الجمعة ١٣ أيار (مايو) ٢٠١٦
لبوْحُ الجنسيُّ الرّمزيُّ الاستعاريُّ

في مَجموعةِ "أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِينَ"!

منير توما

مِن اللّافتِ، أنّهُ حينما نتناوَلُ قراءةَ ودراسةَ المَجموعةِ الشّعريّةِ "أُدَمْوِزُكِ وتتعشتَرين" لآمال عوّاد رضوان، نجدُ فرادةً في العنوان، حيثُ يَستعصي إدراكُ مَعناهُ إلى حدٍّ ما على قارئٍ عاديٍّ غيرِ مُطَّـلعٍ على الأساطيرِ الشّرقيّةِ، أو ليستْ لديهِ خلفيّةٌ ميثولوجيّةٌ، لا سيّما وأنّ شاعرتَنا في هذهِ المجموعةِ قد صاغتْ فِعليْن للعنوانِ بصيغةِ المُضارع، الفِعلُ الأوّلُ بضميرِ المُتكلّم على وزن الرّباعيّ المُجرّدِ فَعْلَلَ يُفَعْلِلُ، واشتقّتْهُ مِن اسمِ الإلهِ السّومريِّ دُموزي(Dumuzi) إلهِ الخصب، القطعان، الحنطة وإلهِ العالم السّفليّ.

أمّا الفِعلُ الثاني في العنوان فقد جاءَ بضميرِ المُخاطبِ على وزنِ الرّباعيّ المَزيدِ بحرفِ تَفعْلَلَ يَتَفعْلَلُ، واشتقّتْهُ مِن اسْمِ الإلهةِ الأكّديّةِ عشتار، إلهةِ الخصب، الصّيدِ، الحُبِّ والحرب، وهي أخت الإله دُموزي (ويُطلق عليهِ الإله تمّوز).

وفي سِياقِ حديثِنا عن المَجموعةِ الشّعريّةِ التي نحنُ بصددِها، سيتمحورُ الموضوعُ حولَ ثيمةِ الخصبِ والحُبِّ، وهو ما تَتداولُهُ الشّاعرة آمال عوّاد رضوان في قصائدِ المجموعةِ برُمّتِها، وكأنّي بها تأتي بحبيبَيْنِ عاشقيْنِ، ليَتماهَيا معَ إلهِ الخصب دُموزي وإلهةِ الحُبِّ والخصبِ عشتار، حيثُ يُشيرُ إلى ذلك العنوانِ الّذي أطلقتْهُ شاعرتُنا على مجموعتِها هذه، باتّخاذِها الفِعل الّذي صاغتْهُ "أُدَمْوِزُكِ" ليَعني؛ أجعلُكِ تنتمينَ بكيانِكِ وذاتِكِ إلى دُموزي حُبًّا وعِشقًا وخِصبًا جنسيًّا، بينما صِياغتُها للفِعل "تتعشتَرين" تعني، أنّ هذهِ الأنثى تَستجيبُ لإغراءِ الرّجُلِ العاشِقِ، جاعلًا منها شبيهةً بحُبِّ وعشقِ وخصبِ الإلههِ عشتار، أو فينوس في الميثولوجيات الأخرى.

وممّا يَسترعي انتباهَ القارئِ لقصائدِ الكتابِ، أنَّ المُتكلّمَ في هذهِ القصائدِ هو الرّجُلُ العاشقُ المُحِبُّ لمعشوقتِهِ الأنثى الّتي يُخاطبُها، وأنَّ طغيانَ أوْصافِهِ الحِسّيّةِ والجنسيّةِ يَعكسُ روحَ التّعبيرِ المُتوهِّجِ، والمُفعَمِ بالحُرّيّةِ الذهنيّةِ والعاطفيّةِ لدى شاعرتِنا، وقد لا نكونُ مُغالينَ إذا قلنا، إنَّ قصائدَ المَجموعةِ، خصوصًا النصف الأوّلَ مِنَ المجموعةِ، تتّسِمُ بإيرادِ رموزٍ وإيحاءاتٍ جنسيّةٍ واضحةِ المَعالمِ ومَلموسةِ الأجواءِ، عابقةٍ بالاستعاراتِ المُوحيةِ بالعلاقةِ الجنسيّةِ المُباشِرةِ، وبمعنى أكثرَ تحديدًا، بالعمليّةِ الجنسيّةِ بينَ الحبيبيْنِ أو الزوْجيْنِ، وذلك مِن خلالِ التّرميزِ المَشحونِ بالقرائنِ الدّالّةِ على هذهِ المَعاني، ففي قصيدة "يَابسَةٌ.. سَماواتي" (ص9- 10) نقرأ النّصَّ التّالي:

رُحْمَاكِ .. أَدْخِلِينِي غَيْمَةً شَهِيَّةً
وَبِلَمَسَاتِكِ الْمُضْرَمَةِ بِالرَّغْبَةِ
أَمْطِرِينِي .. وَلْيَحْمِلِ النَّاسُ الْمِظَلَّاتِ
فَلَا نَظَلُّ مُبَلَّلَيْنِ
عَلَى نَاصِيَةِ رِيحٍ .. بِلَا مَصَابِيح!
سَأَجْعَلُ الْغَيْمَةَ
حُـــــبْــــــــــلَــــــــــــــــى .. بِشُــــــمُـــــوخِـــــكِ
أَحْرُسُهَا .. أَنَا رَاعِيهَا
وسَاعَةَ الْوِلَادَةِ .. أَهُشُّ عَلَيْهَا .. بِعُكَّازِي
وَبِلَا آلَامٍ .. يَأْتِيهَا الْمَخَاضُ يَسِيرًا
كَرِيحٍ .. تَنْثُرِينَ الشَّهْوَةَ هَسيسَ نَشْوَةٍ
في أَعْــمَــاقِــي
وَقَدُّكِ .. يَجْلِبُ لِيَ الْمَطَرَ
مِنْ كُلِّ أُفُقٍ فَجٍّ!

وتضيفُ شاعرتُنا في القصيدةِ نفسِها (ص12) قائلةً على لسانِ الرّجُلِ العاشقِ المُحِبّ:

فِي عَبِيرِ نَهْدَيْكِ .. أَسُووووووحُ
فيُمْطِرَانِنِي شَوْقًا .. يَتَّقِدُنِي
وَأَذْرِفُكِ .. عِطْرًا مُتَفَرِّدًا
***
تَـسْـجِـنِـيـنَـنِـي .. بِمَفَاتِنِكِ
تَـنْـسِـجِـيـنَـنِـي .. مِنْ لَدُنِ رُوحِكِ
فأَطْفُوَ عَدْوَ ظَبْيٍ .. إلَى مَقَامِ الْهُيَامِ
وأُجِيدُ طُقُوسَ هُطُولِي
عَلَى أَجِيجِكِ الثّائِرِ!

إنَّ مِن قرائنِ الفِعلِ الجنسيِّ بينَ العاشقين هي الكلمات: "غيمة شهيّة"، "المُضرَمة بالرّغبة"، "أمْطِريني"، "عكّازي"، "هسيسَ نشوةٍ في أعماقي"، "يَجلبُ لي المطرَ"، "الثائر"، فهذهِ الكلماتُ جميعُها يَعتري بعضُها الوضوحُ، والبعضُ الآخرُ يَحملُ في ثناياهُ مَعاني رمزيّةً كالغيمةِ مثلًا، حيثُ أنَّ الإخصابَ مِن رموزِها، وهو الجانبُ الشّهوانيُّ المُصاحِبُ لها، وواردٌ في الميثولوجيا اليونانيّةِ، لا سيّما إذا كانتِ الغيمةُ مصحوبةً بالمطرِ، كما هو الحالُ في هذهِ القصيدة.

بالإضافةِ إلى ذلك، فإنَّ كلمةَ "عكازي" في سِياقِ القصيدةِ تحملُ رمزًا قضيبيًّا (phallic symbol)، بكلِّ المَعاني والدّلالاتِ المُصاحِبةِ في السّياقِ التي تُؤطّرُ للعمليّةِ الجنسيّةِ،

منير توما

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى