُنُ الْحَسَرَاتُ وَالْآهَاتُ الْمُلْتَاعَةُ ".

2 "وَهُنَاكَ نُفُوسٌ تَمْضَغُ شَقَاءَهُا وَتَجْتَرُّهُ وَتُحَوِّلُهُ إِلَى حِقْدٍ أَسْوَدَ وَحَسَدٍ أَكَّالٍ".

3 "وَكُلُّ نَفْسٍ تُمَهِّدُ بِمَوْقِفِهَا لِمَصِيرِهَا النِّهَائِيِّ فِي الْعَالَمِ الْآخَرِ".

وربما كان التعبير الحديث دخيلا طارئا على ثقافة المعبر من غيرها من الثقافات، من بعد أن لم تسعفه ثقافته، كما فيما يأتي مما وقع في الكلام السابق:

1 "فَالْعَذَابُ لَيْسَ لَهُ طَبَقَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَاسِمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ".

2 ""تِلْكَ هِيَ لِبْسَةُ الدِّيكُورِ وَالثِّيَابُ التَّنَكُّرِيَّةُ الَّتِي يَرْتَدِيهَا الْأَبْطَالُ".

3 "أَمَّا وَرَاءَ الْكَوَالِيسِ (...) فَلَا يُوجَدُ ظَالِمٌ وَلَا مَظْلُومٌ".

فعلى حين تتحرك بثلاثة التعبيرات الأولى الثقافةُ العربية الإسلامية، يتحرك بثلاثة التعبيرات الآخرة غيرُها من الثقافات، ولا بأس، فـ"الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"[11]، على تَسْتَوْطِنَ الثقافةَ العربية الإسلامية، وتَتَطَبَّعَ بطبيعتها.

ثُمَّ اسْتَمِعُوا ثَالِثًا، لِتُمَيِّزُوا أُسْلُوبَ التَّقْوِيمِ: ...

مَا الَّذِي غَفَلَ عَنْهُ هَذَا الْكَ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى