الخميس ٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٣
بقلم محمد جمال صقر

نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: تَوَالِي الْقَوَانِينِ وَتَرَابُطُهَا

تشتمل نظرية النصية العروضية إذن على تسعة قوانين متوالية مترابطة، ربما قال فيها بأَوَّلِيَّةِ قانون الصوت مَن احتجَّ مِنْ طلاب علم الشعر بسَبْق حدوث الصوت المفرد نفسه قياسا إلى مَوادِّ سائر القوانين، وبثَانَوِيَّة قانون المقطع مَن احتجَّ بتَرَكُّب المقطع نفسه من بعض الأصوات السابقة، وبثَالِثِيَّةِ قانون الكلمة مَن احتجَّ بتَرَكُّب الكلمة نفسها من بعض المقاطع السابقة، وبرَابِعِيَّةِ قانون التعبير مَن احتجَّ بتَرَكُّب التعبير نفسه من بعض الكلمات السابقة، وبخَامِسِيَّةِ قانون الجملة مَن احتجَّ بتَرَكُّب الجملة نفسها من بعض التعبيرات السابقة، وبسَادِسِيَّةِ قانون الفقرة مَن احتجَّ بتَرَكُّب الفقرة نفسها من بعض الجمل السابقة، وبسَابِعِيَّةِ قانون الفصل مَن احتجَّ بتَرَكُّب الفصل نفسه من بعض الفقر السابقة، وبثَامِنِيَّةِ قانون الطول مَن احتجَّ باكتمال الطول نفسه بَعْدَما يتَرَكَّب النص من الفصول السابقة، وبآخِرِيَّةِ قانون المجال مَن احتجَّ بتَرَكُّب المجال نفسه مِمَّا يَحْتَشِد من النصوص السابقة.

ولا ريب في أن القائل بذلك قد انتبه إلى طَرَفٍ من ترابط القوانين في أثناء ما احتجَّ به لتواليها، ولكنه غفل بتواليها المادي التاريخي، عن تواليها التفكيري الحيوي؛ فإنه إذا جاز قوله على حَرَجٍ في عمل طلاب الشعر الأوائل، لم يجز في عمل طلاب الشعر الأواخر، الذين استوعبوا من تراث الأوائل المُتَنامي بتراثهم، ما صار يُخْطِرُ لهم التعبيراتِ قبل الكلمات بَلْهَ المقاطعَ والأصواتَ، بل ربما أَخْطَرَ لهم الجملَ الكاملة -ولا سيما أن كثيرا من التعبيرات إذا اقْتُطِعت وحدَها وهُيِّئَت قليلا كانت جملا مقبولة- في خلال ما يستغرقهم من الفقر والفصول والأطوال والمجال، التي لا يستطيعون دونها حيلة ولا يهتدون سبيلا، ولا أدلَّ على ذلك من سَلْسَلَة الكلام عن هذه القوانين التسعة فيما سبق (قانون المجال، ...، قانون الصوت)، على عكس ما يقتضيه تواليها المادي التاريخي (قانون الصوت، ...، قانون المجال). وربما كان مِنْ عَفْو التوفيق التعبيرُ بتوالي هذه القوانين عن ترتيبها؛ إذ "التَّوَالي" كلمة من الأضداد، تدل على السَّبْق واللَّحاق كليهما والإقبال والإدبار، ومن حكمة طالب علم الشعر أن يُراعِيَ بذلك كلَّ قانون من هذه القوانين التسعة، مُتَقدِّمًا من خَلْفٍ إلى أمامٍ، ومُتَأَخِّرًا من أمامٍ إلى خَلْفٍ، حتى يقف على حقيقة عمل طالب الشعر!

وعلى رغم ما في توالي هذه القوانين التسعة من طلاقة الحركة التفكيرية الحيوية، تنضبط برباط واحد ذي طرفين: طرف يَشُدُّ كلَّ قانون إِلَى غيره حتى لا يستغني في وجوده عن وجوده، وطرف يَشُدُّهُ عَنْهُ حتى يَتَمَيَّز بوجوده عن وجوده- هو رباط هذه النظرية الواحدة (نظرية النصية العروضية)، التي تؤلف بين هذه القوانين كلها، على مبدأ واحد (طبيعة وجود القصيدة)، ينبغي أن ينطلق منه طالب علم الشعر، وأن يدور عليه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى