الخميس ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣
بقلم مادونا عسكر

ليكن سلام في الأرض

يطلّ علينا عيد الميلاد المجيد والسّيّد المسيح حزين ودامع العينين جرّاء ما يحدث في الأرض الّتي أرادها أرض محبّة وسلام. يهلّ علينا السّيّد وقلبه مجروح في صلب محبّته ومتألّم ممّا يرتكبه الإنسان بحقّ أخيه الإنسان من قتل واضطهاد وإهانة للكرامة الإنسانيّة. وكأنّ هذه الأرض متعطشة للمزيد من الدّماء، تستقي من نزف الإنسانيّة ولا ترتوي. وكأنّ الإنسان لم يعِ بعد كرامته الّتي تميّزه عن الحيوان، وترتقي به إلى أفضل مخلوقات الله. وكأنّ الإنسان لم يدرك بعد أنّ هذه الأرض ليست له وحده وأنّ أخاه في الإنسانيّة ليس عبداً له، ولا مخلوقاً من درجة ثانية، فتراه يستحكم ويبدّد ويكفّر ويخطف ويقتل دون أيّ مراعاة واحترام لخالق الإنسان.
يطلّ علينا عيد الميلاد المجيد وإخوة لنا بين مشردين ومخطوفين ومضّطهدين ومعنّفين ومذبوحين ولا من يحرّك ساكناً، ولا من يرفّ له جفن. فأنّى لنا أن نفرح ونبتهج؟ وأنّى لنا أن نسعد وقلوب كثيرة تنزف ألماً وحزناً؟ إنّ أهمّيّة العيد ليست في الزّينة والأضواء والملابس الجديدة، وإنّما أهمّيّته تكمن في نفوس تتهيّأ لاستقبال المحبة بقلوب نقيّة، خالية من الحقد والكراهية والنّقمة، كما في مشاركة أخينا الإنسان بأفراحه وأتراحه. ولأنّ الأتراح باتت تغلب الأفراح في هذا الزّمن العسير فلا بدّ من مشاركة إخوتنا المعذّبين أتراحهم وأحزانهم، ونهمّ لمساعدتهم أينما حلّوا وكائن من كانوا، وإلى أيّ عقيدة انتموا.

إلّا أنّ هذا لا يعني أن نتنازل عن العيد، وندعه يمرّ مرور الكرام، فالآتي هو السّيّد المسيح، سيّد المحبّة والسّلام. ولقد أتى لكي تكون لنا الحياة، وبوفرة، ولنحيا فيض الفرح، ولكنّ الفرح الدّاخليّ الّذي لا يزول والّذي من غير المسموح أن نسمح لأحد أن يأخذه منّا، ومن له أذنان سامعتان فليسمع! إنّه الفرح الآتي باسم الرّبّ العليّ وسيكون حياة وسلاماً للجميع، أيّاً كانت الظّروف، وأيّاً كان الوجع، ومهما بلغ الألم من مرارة وحرقة.

ها إنّ نجمة في سماء غير السّماء تبلّغنا بقدوم الحبّ إلى الأرض. ها إنّ شعاعها يتناهى إلى بصيرة الضّمائر الغائرة، لعلّها تستفيق من سباتها العميق وتعود إلى سبلها المستقيمة. ها إنّها تبشّرنا بمجيء رئيس السّلام، طفل مضطجع في مذود، آتٍ من العلى ليفتقدنا نحن الّذين في الظّلمة والظّلال. أفلا نتبعها لتدلّنا على الحبّ الأزلي، فنغرف منه ونستعيد إنسانيّتنا؟ أفلا نقتفي أثرها فنصل إلى بيت لحم، حيث الحبّ يولد ولا يموت؟

ارفعي صوتك يا بيت لحم عالياً وأعلني قدوم السّيّد، واهتفي بقوّة: "حيّ هو الرّبّ الّذي سيمنحنا خلاصاً وسلاماً". اهتفوا يا جميع الأمم: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة"، ليكن سلام في الأرض.
ويا أيّها الآتي إلى عالمنا المظلم، أضئ علينا بنور حبّك ودمّر قيود الكراهية والحقد، وبدّد كلّ خوف ورعب. أشعل في قلوبنا نار المحبّة، فتضّطرم وتتّقد وتفيض فرحاً وسلاماً على المسكونة كلّها، ليكن سلام في الأرض.

أيّها الحبّ الأزلي أغدق علينا وعلى إخوتنا فيض رحمتك، تعال واسكن في قلوبنا فتستنير وتتحرّر. تعال بسرعة يا سيّد، فالكون في فوضى مخيفة، والإنسان يرزح تحت نير أحزانه وأسقامه، والعالم يتضوّر جوعاً إلى المحبّة. تعال وأشبع نفوسنا واروِ ظمأنا إلى سلامك الّذي هو غير سلام العالم المنافق. أسرع يا سيّد، وأعد لنا كرامتنا الإنسانيّة فنعيّد معك العيد الّذي لا ينتهي ولا يزول.
تعال يا سيّد ليكن سلام في الأرض.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى