الأحد ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم شادية بن يحيى

الأيديولوجيا في الرواية

نقف على إحدى أهم الملاحظات التي ستفيدنا في فهم علاقة الإبداع الروائي بالأيديولوجيا باعتبارها مكونا من مكونات النص الأدبي، فالأيديولوجيات تقتحم النص باعتبارها مكوناته الأولية لأنه لا يمكن بناء نص روائي إلا من خلال هذه المادة الأولية، كما أنها حين تدخل النص لا تتمتع بالقوة نفسها التي لها في الواقع، فهي محاصرة بوجود بعضها إلى جانب بعض.

وعند قراءة النص من طرف أصناف متعددة من القراء :فإن كل جماعة تعزل من النص عن وعي أو عن غير وعي ما تراه مناسبا لتصورها الخاص وتلغي الباقي ،مما يجعلها تقدم تأويلا خاطئا للنص ذاته، لأن الكاتب لا يضمن بالضرورة إيديولوجية خاصة ضمن الأديولوجيات المعروضة في النص فقد تبقى إيديولوجية خفية أي تتحرك بسرية بين الأيديولوجيات المعروضة (1).

وقد قدم أحد الدارسين أفكارا جديدة فيما يخص النظرية الأيديولوجية لرواية أهمها التميز بين مصادر إنتاج النص الروائي، ففيما يخص الجانب الجمالي يخصم من أدائه أن الأيديولوجيا باعتبارها عناصر واقعية تدخل إلى النص الروائي كمكونات للمحتوى أي كعناصر مؤسسة للبنية الفنية، وفيما يخص وضعية الكاتب الواقعية فهي التي تكون المسئولة عن تحديد الذات المتكلمة في النص (من يتكلم؟) لكن الذات لا تعبر عن نفسها في الكتابة إلا من خلال نقيض هذه الوضعية نفسها لأن المسألة هنا متعلقة بالتعبير بوصفه حاجة إلى تصحيح هذه الوضعية الذاتية، فبحكم أن إديولوجيا الكاتب هي غير وضعيته بالضرورة إلا أن فيها بعض الطموحات التي لم تتحقق في الواقع فإنها هي التي تحدد شروط المتكلم في النص (2) ومن الضروري أن نحدد نوعية الأيديولوجيا فعندما نقول الأيديولوجيا في الرواية ،نقصد بالذات الأيديولوجيا المكونة لمحتوى النتائج الادبي.

وباعتبار أن الرواية هي نظام من الدلائل، فإن الروائي كان مدفوعا إلى القول باقتحام الأديويولوجيا لعالمها المعقد ،وذلك أن الروائي في نظره لا يتكلم لغة واحدة كما أن أسلوبه ليس هو لغة الرواية ذاتها لأن الرواية في الواقع متعددة الأساليب فكل شخصية وكل هيئة تمثل في الرواية صوتها الخاص وموقفها الخاص و لغتها الخاصة ،وأخيرا إيديولوجيا الخاصة (3) ،وهكذا فلا حاجة تدعو الى مقابلة الرواية بالواقع لأن الواقع حاضر في الرواية.

وعلى هذا الأساس فإن الأيديولوجيا تدخل الرواية باعتبارها مكونا جماليا لأنها هي التي تتحول في يد الكاتب إلى وسيلة لصياغة عالمه الخاص وهذا ما نقصد بالمستوى الأول لوجود الأيديولوجيا في الرواية ،والذي أطلقنا عليه تسمية الأيديولوجيا في الرواية ،وكثيرا ما أخطأ النقاد العرب مثلا في التعامل مع هذه الأيديولوجيات المكونة لبنية الرواية ،فتعامل معها أو على الاصح مع بعضها على أنها تعبر بشكل مباشر عن صوت الكاتب مع أن كتاب الرواية غالبا ما يقومون بعرض هذه الأيديولوجيات و المواجهة بينها من أجل أن يقولوا ضمنيا شيئا آخر ربما يكون مخالفا لجموع تلك الأيديولوجيات نفسها ويمكننا أن نتحدث عن الأيديولوجيات في الرواية من خلال مثال توضيحي فلو أخذنا رواية "الوطن في العينين" كنموذج فإننا نجد عدد من الأيديولوجيات المتصارعة التي يمكن تصنيفها إلى نوعين:

* إيديولوجيات وطنية متصارعة.

* إيديولوجيات عربية في مواجهة إيديولوجية غربية.

أما الأيديولوجيات الوطنية المتصارعة فتظهر من خلال تحليل الصراع الذي كان بين فصائل المقاومة وارتباط بعضها باليمين أو اليسار:

" قولي هل صحيح ما يروى عن القيادات الفلسطينية

ماذا تريد ان تقول؟

لست أدري ارتباط بعضها بالأنظمة الرجعية ،الثراء ،وقوفها في وجه الوحدة ..."

أما الأيديولوجية العربية التي توجه الأيديولوجية الغربية فهي في الرواية تقوم على صراع بين إيديولوجيتين تقدمها الرواية في صورة "ثورية" إيديولوجية "نادية" العربية وإديولوجية "فرانك" الفرنسي ومع ذلك يوجد بينهما صراع ينتهى بانتصار الأيديولوجية الأولى ،ويتجلى هذا الصراع الأيديولوجي واضحا من خلال الحوار التالي بين "نادية" و " فرانك" « عن أي تاريخ تتحدث يا فرانك ؟التاريخ في أوروبا مسالة أخرى ثورتكم البورجوازية آخر ثورة في تاريخكم ،و علينا أن نصنع ثورتنا في العالم الثالث ،علينا أن نلوي عنق التاريخ» ،و إلى غير ذلك من المواقف الحوارية بين الطرفين.

أما انتصار الأيديولوجية العربية في هذه الرواية فلا تبدأ علامته تظهر إلا في الصفحات الأخيرة حين تنكشف انتقادات نادية لفرانك و بعدها تعود نادية إلى الثورة لممارسة النضال مع الثوار(4)

الرواية كايديولوجيا:

في هذه النقطة لا نتحدث عن الأيديولوجيا في الرواية ،و إنما عن الرواية كأيديولوجيا لأنه عندما ينتهى الصراع بين الأيديولوجيا في الرواية تبدأ معالم أيديولوجية الرواية ككل في الظهور ،و يمكن القول أن الرواية كأيديولوجيا لا يمكن الحديث عنها إلا بعد أستيعاب طبيعة الصراع و تحليها بين الأيديولوجيات ،لأن الرواية كإيديولوجيا تعنى موقف الكتاب بالتحديد و ليس موقف الأبطال كل منهم على حدى ،وقد سبق أن المحنة داخل الرواية لا تلعب دورا تشخيصيا ذا طبيعة جمالية من أجل توليد تصور شمولي وكلي هو تصور الكاتب.

إن الأيديولجيا في الرواية إذا تكون عادة متصلة بصراع الأبطال بينما تبقى الرواية كإيديولوجيا تعبيرا عن تصورات الكاتب بواسطة تلك الأيديولوجيات المتصارعة نفسها.

إن هذه العلاقة الجدلية الموجودة بين الأيديولوجية في الرواية ،و الرواية كأيديولوجيا يمكن أن نجد مثالا واضحا لها من خلال نمودج روائي مغربي وهو "رواية الغربة" لـ "عبد الله العروي " ،في هذه الرواية تتصارع ثلاث إيديولوجيات رئيسية يمثل كل منها بطل أو عدد من الأبطال ،وهكذا فإن الرواية لا تتحول إلى إيديولوجية إلا عبر صراع الأيديولوجيات و عبر التعارضات التي توجد في كل إيديولوجية على حدى ،هذا الصراع الذي يشكل مجموع بنيتها العام ،وقد أشير إلى بعض الاخطاء الحاصلة في فهم علاقة الرواية بالأيديولوجية ،ذلك أن هناك من يعتقد أن الرواية -أية رواية حديثة أو معاصرة- قد تكتب ضمن مجالين إيديولوجيين أو ضمن مجال إيديولوجي واحد ،وقد عبر عن مثل هذا الرأي بوضوح "محمد كامل الخطيب" عن الفن الروائي وهو بعنوان "الرواية و الواقع" ورأى في هذا الصدد أن هناك نوعين من الرواية في المجتمعات الطبقية.

 رواية تكتب ضمن مجالين إيديولوجيين هما:

الأيديولوجية السائدة، و إيديولوجية الكاتب وهذا يحدث عندما يتناقض الكاتب مع الأيديولوجية السائدة مثل هذه الرواية تكون جزء أو مظهرا من مظاهر الأيديولوجية السائدة.

رواية تكتب ضمن المجال الأيديولوجي الواحد هو الأيديولوجية السائدة وهذا يحدث عندما يتوافق الكاتب مع الأيديولوجية السائدة و يكون أخذ نتائجها ومثل هذه الرواية تكون جزء أو مظهرا من مظاهر الأيديولوجية السائدة.

وقد أكد الحد الأدنى لكتابة رواية ما يقتضي وجود ما بين عنصرين على الأقل و ليكن هذان العنصران نوعين من الأيديولوجيا ،إلا أن هذا التحديد مع ذلك ليس علميا فالفن الروائي مفتوح على شتى المواقف و الأيديولوجيات الممكنة ،وهو لا يحصر مجال إهتمامه في الأيديولوجيات السائدة أو المعارضة في مجتمع محدد ،فقد يكون هناك حضور مجال اهتمامه في الأيديولوجيات السائدة والمعارضة في مجتمع محدد ،فقد يكون هناك حضور لأيديولوجيات من خارج المجتمع أي من مجتمعات أخرى كما تبين لنا بشكل واضح من خلال مناقشة راويتين هما :" الوطن في العينين" و " الغربة". فالأيديولوجيا الغربية تدخل في صراع واضح مع الأيديولوجيا الوطنية ،كما أنه لا بد من الاهتمام بالأيديولوجيا الكثرة إلى أن يكون لها دور ثانوي فقط في أحداث الرواية ومع ذلك فهي تمارس تأثيرا كبيرا في مجرى الواقع الروائي أو تساهم بفاعلية في بناء تصور الكاتب في بناء الرواية كإيديويولجيا (5)

أما أن تعتمد الرواية في صيغتها على إيديولوجيا واحدة، كما أشار في ذلك محمد الخطيب (6) فإن ذلك الامر مستحيل التحقيق ،لأن الكتابة لا يمكن أن تتم فعلا إذا كان هناك تعارض بين إيديولوجيتين على الأقل.

إن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الإيديولوجيا تدخل إلى عالم الرواية التخيلي كمكون بمايلي: يكون أداة في يد الكاتب ليعبر في النهاية بواسطته عن إيديولوجيته الخاصة ،ولذلك نقول أن الرواية باعتبارها إيديولوجيا لا تتأسس إلا بواسطة ومن خلال الأيديولوجيات في الرواية.

و السؤال الذي يطرح :هل هذا يعني أن جميع أنماط الرواية تنتهي إلى موقف أيديولوجي للرواية أي للكاتب ،نلاحظ أن هناك تباين كبير في أن الرواية باعتبارها فنا ،تشكل أحد مظاهر الأيديولوجيات.

وقد تبين لنا من خلال إثارة سابقة أن الناقد يستفيد في تصوره للأيديولوجيا من الفكر الماركسي،إلا أنه مع ذلك لم يسجل جانبا مهما في تعريف الأديولوجيا حرص عليه الفكر المادي التاريخي وهو متعلق بالطابع " الكاذب" أو الوهمي للأديولوجيا ،وذلك لأن ماركس و أنجلز لم يطلقا اسم "إيديولوجيا" في جميع مؤلفاتهما النضج إلا على مجرد من الوعي ،هو الوعي "الكاذب".

وإذا كانت الأيديولوجيا هي نوع من "الوعي بالعالم" فإنها مع ذلك حسب التصور المادي التاريخي الذي يستفيد منه الناقد ،لا يمكن أن تكون هي رؤية العالم لأن هذه تبدو نقيضا أو بديلا معرفيا للرؤية الأيديولوجية الزائفة في معظمها ،هذا التميز الأخير لا ينتبه إليه الناقد أبدا في هذا الجانب النظري ،و ذللك فهو يجعل الأديولوجيا مقابلا لمفهوم الرؤية الذي استخدمه في التحليل.

يميز الناقد بين شيئين اثنين مع القليل من الارتباك هما:

الرواية تحتوى على الايديولوجيا.

 الرواية تعبر في وجهة نظر إديويولجية (7).

ويتجلى الارتباك في درجة وضوح هذا التميز نفس،فتارة يتضح الفرق بين المستوين السابقين و تارة أخرى ينعم هذا الفرق إذ تصبح الأيديولوجيا المتضمنة في الرواية متداخلة من جهة النظر الأديويولوجيا للروائي مع أن الجمع بين هذين الجانبين يؤدي إلى عدم التميز بين الرواية باعتبارها تحتوي على عناصر الواقع بما فيها العناصر الفتوية الأديولوجية ،بين الرواية كموقف من هذا الواقع أي كإيديولوجيا في حد ذاتها ،ولقد حدد الناقد محمد كامل الخطيب موقفين أساسين للرواية:

أولا :رواية معارضة للإديولوجيا السائدة.

ثانيا :موافقة للإديولوجيا السائدة.

المراجع المعتمدة:

1: حميد لحميداني :النقد الروائي و الأيديولوجيا - من سوسيولوجيا الرواية إلى سوسيولوجيا النص الروائي- المركز الثقافي العربي،ط1، 1990م، ص59 – 62.

2: المرجع نفسه، ص 26-28.

3:المرجع نفسه: ص 33

4:المرجع نفسه: ص 28

5:المرجع نفسه : ص33-34

6:المرجع نفسه : ص 39-40.

7:المرجع نفسه : ص107-108


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى