السبت ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
بقلم دينا سليم

الحافلة دليل قاطع على اختلاف الثقافات

قررت اليوم الخروج في نزهة متواضعة إلى مكان يعيدني ويذكرنيبربوع الوطن، ولأني اشتقت للطعام الشرقي أيضا قررت العودةإلى بيتي نهاية المشوار مع بعض الأغراض التي أجدها فقط في السوق الشرقي، ورق عنب، برغل، عجوة تمر، قهوة مهيلة، الخ.

استقللت الحافلة واحترت باختيار مكان الجلوس، راكب واحد مسن يقرأ في كتاب ورقي يتمجلس مرتاحا في المقعد الذي خصص للمسنين، والراكبة الثانية،شابة تقرأ عن طريق الآيبادقصة أضحكتها، احتلت المقعد في مؤخرة الحافلة، امرأة في الأربعين تقلّب صفحات (ذا أستراليين نيوز)، تقرأ الأخبار وتمجلست أمامي.

هدر بنا السائق بالحافلة التي سنصل بواسطتها وسط البلد، في الطريق نزل الركاب الثلاثة وبقيت وحدي مع (قبطان) الحافلة نخترق الربوع وكأننا وسط المحيط أو داخل سفينة فضاء، صعدنا جسورا ودخلنا أنفاقا، ومررنا عن حدائق وعبرنا ضفافا، شعور جميل أن تمتلك مساحة كبيرة من العالم دون أن ينازعك فيه أحد، وعندما استقر بنا الطريق إلى مكان مألوف فتحت الكتاب وأكملت حيث أخذني (دان براون) إلى عالمه أحاول معه وصول حيث (الرمز المفقود).

وصلنا وسط البلد، حيّاني السائق وقال لي ( شكرا) وأنا بادلته التحية والابتسام وبدأت أبحث عن نمرة الحافلة الثانية التي ستقلني إلى منطقة أخرى حيث حارة شعبية تدعى (ماروكا) يقيم فيها عدد كبير من الجاليات الاثنية، ضاع رقم (100)وسط الكمّ الهائل من الأرقام التي مرت أمامي سريعا، بعد برهات قفزت أمامي فجأةنمرةالحافلة، (يوريكا)، لقد وجدتها، أسرعت إليها وإذابالطابور طويل والحافلة امتلأت بأقصى سرعة بالآدميين، تسارع الراكبون إلى الداخل والسائق يطلب منهم بتهذيب ألا يتدافعوا ويطمئنهم بوجود حافلات أخرى كثيرة ستقلهمجميعا، وعليه يجب ترك أمكنة شاغرة للركاب المنتظرين في محطات أخرى في الطريق،فأدى به الأمر أن يتبادل بعض الحديث الجاف مع أحد الشبان.

انطلقت بنا حافلة المائة وبعد مسافة ما توقفت عند المحطة الأولى، امرأة في الثلاثين من عمرها، حامل تسحب جيشا خلفها وتجر عربة طفل، قانونيا، السائق قام بخفض جانبالحافلة حتى وصل طرف الرصيف حفاظا على سلامة الركاب، ثم ترك مقوده وأخذ الطفل من بين يدي والدته. تهذيبيا، ابتسم للطفل وأنتظر المرأة حتى أخذت مكانها، تمجلست الأم الملكة ووضع السائق الطفل بين يديها بكل رأفة وحنان، ثم عاد إلى الرصيف طوى العربة ووضعها في المكان المخصص لذلك، بعد ذلك عاد إلى المقود ليكمل بنا الطريق، قانونيا الأطفال دون السنتين يركبون بالمجان، ومن جهة أخرى على الركاب ترك المقاعد الأمامية شاغرة لعربات الأطفال والحوامل، لم يقتصر الأمر على ذلك بل وتعقدت الأمور أكثر لأن الجيش الذي سار خلف المرأة، أربعة أطفال آخرين، يجب أن يأخذوا أماكنهم أيضا.

تهذيبيا، بدأت الأم تنادي على أطفالها، ( يا حمار امسك يد أختك، يا بقرة تعالي هنا جنبي، يا بغل اجلس أمامي ولا تتحرك، يا كلب لا تهاوش واقعد ساكت)، بدأ الطفل يبكي داخل حضنها، أخرجت ثدها ولقمته إياه وتناست أمر حملها، ثم علا صراخ باقي الأطفال، السائق يطلب من الواقفين الجلوس في أماكنهم لكي يباشر رحلته بسلام والابتسامة لا تترك مفرقيه، امتلأت الحافلة وسارت بنا ثقيلة على الشارع.

أغلقت على اللغز وبدأت أجول بناظريّ بين الركاب، جميعهم يتبادلون الحديث بصوت عال، شاب واحد بدا عليه التذمر مستاء، أغلق كتابه وأطلق نظراته إلى الخارج، فمن المستحيل القراءة في هكذا ظروف، بعض النساء تبادلن الصور فيما بينهن عن طريق الموبايل وضحكن بصورة هستيرية، رائحة زفرة انتشرت في المكان، لم يكتشفوا مزيل العرق بعد،صبية تنكزني وبابتسامة ساحرة تكلمني:

  أنت التي تكتبين في صحيفة .....؟

انتشى قلبي وفرحت وأخبرته، أي قلبي، أنه يوجد أمل، فمن بين هذا الاكتظاظ يوجد من يقرأ الصحيفة، يا إلهي كم أنا سعيدة الآن، ليس لأني كاتبة بل لأني وجدت من أمة إقرأ في المغترب صبية تقرأ، طرت من الفرح وسألتها:
  هل تقرئين الصحيفة؟

  كلا أنا لا أقرأ أنا أقلّب الصور فقط!


مشاركة منتدى

  • ..و أخبرني أستاذي ذات مرة و هو منهمك في شرح درسه الذي كلفه به منشور وزاري من حكومة فانية في ضيعة من ضياع العالم العربي, فقال و قد غطى زبد أبيض شفتاه : يا أبناء وطني العربي , كم أنتم سعداء , بل كم أنتم من المحظوظين القلائل من بني البشر.
    فقال له من هو أفقه منا من القابعين في الخلف في فن التهكم و الاستهزاء و الازدراء: ولكن لماذا يا أستاذنا نحن لسنا من الأشقياء البؤساء؟ وهل بؤس ـ فيكتور هيغو ـ حرمته أوروبا من الرحيل في سرية نحو رياضنا ؟ فقال أستاذي مجيبا خائفا من الخروج عن الموضوع المفروض: يا أولاد , انتبهوا لما تقولون فأنتم من الـــمــحظــوظين, لأن وطنكم اليوم من الــمشرق حتى المغرب, يعيش حياة الرفاهية و الاستقرار, و الأمن و السلام . يا أبنائي .وطننا اليوم , هو بمثابة ريـــاض محــفوفة بكل قيم المساواة و العـــدالة,فأوطاننا بالخيرات قد تــــمــيــزت , فتنوعت أرزاقها. و تعـددت مظاهرها . ونمت اقتصادياتها , فهذا بلد للطاقة ينتج, و ذاك للمعادن يستخرج , و الأخــر أرضــه للزراعة خــصبة, فأوطاننا من مشرق لمغرب قــوة لوحــدها تتكامل. فلا تضاهيها قــوة في العالم بأسره, هذا و إن تكلمنا عن قوته البشرية لوجدنا شبابا سواعده ناضجة تنتظر من ينبهها و يحرك الدماء في عروقها. ....يا أبنائي : وطننا ـ رياض كجنة سبأ أو أكثر.
    فسأل تلمــيذ من البادية يدرس في صــفنا وعلامات التعجب قد سمت وجهه فقال متلهفا: يا شيخ : قـدمت هنا لأدرس و أتعلم كي أساعد والدي في العمل في الحقل. فأنا أطمح أن أكون مهندسا زراعيا في المستقبل.و أعمل برفقة أقاربي على تحسين ظروف المزرعة , و توسيعها , وتحويلها إلى روضة من رياض الخير و المنفعة. ولكن واجهتني عراقيل عويصة من بينها , أنهم لم يسمـحوا لي بالتوجه لشعبة الهندسة الزراعية, بسبب البيروقراطية , فحاولت مرارا وتكرارا حتى ثقلت قدمي و تصلبت ســـاقي ذهابا و إيابا نحو دار الإدارة . فجئتكم أدرس التاريخ لعلي أعــرف حال وطني .
    فقال الأستاذ : ما كلامك هذا بمنطق , فقد يكون العيب فيك, فالنزاهــة و الــحق شــيمـــة إدارتنا, و تريث حتى أسرد عليكم تاريخ عالمنا العربي... فرجاء أنصتوا واستــمعوا , فوطننا قبل أن تتــنافس عليه غربان الشر الدموية التي جاءته من وراء البحر, و وضعت أعشاشها فيه, ففقس بيض الشر وصار في كل شبر يولد غراب يواري الخير. كان رياضا من الخيرات المادية و الروحية, الكل فيه يشكر الإله و يحمده على العطاء و النعم و الجزاء , ثم صيرته غربان الشر إلى عصف مــــأكول , فعاثت فسادا من مشرقه إلى مغربه, ثم أجبرتها نسور الخير على الهجرة نحو أوطانها , فمنها من رحل , و من بقي أكلته الأرضة و أفناه التراب و الصخر و الجبال.و شيد الناس من جديد الرياض , فأقاموا لها أسس الحضارة وأعــادوا مجـــدها فخلقت رياضا جديدة . و لكن يبدو أن من حــكامنا من أراد أن يــحول الرياض إلى مــــراع , و يحــولنا من أناس إلى دواب همنا الجري وراء العشب و الكلأ, و عدم رفع الرأس للأبد ..
    أتعـــــرفون لماذا يا أبنائي ؟ فقالوا نعم يا محــترم .
    فقال : لأن من حكامنا من وضع بيض الغراب في ضميره, فلا تحلو له الحياة إلا إذا صيــر الـــرياض مـــراع.
    فالعيب ليس في الوطن , بل العيب في من أبقى ظل الظلم و التميز و سيرة المستعمر ’ حتى يضــمن بقاءه الزائف , فكم من عـــربي تغنى بوطنه و خيراته , ولكنه لم يعش أبدا كريما في بلده , بسبب وال ظالم و حاكم مستبد, استأثر بالرياض الجميلة هو و من اتبعه من الجهلة المــردة, و ترك لنا مـــراع مقفــرة لا خير فيها إلا ما داسته أقــدام الشر.
    فيا أبناءي : أوطــاننا تاريخها عريق و مجدها تليد, و من يريد التشكيك في وجودها , هو كل من لا أصل له , فجذوره فوق الأرض مجــتــثة حتما....

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى