الأربعاء ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
أزمة النقد السوري
بقلم عصام شرتح

بين التقليد والإتباع

من المعلوم أن النقد السوري يعاني من أزمات عديدة جلها تصب في دائرة التقليد،والإتباع؛ وهذا يعني أن الأزمة تبدأ من الناقد نفسه ومن المدرسة التي ينتمي إليها؛ أو المنهج ، أو الاختصاص،وأكرر أن أزمة النقد السوري تبدأ من السلك الجامعي ؛ هذا السلك الذي أضعف المواهب النقدية ليرتقي أضغاث المواهب المناصب الحساسة في السلك الجامعي؛ وللأسف قلتها مراراً وتكراراً يجب أن يحاسب أساتذة الجامعة المخربين؛ونكرم المؤسسين المجتهدين الذين كأنوا مثالاً يحتذى كخليل موسى، وعبد الكريم الأشتر،ومحمود فاخوري، وبكري الشيخ أمين،وفؤاد المرعي وغيرهم من هؤلاء العظام،وكم أتمنى من وزارة التعليم العالي الكريمة أن تشكل هيئة رقابة لكشف مفاسد هذا السلك وتعاقب المسيء العقاب المستحق ؛بمعنى أدق يجب رفع الحصانة عن الأستاذ الجامعي؛ ويركل بالأقدام إذا دمر موهبة أو كفاءة مشرقة في هذا الوطن؛ ويجب أن يحاسب كما يحاسب الطالب إذا ما أخطأ،وبذلك ينال الطالب احترامه،ويحسب الأستاذ الجامعي الموقر ألف حساب قبل أن يقتل هذه الموهبة أو تلك؛ لأن الكفاءات إذا احترقت لا تعوض. والقاتل للكفاءة الأدبية بمثابة المجرم؛ لأن قتل الأحلام والمواهب أشد ضرراً من قتل الأرواح؛ وللأسف بانعدام الرقابة فإن مئات المواهب والكفاءات تتبدد وتتلاشى بعنجهية هذا الأستاذ الظالم أو ذاك؛ خاصة ما يعانيه طلبة الدراسات العليا (الماجستير/ والدكتوراه) في جامعاتنا العزيزة، وما حدث معي على أيدي ثلة من الظلمة أكبر دليل، فلما أصبحت أطروحتي جاهزة للمناقشة في جامعة حلب، وأصبح جميع أصدقائي يباركون لي باللقب قبل شهر من المناقشة، أجد نفسي قد قذفت قارعة الطريق؛ لأن المشرف على الرسالة (الموقر) قد قرر شطب الأطروحة؛ لأني طلبت تغيره؛ وما طلبت تغيره إلا لأنه كان يشبعني سخرية وإهانات،ولا يؤدي الأمانة كما يجب أدركت بعدها أن هذا المشرف لن يمنحني الدرجة المستحقة،وبدأ الصراع،وهنا دخل أعدائي المجرمين،ليحيكوا المؤامرة بدهاء مع مشرفي الموقر؛ بحجة يضحك عليها الصغير قبل الكبير(عدم الأمانة العلمية) ودخل الثعلب الماكر بدهاء مشفوعاً بعميد الكلية(لا رحمه الله)؛ ليقرروا شطب أطروحتي قبل شهر من مناقشتها، وكان ذلك منذ عام 2007، والطامة الكبرى أنهم لم يكتفوا بذلك؛وحاربوا أي جامعة أخرى لاستقبالي إلى أن حققوا غايتهم الإجرامية... وعقلوا مسيرتي العلمية... إلى من أشكو،وكل الأنظمة والقوانين مع هذا الظالم ؛وذهب حلمي أدراج الرياح،وما ذلك لأنه لا رقيب ولا محاسب على هذا المجرم الظالم، وبعد مضي (9) سنوات دفنت قضيتي وكأن شيئاً لم يكن؛ وحتى لو تحققت المعجزة الإلهية(ولن تتحقق) وأرادت وزارة التعليم العالي أن تحفظ ماء وجهها ...إنصافي ، وتشكيل لجنة لمناقشة الأطروحة، ومنحي الدرجة المستحقة.. ماذا تنفع الدرجات العلمية وقد رحل قطار العمر،وتلاشت الأحلام وتبددت، كل ما أرجوه ألا يحدث ما حدث لي،لإحدى الكفاءات النقدية... وكم أرجو أن تتكرم وزارة التعليم العالي بتشكيل لجنة مركزية،(لجنة مراقبة داخلية صارمة) لمحاسبة أخطاء الأساتذة الأكاديميين المدمرة، لتنصف الطالب، وتمنع قدر الإمكان تعنت الأستاذ الجامعي وظلمه الذي لا يليق بهذا السلك على الإطلاق،وأقول للقارئ و لا أبالغ في قولي: لقد احترق قلبي منذ ذلك الوقت؛ وأصبحت عاجزا عن حضور مناقشات الدكتوراه لزملائي،ويعلم الله لما نشرت أطروحتي ككتاب في عام (2010 التكرار في الشعر العربي السوري المعاصر) نال هذا الكتاب شهرة عظيمة لأنه الأول في مجاله في هذا الموضوع؛ كل من يقرأه يدرك أنه أطروحة مهمة نظراً لأحكامه النقدية،وقيمته العالية؛ والمؤلم حقاً أن هؤلاء الظلمة نسوا بلحظة أنهم لم يدمروا حلمي فحسب، وإنما دمروا حياتي وأسرتي بالكامل وأحرقوا كل شيء جميل فيها؛ وللآسف لقد نالت أضغاث المواهب درجة الشرف، وقذفت بكفاءتي في زوايا الدموع المشبوبة بالقهر والغيظ الخانق؛ والأسى المرير......

ما أريد قوله:إن أزمة النقد تنطلق من هنا،في تخريج الكفاءات المستحقة، التي تنتج ويشكل حضورها بصمة خاصة مؤثرة، في دفع عجلة النقد إلى الأمام؛ فالقارئ العربي لا تعنيه الدرجة العلمية لهذا الناقد أو ذاك ،وإنما تعنيه المادة النقدية وسويتها القرائية،ومدى دقة الأحكام النقدية وموضوعيتها؛ وهذا ما ينبغي على المؤسسات الجامعية الاشتغال عليه ليس في الحقل النقدي فحسب ،وإنما في مختلف الحقول الإبداعية.
أما أزمة النقد الحقيقية في سورية فإنها تنطلق من توجهات النقاد أنفسهم ؛ إن معظم نقادنا السوريين اتباعيون أو تقليديون، قلما نجد منهم ما هو مجدد أو مبدع ؛وهذا القول لا ينطبق على الجميع، فثمة نقاد مبدعون متميزون أمثال :الناقد الفذ خليل موسى الذي نوع في قراءاته النقدية بين التطبيق والتنظير، والناقدة الشابة الواعدة خلود ترمانيني وهي درة النقد السوري،وتعد أطروحتها ( الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث) أهم عمل نقدي صدر عام 2004،ولا نبالغ في قولنا أهم إنجاز نقدي شهدته سورية في القرن الواحد والعشرين؛ حيث استطاعت الناقدة اللامعة أن تقدم عملاً نقدياً استثنائياً من الصعب تجاوزه،وتحليلات نصية غاية في الروعة والتقصي والدقة،وإكراماً لهذا العمل وصاحبته، غالباً ما استشهدنا بأقوالها في معظم سياقاتنا البحثية، لنمنح هذه الناقدة حقها ومكانتها السامقة التي تستحقها ليس محلياً وإنما عربياً، ولهذا انتشر اسمها وزاع صيتها في الأوساط العربية؛ولن نقلل من شأن كتابات الناقد اللغوي فايز الداية ،ويعد كتابه جماليات الأسلوب قفزة نوعية في مجاله، وهو درة النقد العربي،وهو عميد النقد السوري، وقد أدهشنا الناقد الفذ فاروق إسماعيل، بدراساته التطبيقية على المقامات فكانت أدواته النقدية مبتكرة ،وأسلوبه الفني المتعالي خير دليل على قيمته وزهو إبداعه،ولا ننسى القامة النقدية المعطاءة (فؤاد المرعي) الذي خرج أهم باحثي النقد العربي الجمالي، فكان ناقداً استثنائياً في زمن استثنائي بالتوهج والإبداع؛ ولا نقلل من أهمية الناقد العظيم غسان غنيم الذي قدم دراسات تطبيقية تدلل على شعريته وإحساسه الجمالي، فكان وخليل موسى درتي النقد الحديث الإبداعي في جامعة دمشق،وكذلك دراسات الشاعر النقدية المتميزة نزار بريك هنيدي، الذي جمع أناقة الشعر،مع دهشة مكتشفاته النقدية،وأيضاً الناقد السوري حسين جمعة الذي جمع بين النقدين القديم والحديث وكان مبدعاً مجدداً في الأسلوبين معاً وكتابه عن الاغتراب من أهم ما كتب في مجاله،ولا ننسى كتبه القيمة(جمالية الكلمة -الحيوان في الشعر الجاهلي)من قيمة وجدة وابتكار،ولا ننسى جهد الناقد أحمد زياد محبك في مجال التحليل النصي، وكذلك جهد الناقد وليد مشوح الأنيق روحاً وإبداعاً؛ وكذلك جهد الناقدة لطفية برهم،وهي عميدة النقد الجمالي في جامعة تشرين،وكذلك جودت إبراهيم الذي يستحق وسام الجدارة والتميز، والناقد الشاب هايل الطالب، الذي يبشر بمشروع ناقد مهم،وكل هذه الكفاءات ثروة وطنية في الحقل النقدي لا يمكن الاستهانة بها.
وكم بودي أن أظلل هذه الأسماء بظلال من نور داعياً لهم مزيداً من التطور والعطاء المثمر والتألق الكامل.لأنهم ثروة وطنية يجب المحافظة عليها.

وما أريد أن أنوه إليه : إن التقليدية في النقد آفة خطرة ،تأكل النقد وتنخر به كالسوسة في الخشب،على الناقد أن يختار المواضيع الجديدة اللامطروقة ،وأن ينماز في آرائه ومقترحاته،ولا أريد الحديث عن بعض المواضيع الاتباعية التي كررت مئات المرات،وعلى الكم الغفير من الكتب النقدية الاتباعية أو الكلاسيكية،لئلا أجرح أصحابها أو أُشَهِّر بهم،كل ما أريد قوله: إن عجلة النقد السوري تمضي تدريجياً وببطء شديد فيما عجلات النقد العراقي ودول المغرب تمضي مسرعة بشتى المواضيع والإفرازات والكفاءات النقدية،لأن الحركة النقدية في مثل هذه الدول أنتجت البديل،واشتغلت على الكفاءات الجديدة،ومهدت السبيل لإحيائها؛ أما في قطرنا الحبيب فالأمر جد مختلف، المواضيع مكرورة تقليدية،والمواهب فردية،تحتاج إلى طاقات مضاعفة في البحث والجهد،وكما قلت: سورية مهد الكفاءات والطاقات المهدورة ولو تم الإفادة من نصفها وتوجيهها التوجيه الصحيح لكان الأمر جد مختلف، ولكانت الحركة النقدية في سورية في ذروة مجدها وألقها وعطائها المثمر كما كانت من سابق في مراحل ليست ببعيدة.

وأعود وأكرر إن فرحتي بولادة ناقد حقيقي كفرحتي بدرجة الدكتوراه المسلوبة مني على أيدي ثلة من الظلمة (لا رحمهم الله)، لأن ولادة ناقد حقيقي هو ولادة مستقبل نقدي يعود بنفعه على الجميع، خاصة بلدنا الحبيب الذي هو بأمس الحاجة إلى الكفاءات المباركة التي تعطي بإخلاص ومحبة، وأجمل حب حب الوطن والإخلاص له و العمل على تطويره في كل الحقول.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى