الأربعاء ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥
بقلم إيمان يونس

الأدب الرقمي العربي الواقع، التحديات والتطلعات

الواقع والتحديات:

إن القاء نظرة سريعة على واقع الأدب الرقمي في العالم العربي تكشف عن مدى تأخره عن نظيره في العالم الغربي كيفا وكما من ناحية، وعن شح الدراسات والأبحاث حوله من ناحية أخرى. فيكفي أن نستعرض أسماء الكتاب والباحثين العرب المتخصصين في الأدب الرقمي مقابل أولئك الذين ظهروا في الغرب لنصدم بكبر الفجوة بينهما. بالإضافة إلى ذلك نجد الفجوة نفسها بالنسبة لعدد المواقع وعدد المجلات الإلكترونية المتخصصة في الأدب الرقمي.

وعليه، فإذا كان الأدب الرقمي حقيقة أدبية تميّز العصر التكنولوجي في العالم الغربي، فإنه عربيًا ما يزال يخطو بتؤدة وبتردد كبيرين. ولهذا علاقة بمدى انخراطنا في حالة التطور عامة، ومدى توفرنا على مناخ يسمح بمثل هذا الإبداع خاصة، وهو أمر يتعلق بالذهنية العربية ومدى انفتاحها على تقبل المستجدات، كما يتعلق أيضا بوضعية النقد الأدبي وقدرته على متابعة تطورات حالة النص الأدبي عالميا؛ ما يقودنا إلى الخوض مباشرة في التحديات والعقبات وكذلك في الأسباب التي تعيق ظهور النص الرقمي وانتشاره والتنظير له في عالمنا العربي، والتي يمكننا إجمالها على النحو التالي:
يعتبر الأدب الرقمي حديث النشوء نسبيًّا، لا يتجاوز عمره الثلاثة عقود، لذا فكثير من الأدباء العرب لم ينكشفوا على هذه الظاهرة الأدبية الجديدة بشكل كاف، وبعضهم لم تسنح له الفرصة بعد لقراءة نصوص أدبية رقمية سواء كانت عربية أو أجنبية. كما أن الدراسات التنظيرية العربية في هذا المجال قليلة جدا كما أشرنا أعلاه، ناهيك عن عدم تدريسه في الكليات والجامعات العربية (باستثناء جامعة الإمارات)، بعكس ما يحدث في أقسام الآداب في الجامعات والكليات الأجنبية (أمريكيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا على سبيل المثال) والتي بدأت تعمل على إدخال الأدب الرقمي ضمن مناهجها كموضوع رئيس.
أضف إلى ذلك فإن الكثير من المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالأدب الرقمي ما تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية بل حتى في التجربة الغربية، لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تأملات نقدية متأنية، تبلور لمأسسة هذا الأدب وفق مستجدات النصوص المنجزة رقميًا وهو أمر يحتاج إلى الكثير من الوقت خاصة في الأدب العربي الذي يعاني من ضعف التراكم الكمي.

ومن التحديات الأخرى البارزة التي تواجه كتابنا العرب في هذا المضمار، عدم القدرة على مواكبة التطورات التكنولوجية، وبالتالي معاناتهم مما يعرف بـ"أمية الحاسوب". فبعض الكتّاب لا يتقنون استعمال التكنولوجيا، ولا يجيدون التعامل مع الحاسوب وبرمجياته المختلفة. وعليه، فهناك حاجة ملحة لنشر التوعية بموضوع التنور الحاسوبي (Computer Literacy) أي معرفة كيفية استخدام الحاسوب في حل المشكلات وتنمية الوعي بوظائفه المختلفة. ونحن نرى أن سبل النهوض بموضوع التنور الحاسوبي تندرج ضمن مسؤوليات الدولة ومؤسسات التعليم العالي ووزارة التربية والمناهج التعليمية، التي بات من واجبها أن تأخذ الموضوع على محمل الجد بغية اللحاق بركب الحضارات المتقدمة، وتقليص حجم الهوة الرقمية التي تفصل بيننا وبين الدول النامية.

كما أن الخوف من هذا الوافد الجديد، يحول دون خوض الأدباء والنقاد في حقل الأدب الرقمي. فكل تجديد في الأدب عادة ما يلاقى بتحفظ من قبل الأدباء والنقاد على حد سواء، إلى أن يثبت نفسه على الساحة الأدبية. فلو راجعنا حركات التجديد التي طرأت على الأدب بشكل عام نجد أن هذه الحركات كانت تواجه بالرفض والتصدي في بداية مشوارها كما حدث مع رواد حركة الشعر الحديث في منتصف القرن الماضي على سبيل المثال.

ليس غريبًا إذا أن يواجه الأدب الرقمي في بداياته نفس الهجوم ونفس التصدي ونفس الرفض، لدرجة جعلت بعض المتعصبين للقلم والورقة يشونون هجومًا حادًّا على الأدب الرقمي مدعين بأن الكلمة هي العمود الفقري للنص الأدبي وأن الوسائط المتعددة تؤدي إلى تراجع القيمة الفنية للنص وتفقده الكثير من غوايته كما تسلبه أحد أهم أركانه وهو عنصر التخييل.

إن إحباط المجددين العرب وتصديهم للأدب الرقمي وترددهم في الإقبال عليه، يكمن فيما يكمن أيضا في مفهومهم لعملية التجديد هاته والتي يرون فيها تهديدا لتراثهم وعاداتهم التي ورثوها أبا عن جد. فتقبل الأدب الرقمي يعني تقبل تغيير الكثير من المفاهيم المتعلقة بالعملية الإبداعية، وهذا ليس بالأمر البسيط، فهو يتطلب منا أن نتخلى عن أفكار كثيرة ترسخت لدينا منذ زمن، أهمها: ارتباط النص بمنتجه حصرا، فالكاتب الرقمي ليس المالك الوحيد للنص بل يعمل إلى جانبه كوكبة من المبرمجين والخبراء وربما الفنانين. كذلك فالأدب الرقمي يعني أيضا التخلي عن ارتباط الاعتزاز بالتراث بالأوراق الصفراء، وارتباط الموهبة بالكلمة المطبوعة بصورة ديوان شعر أو رواية. والأدب الرقمي يعني بالإضافة إلى ذلك تقبل فكرة أن يشارك القارئ الكاتب في إنتاج النص ويتفاعل معه بأشكال مختلفة، كأن يضيف إليه أو يغير فيه. وعليه، فإن كسر هذه الثوابت يعتبر بمثابة الخروج عمّا وجدنا عليه آباءنا، وهذا يحتاج إلى ثورة تصل حد التمرد، قد يفقدها الكثير من المبدعين لعدم جاهزية الذهنية العربية بعد على التفكير بطرائق أخرى تنفتح على التعددية والمشاركة والانفتاح.

تطلعات وتوصيات

تشير معظم الدراسات والأبحاث إلى أننا كمجتمعات عربية نعاني من وجود فجوة رقمية هائلة تفصل بيننا وبين دول العالم المتقدمة تحول دون مواكبتنا للتطورات التي يشهدها العالم في المجالين الثقافي والإبداعي كيفا وكما. ذلك لأن طبيعة الرقمنة في الغرب تختلف عنها في شرقنا العربي، فالرقمنة في العالم الغربي نتيجة منطقية لتطور موضوعي للمجتمع في مختلف مجالاته، هي نتاج البحث عن مزيد من الإبداع والتطور والجمال والحرية والمتعة. وأما في عالمنا العربي فإن الرقمنة ما هي إلا تطبيق لمبدأي التقليد والتبعية التي نشأنا عليهما. وللأسف فنحن لا نزال حتى الآن في مرحلة الاستهلاك دون الإنتاج، ولا يزال أمامنا طريق طويل حتى نستطيع أن نبلغ مستوى المنافسة مع الأدب الرقمي الغربي. ولا نستطيع أن ننكر حقيقة ما في الأمر من خطورة لما ينطوي عليه من أبعاد ستؤثر في مستقبل الثقافة العربية ومستقبل الفرد العربي في عالم متغير باستمرار. فقد بتنا نسمع كل يوم مصطلحًا جديدا يتبادله المثقفون لوسم هذا العصر وإنسان هذا العصر والتحولات الكبرى التي تشهدها المجتمعات في شتى بقاع العالم، مثل: "عصر ما بعد الإنسانية" و "عصر الثورة الرقمية" و "عصر المعلومات" و"الإنسان الرقمي" و"ما بعد الإنسان" و"السيبورغ" و"مجتمع المعرفة" و"مجتمع الإعلام"، ناهيك عن المصطلحات التي تنذر بنهايات أشكال وأنماط حضارة العصر السابق، مثل: "نهاية عصر الورق" و "نهاية الكتاب الورقي" و"نهاية المثقف" وغير ذلك الكثير. ووسط هذا الخضم المتلاطم من المصطلحات وفي ضوء هذه التحولات لا بد لنا أن نفكر مليا في مستقبل المجتمع العربي ومستقبل الفرد العربي وإمكانية التكيف مع كل هذه التحولات بشكل طبيعي وقابل للتراكم والتحول النوعي. وهذا يتطلب دراسات معمقة وأبحاثا تشمل كافة المجالات.

وفيما يتعلق بالأدب الرقمي وتطويره عربيا، فعلينا أولا أن نمأسس لنظرية الأدب الرقمي انطلاقا من النظريات السابقة، وتواصلا مع التراث، وربط اللاحق بالسابق وعندها تكون عملية التغيير تدريجية وصحية وطبيعية وغير مربكة في آن وحد، وهذا يتطلب منا العمل في عدة مستويات:

العمل على ضرورة تدريس هذا الأدب وعلى كيفية إنتاجه وتلقيه في الجامعات والكليات، ذلك لأن البحث العلمي يضمن تحصين هذا الأدب كظاهرة حديثة وحداثية من الانفلات، ويمنحها شرعية القبول التداول ويحميها من المتعصبين والمعادين لها لأسباب غير علمية.

افتتاح ورشات عمل واقعية وافتراضية أكاديمية وغير أكاديمية لتدريس وتعليم الكتابة الرقمية كما هو متبع في بعض الدول الغربية.

تخصيص مواقع ومجلات أكاديمية وعلمية لنشر الأبحاث والمقالات والإسهامات الإبداعية في مجال الأدب الرقمي لزيادة الوعي به.

وأخيرا، لا بد أن نتذكر أننا شئنا أم أبينا فإننا سنسير باتجاه التقنية، وسيكون ذلك أكثر يسرا وطواعية مع الأجيال القادمة مما هو الحال عليه مع الأجيال الحاضرة، ذلك لأن الأجيال القادمة نمت مع التقنية وترعرعت في كنفها، وصارت جزءا من منظومة حياتها اليومية. ومواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن الفرد بات أكثر تعلقًا بالفرد الافتراضي للحصول على المعرفة، أو تبادلها وإنشاء روابط صداقة افتراضية. لذا فنحن مطالبون أن نكتب بأدوات العصر وأن نعبر عن إنسان هذا العصر في كينونته التكنولوجية وفي عالمه الافتراضي، وحان الوقت لأن نتناول موضوع الأدب الرقمي بالتحليل والمساءلة والنقد بالمستويات المطلوبة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى