الأربعاء ١١ آذار (مارس) ٢٠١٥
بقلم فاروق مواسي

ماذا أعددنا لأطفالنا؟

الطفل البرعم، الطفل سنبلة الأمل، الطفل المستقبل، ما أحوجه إلى أدب يوجهه وينمي مداركه! إلى أدب يتسم بالألفة والبساطة والعبرة! إلى خيال يناغيه ولا يداجيه! إلى كتاب الطفل الذي يمكن أن يغير ذوق العالم، بل يمكن أن يغير العالم نفسه، كما يقول الكاتب الفرنسي فرانسو فيدال.

وأدب الأطفال - حسب تعريف علي الحريري – هو العمل الفني الإبداعي الذي يصور الأفكار والأحاسيس والأخيلة التي تتناسب ومدارك الأطفال. ويؤلف الأدب دعامة رئيسية في اكتساب الأطفال الثقافة العامة وفي بناء شخصياتهم من خلال إسهامه في نموهم الشامل (العقلي والجسمي والانفعالي والاجتماعي) – انظر كتاب الحريري: “في أدب الأطفال” ص66 -67.

هذا الأدب مستحدث في الأدب العالمي بدأ به عن سابق قصد الكاتب الفرنسي بيرو في القرن السابع عشر، وتبعه ديفو في “ روبنسن كروزو”، وتويست في “رحلات جلفر”، وجريم وأندرسن في القرن التاسع عشر. قلت "عن سابق قصد"، لأن ثمة كتابات تلائم الأطفال سبقت كخرافات إيسوب وبعض قصص ألف ليلة وليلة (علي بابا، السندباد، علاء الدين.. الخ، لكنها لم تكتب أصلاً بناء على رؤية خاصة تتعلق بعالم الطفولة.

أما العرب فقد عرفوا أغاني ترقيص الأطفال أدبًا عن الأطفال لا لهم (انظر كتاب أحمد أبو سعد: “ أغاني ترقيص الأطفال عند العرب”)، ثم مع بدء ترجمات رفاعة الطهطاوي، كان لهذا الرائد ترجمة لتشارلز بيرو معدة للأطفال العرب.
وتأثر شوقي بلافونتين الفرنسي، فأبدع قصصًا على ألسنة الحيوانات، وكتب قصائد خاصة للأطفال، تبعه محمد الهراوي في مطلع العقد الثالث من هذا القرن، فأنشأ قصائد ما زلنا نحفظ بعضها على غرار:
أنا في الصبح تلميذ *** وبعد العصر نجار
ولي قلم وقرطاس *** وأزميل ومنشار
فعلمي إن يكن شرفًا *** فما في صنعتي عار

أخذ أدب الأطفال يغزو العالم العربي بقصصه ومجلاته (طارق، سامر، المزمار...الخ) وأشعاره وأفلامه وأشرطته ومسرحياته، وكثير منه ما هو مترجم عن الإنجليزية والفرنسية والروسية.

وكانت “دار الفتى العربي” في فلسطين تقوم بنشر القصص والتراث (حكايات شعبية عربية) ففي حكايات شعبية من فلسطين مثلا ( 80 صفحة بالألوان) من إعداد نمر سرحان ورسوم سليمان منصور وردت القصص التالية: بلبل الصباح، إقريعون، فروة أبو الحصين، خرائب السلطان، الكذبة البيضاء، إخشيشيبون، ذنوب عتيقة، الشاطر حسن، أبو العدس، حكاية من الوحدات، الشاطر محمد، ذيل الثعلب، الباطية، القرضة، التاجر الصادق، إبرة النساج، باب التاجر.

وقد نشرت “دار الفتى العربي” أكثر من مائة قصة للكاتب المبدع زكريا تامر لاقت استحسانًا وتقديرًا.

وكان أولاً وقبلاً كامل كيلاني الذي نشر أكثر من مائتي قصة تتفهم مراحل نمو الطفل المختلفة. ذلك لأن الطفل من الثالثة- الخامسة ذو خيال محدود وهو واقعي، ومن السادسة –الثامنة يكتسب عادات سلوكية ويحب حكايات العمالقة والأقزام والجنيات، ومن الثامنة حتى الثانية عشرة يبحث عن البطولة والمغامرة... غير أن لغته كانت في تقديري أرقى من مستوى التحصيل الدراسي لدى الطفل، الأمر الذي جعل بعض القصص صعبًا وليس ممتعًا.

ورغم هذه الحركة التي كانت وما زالت، فثمة مشكلة، وربما تنطبق على واقعنا، رغم أنها ليست بعيدة عن الواقع في العالم العربي كافة.

أين المؤسسات التي ترعى الطفولة بمثابرة وبجدية؟

أين من يأخذ بيد المبدع كتابة وتوجيها سيكلوجيًا وتربويًا؟

أين النقد لأدب الأطفال؟

إننا بحاجة إلى كتابة للأطفال بوعي، وبحس مرهف، وخبرة عميقة، ونظرة ثاقبة. والأديب الذي له حضوره حريّ به أن يكتب السهل الممتنع”لأكبادنا”، وهنا تظهر قدرته وجدارته، وبالتالي، فإن في التعالي عن الأطفال وأدبهم ضعفًا رغم أن المتعالي يحاول أن يلبس لبوس المستوى الرفيع والثقافة العليا. فأي أديب عالمي لم يكتب للأطفال؟ إميل دكنسون؟ وليم بليك؟ فكتور هوجو؟ إدغار الن بو؟ روبرت فروست؟ والتر سكوت؟ هنري لونغفلو؟ روبرت براوننغ؟ لورد بايرون؟ تشيخوف؟
فلماذا لا نكاد نجد عندنا قصائد حديثة بمستوى راق، قصائد لا تنزع إلى المثالية المزيفة، ولا الخيال الواهي، بل تعبأ بالهدف الإيجابي والسمو بالإنسان.
..
وأخيراَ!

ماذا أعددنا لأطفالنا وهم في القرن الحادي والعشرين؟ من أدب الخيال العلمي؟ من تخصصات علمية وحاسوبية؟ من مقاومة التلوث البيئي؟ من احترام الوقت وتوظيف الفراغ؟ من رفض لكل مسارب الظلم؟ من.. من.. أم ترانا سنكتفي بالقليل الأقل ؟؟!!!
.............................................
نشرت في كتابي "أدبيات". القدس: مطبعة الرسالة- 1971، ص 116- 119.

سأتناول في دراسة لاحقة محاور كتب فيها أدباؤنا المحليون- أعني عرب الداخل الفلسطيني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى