الأربعاء ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم رامز محيي الدين علي

العدوان وحق الرد

عندما يتعرض أي مخلوق لعدوان مهما كان جبروته.. فإن من حق هذا المخلوق أن يرد العدوان وأن يدافع عن نفسه.. وطرق الرد كثيرة وعديدة ومتنوعة.. قد تكون مباشرة أو غير مباشرة..

وعلى سبيل المثال فإن الجعران عندما يداهمه خطر خارجي يطلق كل واحد منه قذائفه المدفعية على شكل دخان محدثا صوتا قويا، فيتلقى العدو هذه الضربات المخيفة بدويها ورائحتها، ( وهو ما يعرف عند الإنسان بالضراط ( بضم الضاد )، وهو الريح الخارجة من الإست مع صوت، و الكلمة فصيحة من الفعل ضرط.. )، فيهرع العدو ويلوذ بالفرار..
ومن القصص الطريفة التي نمت إلي من أهل قريتنا أن رجلا كان يحرس أشجار التين وكرم العنب وبيده عصا لا تفارق يديه.. وذات يوم دخل رجل آخر كرم العنب ليقطف بعض الثمار التي تشهي النفس عند أول بلوغها.. فخرج له الحارس.. وأخذ يصرخ ويشتم.. ويهاجم الضيف..

لكن الضيف أمسك أنفاسه وأعصابه.. وقال: يا رجل اشتهت نفسي بعض التين والعنب وأردت أن أسكت جوعي بعد طول المسير.. وعاداتنا في القرية تسمح لكل عابر سبيل أن يقطف بعض الثمار.. ونعد ذلك من الحسنات؛ لأن هذا العابر سيترحم على من غرست يداه تلك الأشجار..

لم يفهم الحارس لغة الأدب واستمر بالهجوم وقويت شوكته أكثر حينما لجأ الضيف إلى منطق الحوار.. ورفع عصاه ليضرب الضيف.. فما كان أمام الضيف إلا الدفاع عن نفسه.. فأمسك العصا واستلها من قبضة الحارس وناوله اثنتين أو أكثر.. فهرب الحارس نحو القرية ليستنفر أباه وأقرباءه للدفاع عنه.. وعندما وصل وحاله يرثى لها.. أخذ يصرخ ويهدد بأنه سيمزق قاطف الثمار إربا إربا.. رآه والده وراح يهدئ من روعه.. ثم قال: الرجولة الحقيقية ليست في بيتنا يا بني، بل الرجولة أن ترد الصاع صاعين وأنت في الكرم لا في البيت .. اجلس يا بني.. أفهمني ما القصة؟!
وقصص الفلاحين كثيرة لا تنتهي في الاعتداء أو الرد لكن ردهم مهضوم نوعا ما إما بضربة عصا أو فأس أو رفش.. ولكن النتيجة آمنة مهما تفاقمت.. فإنها تنتهي بجرح أو كسر أو خدش..

ولكن قصص العدوان وحق الرد بين الدول أو ملوكها ورؤسائها مختلفة كل الاختلاف.. فثمة جيوش وأساطيل برية وبحرية وجوية.. وهنا لم يعد للشجاعة أو قوة البدن أي دور.. إنما الدور الحاسم لقوة العقل والفكر والتخطيط .. ولم يعد شعار (عليهم يا عرب ) يجدي نفعا.. والنتيجة دمار كامل وشامل وإبادة جماعية بالأسلحة الكيماوية أو الذرية.. ولا سيما إذا استشرس العدو ضد عدوه أو الحاكم المستبد ضد شعبه..

في واقعنا العربي الكثير من مصائب العدوان والاحتلال وكارثة الاحتفاظ بحق الرد.. بدأت منذ نكبة فلسطين واستمرت مع نكسة حزيران ومازالت قائمة إلى أن تقوم الساعة.. أضحت الحمير تشهنق ردا واستنكارا لما يحدث!! فكيف بالبقر التي مازالت ترعى في الحظيرة غافلة عما يفعل الظالمون؟؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى