الخميس ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم عبد الهادي صابر

المرأة في أدب نجيب محفوظ

صورة المرأة تعد مرآة تعكس قيم وثقافة المجتمع الذي تنتمي إليه، وقد يعكس النتاج الأدبي للمجتمع الوضع الصحيح للمرأة داخله، وقد يعكس صورة مشوهة، فإذا نظرنا لبعض الأعمال الأدبية فإننا نجد تشويها متعمدا لصورة المرأة في المجتمع العربي، فهناك بعض الأدباء يجنحون بالمرأة في أعمالهم ليعكسوا صورة مغلوطة أو تحمل جانبا واحدا من وضعية المرأة داخل مجتمعها ليعمم هذا الجانب السيئ على جميع نساء المجتمع.

وإذا نظرنا للأدباء الذين نقلوا صورة مشوهة للمرأة في المجتمع المصري نجد "نجيب محفوظ" متصدرا هؤلاء، فقد اتخذ محفوظ من عالم المرأة إطارا لمناقشة قضايا ذات أبعاد عدة ووظفها بصورة سيئة؛ فصورها فتاة ليل وصورها بالعاهرة وصورها أيضا بالعاشقة.أما صورة المرأة المكافحة العفيفة، والفلاحة المصرية المجاهدة لم تجد لها مكانا في روايات نجيب محفوظ، رغم أن نجيب محفوظ ـ في كل أعماله ـ شكلت المرأة جانبا مهما، حيث يظهر شغفه الهائل بعالمها وما يكتنفها من غموض وأسرار وما يحيط بها من محاذير، واقتحم نجيب محفوظ هذا العالم ليقدم تأريخا لعالم المرأة بكل عنفها وصخبها وضجيجها وإحجامها ومراوغتها.

لقد قدم نجيب محفوظ المرأة على أنها سلبية خنوع خائفة متداعية سليطة اللسان سيئة الخلق ساقطة، سواء بإرادتها أو بإرادة الآخرين ومن خلال أعمال نجيب الروائية سنقدم بعض شخصيات رواياته النسائية التي استخدمها في هذه الأعمال وكيف كان يوظف صورة المرأة في أعماله، على العكس لم يقدم نجيب محفوظ المرأة على أنها السيدة المكافحة التي تقوم على تربية الأبناء أو الواقفة بجوار زوجها، لكنه استخدمها في أسوأ صورة، وما يأتي من أمثال يوضح ذلك.
القاهرة الجديدة

ففي رواية "القاهرة الجديدة" توجد شخصية "إحسان شحاته" وقد وظفها نجيب محفوظ في هذا العمل على أنها طالبة معهد التربية، شديدة الفقر، تعيش في أسرة مثقلة بأعباء الحياة، ولكنها تشعر بقوة جمالها كما تشعر بقسوة فقرها، وفي غمار هذه المشاعر المتضاربة تسقط إحسان صريعة لمجتمع لا يعترف إلا بالثروة والنفوذ، تسوده المحسوبية والانتهازية وتحكمه البراجماتية القاسية، مجتمع لا يعترف بحق الحياة الكريمة لأفراده، ولم لا وهو مقطع الأوصال بين فساد سياسي تحكمه الأهواء والمصالح وظلم اقتصادي يظهر في سوء توزيع الثروة؟ وبين هذا وذاك تلعب إحسان دورها ببراعة في مسرحية عبثية هزلية مأساوية، في الوقت ذاته يخرج فيها جميع الممثلين عن النص ثم يسقطون جميعا صرعى في مشهد النهاية.
زقاق المدق

وفي رواية "زقاق المدق" يأتي نجيب محفوظ بشخصية "حميدة" وهي فتاة جملية تعيش بين شخصيات زقاق المدق الذي تصفه في النهاية بأنه زقاق العدم، وحميدة كما يصورها "نجيب محفوظ" في الرواية هي شخصية شديدة الطموح شديدة الطمع، عيونها الجميلة تتطلع إلى ما هو أبعد من عالم الزقاق وقلبها يخفق لمرأى البنات الجميلات وهن يرفلن في ملابسهن الجميلة، فلا تملك إلا أن تقول ما قيمة الدنيا بدون الملابس الجديدة، حميدة متمردة شغوف بأن تعيش حياة أخرى في عالم آخر ولم تكن الظروف تعمل لصالحها دائما حينما قذفت بنفسها إلى قلب المدينة الصاخبة وهي تعيش في أجواء الحرب العالمية الثانية، وكانت الحرب بآثارها المادية والاجتماعية هي التي دفعت بحميدة إلى الانحراف كما يذكر نجيب محفوظ متناسيا أن الدين والقيم يجب أن تصون الأعراض وتحفظ المرأة من الوقوع في براثن الخطيئة.

نأتي إلى ثلاثية نجيب محفوظ وهي مليئة بالشخصيات النسائية المتحررة، وهذا واضح في شخصية "سوسن حماد" زوجة الحفيد "أحمد عبد المنعم" في رواية "السمان والخريف" توجد شخصية "ريري" وهي نموذج فريد للفتاة المنحرفة التي تخرج ليلا ولا تعود إلا في الفجر، وأصبحت ماعونا ملوثا لكل من هب ودب، ثم تقرر العودة للأخلاق.

وحول هذه الشخصية تقول الدكتورة "نعمات أحمد فؤاد"ـ في مقال لها نشرته صحيفة "الأهرام" القاهرية ـ إن نجيب محفوظ كثيرا ما قدم نماذج سيئة للمرأة لكنه قرر بعد ذلك أن يتصالح مع المرأة ويقدم نموذجا للكبرياء المتسامح والقدرة على الصمود أمام الإغراء والزهد في الإثم الذي ذاقت هوانه وتعاسته وذلك في رواية الثلاثية.
البداية والنهاية

أما شخصية "نفيسة" في رواية "بداية ونهاية"فيصورها نجيب محفوظ على أنها ساقطة يائسة، ويعلل ذلك بفقرها وجهلها ودمامتها، وهي شابة في مقتبل العمر، يمتلئ جسدها بالحيوية والرغبة في الحياة، ولكن وجهها الدميم يخذلها وجهلها يقودها مغمضة العينين إلى مصيرها المحتوم وفقرها لا يترك لها أملا في الزواج، لقد تحالف عليها ما يدمر حياة أي فتاة، ولو كانت نفيسة غنية لربما وجدت من يتغاضى عن دمامتها ويتناسى قبحها، وربما وجدت من يغفر زلتها ويعفو عن خطيئتها فالشرف قيد لا يغل إلا أعناق الفقراء وحدهم، نفيسة أقرب ما تكون إلى ملامح البطل التراجيدي الذي تضعه الحياة في مأزق، وقد زلت قدم نفيسة فماتت مرتين، يوم أن استسلمت لضعفها ويأسها ويوم أن قفزت إلى أعماق النيل بلا رجعة.

في رواية "ميرامار" نجد شخصية "زهرة"ابنة الريف الفلاحة الجميلة التي هربت من قريتها لتعمل خادمة في "بنسيون" ميرامار بالإسكندرية يطمع فيها جميع نزلاء البنسيون.

هذه كلها نماذج توضح أن عالم المرأة لدى نجيب محفوظ هو من أسوأ الشخصيات، وقد اتخذ نجيب محفوظ هذه الشخصيات الساقطة عن عمد، ولم يفسر لنا ما المقصود باختياره لهذا السقوط حيث جعل المرأة تسبح في عالم الرذيلة دون رادع من قيم أو دين أو أخلاق، متجاهلا نماذج مشرفة يذخر بها المجتمع المصري، وبذلك ظلم نجيب محفوظ المرأة عشرات المرات في أدبه.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى