الخميس ١٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بقلم أحمد الخميسي

من يربح الستة عشر مليار جنيه؟

إسرائيل تريد من مصر أن تدفع لها نحو ستة عشر مليار جنيه مصري! وهو مبلغ محترم كفيل بإنشاء عدد ضخم من المدارس في القرى والأرياف التي يتكدس التلاميذ فيها بالعشرات في قاعات صغيرة للدرس. ويكفي المبلغ ويفيض لانشاء عدد كبير من المستشفيات وتطوير الموجود منها. تطالبنا إسرائيل بالمبلغ بعد قرار مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية إلزام هيئة البترول وشركة"إيجاس" المصريتين بسداد 1,76 مليار دولار لشركة الكهرباء الإسرائيلية أي حوالي 16 مليار جنيه تعويضا لإسرائيل عن خسائرها من وقف نقل الغاز بعد أن ألغت الحكومة الاتفاقية في أبريل 2012 إثر هجمات متكررة على خط الغاز. اتفاقية تصدير الغاز سيئة الصيت تم توقيعها في يونيو 2005 عهد مبارك ود. أحمد نظيف. وردا على قرار مركز التحكيم أعلنت الحكومة عندنا أنها ستطعن على الحكم. وهكذا ستمضي قضية الغاز في مجرى قانوني قضائي عبر لجان تحكيم دولية. إلا أن قضية الغاز وتصديره ثم وقف التصدير ليست مسألة قانونية في الأساس بقدر ما هي موضوع سياسي ووطني، تجسد فيه التنازل الكامل عن الإرادة والمصلحة المصرية عهد مبارك، فعندما تم توقيع الاتفاقية أنفقت الحكومة عندنا نحو خمسمائة مليون دولار على مد الأنابيب في سيناء لنقل الغاز لإسرائيل بدلا من استخدام ذلك المبلغ ذاته لمد المياه لزراعة سيناء وتخضير الصحراء. أي أنها غضت النظر بقرار سياسي عن مصالح مصر القومية في التطور لمنفعة خصم تاريخي شن علينا ثلاثة حروب. الأكثر من ذلك أن شركة الغاز الإسرائيلية حصلت على إعفاء ضريبي من الحكومة لمدة ثلاث سنوات من 2005 حتى 2008! وهكذا قدمنا الغاز لإسرائيل مدعوما من أموال الشعب، بسعر أقل مما يباع به، وبإعفاء ضريبي، أضف إلي ذلك خسائر مصر من فارق الأسعار التي تترواح حسب التقديرات مابين عشرة وثلاثين مليارا دولار! وقد أثارت الاتفاقية في حينه غضبا واسعا ونبه الباحثون ومنهم أحمد السيد النجار في 2010 بندوة بنقابة الصحفيين إلي حقيقة أن الدولة تبيع الغاز لإسرائيل بأقل من الأسعار العالمية وبدعم يصل إلي أكثر من ملياري دولار! بينما تبيع الغاز ذاته للمواطن المصري بالسعر العالمي! وفعليا كانت الدولة تقدم دعمها لإسرائيل وترفع الدعم عن السلع التموينية والخبز في مصر بحيث لم يزد عن 1,9 % من إجمالي الناتج المحلي، في الوقت الذي يزيد فيه مثل هذا الدعم في أمريكا مثلا عن 12% ! وهكذا فإننا لسنا إزاء مجرد اتفاقية اقتصادية اعتيادية، بل إزاء صفقة تمثل تنازلا سياسيا ووطنيا تم عهد مبارك. ولهذا كانت انتفاضة يناير 2011 مطلبا شعبيا بوقف سياسة التنازل الوطني وإهدار ثروات مصر القومية. ولهذا فإن قضية الغاز، والستة عشر مليار جنيه، ليست قضية قانونية تفصل فيها لجان التحكيم الدولية، بل هي قضية سياسية تتعلق بالتنازلات الوطنية التي تمت عهد مبارك، وتحتاج إلي قرار سياسي يرفض الاتفاقية المجحفة شكلا وموضوعا، ويرفض سداد الغرامة، وقد تخير جمال عبد الناصر المدخل السياسي للمسألة عند تأميم قناة السويس على أساس أن اتفاقية القناة من ذيول التبعية والاستعمار، وكان قرار التأميم قرارا سياسيا تخطى" النزاع القانوني" إلي استرداد الحقوق الوطنية. من دون ذلك سيكون من الصعب أن نربح الستة عشر مليار جنيه خاصة مع نوع من البشر كل تاريخه احصاء النقود واكتنازها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى