الثلاثاء ٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم عادل عامر

هوية العنف من يحكم فيها الآن

إنّ العنف لا يكفي لوصف ظاهرة الثورة، وإنّما التغيير هو الوصف الأجدر بها، ولا يمكننا الحديث عن الثورة إلا حين يحدث التغيير ويكون بمعنى بداية جديدة، وإلاّ حين يستخدم العنف لتكوين شكل مختلف للحكومة لتأليف كيان سياسي جديد، وإلاّ حين يهدف التحرّر من الاضطهاد إلى تكوين حريّة”.. كلّ الثورات ارتبطت بالعنف كشرط إمكان لتأسيس بداية جديدة وكيان سياسي جديد يحرر من الاضطهاد والطغيان ويضمن الحرية والعيش الكريم. لكنّ ما يحدث اليوم في المسارات الثوريّة التي نعيشها في البلاد العربية هو واقع مغاير: حدثت انتفاضات ووقع القضاء على طغاة لكن لا شيء ينبئ ببداية جديدة. ما يحدث هو عودة قوية مدجّجة بأوهام لاهوتية إلى نمط من الطغيان القديم تحت راية تأهيل نموذج رعوي للكيان السياسي وذلك الأمر أدّى إلى تحول الرّكح السياسي الحالي في بلداننا إلى ركح لممارسة العنف ضدّ الشعوب: عنف على العقول بأدلجتها وتحويلها إلى غرف نوم على تمائم الدّعاة ودخان البخور.. وعنف على القلوب بنشر الرّعب فيها من عذابات القبور.. وعنف على الأجساد بتحويلها إلى أجهزة أخلاقية للحرام وللتحريم وللتأثيم.. وفي الخريطة الخبيثة لهذا العنف ثمّة مكان أيضا لاغتيال الأرواح وقتلها غيلة. إن معرفتنا بان كل الحقائق نسبية وإن لا شيء مطلق يسحب من الآخرين البساط الذي يدعون من خلاله انهم وحدهم يملكون الحقيقة وإن الآخرين عيال عليها ـ عليهم ـ وتمنحنا تلك المعرفة القدرة على مد جسور الحوار البناء مع الآخرين وليس الخلاف معهم لان في الحالة الأول يوجد تواصل وتلاقح وفي الحالة الثانية إلغاء وقطيعة..

ان افضل طريقة لحماية حقوق الإنسان والمواطن تتحقق عن طريق وضع منظومة من القوانين والتشريع في الدولة . لذلك تكون هناك أهمية كبيرة للجمعيات التطوعية التي تناضل من اجل حقوق الإنسان وتظهر أهمية هذا النضال على الملا في جهاز التعليم وتوسيع نطاق التشريع في هذه القضايا واساسا في زيادة وعي الجمهور بأهمية الموضوع . ونشر أسماء الدول التي تمس بحقوق الإنسان كما تبلور مواثيق عالمية اشهرها " الإعلان لجميع البشر عن حقوق الإنسان " من قبل هيئة الأمم المتحدة . وبموجبه تلتزم الدول التي وقعت عليه حماية حقوق الإنسان وضمانها في دولها .

وعلى حد تعبير المفكر الإسلامي د. كمال أبو المجد حين يسود التطرف تستباح الحقيقة ويزيف الواقع وتنتهك السمعة والكرامة ويرجم أصحاب الرأي المخالف.. والمتتبع لنصوص القرآن الكريم بعيداً عن التفسيرات البشرية لها يستطيع أن يلمس حقيقة الاختلاف في أسمى صوره بدءاً من ابسط الأمور إلى أعقدها وهو الإيمان وعدمه دون إكراه أو تسلط.. وقد ربط المفكر الإسلامي وحيد الدين خان بين حرية الاختلاف وبين مبدأ التوحيد لإله واحد بقوله (إن المجتمع الذي يقاوم حرية التعبير وحرية الاختلاف ينقض في حقيقة الأمر مبدأ توحيد الله وتنزيهه، فالذي لا يرد قوله ولا يُسأل عما يفعل هو الله سبحانه.. فهل يريد المانعون أن يجلسوا على عرش الله وأن يلبسوا رداءه فيكونوا مثله لا يرد لهم قول ولا يسألون عن فعل؟ يقول تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما اتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)

نحن جميعاً نتحدث عن الوحدة ونسعى إليها والوحدة لا تكون إلا بين المختلفين أما بين المتفقين ـ عن علم أو غير علم ـ فلا حاجة للوحدة لأنها قائمة.. ولا يمكن اقامة الوحدة قبل الاعتراف بحق التعدد داخلها، مع الاقرار بسقف الانعكاسات المادية للتعدد والاختلاف.. إن التجمعات التي تهتف هتافاً واحداً أو تجري وراء شعار واحد تكون ابعد شيء عن الوحدة، فالاحتشاد لا يعني سوى الاتحاد الجغرافي أو الظرفي أما الوحدة فتعني قبول كل واحد بالآخر وليس شرطها التنازل عن المتبنيات النظرية أو حق الاختلاف

وعادة يكون لكل نبي من هؤلاء الأنبياء ـ وهم كثيرون غير محدودين طالما أن الأفكار واللغة لا يمكن السيطرة على اتساعها وتحديدها ـ مجموعة من الاتباع الأوفياء الذي يسيرون وفق تلك الأفكار والتعاليم التي لا تعلو عليها أفكار أخرى.. نتيجة لعملية التلقين التي تتم بصورة غالبة للوصول ـ حسب ادعاء كل فريق ـ إلى الحقيقة الممكنة والوحيدة أو للبصيرة اللازمة للتجلي وقطف ثمار الكشوفات وبالتالي تصبح عقلية هؤلاء الاتباع مجهدة أو لاغية ويصبح معها عقل الفرد الملقن وكأنه لسان ببغاء يردد ما لُقّن به دون أن يفقه ما يقول وبدون أية مقدرة على تفحص محتواه واخضاع هذا المحتوى إلى ما يتطلبه الحكم الصحيح.. وإن هذا الذي يحكم بدون أن يزود نفسه باقصى ما يستطيعه من المعرفة فانه لا يستطيع تبرئة نفسه من انه قد حكم خطأ... على حد تعبير الفيلسوف جون لوك..

وتأسيساً على هذه المكونات لاتباع كل نبي مضطجع فينا يبرز ما يسمى بالعقل الاستبدادي والذي هو عقل اطلاقي يرفض أن يكون هناك وجهات نظر مبنية على تجارب شخصية ومعارف مختلفة، وأن يكون لكل فرد وجهة نظر مخالفة، وأن يعترف بان ما يراه يمكن أن لا يمثل إلا جانباً من الحقيقة وأن بإمكان الآخرين أن يروا جوانب أخرى.. تبدو الحقيقة كواقعة بسيطة واحدة والتعبير عنها وحيد وبسيط وسهل. فاستقرار الدولة فى هذه الحالة يعتبر استقرارا وهميا تحت ضغط القوة والعنف والتى من المحتمل أن يأتى اليوم الذى فيه تنفجر القوى المضغوطة كما حدث فى ثورات تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا، وكان من المفروض نتيجة لهذه الثورات أن تتحقق شعاراتها المرفوعة عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانية بوجود سلطة واحدة تبنى على تعدد السلطات، ولا تقوم هذه السلطة أو يكون لها وجود إلا بالتعدد لكن ما حدث هو العكس تماما فبعد أن كانت هذه الدول تحكم بعشيرة العسكر كل ما حدث هو قفز عشيرة دينية متشددة (لها هوية خاصة) إلى السلطة فى تونس ومصر وليبيا واستمر حكم العسكر فى اليمن ومازالت سوريا تعانى تطاحن العشيرتين، وهذا هو المأزق الحقيقى، فالديمقراطية الشكلية أو الوهمية التى تفرز عشيرة عسكرية أو دينية هى فى طبيعتها تعوق التقدم والتحديث بل تؤدى إلى مأزق شديد الخطورة، لأن العسكرية هوية العسكريين والدين هوية العشيرة الدينية ولأن الهوية العسكرية من المستحيل أن تكون هوية الدولة ككل فقد فشل هذا الخيار فى كل المحاولات سواء غربا أو شرقا وانتهى حكم العسكر إما بانقلابات عسكرية أو ثورات شعبية لذلك كان لا بد من استبعاد حكم العسكر تماما من مستقبل الإنسانية، أما العشيرة الدينية المغلقة فيمكنها أن تخرج من مأزقها التى وضعت نفسها فيه بأن تقدم تفسيرا دينيا جديدا مصلحا كما حدث فى أوروبا، حيث كانت الكنيسة الكاثوليكية مسيطرة كإحدى العشائر الدينية المتشددة بهوية خاصة بها وقد ارتكبت حماقات متعددة مثل الحروب الصليبية وحرق العلماء وصكوك الغفران، لكن بعد ثورة الإصلاح أو بسببه قدمت الكنيسة تفسيرا إصلاحيا جديدا فصلت بين الكنيسة والدولة واحتوت جميع أطياف المجتمع وهذه التجربة يمكن أن تتكرر مع اختلاف الزمان والمكان والإنسان والثقافة والدين. شارك الإخوان، منذ اللحظة الأولى، سوياً مع المؤسسة العسكرية - وبدعم أمريكي واضح- من أجل بناء ديمقراطية إجرائية محافظة. تتحول مع مرور الوقت إلى سلطوية انتخابية تقوم على مجال سياسي جديد مفتوح ولكن ضيق. مجال قائم بالأساس على الانتخابات كمفهوم وحيد للممارسة السياسية ويعطي شرعية للنظام الجديد/القديم.
كما يرتكز هذا المجال على وضع سقف دستوري وسياسي يحد بصورة فعلية من قدرة القوى الحزبية على تغيير السياسات العامة عبر الصندوق. إضافة إلى عدم وجود أي ضمانات حقيقية لحقوق الإنسان، كما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. أضف إلى كل ذلك التضييق الدستوري والسياسي والقانوني على كل حركات الاحتجاج النقابية والعمالية والحقوقية والاجتماعية. هذه الحركات التي من المفترض أن تؤذن بتغييرات أكثر جذرية في بنية السياسة والاقتصاد في مصر. بل و على المدى المتوسط والأطول يمكن أن تعمد القوى المهيمنة على الدولة وحلفائها في المجال الانتخابي إلى استخدام أدوات هيمنتها للتأثير على مجريات العملية الانتخابية ونتائجها وقد ظهرت بوادر هذا في الانتهاكات التي شابت عملية التصويت على الدستور ألإخواني العسكري في ديسمبر 2012. تلاقت هنا مصالح الأطراف الثلاث: الدولة القديمة بمؤسساتها المدنية والعسكرية، والإخوان، والإدارة الأمريكية.

إن سقوط الإخوان كان بمثابة نتيجة منطقية بسبب طبيعة تكوينهم السياسي والتنظيمي والأيديولوجي. وذلك على عكس ما يروج له الإخوان من حديث عن المظلومية الأبدية التي تلحق بهم. إضافةً إلى محاولة تصوير سقوطهم كنتيجة لمؤامرة فلولية وانقلاب عسكري أطاح بهم وليس الإرادة الشعبية. كما الكثير من الترهات التي تروج لها وسائل الإعلام الأمريكية.
حركة الإخوان عبارة عن طائفة دينية واجتماعية مغلقة تتبنى تصورات هوياتية سلطوية حول الجماعة كراعية وحافظة للهوية الإسلامية القارة والثابتة للمجتمع والتي تحتاج إلى التنزيل السلطوي عبر جهاز الدولة المركزية الحديثة لتضمن أداء دورها على أمثل وجه. كما أن الحركة تتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية يمينية محافظة. ولذلك لا يمكن الإشارة لهم كقوة تغيير بأي معنى من المعاني. ذلك وعلى الرغم من تحالفهم مراراً مع العديد من القوى الثورية عبر مراحل الثورة المختلفة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أثناء انتفاضة الـ18 يوماً التي أدت إلى تنحي مبارك وأثناء المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2012. إلا أن حركة الإخوان ظلت دائماً بعيدة عن كل آفاق التغيير الديمقراطي السياسي والاقتصادي، كما شرحناه أعلاه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى