الخميس ١٩ أيار (مايو) ٢٠١٦
بقلم حسين سرمك حسن

لغة الجسد: من القادة الأمريكيين إلى القادة العراقيين

تمهـــــــــــــيد

لدينا ، في الواقع ، لغتان نستخدمهما في حياتنا اليومية ، وليس لغة واحدة : اللغة الكلامية اللفظية أو الشفاهية ، ولغة أخرى لا كلامية ولا شفاهية ولا لغوية وهي لغة الجسد .

اقتطفت هذه المقالة (مع تعليقات وإضافات مهمة من خبرتنا الشخصية الثرة المتراكمة عبر أكثر من ثلاثين عاما من العمل النفسي) من كتاب "لغة الجسد" لمؤلفيه باربرا بيز وألان وركس بيز ، وكما يوحي عنوانه، هو بحث عن اللغة الثانية : لغة الجسد. قد نسمع في كثير من الأحيان بهذا المصطلح ، وبأننا نمارس لغة الجسد بصورة لا واعية، ولكن قد لا تأخذ ذلك ولا يأخذه الباحثون على محمل الجد. في الواقع، يمكن أن تكون لغة الجسد مفيدة جدا. فهي تساعدنا في المجال الشخصي – وعلى المستويين النفسي والاجتماعي - عند التعامل مع الآخرين ، مثلما تزودنا بإيحاءات عن سلوك الأشخاص في المجال السياسي وفي مجال الأعمال. وقد اكد بعض العلماء على أن لغة الجسد تشكل 65% من تواصلنا اليومي مع الآخرين في حين تشكل اللغة الكلامية 35% فقط من هذا التواصل.

وللأسف فإن القادة السياسيين في العالم الثالث عموما ، والقادة السياسيين العرب خصوصا ، لا يحترمون علم النفس ولا يقدرون دوره في الحياة بشكل عام عموما ، وفي الحياة السياسية بشكل خاص. ومن النادر أن تجد لدى قائد سياسي في العالم الثالث أو في الدول العربية مستشارا نفسياً أو اجتماعيا . قد يعتبر بعض القادة السياسيين العرب وجود المستشار النفسي إهانة للجانب النرجسي (المتورّم عادة) من شخصيته من ناحية ، وكمصدر تهديد يُنذر بالرقابة القريبة وكشف ما هو مستور في شخصية القائد السياسي خصوصا إذا كان المستشار محللا نفسيا من ناحية ثانية مكملة . والناحية الأخيرة تمثل أول وأعظم فوائد المستشار النفسي للقائد السياسي.

أقدّم هنا سلسلة مراجعات مدعومة بالصور توضح أهمية هذا الجانب وخطورته وهو المتمثل بالإهتمام بلغة الجسد من قبل القائد السياسي.

شارلي شابلن : الأنموذج الأول والأثرى

من الذي لا يعرف "تشارلي شابلن" الممثل البريطاني الشهير في العصر الذهبي الأول للفيلم الصامت في بداية القرن العشرين؟ اشتهر شابلن بقدرته على السلوك والحركة التي تسبّب الضحك. ظهوره المبدع مُميّز ، مع قبعة، وعصا، وبالطبع نتذكر، شاربه ؛ شارب هتلر، مما جعل تشارلي شابلن رمزا لعصره. مع ذلك، أن الكثير من الناس لا يدركون، أن تشارلي شابلن كان أيضا عبقرياً من حيث لغة الجسد.

تخيّل نفسك كممثل في عصر السينما الصامتة، حيث عليك توصيل فكرة الفيلم للجمهور من دون مساعدة من صوت أو محادثة. فقط صورة متحركة، وتذكّر أن الافلام في ذلك الحين كانت تُصوّر باللونين الأبيض والأسود. كان تشارلي شابلن ناجحاً جدا في أدواره، لأنه أدرك أن الوسائل الأساسية التي يتواصل البشر عن طريقها لا تنحصر بالصوت واللغة المحكية فقط، بل أكثر من ذلك من خلال اللغة غير اللفظية، لغة الجسد.

يستخدم تشارلي شابلن كل الوسائل اللالفظية غير المحتملة تقريبا التي يمكن استكشافها لرواية القصص : تعابير الوجه والإيماءات وحركة اليد والقدم، وشكل الجسم، والملابس البالية.

التقييم العلمي للغة الجسد بدأه تشارلز دارون

أوّل من درس لغة الجسد من علماء العصر الحديث هو "تشارلز داروين" في كتابه "التعبير عن العواطف في الإنسان والحيوانات" ، الذي نُشر في عام 1872. وفي كتابه اللاحق الذي نُشر بعد 13 عاما وهو "أصل الأنواع". حاول داروين تتبع أصل الخصائص البشرية في الحيوان التي لا تزال متاحة له، مثل زمّ الشفاه عند التركيز، أو تقلّص العضلات حول العينين عندما نكون غاضبين أو عندما نحاول أن نتذكر شيئا. ومع ذلك، فإن قراءة هذا الكتاب تمت على نطاق واسع من قبل الأكاديميين وليس القراء العامين بسبب لغته الأكاديمية التقنية.
ثم وجد "ألبرت ميرابيان"، وهو رائد في دراسة لغة الجسد في الخمسينات أن تأثير أي رسالة نتسلمها يختلف باختلاف شكل توصيل الرسالة وهو :
7٪ لفظي (الكلام فقط)
و 38٪ صوتي (بما في ذلك نبرة الصوت، والنطق والتلفّظ الذي يعتمد على بنية اللغة) و 55٪ غير – لفظي (لغة الجسد).
اللغة الكلامية 35% ولغة الجسد 65%

يقدر عالم الأنثروبولوجيا "راي بيردويسل" أنه بشكل عام، يتحدث الناس (كلمات وجمل منطوقة) بمقدار 10-11 دقيقة كل يوم، حيث تأخذ الجملة متوسط 2.5 ثانية لكي يتم قولها. في المقابل، فإن تقديرات بيردويسل توصّلت إلى أن الكائن البشري قادر عموما على تقديم والتعرف على حوالي 000،250 تعبير من تعابير الوجه. ووجد أيضا أن المكوّن اللفظي (عن طريق الفم) في التواصل بين الأشخاص يسهم بنسبة 35٪، في حين أن أكثر من 65٪ منه يتم عن طريق الاتصال غير اللفظي.

حكاية صورة مُذلّة

صندوق النقد الدولي ليس مهتماً بشكل خاص في سماع أفكار "البلدان المتعاملة مع البنك" حول موضوعات مثل استراتيجية التنمية أو التقشف المالي. في كثير من الأحيان، كان نهج الصندوق في التعامل مع البلدان النامية هو نهج الحاكم المُستعمِر. ويمكن أن تكون صورة تساوي ألف كلمة، وهي الصورة التي التُقطت في عام 1998، ونُشرت في جميع أنحاء العالم، وقد نقشت نفسها في أذهان الملايين، وبخاصة أولئك الموجودين في المستعمرات السابقة. رئيس صندوق النقد الدولي، ميشيل كامديسو ، قصير، انيق الملبس، بيروقراطي، كان وزير الخزانة الفرنسي سابقا، الذي ادعى ذات مرة بأنه اشتراكي، يقف بوجه حازم ، وبابتسامة مستخفة متصالب الذراعين ، يطل فوق رأس الرئيس الأندونيسي المذلول سوهارتو. كان الرئيس التعيس مجبرا على تسليم السيادة الاقتصادية لبلاده لصندوق النقد الدولي والتوقيع على شروطه القاسية في مقابل مساعدات تحتاجها بلاده. في النهاية، ومن المفارقات، فإن الكثير من المال ذهب لعدم مساعدة اندونيسيا، ولكن لإنقاذ دائني القطاع الخاص من بنوك "القوى الاستعمارية". (رسميا، هو "حفل" توقيع على خطاب اتفاق، اتفاق أُملى على نحو فعال من قبل صندوق النقد الدولي، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان لا يزال يحافظ على التظاهر بأنه خطاب نوايا أتى من حكومة البلاد!).

في أثناء توقيع سوهارتو، وقف كامديسوس مطلا على الرئيس، وذراعاه مطويتان على صدره مثل مدرّس التوبيخ. لقد كانت كارثة علاقات عامة. الانطباع الواضح في إندونيسيا، كان هو أن رئيسهم قد أُجبر على توقيع قبوله لأحدث قائمة من 50 شرطا من شروط صندوق النقد الدولي. كانت إهانة للكرامة الوطنية وللرئيس سوهارتو شخصيا.
لغة الجسد تكشف عن العواطف

لغة الجسد هي تعبير عن أفكار وعواطف الشخص. على الرغم من أن الشخص قد لا يعبّر عن أفكاره ومشاعره بصورة واعية ، لكن يمكننا أن نكون متأكدين من أنها تظهر من خلال لغة جسده . على سبيل المثال، فإن الشخص الذي لا يحب الناس الآخرين الذين يكونون معه، ربما لن يقول لفظيا أنهم لا يروقون له ، ولكن وضعية جسمه، واتجاه بصره ، وتعبيرات وجهه ، قد تنقل مختلف الإشارات الجسدية التي تكشف مثل هذا النفور.
أوباما وهيلاري

انظر إلى الصورة التالية، التي التقطت من مناقشة مُرشحَي الرئاسة الديمقراطيين في الولايات المتحدة باراك أوباما وهيلاري كلينتون.

فانظر كيف أن هؤلاء المُرشحَيْن لا يريان بعضهما البعض. انظر أيضا كيف يميل كلّ منهما بوضعية جسمه بعيدا عن جسم محاوره. ناهيك عن أن تعبيرات وجه هيلاري وأوباما تبدو غير مريحة أبدا.
الأخوة الأعداء في السياسة الأندونيسية

ومن السياسة الإندونيسية، انظر إلى برودة العلاقة بين الرئيس "سوسيلو بامبانج يودويونو" والرئيسة السابقة "ميجاواتي سوكارنو بوتري" ، وهي علاقة باردة معروفة من قبل الشعب الإندونيسي. فمن الصعب العثور على هذين المسؤولين في لقاء علني وعلى وجهيهما تعبير مريح كما ترى في الصورة أدناه.

يبدو أن من المألوف أن يقوم سوسيلو بامبانج يودويونو ، بزيارة السيّدة ميجاواتي، لكنها – كما يبدو عليها - تشعر بالقلق وتنظر إلى البعيد. هذا الشخص الذي أبدى استياءه من الرئيسة ، والذي كان عضوا في مجلس الوزراء، هو الذي في النهاية تغلّب عليها في أثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لقد ترشحت السيّدة ميجاواتي لاعادة انتخابها في 2004 في أول انتخابات رئاسية مباشرة في البلاد، أملا في أن تصبح أول امرأة يتم انتخابها في بلدها كرئيس للدولة في أمة إسلامية. ولكنها هُزمت بشكل حاسم من قبل سوسيلو بامبانج يودويونو في الجولة الثانية، بنسبة 61 في المئة إلى 39 في المئة، في 20 سبتمبر 2004. ولتأكيد التحليل المرتبط بلغة الجسد والذي يؤكّد النفور بينهما ، قالت ميجاواتي إنها لن تحضر حفل تنصيب الرئيس الجديد، ولن تهنئه أبداً.
الرئيس سوكارنو ثقة وسيطرة أمام جون كنيدي

مثال آخر عن القادة السياسيين الاندونيسيين حول لغة الجسد واضح ومعبّر على النحو الأمثل وهو المرتبط بالرئيس سوكارنو. أول رئيس اندونيسي كان يبدو دائما واثقاً ومفعماً بالحيوية. مستوى الثقة لدى الرئيس سوكارنو كثيرا ما كان يصدم خصومه السياسيين، على الصعيدين الوطني والدولي. أنظر إلى الصورة أدناه، عندما كان الرئيس سوكارنو في زيارة إلى أرض العم سام، وكان في استقباله رئيس الولايات المتحدة جون كنيدي.

انظر كيف يبدو سوكارنو مسترخيا وواثقا وهو يجلس في السيارة إلى جنب جون كينيدي. لاحظ وضع يده اليمنى على مقعد السيارة وهو يميل قليلا وكأنه يريد تطويق جون كنيدي الذي يميل قليلا نحو سوكارنو تعبيرا عن نسبة من الخضوع الخفي. ولاحظ اليد اليسرى لسوكارنو واتجاه أصابعها الممدودة وكأنه كان يشرح شيئا لمحاوره الذي يبدو عليه الاستماع. يمكن القول، في هذه الصورة، إنّ الحالة قد انقلبت وصار سوكارنو وهو الضيف يبدو وكأنه هو الذي يستضيف الرئيس الأمريكي كندي وهو في الولايات المتحدة .

علاقات القوة بين اندونيسيا والولايات المتحدة في المستقبل هي في الواقع من الأمور المثيرة للاهتمام والتي يجب دراستها بدقة. قصة زيارة الرئيس سوكارنو إلى الولايات المتحدة بناء على دعوة من جون كينيدي جاءت ضمن تسلسل أحداث كبرى سبقتها ، حيث تمّ إسقاط طائرة الطيار الأمريكي وهو عميل المخابرات المركزية الأمريكية "ألين لورانس بوب" وأسره من قبل الجيش الأندونيسي. ولأن "الخطأ" كان قاتلا، والولايات المتحدة هي العقل المدبر لهذه العملية ، فقد تقرّر دعوة الرئيس الأندونيسي سوكارنو لزيارة الولايات المتحدة، ومناقشة الإفراج عن الطيّار ألن ابوب ومطالبة أندونيسيا بتعويضات .وبالتالي، فمن الطبيعي أن يكون موقف سوكارنو الذي كان واثقا منذ البداية ، أكثر تعبيرا منذ نزوله إلى مطار جون كنيدي.

لاحظ المشية الواثقة للرئيس سوكارنو وانفتاح ساقيه وكفه اليمنى شبه المضمومة وكأنه في مشية عسكرية.
الرئيس سوهارتو .. التعالي الزائف

ومن الأمثلة الأخرى على لغة الجسد التي تثير الاهتمام والمناقضة معا هو الرئيس الثاني لإندونيسيا، سوهارتو ، صاحب الوجه الباسم الهادىء كوجه قدّيس. اشتهر سوهارتو بالهدوء والوثوق بالذات. في نظامه الجديد الذي استمر لمدة 32 عاما، لم يجرؤ أحد على إظهار أي رغبة بالرفض. انظر الصورة التالية عندما استقبل الرئيس سوهارتو وفدا من رواد الفضاء لسفينة أبولو عام 1973.

انظر إلى وقفة الرئيس سوهارتو، وهو يضع كلتا يديه وراء جسمه مثل الأب الذي ينظر بجدية إلى من يشرح له ويستمع له بهدوء. وانظر إلى المبعوثين (رائدي الفضاء) اللذين وقفا وأيديهم معقودة أمام جسميهما في وقفة دفاعية من الناحية النفسية وكأنهما عبارة عن مسؤولين محليين من الذين كانوا يرافقون الملك.

ومع ذلك، انقلب هذا الموقف رأسا على عقب وبشكل كبير عندما كان على الرئيس سوهارتو التوقيع على مذكرة تفاهم مع صندوق النقد الدولي في عام 1998 لانقاذ الاقتصاد الإندونيسي. لاحظ لغة جسد الطرفين ؛ الرئيس سوهارتو ومدير البنك الدولي ميشيل كامديسوس) في الصورة التي بدأنا بها هذه المقالة.
إنحناءة أوباما الغريبة أمام امبراطور اليابان

انحناءة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما المبالغ فيها أمام امبراطور اليابان تليق بشخص ذي منزلة تابعة لامبراطور اليابان. لقد سخط الأمريكيون الذين شعروا بأن زعيمهم يجب أن يقف شامخا عندما يمثل أمريكا في الخارج.

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد وصف بأنه "المُتذلّل العام للقوات المسلحة" لإعطائه انحناءة مبالغا فيها إلى الإمبراطور اكيهيتو - ابن الإمبراطور الياباني هيروهيتو الذي أذن بهجوم عام 1941 على بيرل هاربور، ذلك الهجوم الذي مازالت ندوبه في نفوس الأمريكيين.
انحناءة الرئيس الأمريكي المُفرطة ترسل رسالة قوية للكثيرين من الأمريكيين عن عجز رئيسهم.
العرب لا يصافحون باليد اليسرى

لا أحد من الخبراء الدوليين في أكاسيا (المركز الأسترالي للتحكيم التجاري الدولي) لاحظ أي شيء خطأ في نشر هذه الصورة في نشرتهم الإخبارية في مارس 2013 ، والتي تم عرضها في مكان بارز على موقع ACICA. . من الواضح أن هذا خطأ، ولم يتم عكس الصورة في الطباعة. لكن ما يثير الدهشة أكثر هو أن أحدا من الخبراء الدوليين لم يمتلك الحساسية الثقافية ليلاحظ هذا الخطأ.

يمكن للمرء أن يأمل فقط أن الصورة لم تُرسل نسخة منها إلى رئيس لجنة التوفيق والتحكيم وعضو مجلس إدارة غرفة قطر، السيّد عبد الرحمن عبد الجليل عبد الغني. مصافحة اليد اليسرى تُعتبر على نطاق واسع على أنها إهانة للمسلمين الذين يستخدمون عادة اليد اليسرى للنظافة الشخصية. ثم مَنْ مِنَ المسؤولين في إستراليا أو في العالم يصافح باليد اليسرى ؟!
خاتمة : صورة للقاء رئيس الوزراء العراقي بمدير البنك الدولي

ونختم هذه المقالة بصورة تداولتها وكالات الأنباء عن اجتماع السيّد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بالسيّد مدير البنك الدولي جيم يونغ كيم، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ، لبحث تفاصيل الاتفاق بين الحكومة العراقية وصندوق النقد الدولي . هذه الصورة نتركها لتقييم السادة القرّاء بعد ما قدمناه من معلومات عن لغة الجسد وأهميتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى