الخميس ١٩ أيار (مايو) ٢٠١٦
بقلم أحمد الحارون

إليكِ يا ابنة العم

بعضُ الناس يا أخية مثل عنقود ذهبٍ في كومة تراب، مهما تكاثر التراب عليه لن يستطيع غباره منع بريقه ولمعانه، والصداقة ليست حديثاً يُقالُ أو يُتشدق به، لكنها أسمى وأشمل وأعم من فهمنا القاصر، وأسوق لكِ معنى ربما غاب عن كثير ... (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) لاحظي آخر كلمة( صديقكم) ولاحظي ما قبلها( آبائكم أمهاتكم إخوانكم أخواتكم أعمامكم عماتكم أخوالكم خالاتكم) جاءت لفظة صديقكم مفردة في سياق كله جمع، وفي ذلك حكمة بالغة، وهي أن الصداقة الحقيقية لا تتعدد ولا تكون إلا في الله وخالصة لوجهه، وحق الصديق أكبر مما يظنه بعضنا، فله الحق أن يدخل بيتنا دون إذن، ويأكل من طعامنا دون إذن، وأن يمد الأخ يده في جيب أخيه فيأخذ ما يحتاجه دون إذن، ولست أنا من يدعي ذلك، إنما أهل العلم قالوه، لذا إن كانت بيننا صداقة فاعلمي أنكِ المكيالُ الذي تعتدل به كفة الحياة حين يعترينا النصب، وأنتِ المقياس الذي نقيس به صبر أهل الصبر على نكبات الحياة، فلا جدوى من أن تحرم الدنيا الفقير من تناول اللحم وإن كان فيه قسوة، لكن أشد منه قسوة أن تحرم الدنيا الغني من تناول اللحم، وأن تحرم بائع الحلوى من تذوق حلواه وهو يشتهيها.

ربما فترة تعارفنا لا تذكر في صفحات الزمن، والعبرة ليست بطول أو قصر المدة، لكن في التأثير والجدوى وترك الأثر الطيب، والعبرة ليست فيمن سبق، إنما العبرة فيمن صدق، وقد نتأخر لنسبق، وقد ننحني لنقفز، ومِنْ لُطفِ القدر بنا يسوقُ في طريقنا أشخاصاً لا نهتمُ بأمرهم لحظياً، ثم تكون المفاجأة... إنهم أثمن من عرفنا، فلا تستهيني بدلوكَ وبالأشخاصِ العالقين فيه، وربما كان هذا الذي لا تكترثين بأمره يملك الكلمة والوصفة السحرية التي بها تستطيعين بها أن تصرخي في وجه أحزانك فتتهاوى كأحجار الدومينو واحداً تلو الآخر.

إن الصداقة الحقيقية أن يقفز اسمك ورسمك في بالي عند كل دعاء، وما أجمل أن ندعو لأناس بظهر الغيب! الصداقة أن أهرب من الجميع إليكِ ضارباً بكل أدوات المجتمع المهترئة عرض الحائط كي تهدي لي عيوبي دون مواربة، وأن تأتيني فتصححي لي ما اعوج قبل أن يظهر على مسرح حياتي، وأجمل من صداقتي إخوتي في الله التي تجعلني أن أكف عن ألف خطأ كنت أفعله قبل معرفتك.

أتذكرين ... حين قلت لكِ( لا أذاقكم الله طعم أنفسكم)؟ تعلمين يا أخية أن للشجرة جذر وساق وفروع وأوراق وثمار، وفي الساق ما يسمى( لحاء الشجرة) وهو الجزء الداخلي المغلف، ولو تذوقنا لحاء الشجرة لوجدناه أعذب ما فيها، ومن حكمة الخالق أن الشجرة لا تنتبه لجمال لحائها، لذا تترك الجذر يضرب في قاع الأرض باحثاً عن الماء والغذاء وأسباب حياتها، ولو وعيت للحائها وعذوبته لرفضت ما يجود به عليها جذرها لملوحته ومرارته وتمردت، وفي هذا هلاكها العاجل وفقد ثمرتها وإن كان فيه متعة أو شهوة عاجلة، وأكثر الناس يُفتنون من طعم لحائهم وعاجل شهواتهم ويتمردون على جذرهم، وفي ذلك موتهم المعجل وانتكاس فطرتهم، وهذا الذي استعذب الاعتقال ترك لجذره أن يضرب في ظلمات الأرض ورضي أن يكون قمحاً للإنسانية يُحصد ويطحن ويعجن ويخبز عن طيب خاطر، فكأنه فرَّ من خزي الدنيا والقصور إلى مقام العبودية وضيق الزنازين، وجميعنا لو تذوقنا طعم أنفسنا لهلكنا وأهلكنا من حولنا، فلا أذاقنا الله طعم أنفسنا، وأعاننا عليها. اعتذر... وسامحينا؛ وكان منتهى أملي أن نلتقي فنرتقي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى