الأربعاء ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم فراس حج محمد

يوميات هدى العاصفة (5)

اليوم الخامس (10-1-2015)

رجعت "هدى" لتكتسح الأرض من جديد بثلج يغطي الأرض بحلته الزاهية، وليجبرنا على أن نتعامل معه مباشرة، بعد أن منعت موجة الصقيع تدفق الماء في شرايين البيوت، فشحت المياة وانعدمت، فأين لنا بالماء لتدبير حاجاتنا الشخصية المتكاثرة، وحاجات النساء والرجال، هل نحتاج إلى الماء وحولنا كل هذا الثلج الناصع البياض النقي الصافي؟ لماذا تذكرت قول عمر الخيام في إحدى رباعياته:

يا رب هل يرضيك هذا الظما***والماء ينساب أمامى زلالْ"؟

لا بد من فكرة ما، ولا بد من ماء، إذن فلنقم بجمع الثلج في أوعية المطبخ، فاستخدمنا طاسات الطبيخ والمغارف، وأذبنا الثلج، وعملنا منه الشاي، الذي لم يرق طعمه لأحد منا، فنحن لم نعتد على مياة الأمطار وطعمها المختلف، ولكن لا بأس ها هو الماء موجود وشيء من حرارة الكأس موجودة، فلنشرب ونستمتع ببعض دفء مسروق من بين ذلك الصقيع المتراكم!
فكرت بإعداد فنجان من القهوة، لن أغامر في هذا الجو، لأعد فنجانا من القهوة المرة، وعدة الإعداد ماء الثلج المذاب، فقد جربناه مع الشاي، فهل سيصير مصير ركوة القهوة كمصير ما تبقى من الشاي؟ إذن لن أغامر، فسأنتظر قليلا، لعل درجة الحرارة ترتفع قليلا، فتدب الحياة في أنابيب المياة، وتعطف علينا الحنفيات بمائها؟

شعرت ببعض الدفء، وشعرت كما شعر الجميع بالجوع، هل سنعد الإفطار؟ وكيف؟ لقد تقطعت بنا السبل، لا خبز لدينا، إذن فلنتدبر الأمر سريعا، فالجوع كافر، علينا إذن أن نعدّ لوجبتنا الرئيسية من الآن، فالوقت قارب على الظهيرة، سنجهز إذن أدوات الطبيخ، سنحتاج إلى الماء وما زالت الحنفيات بخيلة لا تنزّ ولا بقطرة، شكلنا فريقا لجمع الثلج النقي من جديد، لنذيبه لإعداد وجبة الغداء.

شرعنا بالعمل، وبدأنا الخطوة الأولى، وصارت الحياة تعود شيئا فشيئا إلى أوصال البيت المتجمد، وها هي الحنفيات أخذت تتدفق، وها هو التيار الكهربائي قد عاد بعد انقطاع دام ساعات، وها هي شبكة الإنترنت توصلنا بالعالم من جديد، ولم يطل غيابنا عن ذلك العالم الذي ارتبطنا به ارتباطا أكيدا، وقد أحسنت "هدى" صنعا إذ إنها لم تطل في غياباتها ونتائج عواصفها!
ربما سيكون هذا اليوم هو آخر أيام "هدى"، ولكن هل يستطيع الأطفال اللعب بالثلج الآن وقد جمده الصقيع وأضاع على الجميع فرصة اللعب والمرح، أم أن الأطفال سيحتالون على الأمر، ولن يهمهم إلا تلك الكريات البيضاء التي تداعب مخيلاتهم ليتراكضوا كما تتراكض الغزلان في المروج البيضاء، يقضون ساعة مرح طفولي وصبياني غصبا عن كل ثلج وصقيع وتجمد وبرد؟ فهؤلاء لن تهزمهم الطبيعة والتحدي عنوانهم والعنفوان هويتهم.
فكل عام وقلوبكم بيضاء بياض الثلج نقية نقاء الحب الذي يغمر نفوسكم!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى