الخميس ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠١٦
بقلم فاروق مواسي

الأنويّـة والجوّانيـة

موجز المقالة للمتعجلين:

يجب أن نعبّر عن جوانيّتنا بصدق ومن غير حرج.... بأنوية لا بأنانية.
أعني بالأنــوِيــّـة ما يستمد من التجربة الشخصية، فيأتي الاعتراف ببساطة وألفة وانفتاح تشع بإنسانية وحميمية. فلنكتب عن أنفسنا ولكن بصدق!

الأنَـوِيّـــة والجوّانــيّــة

الأدب موقف من الحياة – وهذه بدهية أولى -، والأديب هو إفراز مجتمع بكل حساسياته، يستقبل الخلاصة، يعاين، يكتشف وينفعل، ثم يرسل هذه الخلاصة زبدة يبثها من خلال وجدانه وموقفه.
ويظل الأدب أوصل وأمثل إذا انبجس كالنبع من معين الذات فيضًا تلقائيًا وبوحًا معبرًا.
وحتى الالتزام يجب أن يدور دورة الذات لكي يبعث الدفء والحرارة .
...
لكن، ثمة بيننا من يريد الأدب افتعالا لا انفعالا، ينكر على الكاتب أن يلج من أبواب تجربته، ولا يريد لرحلته مع الحرف أن تنطلق من (أناه)- أي من ذاته.

فما أجمل المذكرات/ الذكريات التي تنطلق على سجيتها صادقة إنسانية رائعة!
ومن منا لا يتابع كتابة الرحلات إذا كتبتها أقلام تسيل عذوبة وتصحبنا في إمتاع ومؤانسة؟
وأدب الاعترافات نموذج حي لهذه الألفة (تولستوي/ سيمنون على سبيل التذكير ).
والرسائل بين الأدباء مثار الاهتمام لما فيها من تلمس واستشفاف واستغوار للأبعاد، فإن تحدث الكاتب عن ألمه أو أمله وجدت ذلك من تبرير الكشف عن الرؤى وإضاءة الدروب المعتمة في أكثر من ظلمة .
وحتى الرواية أو القصة القصيرة إذا كتبت، إحداهما، بأسلوب السرد الذاتي (الأوتوبيوغرافي ) فإن المشاركة ومعانقه الأحداث ستكونان مدعاة لاكتــناه الجوانب في الشخصية .
...
إن الكتابة عن الذات وتجربتها فيها جانبان: سلبي وإيجابي. فالسلبي هو الأناني الذي يدور في فلك عبادة الشخصية،ونحن نربأ بالأدب أن يقع في هذه المطبات...... وما أسرع ما يفتضح وينبذ .
أما الجانب الإيجابي فإنني أطلق عليه مصطلح (الأنوي) وأعني به ما يستمد مادته من التجربة الشخصية، فيأتي ببساطة وألفة وانفتاح تشع بإنسانية وحميمية.
ونستطيع أن نفرق بين الأنانية والأنوية كما نفرق بين الغرور والثقة، وبين التهور والشجاعة، وبين الزيف والأصالة.
تعرف ذلك إذا سألت نفسك:
ماذا يقول الكاتب في حديثه عن تجربته؟
ما هي رسالته؟
هل ينتمي لقضية يخلص لها وتهم المجموع؟
هل لديه – أصلاً – تجربة يحدثنا عنها، وتهم الأدب؟
هل يبقى من حديثه بعض الإشعاعات التي توحي لنا بشيء... وتهدينا إلى شيء في مسيرتنا؟
كتب إبراهيم العريس في الصفحة الثقافية في مجلة اليوم السابع ( العدد 27/ 11 / 1989 ) ملاحظه بعنوان الجوانية المغيبة، وفيها يقول :

"ثمة من يتهم المبدع العربي بالأنانية، وبأنه يركز العالم والتاريخ من حول نفسه، ولا يرى العالم إلا من خلال طرف أنفه، لكنه إذا دعي للحديث عن نفسه وتجربته ألفى نفسه عاجزًا عن خوض لعبة البوح الجميل والمكاشفة الخلاقة ....إنه يخاف أن يعري ذاته بسبب أنه يفتقر إلى الحرية الداخلية".
ويصل إلى نتيجة خطيرة وهي:

"هذه الجوانية المغيبة مسؤولة عن جزء كبير من تدهور مستوى الإبداع في بلادنا العربية".

نخلص إلى القول إننا يجب أن نعبّر عن جوانيّتنا بصدق ومن غير حرج....
بأنوية لا بأنانية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى