الجمعة ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم أحمد الخميسي

شارلي إبدو.. ضمير أوروبي

قامت أمريكا أوروبا ولم تقعد بعد قتل اثني عشر من العاملين في صحيفة «شارلي إبدو» الفرنسية. وقف مجلس الأمن دقيقة حدادا على أرواحهم. توجه الرئيس أوباما شخصيا إلي السفارة الفرنسية للعزاء. قدم معظم القادة العرب أحر التعازي.

واستنكرت معظم وسائل الإعلام الجريمة وصولا إلي المطالبة بتنظيم مظاهرات التضامن مع فرنسا ضد الإرهاب! وشارك عشرات من قادة العالم في مظاهرة فرنسية تنديدا بالإرهاب. وأنا شخصيا أرحب من صميم قلبي بأن تقوم الدنيا ولا تقعد إذا أريقت قطرة دم واحدة، أواقتلعت شجرة أو حتى دهس طائرعلى الطريق.
وكل كائن حي جدير بكل ذلك الاهتمام وبما هو أكثر. إلا أن ماجرى يحتاج إلي نقاش أبعد من رفض الجريمة والتعاطف مع ضحاياها. في ذلك المجال يثور سؤال عن ملابسات الحادث والجهات التي تقف خلفه. فقد أعرب عدد من المراقبين الفرنسيين عن دهشتهم من أن صحيفة" عشرون دقيقة" نقلت الخبر بعد وقوع الحادث بثلاث دقائق! وأن وسائل إعلام إسرائيلية حددت هوية الفاعلين بعد خمس عشرة دقيقة من الهجوم! هل تحتاج أمريكا والغرب إلي تأجيج حملة ضد الإسلام لتبرير تدخلها العسكري الإجرامي في سوريا والعراق وليبيا؟ . يطرح موقع " ويكي ستريك" هذه الأسئلة وغيرها. فلماذا لانجدها مطروحة عندنا؟.
السؤال الثاني يتعلق بمقاس الضمير الأوروبي المضبوط على قدمي جريدة " شارلي إبدو" ولا يتسع لأوجاع لآخرين. وحسب تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين الدولية فقد قتل من الصحفيين العرب فقط عام 2014 أكثر من ثلاثين صحفيا. في سوريا قتل تسعة عشر صحفيا. في غزة سبعة صحفيين. في العراق عشرة صحفيين. ولم يقف مجلس الأمن ربع دقيقة حدادا على أحد.
وعندما قتل في غزة في يوليو العام الماضي أكثر من خمسمائة طفل فلسطيني لم تهتز شعرة من ذقن الهيئات الدولية.

السؤال الثالث: هل يدخل الاستهزاء بمعتقدات الناس في باب حرية التعبير؟ أليست شارلي إبدو هي الصحيفة ذاتها التي أعادت في فبراير 2006 نشر الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الكريم؟ وهي التي نشرت في 2011 عددا خاصا بعنوان الشريعة تضمن مختلف العبارات التهكمية على الرسول الكريم؟ وزعمت أن الرسول ( صلعم) هو رئيس تحرير ذلك العدد؟! وعادت في 2012 فنشرت صورا ساخرة في الموضوع نفسه؟ وفي 2013 نشرت إصدارا خاصا من رسوم كاريكاتورية زعمت أنها تصور حياة الرسول الكريم؟. ومع أن الكثيرين يدعون أن الصحيفة تتهكم على كل الديانات إلا أنني لم أجد لها رسوما ضد اليهودية مثلا؟!. عام 1937 نشر إسماعيل أدهم مقالا بعنوان" لماذا أنا ملحد" أعلن فيه إلحاده، ولم يسيء فيه بحرف لا إلي الإسلام ولا المسلمين ولا لغيرهم.
هناك فارق بين حريتك في إعلان موقفك وأنا مع تلك الحرية، وبين الاستهزاء بالآخرين وبمعتقداتهم بدعوى حرية التعبير. وقد أشار الكاتب ديفيد بروكس فى مقال بصحيفة «نيويورك تايمز إلي المعنى ذاته قائلا إنه لو أرادت الصحيفة الفرنسية خلال السنوات العشرين الماضية أن تصدرفى حرم جامعى أمريكى لاتهمها الطلاب بتبني الحقد ولكانت الإدارة أغلقتها". السؤال الرابع: هل ينبغي علينا أن ندافع عن الإسلام ونبرئه من أولئك المجرمين؟ أم أن علينا على العكس أن نوضح للأوربيين والأمريكيين أن الأعمال الفردية تعبر عن أصحابها وليس عن العقيدة؟ ولو كان الأفراد تعبيرا عن العقائد الدينية لكان علينا أن نشن هجوما على المسيحية بعد ما رأيناه من فظائع الضباط الأمريكيين في معسكر أبي غريب بالعراق! لا ينبغي أن نتعامل بنفسية المتهم، لأن المتهم الحقيقي هو الضمير الأوروبي الذي يولول لمقتل 12 صحفيا ولا يهتز لحظة لمئات من الأطفال السوريين الذين يتجمدون من قلة الغذاء والبرد. يجب أن يكون خطابنا إلي الغرب بصيغة : أفق أيها الضمير!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى