الاثنين ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم لطفي زغلول

صباح العيد أيها الوطن الحبيب

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. ها نحن نلتقي في أحضانك. نقبل ترابك الطاهر. نرنو إلى سمائك بكل الحب والإشتياق. نصلي لله العليّ القدير أن يحررك من هذه السحابة السوداء الجاثمة على صدور عشاقك، والتي فرضت نفسها عليك عقودا طوالا، وتأبى الرحيل.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. أيها الطائر المحلق على أجنحة العُلى والتحدي. لم تخفض جناح الكبرياء لغربان هذا الليل المستعار. شموخك أسطورة تلون صفحات التاريخ مجدا وفخارا. شمسك لا تغيب أبدا عن فضاءات عشاق الحرية من أبنائك الصيد الميامين، يضيء سناها على مدى الأيام دروب الصاعدين إلى حماك فداء يمطر مشوارهم عطاء.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. كل عيد وأنت بخير. أيها المتمرد على هذا الليل الغريب الجاثي على صدر فجرك الذي ما زال أسيرا مكبلا بالأغلال. غدك المنتفض على رماد الفناء. ما زالت سماؤه ملطخة بغمامات سوداء تحاول عبثا أن تغتال براعم الضوء من على ذرى آفاقك الشماء.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. تلك الغربان الآتية من بعيد بعيد. ما زالت تحط رحالها على أفنان بياراتك، تتربص بأسراب حساسينك. وذلك الصياد المتحجر القلب والرؤى، يطارد يائسا غزلانك حتى يفترس جراد البحر مغانيك الخضر. وبرغم هذا الإعصار المجنون المفتون بطغيانه على شطآنك، ما زال الركب ماضيا. لا يعييه الإعياء، لا يثنيه تغيير الأسماء والأشياء.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. فارس أنت صلبوك على جدران الجحود والنكران. لا تترجل عن صهوة كبريائك. أغمضت عينيك قليلا لتصحو مرة أخرى على صباحك الأخضر يغتسل بأنداء الحرية. ويرفل بعباءة المجد والإنتصار. أنت لا تموت أبدا يا وطني. وحين ترحل شمسك عن آفاقك تدخل شمس أخرى إلى مدارك. تضيء فضاءات وجودك بوهج سنا عاشق جديد ولد في أحضان الإنتماء إليك عشقا ووجدا.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. كل عيد وأنت لنا وطن. نسرح ونمرح في ربوعك الخضراء. تولد أجيالنا تحت ظلالك الوارفة أيها الغالي علينا. كل عيد وأنت لنا وطن. يا من تتجذر فيك أشواقنا، وحبات قلوبنا، وتنتشي بين يديك أحاسيسنا. كل عيد وأنت هنالك.. هناك.. هنا. لا تعلو عليك عالية مهما علت. ولا دانية.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. هل حقا ينشق عاشقوك على عشقهم، فيصبح العشق عشقين، كل عشق في اتجاه؟. هل حقا يتربص العاشق بالعاشق الآخر، فينقلب عليـه، يدميه، يرديه، يسبح في دمه؟. كلا يا وطني، لن ينفصم العشق في أحضانك، لن يكون إلا عشقا واحدا، لأنك أنت واحد، وستبقى واحدا.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. أيها الوطن الواحد الوحيد، تأبى الإنقسام والتشرذم. شمالك، جنوبك واحد، يلتقيان على الولاء لك، والإنتماء إليك. إنها غمامة سوداء ظللتك طوال هذه السنين، لكنها سوف تولّي وتنقشع ذات يوم قريب، وتعود كما كنت ترفل بنعماء الوحدة التي لم يكفر بها أبناؤك المصرّون على وحدتك.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. أيهذا الكبير ولا أكبر منك. أيهذا المفدى وهل غيرك أنت المفدى؟. أيهذا المكرم وهل غيرك أنت المكرم؟. أنت منظومة هذه المعاني النبيلة، وأنت أكبر من هذا وذاك. أنت كبير لأنك ما زلت ترفض الإنقسام. تتحداه، تثور عليه، تقاومه. وأنت مفدى ولن يكون إلا لوجهك الفداء والتضحية.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب.. أيها الوعد الساكن فضاءات أرواحنا، تضيء المدى فيغمر نورك العيون، ويعمر انتظارك الحبيب القلوب. عشقناك لم ترهقنا متاهات المنفى والإغتراب. إفترشنا مداك. توضأنا بسناك. صلينا بين يديك للحرية والخلاص. يا محراب وجودنا وهويتنا ماضيا حاضرا ومستقبلا. آمنا بشمس فجرك ستشرق على آفاقنا مهما طالت ليالي الشتات السود.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب.. يا ملحمة العشق المسطرة بدم عشاقك. يا سيرة ينساب أريج أبجديتها كبرياء ومجدا. يا سيفا لم يغف يوما في عتمة غمده، فظل ساهرا مسلولا يتصدى يتحدى. يا حلما تجذر في جوارحنا عشقا ووجدا. يا سماء تصول أشواقنا وتجول في أفلاكه. يا ترابا احتضن غراس أمانينا. يا تينا ويا زيتونا لوّنا تاريخنا بالخير والبركات.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. مهما تأخر وعد صباحك الأخضر، ومهما عصفت بك الرياح الهوجاء، ومهما تلظت نيران جراحاتك، ستولد من رحم لياليك الليلاء شمس لا تغيب. ستعود الأطيار إلى أحضان أفنانك الزاهرة. ستخضوضر غدا فوق ثراك المنى والوعود، وتزهر الرياحين والورود. يا حبا ليس له في جوارحنا مدى وحدود.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. أنت العيد الأبدي. تولد عشقا من رحم كل صباح يطل على محياك. بين ذراعيك العش الخالد الأبدي لكل طائر ما زال يهيم في شتات الإغتراب، يشد رحاله الى أحضانك على أجنحة الإنتظار والفداء.

صباح العيد أيها الوطن الحبيب. ها نحن نقف بين يديك هذا الصباح كما في كل صباح. نمد أيدينا إلى السماء. وبكل إيمان وخشوع نصلي لله في عليائه، سائلين إياه جل جلاله أن يطلق سراحك من بين براثن الإغتصاب. أن تعود لنا كما كنت على مدى الأيام. أن يمن علينا بنعمة الرجوع إلى أحضانك. أن تكتحل عيوننا ببهاء طلعتك الأبية، وشموخ جبينك الوضاء. أن تكبر أجيال أطفالنا بك، وتكبر بهم. يومها تصبح كل أيامنا وليالينا أعيادا وأعراسا. فأنت أنت وحدك العرس والعيد والحب والوطن.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى