الأحد ٢٣ آب (أغسطس) ٢٠١٥
بقلم محمد زكريا توفيق

من أساطير السماء – برج الدلفين

برج الدلفين، برج صغير خافت. نجومه قريبة من بعضها، تجعل مشاهدته سهلة في الليالي الصافية التي يغيب فيها القمر. يظهر في شكل سمكة الدلفين وهي تسبح خارجة من الطريق اللبني. ليست بعيدة عن رأس العقاب أو النسر في برج العقاب.

أريون، هو ابن بوزيدون إله البحار وأمه إحدى حوريات الماء. يعني ابن جنية كما يقول العامة. هو المفضل عند الإله أبوللو إله الشمس. قام أبوللو بتعليمه أصول الغناء والعزف على القيثارة حتى أجاده إجادة تامة.

يعتبر أريون أعظم موسيقي ومطرب ظهر على وجه الأرض. لذلك جعله بيرياندر، ملك كورينث، مطربه الخاص. عندما ذاع سيط أريون وبلغت شهرته الآفاق، طلب منه الملك أن يقوم بجولة يطرب خلالها الناس ويعرض فنه ومواهبه.

لكن عرافة دلفي أخبرته بأنه لا توجد سفينة تستطيع العودة به سالما إلى وطنه. لذلك فضل البقاء في بلده. عندما بلغ من العمر 20 سنة، أهداه أبوللو قيثارة مصنوعة من الذهب الخالص. وكان شغوفا بتجربتها في المهرجان الموسيقي الذي سيقام في صقلية بإيطاليا.

عندما زار أريون جزيرة صقلية، أطرب الناس هناك، وقام بالفوز بكل المسابقات المقامة بالمهرجان الموسيقي. لذلك كوفئ بالجوائز العديدة وأنعم عليه بالكثير من الذهب والمال.

كان سعيدا بالحفاوة التي قوبل بها في المهرجان، وأسكره النصر إلى الدرجة التي جعلته ينسى تحذير العرافة السابق له. ثم أخذ أول سفينة ذاهبة إلى موطنه كورينث، بالرغم من أن قبطانها كان ضخم البنية، قبيح الوجه. لا يوحي شكله بالبراءة أو الإطمئنان. وكان طاقم بحارته أقبح منه شكلا وخلقا.

عصر اليوم الأول في عرض البحر، جلس أريون على سطح المركب يراقب زرقة الماء وهو يضبط أوتار قيثارته الذهبية بأنامله. اقترب منه قبطان المركب وهو يمصمص شفتيه ويقول: "مسكين أيها الشاب أن تموت صغيرا".

"هل أنا سأموت صغيرا؟" قال أريون.

"نعم"

"كيف عرفت ذلك؟"

"لأنني سوف أقتلك"

"ومتى سيتم ذلك؟"

"حالا. في الواقع، الآن"

"لكن، لماذا؟ وما قد فعلته أستحق عليه القتل؟"

"السبب هو أنك قد سمحت لنفسك بامتلاك كنز ثمين. هذا الكنز يجب أن يكون ملكي أنا. هذا السيف المطعم بالجواهر والياقوت، وهذا الدرع الفضي، واللآلئ والماس والنقود والأحجار الكريمة. كلها أشياء، لا يجب أن يراها أبدا اللصوص"

"لماذا لا تأخذ من هذه الجواهر والنقود ما تريد، وتبقي على حياتي؟"

"لا، لقد فكرنا في ذلك. ثم وجدنا أنه من الأفضل والأسلم أن تموت. وهذا ما يتم عادة في مثل هذه الظروف. بذلك لن تستطيع أن تشتكينا لأولي الأمر. هذا يا عزيزي أخذا بالأحوط."

"واضح أنكم قد تدبرتم الأمر، وعقدتم العزم على قتلي. إذن، ليس لدي ما أضيفه. لكن لي رجاء وطلب أخير: دعوني أغني أغنيتي الأخيرة قبل أن أموت"

لم ير البحارة ما يمنع من تحقيق طلبه هذا. لعلمهم أنه محاصر بينهم في عرض البحر. فماذا يستطيع أن يفعل بغنائه، وهو وحيد وهم العصبة ذو القوة؟

لبس أريون أفخر ثيابه. ثم جلس على سطح المركب ممسكا بقيثارته. أخذ يعزف ويغني أغاني عذبة شجية، جعلت أسماك البحر تتجمع حول المركب لتسمع موسيقاه وهي تتمايل طربا. من بين هذه الأسماك، مجموعة من أسماك الدلفين.

بدأ بأغنية تمجد الإله أبوللو الذي قام بتعليمه أصول العزف والغناء. تبعها بأغنية تمجد الإله بوزيدون إله البحار، والده. ثم أغنية مهداة للبحر وكل مخلوقاته وسكانه من أسماك وحيتان وحوريات وجنيات.

رأى أريون أسماك الدلفين وهي تتمايل من النشوة، وتهز رؤوسها طربا. قبل أن ينهي أريون أغنيته، غافل البحارة حوله، وكانوا هم أيضا قد سحرتهم الموسيقى فتراخوا وجلسوا يستمعون، ثم قفذ أريون وألقى بنفسه إلى البحر وسط أسماك الدلفين التي كانت تستمع إلي غنائه.

ما أن رأت أسماك الدلفين أريون في الماء، حتى سارعت سمكة كبيرة، وحملت أريون عل ظهرها وسبحت به مسرعة، وحولها باقي أسماك الدلفين لحراسته.

"أشكرك جزيل الشكر، يا صديقتي" قال أريون لسمكة الدلفين.

"هذا ثمن بسيط، في مقابل هذا العزف الرائع السماوي" قالت الدلفين.

حاول البحارة اللحاق بسمكة الدلفين، التي تحمل أريون، لكن ماهي إلا دقائق معدودة، حتى توارت السمكة وباقي السرب عن الأنظار وراء الأفق البعيد في عرض البحر.

ظلت سمكة الدلفين تسبح ومعها سرب الأسماك إلى أن أوصلت أريون سالما إلى شاطئ كورينث. أما البحارة، فقد اعتقدوا أن أريون لابد أن يكون قد سقط من ظهر الدلفين وغرق. لأنه لا سبيل له أن يصل إلى الشاطئ سالما في هذا البحر متلاطم الأمواج.

أخبر أريون الملك بمؤامرة البحارة وما جرى له منهم. عندما عادت البحارة بالسفينة إلى كورينث، كان الملك بيرياندر في انتظارهم.

سألهم الملك عن مطربه الخاص أريون. كذبت البحارة وأخبرت الملك أن أريون تخلف في صقلية، لأنه جمع ثروة طائلة من الغناء، لذلك قرر البقاء هناك.

في هذه اللحظة، دخل عليهم أريون. أصيبت البحارة بالرعب، ولم يجدوا بدا من الاعتراف للملك بجرمهم وبما فعلوه بأريون واستيلائهم على ثروته. عندئذ، أمر الملك بصلبهم جميعا وبمصادرة أموالهم، عقابا لهم على ما اقترفوه.

ردت لأريون ثروته التي سرقها اللصوص. لكنه أصر على أن يقتسمها مع الملك. وعندما اعترض الملك على ذلك، ضحك أريون وقال: "الثراء يأتي معه الشقاء. أنت ملك، يمكنك حماية كنزك. لكنني أفضل أن أسافر خفيفا بدون قلقل".

سرت الآلهة بما فعلته سمكة الدلفين بانقاذها لأريون. فكافأتها بأن وضعتها في السماء كبرج. وعند وفاة أريون، وضعته هو الآخر وقيثارته مع باقي أبراج السماء.

كان برج الدلفين معروفا للعرب باسم القعود، أي الجمل المستخدم في الركوب. في بداية المسيحية، كان المسيحيون يرون هذا البرج على أنه صليب المسيح.

النجوم:

الفا – سولوسين، الاسم باللاتيني هو مقلوب نيقولوس، الاسم الأول لمساعد مدير مرصد باليرمو، الذي أضاف الاسم إلى مصنف عام 1814م.
درجة اللمعان: 3.8
البعد: 170 سنة ضوئية

بيتا – روتانيف، الاسم هو مقلوب فيناتور، وهو الاسم الأخير لمساعد مدير مرصد باليرمو، الذي أضاف اسم النجم إلى مصنف عام 1814م.
درجة اللمعان: 3.5
البعد: 110 سنة ضوئية

المجرات: (LMC)، سحابة ماجيلان العظيمة. تشبه وتكمل الطريق اللبني. تبعد عنا 170000 سنة ضوئية. يمكن رؤيتها بالعين المجردة حتى مع ظهور البدر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى