السبت ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥
بقلم سميرة حيدا

خير الدين الحلواني

نجول في رحاب اللغة العربية الفصيحة ، لغة القرآن الكريم، جولة بهيجة مع فارس كان حملَ مشعل إنارة علومها، والدفاع عنها، والحفاظ عليها من شوائب الزمن، تصول سلسلتكم بلاد الشام الغالية على قلوبنا، صولة لغوية مع رائد من رواد اللغة العربية وعلومها، كان عشق العربية حتى النخاع، وأحبها تدريسا وتأليفا وتوجيها وإرشادا، وجال غاية تحقيق أهدافه النبيلة هذه، عددا من البلدان العربية ، درّس في جل جامعاتها، هو علَم بارزٌ من فوقه علوم العربية كلها، اشتهر بغزارة العلم، و سعة المعرفة؛ إذ ألّف كتباً كثيرة ومتنوعة مضمونا، وحقق الكثير منها، ولم يقتصر انشغاله على علم واحد فحسب، أو على نهج معين، بل تعددت مشاربه العلمية، وتنوعت مناهجه الفكرية، كما تدلّ على ذلك مصنفاته الكثيرة، وما شهده العلماء و الأدباء في دراساتهم حول إنتاجاته العلمية، وأصالته الفكرية، وعمق فكره التحليليّ...

كانت رحلة حياته حافلة بالتعليم والتأليف والعمل والإبداع، وتنفرد شخصيته بوصفه مبدعًا وكاتبًا انمازَ بفكره النيّر، وأدبه الجمّ، وتواضعه الكبير، وإخلاصه لوطنه وعائلته وشيوخه...

إنّه الأستاذ الدكتور محمد خير الحلوانيّ، رحمه الله

********************************

ارتبط اسم الدكتور محمد خير الحلواني بالعديد من جامعات الوطن العربي الكبير ، كان الحلواني أستاذا لمادتي النحو والصرف، وبلبلاً صداحًا في محاضراته في الجامعة، وممتعًا صوته، ورائقًا فهمه، وجاذبا حضوره في المحاضرات.

تتلمذ على يديه الكريمتين ثلة من طلبة الجامعات العربية ، نهلوا من معين علمه الغزير علوماً ثرّة، غرس فيهم جذوة حب اللغة العربية ، وأغصانها الفوّاحة صرفاً نحواً وبلاغة، عبر محاضرات النحو العربي، كيف لا والنحو أشرف علوم العربية على الإطلاق؛ لأهميته في صيانة اللسان عن الخطأ في كلام العرب، ووقاية ذهن المبتدئ عن الخلل اللفظي الواقع في صياغة الكلام، وعليه المعول في الفهم الصحيح لنظم القرآن الفصيح، ولغة الحديث النبويّ الحصيف، والفقه القرآني الدقيق...وقديما قالوا:

النحو يصلح من لسان الألكن***والمرء تعظمه إذا لم يلـحن

لحن الشريف محطة من قدره***فتراه يسقط من لحاظ الأعين

وترى الدني إذا لم تكلم معربا *** حاز النهاية باللسان المعلِن

وإذا طلبتَ من العلوم أجـلَّها ***فأجلُّها منها مـقيم الألسـن

يعدّ الدكتور محمد خير الحلواني رائداً من رواد تجديد النحو العربي، وعلمًا من أعلام تيسير النحو العربي لدى الناشئة؛ لأنّ ما أتى به في علم النحو عُدَّ متميزاً عن غيره مضمونا ومنهجا، و قد عنون الأستاذ الدكتور شوقي المعري مقالته بـ " الدكتور محمد خير الحلواني رائد في تجديد النحو العربي " من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق ــ 2006

، اعترافًا منه بأنه رائد التيسير النحويّ في المغرب العربيّ؛ لأنه مارس التدريس في مراحله العلمية كلّها، ومن يعمل بالتدريس يكتشف حقائق واقعية ملموسة قد تكون خفية على الطالب أو المتعلم أو المنظّر، فهو يريد أن يقربها من ذهن الطالب الذي صعُب عليه اصطلاح القدامى مرة، ومفهومه الاصطلاح المبثوث في آرائهم النحوية مرات عديدة، فكان هدف الحلواني أن يقدم المادة النحوية التطبيقية الوظيفية تقديما فيه اختصار دقيق غير مخلّ بالمادة النحوية، وتقديم سهل شائق مشفوع بالشواهد التوضيحية السياقية الطبيعية غير المصطنعة، وتقديم يركز على فهم المعنى العام للجملة العربية؛ لأنَّ الإعراب فهم المعنى أولا وأخيرا..."

عُرِف بتفانيه وإخلاصه في عمله، وبسيرته العطرة، وبحرصه على العلم والتعليم؛ فكان موضع احترام الجميع، وتقدير عامة الناس وعلمائهم، وكان خير سفير لوطنه ولجامعته... تمثل الإحسان في علمه وخُلقه، كما كان درسا في اللين والرفق والتسامح، إضافة إلى نبله ورفعة أخلاقه الأكاديمية، فعلى الرغم من أن التراث النحوي كان طيعا بين أصابعه إلاّ أنه كان متواضعا، معتنيا بطلبته موصيا بهم.

أشرف على العديد من الأبحاث الجامعية في تخصص اللغة والنحو ، وكانت فرصة سانحة لطلبته كي ينهلوا من معين علمه الصافي ، ويتشبعوا من منهاجه المتميز في البحث والتدقيق والتنقيب، وأن يتعرفوا عن كثب على مميزات شخصيته البحاثة، فوجدوه إنسانا عالما، يقدم لطلبته الأنموذج الأعلى في حبّ العربية، والدفاع عنها، والمحافظة عليها.

فمن هو الدكتور محمد خير الحلواني؟

***************************

* ولد في حلب عام 1933م.

* تلقى تعليمه الأولي في حلب، ثم تابع دراسته بدمشق، وتخرج فيها في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق.

* حصل على درجة الدكتوارة من جامعة عين شمس بالقاهرة.

*عمل مدرساً في كلية الآداب -جامعة تشرين- اللاذقية وجامعات المغرب والإمارات العربية المتحدة.

أنجز العديد من الدراسات القيمة في مختلف المجالات الأدبية واللغوية ، إلى جانب عمله الدؤوب في تحقيق عددٍ من النصوص التراثية المرموقة، نذكر منها :

* المفصل في تاريخ النحو العربي قبل سيبويه ،ج1، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، دار الفرقان للنشر والتوزيع، سنة 1979.

* الواضح في علم الصرف ، من مطبوعات دار المأمون للتراث، سنة 1987.
تحدث الكتاب عن علمي النحو والصرف, وأوضح اختصاص كل منهما في الدراسات اللغوية المتشعبة. فالنحو هو العلم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلمات العربية من بناء وإعراب وما إلى ذلك..أما علم الصرف فهو العلم الذي يبحث عن أبنية الكلمة العربية وصيغها ، وبيان حروفها من أصالة أو زيادة أو حذف أو صحة أو إعلال أو إبدال...فهو يبحث في أحوال الكلمات التي ليست بإعراب ولا بناء.
* النحو الميسر ، الناشر: دار المأمون للتراث بسورية ، سنة 1997،
وهو كتاب أثنى وأطرى عليه عدد من العلماء والباحثين في علوم اللغة العربية ، وذكروا له محاسن ومناقب جمّة.

* المنجد في الإعراب والبلاغة والإملاء، تطبيقات وقاعدات ، تأليف : محمد خير حلواني وبدر الدين حاضري، الطبعة الرابعة ، دار الشرق العربي ،بيروت.

*سحيم عبد بني الحسحاس، مكتبة دار الشروق، سنة 1972.
*المختار من أبواب النحو : بحوث في الجمل وأشباهها وبعض أبواب النحو وأادواتها ، مكتبة الشروق، سنة 1395هـ.
* تحقيق كتاب : مسائل خلافية في النحو، لمؤلفه : عبد الله بن الحسين العكبري، المتوفى سنة 616هـ، عن دار المأمون للتراث، سنة 1350هـ.
*تحقيق شرح لامية العرب ، لمؤلفه : عبد الله بن الحسين العكبري، عن دار الآفاق الجديدة.
* المنهل من علوم العربية : اثنان وأربعون نصا شعريا ونثريا مدروسة دراسة لغوية ونحوية وصرفية، المكتبة العربية ، سنة 1388هـ.
* المغني الجديد في علم الصرف، دار الشرق العربي بحلب.
* الواضح في علم الصرف، دار المأمون للتراث سورية ، سنة 2011.
*الواضح في النحو، دار المأمون للتراث، سنة 2000م.

يتصف الكتاب بالوضوح والعرض المبسط للقواعد،جاء معززا بالشواهد السهلة ، ومعتمدا على تحليلها وإعراب بعض كلماتها.

رحم الله الدكتور محمد خير الحلواني ، وغفر لنا وله وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء، فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب الخالدة والمتنوعة مضمونا، والتي تدل على طول باعه في مجال اللغة وفنونها، ترك بصمة بارزة في مسيرة العلم، وأثراً لا يمحى، كان مفكراً وأديباً ورجلاً تربوياً أغنى الحياة التربوية والثقافية والفكرية بإنتاجه المبدع والمتطور.

رحل جسدا وبقي روحا وإبداعا راسخا في نفوس عشاق اللغة العربية ومحبيها، وصدق الدكتور طه حسين -رحمه الله- وهو عميد الأدب العربي في أوائل السبعينات من القرن المنصرم ، حين قال وهو يرثي صديق عمره الأديب عباس محمود العقاد :

"ومثالك تموت أجسامهم ،لأن الموت حق على الأحياء جميعا، ولكن ذكرهم لا يموت لأنهم فرضوا أنفسهم على الزمان، وعلى الناس فرضا ،وسيوارى شخصك الكريم في أطباق الثرى، ولكن القبر الذي سيحتوي شخصك، لن يستأثر بك؛ لأنك في قلوب الذين يحبونك، والذين ينتفعون بأدبك وعلمك، حبك لن يموت، ولكنهم لن يستأثروا بذكرك وعلمك، ستشاركهم فيه الأجيال التي تبقى بقاء الدهر."
وفي الختام :
لا يفوتني أن أقدم كلمة وفاء وعرفان لعائلة دكتورنا الفقيد- رحمه الله- وعلى رأسهم نجله الأستاذ أيمن الحلواني- بارك الله فيه- وفي أصله الطيب، والذي لا يتوانى في الرد على كل من يراسله باحثا عن تراث والده ومؤلفاته.وعنه نقلت هذه الخاتمة :
أبيات من الشعر أوصى بها الوالد- رحمه الله- ليكتبوها على قبره :
أَمِــــنْ بَعْدِ ما طَوَّفْتُ شَرْقاً ومَــــــغْرِبا
وَجُبْتُ فَيافي الفِكْرِ في السَهْل وَالوَعْرِ
أَمــوتُ فلا تبكـــــي علــيَّ قصـــــيدةٌ
وَلا عابرٌ في الدَرْبِ يَسْأَلُ عَنْ قَبْــــري
وَلَمْ يُبْــــقِ لي صَــــــرْفُ الممــــــاتِ

مَفاخــراً أِتيهُ بِها غَيْر التَعَبُدِ وَالــــــذِّكْرِ


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى