الخميس ٧ أيار (مايو) ٢٠١٥

الإنسان ذلك المجهول

محمد غاني

كان الجد ينظر بفرح غامر و سرور شامل و غبطة وافرة الى حفيده نوفل الذي دخل للتو قادما من روض الأطفال. و كيف لا و قد أمد الله في عمره حتى رأى حفيده و هو يتعلم المبادئ الأولى للقراءة و الكتابة. فإذا كان جل المقبلين على الزواج يتمنون أن يرزقوا البنين من ذكور و إناث فكيف بمن أكرمه الله بالنافلة، أي أمده الله بالأحفاد يقول الله تعالى" ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين"، أي أن الله تعالى وهب رسوله إبراهيم عليه الصلاة و السلام ابنا و وهبه يعقوب حفيدا ووصفه الحق سبحانه بأنه نافلة أي إذا كان الفرض هو البنين فأن النافلة هي الحفدة.

لقد كان الطفل يلهو و يلعب بسذاجة و فطرة تناسبان سنه، فهو لم يتجاوز الخامسة من عمره و لفت نظر الجد ما بدأ الحفيد يترنم به مما علمته معلمته بروض الأطفال، وبدأ الجد المسن يفكر و يتأمل الأنشودة التي كان يرددها حفيده:

أنا إنسان أنا إنسان
لي عينان لي لسان
أنا إنسان أنا إنسان
لي يدان لي أذنان
أنا إنسان أنا إنسان
لي أنف و رجلان

بدأ الجد يتساءل مع نفسه هل هذا هو الإنسان حقا؟ فكيف بالشخص الذي كان يمشي في مكان لا يعرف أن فيه بقايا ألغام فتفجر لغم بتر إحدى رجليه، هل يستحق اسم انسان بعد هذا النقص الذي لحق جسمه أم لا؟ و كيف بالعامل الذي بترت آلة قطع الخشب يده، هل يستحق بدوره اسم انسان أم لا؟ و كيف بالجندي الذي –نتيجة تجربة سلاح جديد- لم يعرف كيف يطبق التعليمات في استعماله ففقد سمعه أو بصره، هل يستحق بعد هذا النقص الطارئ بجسده اسم انسان أم لا؟
لا شك في أن كثيرا من الناس نعرفهم و نقر لهم باسم الإنسان رغم أنهم مبتورو الأيدي أو الأرجل أو فاقدو السمع أو البصر أو مجذوعو الأنف لسبب من الأسباب، و ما أكثر ضحايا حوادث السير و ما أكثر ضحايا الحروب الذين فقدوا أعضاء أجسامهم.

تأمل الجد مليا في الأنشودة التي يكررها حفيده على مسامع الحاضرين في تلك الأمسية، و قارن هذا التعريف للإنسان الذي تتضمنه الأنشودة مع ما كان يحفظه في دراسته الثانوية:

لسان الفتى نصف و نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم و الدم
و ما كانت تكرره على مسامعه أستاذة الأدب العربي بأن لسان الشخص و منطقه و مستوى خطابه نصف الفتى، وما يتضمنه قلبه من مشاعر طيبة إيجابية هو نصفه الآخر.

ألح عليه التساؤل: هل الإنسان هو عبارة فقط عن المظهر الخارجي، هاته الواجهة التي نراها أمامنا من رأس و كتفين و يدين و بطن و رجلين....الخ من الأعضاء الظاهرة جلت أو دقت، سمنت أم هزلت؟ أم أن الإنسان هو ما توارى وراء هذه الصورة من عقل راجح و قلب متسامح محب للخير عطوف على عيال الله؟ أم أن الإنسان هو كل هذا؟
تساءل بل هو سؤال مفتوح طرحه الجد للتأمل و النقاش على كل من له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد.

محمد غاني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى