السبت ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم محمد جمال صقر

نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: قَانُونُ الصَّوْتِ

من داخل المقاطع التي تتشارك في تكوينها الأصوات، يختص كل صوت بخصائصه النطقية وخصائصه الاستعمالية. وعلى رغم أوهام استواء هذه الخصائص في النظام المقطعي عند بعض العروضيين واللغويين، لا يهملها طالب الشعر، لا في أصوات كلمات القَوَافِي التي يبوح فيها بمشاعره، ولا في أصوات كلمات المَفَاتِيح التي يكتم فيها مشاعره -ولا يمتنع أن تكونها كلمات القوافي- ولا في أصوات كلمات الطَّوَايا التي لا ينتبه هو نفسه إلى ما تشتمل عليه من مشاعره؛ ومن ثم ينبغي لطالب علم الشعر ألا يهملها.

فمن خصائص الأصوات النطقية:

1 المَخْرَجُ (الشفة، أو الأسنان، أو اللثة...)، الذي يلتقي فيه اللسان وبعض أعضاء النطق.

2 والصِّفَةُ (الشدة، أو الرخاوة، والجهر أو الهمس، والتفخيم أو الترقيق...)، التي تَتَهَيَّأ فيها سائرُ أعضاء النطق على هيئات خاصة.

ولا ريب في أن الأصوات حين تجتمع في المقاطع، يؤثر بعضها في بعض مخرجا وصفة، فيقيمه أو يحرفه، ويقويه أو يضعفه. ولكن على حسب خصائص كل صوت في نفسه من تأثير غيره، تتدرج قوة إسماعه، في سُلَّمٍ سداسي الدرجات، من صوت عديم الإسماع، إلى صوت أحادي قوة الإسماع، فثنائي قوى الإسماع، فثلاثيها، فرباعيها، فخماسيها.

ومن خصائص الأصوات الاستعمالية:

1 الْمَادَّةُ (ما يشتمل عليه كثيرا أو قليلا أو نادرا، من مفردات المعجم)، التي يأنس إليها طالب الشعر، أو يستوحش منها.

2 الْإِيحَاءُ (ما يُخْطِره بالأذهان من حقول لغوية دلالية، وظواهر كونية طبيعية)، الذي يستلهم به طالب الشعر الأشياء، أو يحيل عليها.

وكلتا الخصائص النطقية والاستعمالية مترابطتان، تؤثر كل منهما في الأخرى، وتتأثر بها. أما أثر الخصائص النطقية في الخصائص الاستعمالية فواضح من حيث يكثر طالب الشعر الهادئ من استعمال الأصوات السهلة الرخوة المهموسة المرققة وما إليها، على حين يكثر طالب الشعر الثائر من استعمال الأصوات الصعبة الشديدة المجهورة المفخمة وما إليها.

وأما أثر الخصائص الاستعمالية في الخصائص النطقية فغامض من حيث يَتَوَسَّع طالب الشعر الهادئ في تَوْلِيدِ مَوَادِّ الأصوات السهلة الرخوة المهموسة المرققة وما إليها، بعضها من بعض- على حين يَتَوَسَّع طالب الشعر الثائر في تَوْلِيدِ مَوَادِّ الأصوات الصعبة الشديدة المجهورة المفخمة وما إليها، بعضها من بعض.

أما في كَلِمات القَوَافِي فيَلْتَزِم طالب الشعر من الأصوات ما يساعده على إقرار أبياته على قرارات صحيحة متلائمة؛ ومن ثم تختلف في تقديره الأصوات، وتتصنف على أصناف مختلفة الاعتبارات. وأما في كَلِمَات المَفَاتِيح فيَتَمَسَّك طالب الشعر من الأصوات بكل ما يَنْشُر له ذِكْرَ ما يُحِبُّ من الطَّيِّبات، أو يَفْضَح له ذِكْرَ ما يكره من الخَبَائِث، ولا تكاد كلمات القوافي تخلو من كلمات المفاتيح، وعندئذ تُنادي القراراتُ الجواباتِ. وأما في كَلِمَات الطَّوَايَا فيَتَفَلَّت من طالب الشعر من الأصوات ما يوافق ذلك أو يخالفه.

على حركة أصوات المقاطع صَعْبةً أو سَهْلةً وقَويَّةً أو ضَعيفةً وظاهرةً أو خَفِيَّةً، ينبسطُ سلطانُ قانونِ الصوت، ويراعيه وُجودًا وعَدَمًا طالبُ علم الشعر، لأن طالب الشعر يخضع له عَفْوًا وقَصْدًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى