الجمعة ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠١٦
الجزء الخامس من
بقلم مهند النابلسي

سلسلة "المهمة المستحيلة"(2015)

لا أحد يستطيع أن يتجاهل الصعوبة والاثارة التي تمثلت بالمشهد الاستهلالي للفيلم الجديد: التشبث بطائرة "شحن روسية" أثناء الاقلاع، ثم الاستيلاء على شيء "لا نعرف بالتحديد ماهيته وأهميته"!..........والقفز من الطائرة، لقد أثبت كروز قدراته الاستثنائية كممثل أكشن من الطراز الفريد، عندما أصر على القيام بهذه المشاهد الصعبة دون اللجؤ للخدع والبديل، حيث يحاول مخرجو هذه الأفلام جميعهم اقناعنا بأهمية متابعتنا اللاهثة "للأدوات والحركات" الصعبة التي يستخدمها توم كروز لتحقيق أهدافه (عكس ما نفعله بالحياة اليومية عادة حيث يلجأ الانسان اولا للأدوات والحركات السهلة، وهنا تكمن المفارقة لأن السينما هي فن التشويق البصري بعيدا عن الثرثرة المملة)! ...وهنا يكمل توم كروز سلسلة من الحركات الخطيرة التي كرسها في أفلام هذه السلسلة ابتداء من تعلقه بمبنى المخابرات الأمريكية لانجلي لسرقة قائمة العملاء السريين في الجزء الأول(1996)، ثم يأتى مشهد العراك الخطير بالجزء الثاني(2000) حيث خاطرباحتمال دس السكين الحاد على بعد ربع بوصة فقط من مقلة عينه، مرورا بالقفزة الشهيرة من ناطحة السحاب بشنغهاي في الجزء الثالث(2006) والتي انتهت بالتمرجح الخطير ما بين ثلاث بنايات سكنية، ولن ننسى كذلك تعلقه الحابس للأنفاس خارج جدران برج خليفة الشاهق بدبي في الجزء الرابع (2011)، والتي اعتبرت في حينه حدثا عالميا لغرابته وخطورته، وبالحق فان مشاهد الأكشن الفريدة هذه قد كرست تألق كروس كنجم يتمتع بمهارات جسدية ورياضية وقتالية لافتة، كما بدا وكأنه يستمتع تماما وخاصة أثناء مطارداته المثيرة "الأكروباتية" بالدراجة النارية!

مع تحلل منظمة "آي ام اف" وطرد ايثان (توم كروز) منها، يواجه نفس الفريق منظمة ارهابية جديدة مرعبة (تدعى السينديكيت)، تتمتع بمهارات خاصة وعملاء جسورين مدربين، وهي تسعى جاهدة لتأسيس نظام عالمي جديد بواسطة اقدامها على تنفيذ سلسلة من العمليات الارهابية المروعة...وبمواجهتها يسعى ايثان لتجميع فريقه مرة اخرى مع عملاء مختلفين من ضمنهم البريطانية "أليسا فاوست" (ربيكا فيرغوسون) الغامضة الشخصية والمجهولة الانتماء، ويسمي فريقه الجديد "روج نيشن"، محاولا بجرأة وجسارة مواجهة المنظمة الارهابية الجديدة.
هذا الفيلم الذي اخرجه كريستوفر ماغواير وكتب السيناريو درمر بيرس، هو شريط متميزبالسلسلة الشهيرة، وقد أبدع ببطولته كل من توم كروس، جيرمي رينر، سيمون بيغ، توني فينيغ، وأليك بالدوين بدور رئيس المخابرات، كما النجمة الرائعة ريبيكا فيرغسون بدور العميلة الغامضة أليسا فاوست.

كل المغرمين بسلسلة أفلام جيمس بوند لاحظوا ان مشاهد الأكشن تتماثل هنا لدرجة كبيرة، وربما يوجد اقتباس ابداعي لبعض المشاهد من فيلم هيتشكوك الشهير "الرجل الذي عرف الكثير"، كما لا يخفى الأداء الرائع المتناسق للرباعي كروس، بيغ وفيرغوسون وبالدوين، وبالاضافة لمشهد الاستهلال اللافت، فهناك لقطة طويلة يقوم فيها كروز بالتسلل لغرفة تخزين البيانات تحت بركة مائية ضخمة، ثم يتمكن من حبس أنفاسه لثلاث دقائق قبل ان ينجز مهمته ويستبدل الشريط، ولكنه يفشل أخيرا بتشغيل مزلاج الباب الوحيد المؤدي للخروج، حيث تنقذه صديقته ربيكا (المخلصة والباردة المشاعر) وتحمله للخارج في لقطة مؤثرة وواقعية، وقد تدرب كروس عن طريق مدرب متخصص لحبس أنفاسه لست دقائق للتمكن من انجاز هذا المشهد الصعب الذي صور بلقطة واحدة طويلة!

هذاالفيلم تحديدا يبدو كمكينة ضخمة معقدة تحتاج للتزييت المستمر وتصدر الزعيق والطنين (بواسطة المؤثرات والموسيقى التصويرية)، وتحفل بالأجزاء المتحركة والتروس الدوارة، التي تتمثل بمشاهد المطاردات والتفجير والقنص، ومنها لقطات صورت بفينا ومراكش ولندن، وخاصة مشاهد الاغتيال والقنص الشيقة والمعقدة بدار الاوبرا بمدينة فينا الرائعة على خلفية المشاهد الصادحة للاوبرا الغنائية الجميلة والتي انتهت بالفشل بالرغم من وجود ثلاثة قناصين غير متوافقين، والتي وجدتها مقتبسة بابداع من مشاهد الجزء الثالث للعراب، وقد تم اغلاق الطريق السريع لمراكش لأربعة عشر يوما لاتمام المشاهد بالبراعة التي شاهدناها، كما تم تصوير مشاهد متتابعة بأغادير والرباط.

الاثارة والتشويق هما أساس معظم لقطات الأكشن المتنوعة التي تمثلت بقتل "جراح العظام" المرعب بسكين، او بالتفجير المفاجىء لسيارة المستشار النمساوي، او بتخدير رئيس الوزراء البريطاني بواسطة ايثان المتخفي بوجه آخر (مع ملاحظة "سماجة" استخدام هذه التقنية بكثرة في السلسلة، والتي استخدمت ببراعة واقناع بالجزء الثالث تحديدا)، ومرورا بمسح ونسخ محرك الأقراص المشفر...الفيلم كعادة هذه السلسلة يتطرق لجملة مواضيع منها بيع غازالأعصاب للارهابيين، طريقة تمويل العمليات الارهابية بواسطة سلة عملات عالمية متنوعة من الصعب تعقبها، ثم بطريقة رشوة قائد المنظمة بخمسين مليون دولار مقابل كلمة المرور، ومقابل تحرير مساعد هانت الظريف (بينجي دان خبير الحاسوب) من الحزام الناسف الملتصق بجسمه، وقد لاحظت أن شخصية الشرير هنا (سولومون لين وقام بدوره الممثل سين هاريس) ليست وسيمة ولا جذابة وانما منفرة وسادية وشكاكة وربما واقعية، وليست كمثال تتمتع بكاريزمية الراحل "فيليب سيمور" كما بدت بفيلم "جي جي آبرامز" الثالث، حيث لا يمكن تجاهل مشهد استبدال "سيمور" ب "كروس" (الذي استنسخ باتقان وجهه الأشقر) بالحمام، والذي كان فريدا ولافتا سينمائيا وتشويقيا، وتكمن نقطة الضعف التي لم ينتبه لها أحد هنا بالفرق بين حجم جسم "سيمور" البدين مقارنة بكروس الرياضي متوسط الطول، كما أن تقنية تغيير الوجه تأخذ ساعات وليست مجرد "ماسك" يلبس كقناع والا لأستخدمها المجرمون بكثرة!
الفيلم الحالي كما بدا لي يطلق رسالتين متتداخلتين تتعلقان بالتراتبية والبيروقراطية والغموض والتداخل الذي يلف أجهزة المخابرات والجاسوسية وطرق عملها "الملتوية والمتشابكة" التي تفتقر للرقابة والمساءلة، ثم بجملة ذات دلالة تنطق بها العميلة فاوست عندما تقول لايثان "انهم يسعون دوما لاقصائنا بعد انتهاء مهماتنا"، ويبقى المجاز الموجه للعقول والأفئدة بأن تحذروا "القوى الخارقة المتمكنة" لأجهزة الاستخبارات (الأمريكية والبريطانية تحديدا) لزرع القناعات والاطمئنان لدى الانسان العادي المرعوب من الارهاب الدولي بصنوفه!

ومع أني لست من المعجبين بأداء توم كروس وطريقة تمثيله الحرفية، لكني انجذبت هنا لانغماسه المتمكن الجرىء بمتطلبات الدور الصعبة، كما يمكن القول أن اسلوب كريستوفر ماغوايرالاخراجي قد تماثل هنا لحد كبير مع مستوى تحفة بريان دي بالما الاولى ذات النفس "الهيتشكوكي" الواضح، وان كان لم يتجاوزها، وخاصة بثيمة الفيلم التي تتعلق بتشبث "ايثان هانت" المخلص والشغوف بانجاز المهمات الصعبة مستقلا، وكذلك قتاله الضاري للارهابيين بشكل منفرد خارج عمل الوكالة، كما أن الشريط شكل مزيجا ملخصا للأفلام الأربعة السابقة لجون وو، جي جي آبرامز، وبراد بيرد بالاضافة لبالما، وربما يمثل هذا مؤشرا (والله أعلم) لمشارفة هذه السلسلة المسلية على نهايتها، بعد ان استنفذت أهدافها ومغامراتها وتكرارها لنفس الثيمات والقصص بأشكال مختلفة ومتجددة، الا اذا قرر المنتج الجديد نقل أحداثها للفضاء الخارجي والدخول لمعترك "الخيال العلمي"!

أخيرا ستبقى السينما فن شامل مركب "جماهيري ونخبوي" بآن واحد، عصي على الأدلجة والتصنيف والتحيز والتعصب، وسيثبت الفيلم الجيد ذاته مع مرور الزمن سواء نجح تجاريا أم لم ينجح!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى