السبت ١٤ أيار (مايو) ٢٠١٦
بقلم أحمد الخميسي

صحافتنا المصرية تاريخ من الحرية

في الثالث من مايو من كل عام يحتفل العالم بيوم حرية الصحافة، أما الصحافة المصرية فقد تعرضت نقابتها في القاهرة لاقتحام وهجمة من رجال الأمن غير مسبوقة على مدى سبعين عاما من إنشاء النقابة. وفي هذا المضمار فقد خاضت الصحافة المصرية على امتداد تاريخها معاركها من أجل الحرية بالتصدى لمختلف أنواع التعسف والمطاردة والإغلاق والتكبيل، وعانى كتابها في سبيل ذلك من السجن والتشريد، وصان تاريخ الصحافة المصرية شعار يعقوب صنوع الذي قال عند صدور قانون المطبوعات في 1881: " اكسروا أقلامنا وسدوا أفواهنا فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا"! ولم تكتف الصحافة عن التقدم بتاريخها للأمام منذ أن صدر"الجورنال" بأمر من محمد علي باشا عام 1828 لحاجة الوالي إلي تقرير منتظم عن نشاط الدواوين التي أنشأها، ثم تحول " الجورنال " عام 1828 إلي جريدة " الوقائع " التي قامت بالتعريف بأخبار الحكومة وبناء الجسور وترقيات الضباط . وحتى ذلك التاريخ كانت الصحافة مجرد نشرة حكومية تقتدي بما فعلته الحملة الفرنسية حين أصدرت جريدتين لجنودها في القاهرة . وفقط عام 1841 بدأت الصحافة مسيرتها عندما وضع رفاعة الطهطاوي خطة جديدة للوقائع بإضافة أنباء العالم الخارجي ومقطوعات أدبية فقفزت الوقائع إلي مرحلة"الدورالإعلامي".ولم يكن ذلك يعني أن الصحافة قد نضجت لتصبح صحافة" رأي وموقف". وفقط عام 1877 وعلى ألسنة نيران الحرب الروسية التركية عرفت الصحافة عندنا طريقها إلي" الرأي والموقف" لتغدو صحافة رأي عام تحرك الوعي بالقضايا الكبرى. وبعد 65 عاما من نشأتها أخذت الصحافة المصرية في النقد السياسي الصريح وتبني موقف وطني. وأدرك الضمير الصحافى ما قاله فولتير ذات مرة:" وما علي إذا لم يكن لي صولجان؟ أليس لي قلم؟". وبالحرية التي انتزعها الكتاب وصفت إحدى الجرائد اسماعيل باشا بأقذع الألفاظ للمرة الأولى قائلة إنه " أنفق مائة ألف جنيه من دم الفلاح وأنه بمثل هذه التصرفات السيئة يفضي بالبلاد إلي الهاوية" فأمرت الحكومة بإغلاق الجريدة. وتنقب جريدة أخرى هي " مرآة الشرق " لمحررها إبراهيم اللقاني عن أسباب الفساد الذي تفشى في مصر وتكتب صراحة أن السبب هم الحكام الذين"لا يعرفون شرعا، ولا يرضون قانونا، بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم، وحاربوا العدل، فطغوا وبغوا،ونهبوا وسلبوا، وفتكوا وهتكوا وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعا " . وينشر أديب اسحق مقالاته النارية في جريدة مصر التي أنشأها فأغلقتها الحكومة بعد ثلاثة أعداد ويكتب ضد قانون المطبوعات ويندد بالامتيازات الأجنبية، فتغلق الحكومة جرائده وتنفيه إلي باريس. وواصلت جرائد عبد الله النديم"التبكيت والتنكيت" في يونيه 1881، ثم"الطائف" وجريدة " الأستاذ " رفع مشاعل الحرية، وفيها كلها حمل النديم على طغيان الحكام. وظهرت صحف يعقوب صنوع الساخرة فلاحقته السلطة هو الآخر. ومع هزيمة الثورة عطل الاحتلال البريطاني الصحف وقيدها. ومع مقدمات ثورة 1919 تبلور على نحو نهائي الإدراك بأن الصحافة مهنة ذات رسالة ، وبرزت في ذلك السياق صحيفة اللواء التي أسسها الزعيم مصطفي كامل لتفتح النار على الاحتلال. في اليوم العالمي لحرية الصحافة يحق لنا أن ننظر بفخر إلي تاريخ طويل من الكفاح الصحافي الشريف من أجل الحرية، تاريخ محكوم بالصراع بين من يؤرقهم الشوق إلي الحرية ومن يؤرقهم الخوف من الحرية. تحية لصحافتنا ومعاركها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى