الثلاثاء ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٤
بقلم أحمد الخميسي

قهوة الملحدين!

وفق ما أكده المهندس جمال محي رئيس حي عابدين فقد تبين أن عندنا في القاهرة قهوة اسمها " قهوة الملحدين"! تقع في المبنى رقم 61 بشارع الفلكي من ناحية شارع هدى شعراوي. لا أدري بأي جهاز كشف تأكد لسيادة رئيس الحي أن رواد المقهى ملحدون؟ بل هم على حد تعبيره " عبدة شيطان"؟!. لكن المهندس جمال كان واثقا مما يظنه إلي درجة أنه أمر بتحطيم المقهى وإغلاقه وقطع التيار الكهربائي عنه، وفاته للأسف – وجل من لايسهو – أن الملحدين مثل البوم الذي يرى في الليل يواصلون إلحادهم في العتمة بمزيد من الدقة! ولابد من دون شك أن لدي رئيس الحي جهازا يابانيا الكترونيا حديثا يضعه على صدر المشتبه به فتخرج له ورقة زاهية الخضرة عاطرة تعني أن الشخص مؤمن، أوأخرى حمراء فاقعة برائحة كريهة تعني أن الأبعد ملحد. أما نحن البسطاء ممن لم نلحق بركب العلم فإننا مازلنا عند حدود الحديث الشريف" ألا شققت عن قلبه؟". العجيب أن جلال مصطفى سعيد محافظ القاهرة أثنى على تلك الخطوة مؤكدا أنها" ممتازة"! يترافق معنى هذه الواقعة الصغيرة مع حدث آخر مهم هو عقد مؤتمر رسمي برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي لمواجهة الإرهاب. وأول ما تقتضيه مواجهة الإرهاب هو أن نستأصل من ثقافتنا منهج التكفير الذي يعتمد عليه الإخوان وغيرهم وينطلقون منه في التدمير والعدوان علي الآخرين، وأيضا أن نستأصل هذا المنهج ذاته من أجهزة الدولة أيضا ومؤسساتها والقائمين عليها. إذ لا يصلح أن نعقد مؤتمرا لمواجهة الإرهاب في الوقت الذي يعتمد فيه المسئولون في الدولة على منطلقات داعش والإخوان في تكفير الآخرين! والمأساة ليست في رئيس الحي المهندس جمال فحسب بل وفي محافظ القاهرة الذي أشاد بإغلاق المقهى وأثنى علي الإجراء! وإذا كان للمؤتمر أن يقوم بعمل مهم فهو أن يضع خطة لمواجهة ذلك المنهج داخل الدولة أولا ، ليتمكن بعد ذلك من المواجهة بدولة ليست صديقة للتكفير، لا بمسئوليها، ولا بمناهج التعليم فيها، ولا بثقافتها. لكن على مايبدو فإن المنهج التكفيري والعداء للفن والثقافة مبدأ شبه ثابت لدي أجهزة الدولة. وفي حي عابدين ذاته كان هناك شارع منذ ثلاث سنوات باسم الفنان على الكسار، يحمل إسم ذلك الفنان منذ عام 1989، لكن رئيسا للحي قام فجأة بتغيير اسم الشارع في مارس 2010 إلي شارع " الجنينة"! ولم تفلح كل جهود ماجد على الكسار ابن الفنان الراحل في إعادة اسم الفنان إلي الحي! كان الأجدى لنا وللقاهرة أن ينظر رئيس الحي – ليس في إغلاق مقهى – بل في مشكلات حي عابدين الذي يرجع تاريخه إلي عهد الخديو إسماعيل، وفي الإهمال الذي عشش على قصر عابدين جوهرة القصور الملكية المصرية، وكان القصر مقرا للحكم من 1872 حتى 1952. تعاقب عليه ستة ملوك، واكتسب اسمه من عابدين بك أحد القادة العسكريين عهد محمد علي، وكان يمتلك قصرا صغيرا مكان القصر الحالي، فاشتراه الخديو إسماعيل من أرملته وهدمه ليبني القصر الكبير. الان أصبح القصر التاريخي محاطا بشوارع أغلقها الباعة الجائلون، وغدا المرور فيها معجزة، بينما تتكدس تلال القمامة شاهدا على الإهمال وغياب الشعور بالمسئولية، وتترنح أعداد من البيوت الآيلة للسقوط. هذه هي المشكلات التي ينبغي مواجهتها وحلها. أما تكفير المقاهي والدخول في النيات والنفوس والرؤوس فليس من شأن رئيس الحي، ولا محافظ القاهرة، ولا أي كائن بشري استورد جهازا إلكترونيا للكشف عما في القلوب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى