الخميس ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٤
إلكترا، لسوفوكليس
بقلم محمد زكريا توفيق

هل شغفنا الزائد بالعلوم والتكنولوجيا، يجعلنا نغفل...

"هل شغفنا الزائد بالعلوم والتكنولوجيا، يجعلنا نغفل ما نحس به من عاطفة، يؤججها بيت من الشعر أو يذكيها لحن من أغنية أو لوحة زيتية أو مشهد من مسرحية أو فيلم سينمائي؟"

إلكترا، تراجيديا إغريقية موضوعها الإنتقام وجريمة القتل. لكنه إنتقاما غير عادي. لأنه إنتقام كان مطلوبا ومدبرا ومخططا له منذ مدة طويلة. منذ أن قتلت الملكة الأم، بمساعدة عشيقها، زوجها الملك أجاممنون، بعد انتصاره الكبير في حرب طروادة.

لقد كانت إلكترا تمزقها رغبة جامحة للانتقام لمقتل أبيها. انتظرت إلكترا أخيها أوريستيس حتى يكبر ويشتد عوده ويعود لبلده، لكي ينتقم لمقتل أبيه.

بالرغم من أن إلكترا فتاة قليلة الحيلة، كانت تعامل معاملة سيئة من أمها وزوج أمها، إلا أن الكوابيس والهواجس ظلت تطاردها وتحثها على الانتقام. في الواقع، هذه الكوابيس والهواجس، كانت هي تسليتها الوحيدة في وحدتها وبؤسها، إلى أن عاد لها أخوها أوريستيس.

قصة المسرحية، جاءت في عمل رائع آخر من أعمال الدراما الإغريقية لأسخيليوس، "حاملات قرابين الخمر"، عالج نفس الموضوع. بعد ذلك بقرون عديدة، الموسيقار الألماني ريتشار شتراوس، ألف أوبرا بعنوان إلكترا عن نفس الموضوع.

في صيف عام 1969م، قام جوزيف باب من نيويورك بإنتاج نفس مسرحية إلكترا، لسوفوكليس. ثم قام بعرضها بفريق تمثيل من مسرح شيكسبير في نيويورك 25 مرة في شوارع نيويورك مجانا. شاهدها واستمتع بها الكبار والصغار على السواء.

إلكترا إنتاج سينمائي مع ترجمة إنجليزية.
https://www.youtube.com/watch?v=wWLpclJ3xfk

المسرحية بأسلوب مبسط:

أبطال المسرحية:
أوريستيس، الابن الوحيد لأجاممنون وكليتيمنسترا
بيلاديس، صديق أوريستيس
المعلم، معلم وخادم أوريستيس، قام بتربيته
إلكترا، أخت أوريستيس
كريسوتيميس، أخت أوريستيس
إيجيثوس، الملك وزوج أرملة أجاممنون
رئيس الكورس
الكورس، بنات الإله أرجوس
خدم

المعلم: الآن يا أوريستيس، كم من السنين قد مرت وأنت متشوق لرؤية هذا المكان الذي تقف فيه الآن؟ هذا هو نفس المكان الذي أنقذتك فيه أختك إلكترا وأنت طفل، عندما قامت أمك وعمك بقتل أبيك أجاممنون. أنا الذي قمت بحملك وإبعادك بناء على أوامر أختك إلكترا، في ذلك اليوم الحزين، الذي قتل فيه أبوك. لقد حملتك إلى مكان أمين، وقمت برعايتك كل هذه السنين، حتى كبرت وصرت شابا يافعا. الآن عليك أن تنتقم لمقتل أبيك.

أوريستيس: صديقي القديم وخادمي المخلص، لا شك في ولائك لي. استمع، سأخبرك بما أنوي فعله، وقم بتصويب ما قد تجده معوجا من كلامي، أو ما يحيد عن الصواب. عندما ذهبت إلى عرافة المعبد، لكي أتبين أفضل الطرق أسلك للانتقام لمقتل أبي، أخبرتني الآلهة بأن: "أعطي كل من اشترك في القتل نصيبه العادل من العقاب". خطتي تتلخص ببساطة في أنك تتسلل إلى القصر، لكي تتبين ما يجري هناك. لن تلاحظك العيون، لأن السنين قد ملأت وجهك بالتجاعيد وصبغت شعرك باللون الفضي. ثم قم بنشر شائعة مقتل أوريستيس، وأقسم بصحة الخبر. أنا واثق من أنني سوف أبعث من هذا الموت المزعوم كالشهاب الثاقب لكي أفاجئ أعدائي. أيتها الآلهة، تقبلوا صلواتي وامنحوني بركاتكم. لقد أتيت لكي أصفي وأطهر. اعيدوا لي حقوقي المسلوبة وساعدوني لكي أستطيع إعادة بناء بيت والدي المتهالك وتطهيره من الرجس. صديقي ومعلمي، ابدأ مهمتك من الآن، لقد حان الوقت، فالوقت هو الحاكم لكل شئون البشر.

إلكترا: (من القصر) آه، وا أسفاه.

المعلم: استمع يا أوريستيس إلى صرخة حزن شديدة.

أوريستيس: الصوت يوقظ ذاكرتي. هل يمكن أن تكون هي صرخة أختي إلكترا؟ دعنا ننتظر سماعها ثانية.

المعلم: بلى، دعنا نغادر على الفور، ونلتزم بخطتنا الأصلية حتى لا نواجه بالفشل.

(يخرج أوريستيس وبيلاديس صديقه والمعلم. وتدخل إلكترا)

إلكترا: أيتها السماء، يا من تظلين الأرض، في كل ليلة يمحوها الفجر أرتل كلماتي الحزينة هنا. كم من الدموع أذرفتها على أبي المفقود. آه يا أبي! يا مسكين! أمي وزوجها الجديد إيجيثوس حرماني منك. أنا وحدي، يا أبت، التي تبكي موتك. أبدا لن أتوقف عن البكاء وعن نعيك والحزن عليك. أبدا أبدا! آه يا آلهتي، أنتم ترون كل شئ. قفوا إلى جانبي. أعيدوا إلي أخي أوريستيس، حتى يشاطرني الأحزان، فلم أعد أقدر على تحملها وحدي.

(يدخل الكورس)

الكورس: إلكترا، ابنة الأم الخاطئة، لماذا تضيعين حياتك في يأس لا يتوقف؟ لقد مات أبوك منذ زمن بعيد.

إلكترا: أيتها البنات الرقيقات، أعلم أنكن قد أتيتن لمواساتي، لكنني لا أستطيع التوقف عن البكاء والحزن على أبي. اتركنني ودعوني أبكي.

الكورس: إنك لن تستطيعين انقاذه من براثن الموت وإحيائه مرة ثانية. فهل تبقين في هذه الحالة البائسة؟

إلكترا: العقول التي لا تعي والقلوب التي لا تحس، هي فقط التي تنسى الأب المقتول.

الكورس: أحزانك الثقيلة لا تحملينها وحدك. أختك كريسوتيميس تعيش داخل القصر في سلام ووئام، لا تمل الحياة. أخوك أوريستيس، المنفي خارج البلاد، ينتظر عودته منتصرا إلى أرض أرجوس.

إلكترا: عام بعد عام أنتظره. إنه يرغب في العودة. أنا أعلم ذلك، لكن لا شئ يتحقق.

الكورس: زيوس، ملك السماء، يعلم كل شئ يا إلكترا. خففي من روعك. الزمن له قوة سحرية تهيل الجراح.

إلكترا: نصف حياتي أضعتها في انتظار عقيم. أنا وحدي، سرعان ما تخبو قوتي. أيتها الآلهة، يا من تحكم السماء والأرض، صبوا جام غضبكم على أمي كليتيمنسترا وزوجها الجديد إيجيثوس.

الكورس: كوني حكيمة يا إلكترا ولا تقولين أكثر من ذلك.

إلكترا: اتركنني، اتركنني. لقد عصي دائي علي الشفاء. لن تشفي غليلي الدموع والنواح.

الكورس: لا تضيفي، يا ابنتي، متاعب جديدة إلى متاعبك.

إلكترا: هل هناك اعتدال فيما أعانيه؟ وهل من الصواب نسيان مقتل والدي؟ إذا لم يعاقب قتلته بالموت، في هذه الحالة، سوف يختفي بين البشر الخوف من الإله واحترام الإنسان للإنسان.

الكورس: سنكون هنا عندما تحتاجينا.

إلكترا: آسف لكوني دائمة الشكوى. أعذرنني. فمن هي المرأة التي تعجز عن الصراخ بالدعاء إلى السماء إذا رأت أبيها يعاني مثل هذا الكرب. لقد أصبحت أمي عدوي اللدود! أي شعور بالسعادة يمكن أن تختاروه لي ، عندما أرى إيجيثوس جالسا على عرش والدي وهو لابس رداءه؟ أصرخ حتى يحضر أوريستيس أخي لكي يضع حدا لكل هذا العناء.

رئيس الكورس: هل غادر إجيثوس القصر، مما جعلك تتكلمين بهذه الجرأة؟

إلكترا: لن أجرؤ على الخروج من القصر إذا كان إيجيثوس بالقرب مني. إنه يزور مدينة أخرى.

رئيس الكورس: إذن على أن أكون أنا الآخر جريئا وأتكلم معك بحرية أكثر.

إلكترا: إجيثوس ليس هنا. قل ما يحلو لك.

الكورس: ما هي أخبار أخيك أوريستيس؟ هي هو قادم أم أننا ننتظر في هباء؟

إلكترا: لقد وعد بالعودة، لكن وعوده لم تأت بشئ.

رئيس الكورس: موضوع كبير لم ينجز بسرعة.

إلكترا: بالرغم من أنني أنقذته وهو طفل بالسرعة الكافية.

الكورس: على مهلك. أخوك رجل طيب وشجاع. لن يخذلك أبدا.

إلكترا: لا أعتقد ذلك، يا ليتني مت قبل هذا منذ مدة طويلة.

الكورس: صه. كف عن الكلام. لقد حضرت أختك كريسوتيميس.

(تدخل كريسوتيميس)

كريسوتيميس: إلكترا! لماذا أنت خارج القصر تنشرين كلامك؟ ألم تتعلمي كيف تتحكمين في غضبك؟ أسفي وحزني عميق مثلك، لكنني اخترت الإنحناء أمام عاصفة أمي وزوج أمي، لأنني ما بيدي حيلة و لا سلطان. نعم، أنت على حق، لكن علي أن أمتثل أو أفقد كامل حريتي.

إلكترا: أن تنسي والدك المقتول والدور الذي قامت به أمك، شئ مخجل. أما أنا، فلن أخضع لهما حتى لوكان الثمن هو كل الجواهر والترف والطعام الفاخر الذي يجعلانك تحيا حياة رغدة. يكفيني أن آكل من الفتات الذي يتركانه لي. ربما تكونين معروفة بأنك ابنة أجاممنون، لكن الكل يدعوك ابنة كليتيمنسترا. يعرفونك كما أنت، خائنة لذكرى أبيها.

الكورس: لا تتشاجرا! يمكن مساعدة كل منكما الأخرى.

كريسوتيميس: أنا معتادة لكلامها المسهب. لكنني أتكلم لأحذر أختي من الخطر المحدق بها. فهم يخططون لإسكات شكاياتها التي لا تنتهي.

إلكترا: أي عقاب يمكنهما إلحاقه بي، أكثر من الآلام التي أعانيها الآن؟

كريسوتيميس: سأخبرك بكل ما أعرف. لقد قررا وضعك في جب مظلم إذا لم تكفي عن العويل. الجب عميق بحيث لا يمكنك رؤية الشمس مرة أخرى. لذلك فكري في الأمر وكوني حكيمة.

إلكترا: هل تقرر ذلك الآن.

كريسوتيميس: هل جننتي؟ وهل اخترتي المعاناه؟

إلكترا: نعم، حتى لا أرى وجوهكم جميعا.

كريسوتيميس: لم يعد لدي ما أقوله. سأتركك الآن وأذهب لمهمتي.

إلكترا: إلى أين تذهبين بهذه القرابين؟

كريسوتيميس: سأضعها على قبر أبي. لقد أرسلتني أمنا.

إلكترا: هي من قتلته وتقدم له القرابين؟

كريسوتيميس: لقد رأت رؤيا تؤرقها؟

إلكترا: آه، أيتها الآلهة، يا آلهة آبائنا، استمعوا إلى هذا؟

كريسوتيميس: هل رأيتي بارقة أمل في رؤياها هذه؟

إلكترا: المصير غالبا ما يتوقف على كلمة أو كلمتين. احكي حكايتك.

كريسوتيميس: رأت أمنا في المنام أن أبانا أجاممنون قد عاد إلى الحياة مرة ثانية ووقف إلى جوارها. ثم رأته يأخذ الصولجان من إجيثوس ويثبته في المذبح فنبتت منه الأوراق حتى كست بظلالها كل أنحاء القصر.

إلكترا: لا لن يلمس قربانها القبر. ألقيه بعيدا! كيف تظنين أن أبانا يقبل مثل هذه الرشوة ممن قتله؟ الأولى أن تهبي ذكرى أبانا خصلة من شعرك وخصلة من شعري. اركعي أمام قبره وصلي من أجل عودته من عالم الأموات لكي يساعدنا.

الكورس: أختك تتكلم من قلبها. اتبعي نصيحتها.

كريسوتيميس: سوف أفعل! ولكن ابق ما سأفعله سرا. إذا علمت كليتيمنسترا، سوف يكلفني هذا ثمنا فادحا.

(تخرج كريسوتيميس متوجهة إلى قبر والدها أجاممنون)

الكورس: هذه الرؤية تنطق بصوت العدل. أيتها الآلهة، ارضوا على هذا القصر الذي شاهد من الخزي والبؤس الكثير.

رئيس الكورس: صه. ها هي الملكة كليتيمنسترا قادمة.

( تدخل الملكة ومعها خادم على كل جانب)

كليتيمنسترا: تهيمين على وجهك بمحض اختيارك يا إلكترا، عندما يكون إجيثوس بعيدا. وتقومين بنشر شائعات مغرضة عن أمك، وتصفينني بأنني قاسية وظالمة. تتهمينني بأنني السبب في مقتل والدك. هذا لا أنكره! ولكن، هل أبدا سألت نفسك عن السبب؟ لماذا؟ اسأليني لماذا؟ أبوك هذا الذي تقيمين عليه الحداد طول الوقت، قام بالتضحية بطفلتي إلى الآلهة. من أعطاه الحق في التضحية بابنتي وفلذة كبدي؟ نعم لقد قتلت أباك. وإذا اعتقدتي أنني مذنبة، صححي خطأك قبل أن تكوني وصية على أفعالي.

إلكترا: هل هناك إعتراف أدنى وأحط من الاعتراف بقتل أبي؟ لقد ضحى أبي بابنته وهو في شدة الكرب إلى الإلهه أرتيميس. تذكري السبب. كانت أرتيميس غاضبة لقتل والدي للظبي في الغابة المقدسة، فأمرت أرتيميس الرياح كي تعوق أسطول أبي وتمنعه من الوصول إلى طروادة أو العودة سالما إلى وطنه. رغما عن مشيئة أبي ومقاومته العظيمة، قام بالتضحية المؤلمة. لكن، أي حق لك في قتله؟ وتحت مظلة أي قانون؟ أنت وزوجك الجديد إجيثوس، قمتما بجعل حياتي جحيما. إذهبي والعنيني أمام العامة. صفيني بأي صفة تريدين. قولي لهم بأنني ابنة شريرة، قاسية، عاقة، وغير كفؤة. إذا كنت كل هذا، فأنا في هذه الحالة أكون حقا ابنتك.

الكورس: إلكترا غاضبة إلى أبعد الحدود سواء كانت على صواب أم على خطأ.

كليتيمنسترا: أنظروا كيف تهين أمها بكل وقاحة. هل هناك ما يجعلها تحيد عن غيها؟ إنها لا تعرف الخزي على الإطلاق.

إلكترا: أنا أخجل مما أفعل. لكن شرك كان المثل بالنسبة لي. الشر في جيل ينتقل إلى الأجيال اللاحقة.

كليتيمنسترا: أقسم بالإلهة أرتيميس أنه عند عودة إيجثوس، سوف تعاقبين على وقاحتك هذه.

إلكترا: قومي بتقديم القرابين إلى الآلهة. كلماتي لن تسبب لك متاعب أكثر من ذلك.

كليتيمنسترا: (تخاطب خدمها) احملوا قربان الفاكهة إلى الإله أبوللو بينما أصلي. أيها الإله أبوللو، إن كان هناك من يدبر في الخفاء شيئا ليسلبني ثروتي التي أتمتع بها الآن، فاحبطه واردد كيده إلى نحره. واجعل السلطة الملكية في عصمتي مادمت على قيد الحياة، ونجني من الأذى. يا إلهي أبوللو، استجب لدعائي وحقق أمنياتي. هذه هي صلاتي إليك.

(يدخل المعلم)

المعلم: هل هذا هو قصر الملك إيجيثوس؟

قائد الكورس: لم تخطئ. هو كذلك.

المعلم: وهل هذه السيدة هي زوجة الملك؟

الكورس: هي بالتأكيد الملكة.

المعلم: تحياتي إلى مولاتي الملكة. أنا حامل البشرى السعيدة لك وللملك إيجيثوس.

كليتيمنسترا: إذا كانت الأخبار سارة، فالرسالة ستكون ودودة بالتأكيد.

المعلم: هي خبر مقتضب. مات أوريستيس.

إلكترا: آه، لا. هذا موت لي أنا.

كليتيمنسترا: ماذا يا سيدي؟ لا تلتفت إليها.

المعلم: كما قلت، مات أوريستيس.

إلكترا: موت أوريستيس هو موتي أنا.

كليتيمنسترا: إخرسي! كيف مات أيها الغريب؟

المعلم: سوف أخبركم جميعا. كان أوريستيس في ديلفي حتى يشترك في ألعاب الأوليمبياد كقائد عربة حربية. في البداية، كان كل شئ على ما يرام. الكل يهتف له ويبتهج بتقدم عربته في السباق. الكل يتوقع فوزه ويصيح "أوريستيس، ابن أجاممنون، أوريستيس، أوريستيس". لكن في لحظة مميتة، احتكت العجلة اليسرى في عربته بعمود في الحلبة، مما تسبب في خلع المسمار الذي يحفظ العجلة في مكانها، إذا بأوريستيس يطير في الهواء ويسقط على رأسه وسط الركام والأحجار. حالا سيحضر رجلان يحملان الرماد المتبقى من جثمانه في قارورة. هذه هي الحكاية.

الكورس: سيخلد اسم أوريستيس إلى الأبد. سلالة الملوك العتيقة تنتهي بمصيبة.

كليتيمنسترا: يا إلهي زيوس! هل هذه الأخبار خير أم شر، سعيدة أم مرة؟ وهل هناك مرارة أكثر من أنني يجب أن أفقد ولدي كي أنقذ نفسي؟

المعلم: لا أعتقد أنك تحزنين كثيرا لسماعك أخباري هذه.

كليتيمنسترا: حقا الأم لا تكره ابنها.

المعلم: أرى الآن أن رسالتي ليست محمودة.

كليتيمنسترا: بلى، رسالتك ليست غير محمودة. لقد أحضرت برهانا لا يقبل الشك على أنه قد مات. الآن أنا حرة. لقد تحررت من الخوف منه. منذ أن غادر هذا المنزل، وهو لا يكف عن اتهامي بقتل أبيه. كل ساعة تمر، كانت تحمل في طياتها شبح موتي. الآن أنا حرة من هذا التهديد البغيض. بدون أوريستيس، يصبح تهديد إلكترا غير مؤذ. لن يكون صراخها ووعيدها وتهديداتها القبيحة ذات مغزى. الآن يمكنني أن أعيش في سلام ووئام.

إلكترا: آه يا أخي يا مسكين! أمك الغير طبيعية تهلل لموتك. هل هذا عدل؟

كليتيمنسترا: لقد نال نصيبه العادل من الجزاء، ولكن لم تناله أنت.

إلكترا: يا إلهة الإنتقام، لبي دعائي!

كليتيمنسترا: لقد استمعت إلى دعائك وأخذت قرارها.

إلكترا: سوف تحين ساعتك.

كليتيمنسترا: من الذي يجرؤ على إسكاتي؟ أنت أم أوريستيس؟

المعلم: الآن أعود إلى مدينتي بعد أن انتهت مهمتي.

كليتيمنسترا: تعود إلى بلدك؟ لا. إنزل علينا ضيفا في القصر واترك هذه الفتاة لأحزانها وللنحيب على أخيها.

(تخرج كليتيمنسترا والمعلم ويتوجها إلى القصر)

إلكترا: أوريستيس، أخي الحبيب، أنت ميت وأمك تضحك. لم تترك لك سوى السخرية. أنا الآن وحيدة، لا أب لي ولا أخ. إلى من أرجو، يا رفيقي الحبيب، أوريستيس؟ واحسرتاه، سأعود إلى عبودية من يجب أن أكرههم. هؤلاء الذين قتلوا أبي. فهل هذا عدل؟ لا! لن أضع قدمي مرة ثانية في قصرهم. ليأتوا ويقتلوني، وسأكون شاكرة لذلك. فأنا أريد أن أموت.

(تركع إلكترا على الأرض)

رئيس الكورس: زيوس! أيها العظيم زيوس! أين مطرقتك لكي تدمر بها هذا الشر الذي يعشش في هذا المنزل.

الكورس: لا تبكي يا ابنتي!

إلكترا: من الذي ينتقم الآن لأجاممنون، أبي؟ لا توجد راحة. دعوني وشأني!

الكورس: قدرك قاسي ظالم.

إلكترا: سنة وراء سنة من الحزن القاتم.

الكورس: لقد رأينا دموعك!

(تدخل كريسوتيميس)

كريسوتيميس: أتيت في عجالة أحمل لك أخبارا سارة. أخبار حسنة. أخبار بهيجة. أخباري سوف تبرئك من الغم والأسى.

إلكترا: أي دواء يمكن أن يبرئني من أحزاني، التي تستعصي على العلاج؟

كريسوتيميس: لقد عاد أوريستيس! حقا! إنه هو بدون شك!

إلكترا: هل جننت؟ هل أنت قاسية لهذا الحد وتسخرين من مصيبتي؟

كريسوتيميس: أنا لا اسخر منك. أقسم بذكرى أبانا أن أوريستيس هنا.

إلكترا: دعيني وشأني.

كريسوتيميس: اسمعي إلكترا، أنا أناشدك. عندما اقتربت من قبر أبي، وجدت عليه خصلة من الشعر مقطوعة حديثا. تذكرت على الفور أخانا الحبيب أوريستيس. من غيره يضع مثل هذا القربان على قبر أبي، سوى أنا أو أنت؟ لست أنا، وأنت لم تكني هناك. لم يبق إلا أوريستيس أخي هو الذي قدم القربان. لم يكن القدر رحيما بنا، لكن اليوم هو بداية سعادتنا الغامرة.

إلكترا: لا يمكنني سوى الشفقة عليك. ويا ضحالة ما تعرفين.

كريسوتيميس: أليست هذه أحسن الأخبار أزفها إليك؟

إلكترا: أنت تعيشين في عالم الأحلام، أختي. الحقيقة تختلف تماما عن الخيال.

كريسوتيميس: لقد رأيت خصلة شعر مقصوصة حديثا من شعر أوريستيس!

إلكترا: مسكينة يا كريسوتيميس. مات أوريستيس ولا تفكري كثيرا فيه.

كريسوتيميس: ليس هذا صحيحا.

إلكترا: لقد أخبرنا الرسول بكل شئ. لقد رحبت به أمنا وهي تبتسم.

كريسوتيميس: هذا يصيبني بالفزع.

إلكترا: لقد تركنا وحدنا أنا وأنت. دعينا يا كريسوتيميس نقف إلى جوار بعضنا البعض. استمعي إلى خطتي. سويا يمكننا بشئ من الشجاعة أن ننتقم من إيجيثوس، الذي تسبب في نكبة أبينا. وافقيني يا أختي. قفي إلى جواري. دعينا ننهي حياة الخزي هذه. حياة مليئة بالخزي والمعاناة هي حياة ذل وعار.

كريسوتيميس: بماذا تفكرين؟ هذا تهور. فما أوهننا في مواجهة قوة أعدائنا الرهيبة. راجعي غضبك قبل أن تجلبي الخراب على كلانا. بدون أوريستيس، ليس أمامنا سوى الامتثال لهذه السلطة.

الكورس: الحذر والتروي شيئان مفيدان في هذه الحياة.

إلكترا: إذن علي أن أقوم بالمهمة وحدي! أعترف بأنك حذرة، لكنني أحتقرك. لقد يأست منك ولا فائدة ترجى من ورائك. اذهي وأخبري أمك بكل شئ سمعتيه.

كريسوتيميس: تخلي عن هذه الحماقة. استمعي إلى نصيحتي.

إلكترا: لا. ليس هناك أسوأ من نصيحة فاسدة.

كريسوتيميس: هل يمكن أن أقول شيئا يرضيكي؟

إلكترا: إذهبي فلم يكن أبدا طريقك هو طريقي.

(تخرج كريسوتيميس)

الكورس: الخلافات تفرق بين الأخت وأختها. إلكترا تسبح في بحور من الدموع. هي مثل طائر الليل الذي يبكي من حزن لا عزاء له.

(يدخل أوريستيس و بيلاديس. يحمل بيلاديس قارورة)

أوريستيس: سيداتي، هل يمكن أن تدلوني على قصر إيجيثوس؟

الكورس: لقد وجدته.

أوريستيس: هل تفضلتم بإخبار أهل الدار بقدومنا.

رئيس الحرس: (يشير إلى إلكترا) هي أفضل من يقوم بهذه المهمة، فهي أقرب الأقرباء.

أوريستيس: أخبريهم أننا قد أتينا برماد جثة أوريستيس.

إلكترا: هذا ما كنت أخشاه. حمل خفيف الوزن عليكم، لكنه ثقيل الهم على قلبي.

أوريستيس: أنت تبكين، أعرف ذلك، على ما حدث لأوريستيس.

إلكترا: دعني أمسك القارورة وأبكي. أبكي على رماده. أعطيها لي كي أحملها بيدي.

أوريستيس: ناولها إياها ودعها تحملها. لابد أنها صديقة وأحد أفراد العائلة.

(بيلاديس يناول القارورة إلى إلكترا)

إلكترا: (تخاطب القارورة) أوريستيس، أخي، هل هذا هو ما انتهيت إليه! حفنة رماد. وهل هذا هو كل ما تبقى من أخي الحبيب؟ موتك هو موتي، لكن في نفس الوقت هو حياة وفرح لأعدائنا. أمنا، بفرض أنها أم، ترقص من الفرح! آه يا أخي الحبيب، لم أعد أرغب في الحياة بعدك. خذني معك. دعني أشاطرك نفس القبر. دعني أموت وأصبح مجرد ذكرى مثلك.

قائد الكورس: أبوك، أجاممنون، قد مات. كذلك أوريستيس أخوك. لعلنا نموت جميعا.

الكورس: تذكري، إلكترا، أن كل هذا الموت موت فناء.

أوريستيس: صمتي يخنقني. ماذا عساي أن أقول؟

إلكترا: ما خطبك، وكيف تتكلم بغرابة هكذا؟

أوريستيس: هل أنت الأميرة؟ هل ممكن أن تكوني إلكترا؟

إلكترا: للأسف نعم، أنا هي.

أوريستيس: لقد عوملتي بجفاء وبمنتهي الظلم.

إلكترا: سيدي، لماذا تنظر إلي مليا وتتكلم بحزن بالغ.

أوريستيس: كل معاناتك بادية للعيان.

إلكترا: ما تراه لا يذكر، بالمقارنة بالشرور التي تقترف في هذا القصر. معاناتي لا تمثل شيئا.

أوريستيس: أنا واحد ممن يشاطرونك الأحزان حقا.

إلكترا: الذي كان يشاطرني الأحزان قد مات. رماده في هذه القارورة.

أوريستيس: (يشير إلى الكورس) هل هن صديقات؟ وهل يمكن أن أتكلم أمامهن؟

إلكترا: لن يخزلنك فتكلم براحتك.

أوريستيس: أعطيني القارورة ، سأكشف لك عن كل شئ.

إلكترا: لا! لا! لا تكن بهذه القسوة وتأخذ حبيبي مني.

أوريستيس: لا يمكن أن أدعكي تحتفظين بها. أنا أصر على أن تعطيني القارورة.

إلكترا: آه يا أخي الحبيب أوريستيس، كم الحياة قاسية. لم أستطع حتى دفنك.

أوريستيس: أنت تتكلمين بخشونة. ليس هذا وقت الكلام عن الدفن.

إلكترا: وهل الحزن على موت أخي يعتبر خطأ؟

أوريستيس: هذا الرماد ليس رماد رفاة أخيك!

إلكترا: ماذا تقول؟

أوريستيس: لا أقول سوى الحقيقة!

إلكترا: هل هو حي؟

أوريستيس: كما أنا حي.

إلكترا: أنت. هل أنت أوريستيس؟

أوريستيس: أنظري... هذه علامة أبي! هل تصدقينني الآن؟

إلكترا: يا أضواء السماء، يا له من فرح عظيم! أي يوم سعادة وهناء هذا اليوم؟

أوريستيس: هو كذلك حقا.

إلكترا: يا بنات أرجوس، أنظرن! أنظرن إلى أريستيس أخي. موته كان خدعة، أعادته لي.

الكورس: نحن نراكي يا إلكترا. ونرى سعادتك الغامرة التي جعلت عيوننا تترورق بالدموع.

إلكترا: أوريستيس هنا، حي يرزق. يا ابن أجاممنون، أخيرا وجدت طريقك لي. لقد أتيت إلى أختك.

أوريستيس: تحكمي في انفعالاتك واجعلي سرورك في الخفاء. إذا ربما يسمعنا من بالقصر. لا تقولي الكثير حتى تسمح الظروف بذلك.

إلكترا: من في استطاعته الصمت إزاء عودتك الميمونة إلى دارك.

أوريستيس: تحلي بالحكمة والصبر. هناك خطر في إظهار السعادة الزائدة.

إلكترا: كيف أتحكم في عواطفي؟ يا بنات أرجوس، أوريستيس عاد سالما إلى بيته.

(يدخل المعلم قادما من القصر)

المعلم: أيها المتهور الغبي! ألا ترى أنك على مشارف خطر قاتل؟ ربما تسربت خطتك إلى القصر قبل وصولك. توقف عن الفرح. أي تأخير الآن يصبح مميتا.

إلكترا: من هذا الرجل، أوريستيد؟

أوريستيد: لقد وثقتي به وائتمنته ووضعتيني بين ذراعية منذ سنين طويلة. هل تتذكرين الآن؟

إلكترا: صديقنا العزيز، بيت أجاممنون مدين لك بالكثير. أنت الذي بقي على ولائه منذ أن مات أبينا. كنت أدعوك بأبي، لأنك كنت أبا لي بالفعل.

المعلم: لا تقولي أكثر منذ ذلك أرجوك. ستأتي أيام وليالي كثيرة تمكنك من سرد أقوالك بالتفصيل. قول واحد لك أوريستيس، أنت وبيلاديس، لقد حانت فرصتك التي كنت تنتظرها منذ سنين. هي الآن وحدها بالقصر. لا يوجد حرس بالقرب منها. لا تضع الوقت.

أوريستيس: بيلاديس، جاءت اللحظة الحاسمة. لقد فتحت الآلهة أبواب القصر للانتقام من مقتل أجاممنون.

(يسحب كل من أوريستيس وبيلاديس سيفه، يتبعهما المعلم ويندفعون جميعا إلى القصر)

إلكترا : يا إلهي أبوللو، اسمع دعائي. أتوسل إليك أن تبارك خطانا وأن تحقق مسعانا. بين للإنسان أن الآلهة تصب جام غضبها على كل من يمارس فعل الشر.

(تخرج إلكترا متوجهة إلى القصر)

الكورس: هناك ذهب القناصون إلى القصر. مثل كلاب الصيد تتبع أثر فاعلي الشر. حالا ستتحقق النبوءة.

(تدخل إلكترا من القصر)

إلكترا: صه، أيتها النساء. أنصتن! حالا سينجز أوريستيس المهمة. حالا. استمعن في صمت، أيتها النساء.

رئيس الكورس: لماذا خرجت من القصر يا إلكترا؟

إلكترا: لكي أنذرهم إذا عاد إيجيثوس.

(صمت رهيب. إلكترا والكورس يتجمدن في أماكنهن مثل التماثيل)

كليتيمنسترا: (من داخل القصر) النجدة! الموت يطاردني. إيجيثوس، أين أنت؟ النجدة! النجدة!

إلكترا: هل سمعتن؟ هل سمعتن؟

(صرخة مدوية أخرى من الداخل، يتبعها صمت مطبق لفترة طويلة)

الكورس: صرخة الانتقام على أشدها.

رئيس الكورس: ها هم يعودون بعد أن انتقموا من ضحيتهم. فمن يلوم؟

(يدخل أوريستيس وبيلاديس)

الكورس: لست أنا! لست أنا!

أوريستيس: لقد قالت الآلهة كلمتها. لن تشعري بقسوة أمك بعد اليوم.

رئيس الكورس: الحذر! إيجيثوس يعود.

الكورس: عودوا إلى القصر بسرعة.

إلكترا: دعوا كل شئ لي!

(يخرج إوريستيس وبيلاديس ويذهبا إلى القصر)

الكورس: حييوه تحية صداقة حتى لا يشك في التدبير الذي ينتظره.

(يدخل إيجيثوس)

إيجيثوس: أخبروني بوصول بعض الزوار يحملون خبر موت أوريستيس. ربما تعرفين شيئا عن الموضوع. تكلمي إلكترا! ماذا سمعتي؟

إلكترا: أنا أعرف بالطبع. لقد أحببت أوريستيس أخي. فكيف لا أجذع بخبر موته؟

إيجيثوس: أين هؤلاء الزوار وكيف أجدهم؟

إلكترا: في القصر. لقد كسبوا قلب كليتيمنسترا.

إيجيثوس: هل يمكن رؤية جثمان أوريستيس.

إلكترا: ستتمكن من رؤية جثمانه حقا.

إيجيثوس: افتحوا أبواب القصر. دعوا كل الناس ترى جثمانه.

(يدخل أوريستيس وبيلاديس يحملان جثمان كليتيمنسترا ملفوفا بالكفن)

إيجيثوس: يا بنات أرجوس، انظرن! أنظرن إلى جثمانه وتيقن أنني أنا سيد البلاد. اكشفوا عن وجهه ودعوني أرى وجه أوريستيس.

أوريستيس: اكشف أنت عن وجهه وودعه الوداع الأخير.

إيجيثوس: حسنا سأفعل. نادوا كليتيمنسترا لكي تسمع كلماتي الأخيرة لأوريستيس.

أوريستيس: ستأتي حالا.

(إيجيثوس يكشف عن وجه الجثمان)

إيجيثوس: يا إلهي! ما هذا؟ وأي شرك نصب لي؟

أوريستيس: ألا تستطيع أن تميز بين الحي والميت؟

إيجيثوس: أنت! أنت أوريستيس! لا! لقد أتيت لتقتلني! دعني أتكلم!

إلكترا: لا تدعه يقول شيئا. لا شئ أقل من حياته تكفيني للتكفير عن ذنوبه وآثامه.

أوريستيس: تعال إلى القصر.

إيجيثوس: لماذا أذهب إلى هناك؟

أوريستيس: لقد أعطيت الأوامر. حياتك سوف تنتهي في نفس المكان الذي قتل فيه أبي!

إيجيثوس: هل قدر لهذا القصر أن يشهد المزيد من المآسي؟ موت يتبعه موت؟

أوريستيس: سيرى هذا القصر موتك! الوقت يمر. ادخل!

إيجيثوس: تقدم وقدني.

أوريستيس: أنت أولا.

إيجيثوس: هل تخاف أن أخدعك؟

أوريستيس: الخارجون على القانون يجب أن يدفعوا حياتهم ثمنا لذلك.

(يدخل إيجيثوس القصر، يتبعه أوريستيس وبيلاديس وإلكترا. ثم يصرخ إيجيثوس)

الكورس: يا أبناء أجاممنون، انتهت أخيرا معاناتكم. وتحرر قصر أجاممنون مرة ثانية!

(يخرج الكورس ببطء. ثم تنزل الستار على مسرح خالي)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى