الجمعة ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٣

قراءة رواية: يافا تُعِدّ قهوة الصّباح

موسى أبودويح.

كتب الصّحفيّ أنور حامد روايته (يافا تُعِدّ قهوة الصّباح) في كتاب من (208) صفحات من القطع المتوسّط، صدرت طبعته الأولى عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر في بيروت سنة (2012م) بغلاف يحمل صورة يافا ومسجدها، ويحمل وجهه الخلفيّ –أي على ظهر الغلاف- قطعة من الرّواية تمثّل أسلوب الكاتب أصدق تمثيل.

*****

وين رايحة يمّا؟ بدكيش تحضّري المناقيش؟

اعفيني يمّا اليوم، دخيلك.

ليش خير؟ مريضة؟

سألت الأم بقلق.

هيك حاسّة.

سخنة؟

ما أظنّش. بس حاسّة حالي مهدودة.

طيّب روحي تريّحي، خلّي أختك تعمل لك كباية بابونج.

بابونج؟ وهل تجدي الأعشاب في علاج قلب كسير؟ يا ربّي، لماذا غرست بي أحلام النّوارس ولم تمنحني أجنحتها؟ أنا أجيد العوم لكنّي لا أحسن التّحليق، حدودي القصوى بضع مئات من الأمتار تبقيني أسيرة الشّاطئ، لا تبعدني عن مدينتي ولا تحرّرني من أسيجتها.

قدري أقوى من أحلامي النّزقة، وواقعي يشدّني من شعري ليعيدني إلى أصفادي. يا ربّي ما حكمتك في هذا؟ لماذا غرست تلك الجرثومة في كياني؟

خذي يا كسلانة، هاي البابونج، قال مريضة قال!

*****
بمثل هذه اللغة الواضحة الجليّة المفهومة، المعبّرة عن الواقع أجمل تعبير كتب أنور روايته (يافا تُعِدّ قهوة الصّباح).

ولقد أشاد الكاتب ونوّه في بداية روايته بمنافع التّقنيات الإلكترونيّة الحديثة وفوائدها كالحاسوب، وبوسائل التّواصل المجتمعيّ الحديثة أيضًا؛ كالفيس بوك وتويتر، وتسهيلها وتيسيرها لكتابة الكُتّاب في هذه الأيّام، واختصار الزّمان والمكان.
لغة الكتاب غالبها باللغة العامّيّة المحكيّة في بلادنا فلسطين، وعلى الأخصّ في منطقة يافا عروس البحر الأبيض المتوسّط.

والكتابة باللغة العامّيّة لها وعليها؛ لها، لأنّها تسجّل لنا تراثًا فلسطينيًّا، لا بدّ من تسجيله وتثبيته، وخصوصًا الأغاني والأهازيج في مواسم الأعراس وحفلات الطّهور، الّتي يطهّر فيها جميع صبيان العائلة أو صبيان الحارة، وتوديع الحجّاج بالأهازيج الّتي تدعو لهم بسلامة العودة؛ لأنّ الحجّ في تلك الأيّام كان شاقًّا ويستغرق أشهرًا. وكذلك وثّق لنا أهازيج الحصاد ومواسم قطف البرتقال وغيره من الثّمار، ووصف لنا الموت، وكثيرًا من المواسم والمناسبات.
وأمّا عليها، فإنّ اللغة المحكيّة لا يفقهها إلا أهلها، وأمّا غيرهم من العرب فيرَوْنَها غريبة تحتاج إلى ترجمة وشرح وبيان؛ بخلاف اللغة الفصيحة الّتي يفهمها كلّ من يقرأ العربيّة أو من له علاقة بها.

وأمّا الوصف الّذي جاء في رواية أنور، فهو وصف دقيق، وفيه تفصيل لكلّ ما وصف؛ فجاء الوصف رائعًا وثائقيًّا، وثّق لتاريخ النّاس وحياتهم في يافا في فترة زمنيّة هي النّصف الأوّل من القرن العشرين، أي زمن الانتداب البريطانيّ على فلسطين حتّى نكبتها عام (1948).
ولقد ذكّرني الكاتب في روايته ووصفه لحياة النّاس المجتمعيّة في يافا في تلك الفترة، بقوله تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ".

فيافا منذ الفتح العُمَرِيّ لفلسطين، وحتّى زوال الحكم العثمانيّ عنها، عاشت يافا آمنة مطمئنّة، فلمّا كفرت بأنعم الله، ونما وطغى الفسق والفجور والخمور في عائلاتها الثّريّة ونواديها اللّيليّة، وفي مواخيرها أذاقها الله لباس الجوع، فسلّط عليها وعلى أهل فلسطين، يهودَ شراذم الخلق، فصار برتقالها لا يساوي ثمنه أجرة قطافه، فأهملت الأرض والبيارات وبيعت ليهود بأبخس الأثمان.

وهذا بما كسبته أيدي أهل فلسطين، وجزاء أعمالهم السّيّئة، بل هو أقلّ من جزائهم؛ لأنّ الله يعفو عن كثير.

وعودًا إلى الرّواية، فقد وصف أنور يافا: بياراتها وحاراتها وبناياتها القديمة والحديثة، وشوارعها وسياراتها، وناقلات الحمضيّات، وميناءها وصياديها، ورجالها ونساءها، وأبناءها وبناتها، السّادة منهم والعبيد، ووصف عيشهم المرفّه والتّعيس، عيش الإقطاعيّين أصحاب البيارات والعقارات، وعيش الّذين يعملون في البيارات وعائلاتهم، الّذين يعيشون خدّامًا وعبيدًا عند أسيادهم. وكذلك وصف الأعراس وحمّام العريس، وحلاقة شعره، وحنّاء العروس، ويوم الزّفاف وليلة الدّخلة.

ووصف أيضًا الطّعام وأصنافه وعملية صنع الشّاي من ماء البئر، ووضع الشّاي فيه والسّكر معًا، والانتظار حتّى يخرط، وطريقة صبّه في الكاسات، ورفع الإبريق عن الكاسة حين الصّبّ؛ حتّى يَخرُج صوتٌ تلتذّ له الأذن، وعلى الأخصّ آذان العميان.

وأمّا توثيقه للأناشيد والأراجيز والأهازيج فيمثله قول بهيّة، تناجي البحر والرّيح والمركب والحبيب، قولها في صفحة (38):

وان هبّت الرّيح قلت لمركبي سيري وأنا أصبر صبر الخشب تحت المناشيري
ناديت يا طير بحق السّما العالي تلم شملي وتجمعني على الغالي
شط البحور مرقدي والموج بنى لي دارْ والشنشولة صنعتي وأيامي في السّنّارْ
يا نازلين عالبحر لا تعاندوا التيارْ بلكي تمر الصّبية وتنطفي لي النّارْ
أيّام لما البحر يكبر تلاقينا نلعن زمان الشّقا ونلوم أهالينا
ولما البحر يهدا وريحه تنادينا ننسى زمان التّعب ونرمي مراسينا

بمثل هذا، جاء الوصف والأهازيج والأغاني والأناشيد في جميع عناوين الرّواية الّتي بلغت أربعين عنوانًا.

أمّا الأخطاء في الرّواية فقليلة جدًّا، وأكثرها جاء مطبعيًّا وفي اللغة العامّيّة –وهي غالبًا لا ضابط لها- لأنّها؛ تكتب كيفما اتّفق. وقلّة الأخطاء فيها دليل على تمكّن الكاتب من اللّغة العربيّة الفصيحة.

وهذه بعض الأخطاء الّتي لاحظتها في الرّواية:

1. في صفحة (12): (ثلاثينيات وأربعينيات)، والصّحيح: ثلاثينات وأربعينات؛ لأنّها جمع ثلاثين وأربعين، وليست جمع ثلاثينيّ وأربعينيّ.
2. في صفحة (17): (حين طويت الحشيّة)، كان الأولى أن يقول بدلها الفرشة أو الجنبية، لا سيّما وأن معظم الرّواية باللغة العامّيّة.

3. في صفحة (23): (أنت يا ابن الزّمن)، والصّحيح: انت يا بن الزّمن بحذف ألف ابن لأنّها تحذف بعد النّداء.

4. في صفحة (35): (عشاننا)، والصّحيح: عشانّا بحذف إحدى النّونين ووضع شدّة على الباقية.
5. في صفحة (40): (يرافقني صديق اسرائيلي)، الأحسن: رفيق يهوديّ.

6. في صفحة (54): (وإنتي راجع)، والصّحيح: وانتا راجع. وكذلك جاءت في صفحة (170) وإنتي مريض.
7. في صفحة (66): (أبور رضا)، والصّحيح: أبو رضا بحذف الرّاء بعد أبو.

8. في صفحة (69): (للجدران أذنين)، والصّحيح: للجدران ذنين. ولقد أوردها الكاتب هكذا في صفحة (61).

9. في صفحة (71): (الجماعة ما تهمل همهم)، والأحسن: (لا تحمل همّهم). وإن كنا نقولها بالعامّيّة (تهمل همّهم)، إلا أنّ أصلها (لا تحمل همّهم)؛ وقد يكون لفظها لسان أعجميّ الّذي يلفظ الحاء هاءً.

10. في صفحة (86): (من جيب صديره)، والصّحيح: من جيب صدريّته.

11. في صفحة (108): (جزء من شييء)، والصّحيح: شيء بحذف الياء الأولى.

12. في صفحة (115): (لا يمت بصلة بطبيعتي)، والصّحيح: إلى طبيعتيّ بإبدال إلى بالباء.

13. في صفحة (120): (ومكعّبات لحم الضّأن المقليّ)، والأحسن: قطع (راس عصفور) بدل مكعّبّات.

14. في صفحة (121): (يزيد ثمنها على)، والصّحيح: يزيد ثمنها عن.

15. في صفحة (138): (إجريي)، والصّحيح: إجريّ بياء واحدة مشدّدة.

هذه هي الأخطاء الّتي لاحظتها في الرواية، وكما تلاحظ، فهي أخطاء أكثرها مطبعيّ وفي اللغة العامّيّة.

ومع كلّ هذا؛ فالرّواية جيّدة وتوثيقيّة، توثّق لتراثنا الفلسطينيّ، خشية ضياعه ونسيانه. وهي جديرة بالقراءة وبالاقتناء.

موسى أبودويح.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى