الأربعاء ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
الحلقة الخامسة
بقلم كريم مرزة الأسدي

بغداد والحلة تنهضان، وبزوغ (البند)

الطفرة الأدبية، ولك أن تخصّها بالشعرية، بسجالاتها ومراسلاتها ومعاركها الخميسية،التي حدثت في عصر بحر العلوم وكاشف الغطاء (ولادة بحر العلوم 1155 هـ /1742 م، وفاة كاشف الغطاء 1228 هـ / 1812م)، شعّ وهجها لتعمّ بغداد بعد جيل، والحلة بعد جيلين، لتبزغ حقبة العشرة في النجف بعد ثلاثة أجيال، فبرز شعراء كبار سجّلوا أسماءهم في تاريخ الأدب العراقي والعربي.

أ - بغداد تنهض أدبياً بعد جيل:

1 - مفتي العراق وبلاد الشام عبد الغني بن عبد الرزاق آل جميل، (1194 - 1279 هـ / 1780 - 1863م):

لمّا توفي السيد محمد مهدي بحر العلوم كان عمر المفتي سبعة عشر عاماً، والسيد يكبره بثمانية وثلاثين عاماً، فهما من جيلين متتاليين، أصله في الحقيقة من الشام، وأصبح فقيهاً ومحدثاً وشاعراً وكاتباً وخطاطاً، وسياسياً، وزعيماً، وثائراً ضد الوالي العثماني الجائر علي رضا (ثورته سنة 1832م)، أقول قد تأثر المفتي الكبير بموجة الطفرة النجفية، واستقطب حوله عدّة شعراء وفقهاء كبار، وخلّد أسرته (آل الجميل)، وأقام أولاده وأحفاده مجلسه من بعده (30)، كما هو حال أسرتي (آل بحر العلوم)، و (آل كاشف الغطاء)، ومن رجالاته ومريديه:

2 - أبو الثناء الآلوسي الكبير (1217 - 1270هـ / 1803 - 1854م):

وهو شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي ولد ببغداد،ونشأ فيها، أصله من قرية (ألوس) قرب حديثة، محافظة الأنبار، كان فقيها مجتهدا ومحدثا ومفسراً ومؤلفاً ومفتيا شهيراً، له مجلس يرتاده أهل العلم والأدب والشعر كعبد الباقي العمري، وعبد الغفار الأخرس والخطاط أحمد أفندي القايمقجي، وقد حفظت أخبار هذا المجلس في كتاب حديقة الورود للشيخ عبد الفتاح الشواف.(31)

3 - عمر بن رمضان بن درويش الهيتي (1146 - 1253 هـ / 1733 - 1837 م):

كنيته أبو الخطاب، ولد في مدينة هيت، وغادرها إلى بغداد، وتوفي فيها،درس الأدب وعلوم اللغة والخط على العلامة الآلوسي الكبير، المذكور آنفاً، كان عالماً فاضلاً وخطاطاً ماهراً، ويعد من مشاهير الخطاطين في بغداد، وكان يمتهن الخط. وكان شاعرا بليغا وكانت بينه وبين الشاعر عبد الغفار الأخرس مساجلات عديدة، وقد حدث بينهما من الهجاء ما حدث بين جرير والفرزدق.
وجاء في (سمير الحاظر وأنيس المسافر) للشيخ علي كاشف الغطاء. قال: مما كتبه المرحوم عمي الشيخ حسن إلى السيد عمر رمضان، وهي على سبيل المداعبة:

سلامٌ من محبٍ ليس يسلو
هــواك وإن تقادمتِ الليالي
يحنُّ إلى لقاك حنين صادٍ
قضى ظمأً إلى المــاء الزلالِ
دعاه منه داعي الشوق لمّا
نوى ضَعَنَاً وهمَّ على ارتحال

فكتب الشاعر الهيتي في جوابه:

شبيه أبيه في عملٍ وعلمٍ
ويا من لم يزل حسن الفعال
يعزُّ عليَّ والرحمن أنّي
أرى منك الديار غدت خوالـي
خلت منك الديار وأنّ قلبي
وحقّك من ودادك غير خالي
سألبس بعد بعدك ثوب حزنٍ
جديد ليس تبليه الليالـي
نعم أو أن تهيئ لي خيالاً
لطيفك لست أقنع بالخيــــال (32)

4 - الشاعر عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب الأخرس (1218هـ - 1290 هـ /1804م - 1873 م):

شاعر عراقي معروف أصله من مدينة الموصل، وولادته وإقامته ونشأته ببغداد، وتوفي بالبصرة، مثله مثل الجميل والألوسي ومن بعده العمري، كلهم نهضوا ببغداد بعد جيل من عصر النهضة الفقهية والأدبية والشعرية لجيل بحر العلوم وكاشف الغطاء النجفيين.

كان شعره يتميز بالسمو والرقة، واشتهر بالنكات والطرف، وأصبح من ظرفاء بغداد، ولقب بالأخرس لحبسة كانت في لسانه، وله مناقضات مدونة ومعروفة مع الشاعر الأديب عمر بن رمضان الهيتي، وقد حدث بينهما من الهجاء ما حدث بين جرير والفرزدق، ولكن مع هذا كله فإن الأخرس لما مات صاحبه عمر الهيتي، رثاه بقصيدة عامرة الأبيات سامية المعاني. (33)
من أشعاره في مدح عبد الغني آل جميل، وقد مرَّ ذكره، وذكر أسرته، وكانت للشاعر علاقات وثيقة به وبها:

أراني والخطوب اذا ألمّت
رجعت إلى جميل أبي جميل
كأن الله وكلّه برزقـــــي
وحوّلني على نعـــم الوكيـــل

وقال فيه أيضاً:

كفاني المهمات (عبد الغني)
وذلك من بعض أفضاله
فإن نلت مالاً فمن جاهـــــهِ
وإن نلت جاهاً فمن مالــهِ

هذا ما جاء في الموسوعة الحرّة، وتواصل مباشرة، فرد عليه المفتي عبد الغني منشداً:

لقد طفت في شرق البلاد وغربها
وقاسيت في أسفارها كل شدة
فلم أر إلا غـــادراً أثـــــر غــــادر
ولـــم أر إلا خائنــــاً للمــــودة (34)

لا أرى الرّد مناسباً لمديح الأخرس للغني، إلا تكون هنالك محاورة قد جرت بينهما، والموسوعة بخلت في توسعها... والله أعلم.

5 - عبد الباقي العمري الشاعر الشهير (1203 هـ - 1278 هـ / 1788م - 1861م):

هو عبد الباقي افندي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي، كان شاعراً شهيراً، وسياسياً معروفاً، وتسنم عدة مناصب عثمانية رفيعة في العراق، كنائب لوالي الموصل، ومن ثم لوالي بغداد، ومن انجازات عبد الباقي العمري قيادة الحملة العسكرية التي جهزتها الدولة العثمانية للقضاء على الفتنة التي شبت بين قبيلتي الزكرت والشمرت في النجف حيث قضى على الفتنة دون أن يريق قطرة واحدة من الدماء ونال بذلك ثناء القبيلتين المتحاربتين ويعد الشاعر عبد الباقي العمري من ابرز الشعراء في مدح آل البيت (ع)، له مساجلات شعرية مع شعراء النجف في عصره. (35)، وكان مجلسه الأدبي عامراً في بغداد، يرتاده ممن ذكرنا وغيرهم.

بين عبد الباقي العمري والسيد حيدر الحلي:

شيخ شعراء العراق عبد الباقي العمري نظم أبيات من الشعر، شاعت في الأوساط الأدبية العراقية، يقول ببيتين منها:

أنا كليم المعاني، واليراعة لي
هي العصا، والمعاني الغرُّ أغنامي
أروي أحاديث آبائي مسلسلــــةً
كما روتْ نشــــواتي بنـــتُ بســطامِ

أرسلت الأبيات للسيد مهدي بن السيد دواد الحلي، وطلب منه تخميسها، فما كان منه إلا أن يستدعي ابن أخيه وربيبه وتلميذه السيد حيدر، وكان في بدايات نشأته الأدبية، ونظمه الشعري،ولكن يعلم أنّه لها لحدّة ذكائه، وقوة عبقريته، فخمسها قائلاً:

ربّ الفصاحة والأقلام من رُسلي
وما تنزّل آي الشعرمــن قبلي
وفد تنزّهتُ عن قولي، ولم أقلِ
أنا كليم المعاني، والفصاحة لي
هي العصا، والمعاني الغرّ أغنامي
أنّي عن الروح أعلى الخلقِ منزلةً
عن كلِّ آيٍ أتتْ في الذّكر مُنزلةً
عن الإلهِ الذي عـــمَ الورى صلــــةً
أروي أحاديــــث آبائي مسلسلةً
كما روتْ نشــــواتي بنـــتُ بســطامِ

في ديوان السيد حيدر الحلي خمسة أبيات للعمري مخمسة، ويذكر: " وقال مخمساًأبيات صديقه الشاعر عبد الباقي العمري."، ولكن ما ذكرناه سابقا قد ذكر معناه الدكتور حازم سليمان الحلي في بحثه (السيد حيدر الحلي...شاعر عصره)، ويزيد الدكتور أن العمري الكبير زار الحلة، وقابل السيد مهدي الحلي الشاعر الكبير وابن أخيه السيد حيدر، وقال في حقّ الأخير (الأبيات موجودة في ديوان العمري: الترياق الفاروقي ص 77):

لقد أبدع السيد المرتقي
بتسميطــــه ذروة الأبلــقِ
وفاه بما فيه لا فظَّ فـــو
هُ، لبيد الفصاحة لم ينطقِ
وبرّز في حلبـــــةٍ غيره
إليها، و إن طـال لم يسبقِ
وصال على قطعتي صولةً
كما صال رخّ على بيـدقِ (36)

ما لم يذكره الدكتور حازم، ونحن نذكره مدى تواضع شيخ شعراء العراق في عصره عبد الباقي العمري، وإنصافه، وتقديره للشعر والشعراء حتى أنه تجشم عناء السفر من بغداد إلى الحلة - خذ الأمر في عصره -، وتعرف على شاعر ناشئ، وكرمه بأبيات رائعة، وإن كان السيد مهدي الحلي كبير الشأن في شاعريته ومنزلته الاجتماعية، وأصبح من بعد الشاعر السيد حيدر الحلي المحلق الأول في مجال الشعر والتقى والورع، ومن المعروف أن الشاعر العمري له ديوان (الباقيات الصالحات) في مدح آل البيت (ع).

ب - الحلة تواصل المسيرة الناهضة:

ولم تكن الحلة بماضيها الأدبي الرفيع، والفقهي المجتهد، وتوأمتها للنجف في المجالين ببعيدة عن النهضة الشعرية لرائدين أديبين فقهيين شهيرين، فكان من الطبيعي أن يبرز فيها شعراء وأدباء عمالقة، وخصوصاً صلة القربى،، والروابط الاجتماعية، متشابكة بين المدينتين، ولا أريد الإطالة، وإنّما الإشارة العابرة، فموضوع بحثي قد ألزمت نفسي أن يكون أخوانيات وطرائف أشهر شعراء النجف ولادة أو إقامة...!!

مهما يكن من أمر كانت الساحة الحلية تعجّ بالشعراء والأدباء والفقهاء أمثال السيد حيدر الحلي وأخيه السيد عبد المطلب والشيخ درويش التميمي والشيخ محمد ابن الخلفة الحلي والسيد صادق الفحام والشيخ محمد بن حمد الله والشيخ يونس بن الشيخ خضر والشيخ أحمد النحوي وابنه الشيخ محمد رضا والسيد مهدي القزويني والشيخ صالح الكواز، وكان بقرب دار السيد سليمان الحلي - والد الشاعرين الحليين السيدين حيدر وعبد المطلب، وزعيم أسرتهم - مسجد أبي أحواض (37) في منطقة الطاق بالحلة، أصبح مدرسة علمية أدبية تخرج منه عدد من الشعراء والأدباء كالحليين والشيخ عبد المجيد العطار والدكتور الشيخ محمد مهدي البصير والشيخ محمد بن الملا حمزة والشيخ قاسم الملا وغيرهم.(38).

ومن الضرورة بمكان أن نشير إلى علمين بارزين حليين من هذه الغترة التي نُعتت بالمظلمة...!!

1 - السيد حيدر الحلي (1246 - 1304 هـ / 1831 - 1887م):

هو أبو الحسين حيدر بن سليمان بن داود، وينتهي نسبه إلى زيد الشهيد، ولد في الحلة، وبعد وفاة أبيه، وهو طفل صغير، نشأ في حجر عمه السيد مهدي، فرعاه خير رعاية، فأصبح من أصبح،شاعراً عملاقاً، فاق شعراء عصره، أديبا رفيعا، تقياً ورعاً، كريماً جوادا. وقد مرّ ذكره مع الشاعر الكبير عبد الباقي العمري، ونزيد من علو شأنه، وشموخ موقفه هذه الحادثة.
يحكي الديوان، أن السيد حيدر عندما رثى العلامة السيد جعفر القزويني بقصيدة من أروع قصائده،مطلعها:

قد خططنا للمعالي مضجعا
ودفنا الدين والدنيا معا

سكت شعراء النجف عن الاستعادة والاستجادة، ثارت ثورته، وخاطب الأديب الكبير الشيخ محسن الخضري بفوله: (إذا كان في المجلس من أعتب عليه لصمته وتغافله عن إداء حق هذه المرثية فهو أنت.)

فما كان من الشيخ الخضري إلا أن يجيبه بقوله:

ميّزتني بالعتب بين معاشرٍ
سمعوا وما حيٌّ - وأي بسامعِ
أخرستني وتقول ما لك صامتاً
وأمتني وتقول ما لك لا تعي (39)

2 - الشيخ محمد بن ابن الخِلفة الحلي (توفي بالطاعون الكبير 1247 هـ / 1831م.

هو الشيخ محمد بن اسماعيل البغدادي الشهير بـ (ابن الخلفة)، وجاءت خلفته من مهنته، إذ كان أبوه إسماعيل يسكن بغداد، ويمتهن حرفة البناء، والمعلم في البناء في العراق، يطلقون عليه اسم (الخلفة)،فهو ابن أبيه، هاجر الأب من بغداد وتوطن الحلة، وكان شاعرنا طفلاً موهوباً، بل عبقرياً، ينظم الشعر بالدارج (الحسجة) والفصحى، تهيّأت له الظروف أن يتصل بأعلام شعراء الحلة أمثال احمد النحوي ومحمد رضا النحوي والشيخ شريف بن فلاح، فكان له معهم مساجلات في دار السيد سليمان الكبير و اولاده فعرف من بينهم كعضو له قيمته ومكانته البارزة رغم انه لم يقرأ كتابا ولم يطلع على قواعد اعرابية من نحو وصرف، بل كان يستمد كل ذلك من ذوق خاص به. (40).

اتصل بداود باشا ومدحه عن طريق اللغة الدارجة فقال فيه بعض القصيد من نوع الركباني، وفي هذا الفن الذي اختص بعرب البادية كان ابن الخلفة مجيداً فيه وقد أثبت منه قسماً السيد الأمين في كتابه (معادن الجواهر) ج 3، ووصف بشعره ارتكاب (السكولات) للفظائع التي أوقعوها في الحلة على عهد حاكمها محمود أغا السفاك سنة 1211 هـ / 1796م. (41)

قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء في (حصونه المنيعة): " كان أديباً شاعراً يعرب الكلام على السليقة ولم يحصل على العربية ليعرف المجاز من الحقيقة وكان يتحرف بالبناء على انه ذو اعراب ويطارح الشعراء في غير كتاب وله شعر في الائمة الاطهار وفي مدح العلماء والاشراف وكانت له اليد الطولى في فن البند توفي في اول الطاعون الكبير عام (1247هـ) في الحلة ونقل الى النجف الاشرف فدفن فيها " (42)

أطلنا الكلام عن الشاعر العبقري (ابن الخلفة) لأنه من رواد (البند)، وأروع من نظم في هذا الفن الفريد، وقد سبق رواد الشعر الحر (التفعيلة) كالسياب والملائكة والبياتي...بأكثر من مائة وثلاثين عاماً، ما هو البند وبند ابن الخلفة..!!

البند:

العراق منشأ معظم الفنون الشعرية لدى أمة العرب من أيام الرجز والراجزين مرورا بأيام المواليا والكان كان والقواما البغدادي... حتى أن ولد البند في القرن التاسع عشر الميلادي، وأخيراً الشعر الحر، والأصح (شعر التفعيلة) الذي أبدعه الرواد في منتصف القرن العشرين.
والبند فن عراقي أصيل في لغة العرب - وإن كانت لنغماته، بل اسمه، جذور فارسية، وربما تغنى به اليونان والرومان من قبل - انتقل إلى منطقة الخليج، وشاع فيها ثلاثة قرون كما يذكر الباحث الكبير الأستاذ عبد الكريم الدجيلي في كتابه (البند في الأدب العربي).
معظم البند تفعيلته الأساسية (مفاعيلن)، وهي تفعيلة بحر الهزج، ولكنها تتكرر دون تقيد بعمود الشعر وهزجه وأشطره، كما هو حال شعر التفعيلة الحر.... وجوازاتها في البند:

 الكف: حذف نون (مفاعيلُن //ه/ه/ه) فتصبح (مفاعيلُ //ه/ه/). ولك أن تقول كفّ النون، وكفها حسن
 الخرم وهو حذف اول متحرك من الوتد المجموع بحيث (مفاعيلن //ه/ه/ه) تصبح (فاعيلن /ه/ه/ه).
 الحزم وهو زيادة في اول التفعيلة ولا يعتد بها في المقطع.
- الحذف: حذف السبب الأخير من (مفاعيلن //ه/ه/ه)، فتصبح (مفاعي //ه/ه).
والحق أن البند يأتي أحياناً بتفعيلة (فاعلاتن)، وهي تفعيلة بحر الرمل، فإمّا أن يأتي من (مفاعيلن) صافياً، أو من (فاعلاتن) صافياً، أو مزدوجاً من تفعيلتي (مفاعيلن) و (فاعلاتن) بنظام...وفي أحيان نادرة يأتي البند من تفعيلة (مستفعلن)، وهي تفعيلة الرجز...وربما تسألني عن السبب، أقول لك إن التفعيلات الثلاث (مفاعيلن) و (فاعلاتن)، و (مستفعلن) هي تفعيلات دائرة المجتلب بمعنى عند تداخلها في الدائرة تتشكل التفعيلات دون أن تتحسسها بسهولة، انظر معي:

تفعيلة الهزج مفاعيلن (//ه/ه/ه) تتشكل من وتد (مفا//ه)، سبب أول (عي /ه)، سبب ثانٍ (لن /ه)، إذا السبب الأخير (لن /ه) جاء بداية التفعيلة، أصبحت التفعيلة (لن مفا عي /ه//ه/ه)، وهي بالتالي (فاعلاتن)، وهذه تفعيلة الرمل، وإذا (عي لن /ه/ه) جاءت بداية، و (مفا //ه) جاءت أخيرا، أصبحت (عي لن مفا /ه/ه//ه)، أي (مسْ تفْ علن /ه/ه//ه)، وهذه تفعيلة بحر الرجز، فعندما تتداخل في دائرة المجتلب، تتولد تفعيلة من أخرى،إذاً البند لا يأتي من البحور الكامل، الوافر، المتقارب...فهو جزء من شعر التفعيلة.

وقد نظم البند شعراء عديدون امثال: شهاب الدين ابن معتوق الموسوي (ت1087هـ) وعبد الرءوف الحسين الحسني (ت1113هـ) ومحمد بن احمد الزيني (ت1216هـ) وعبد الغفار الأخرس (ت1290هـ) والشيخ احمد بن درويش علي البغدادي الحائري (ت1339هـ) و الشيخ محمد بن إسماعيل الملقب بابن الخلفة (ت 1247 هـ).(43)
وقد نظم البند الشاعر (عبد الغفار الأخرس)، إذ يمدح السيد سلمان بن السيد علي القادري الكيلاني قائلاً:

محب ذائب الدمع،
رماه البين بالصدع،
بكى من حرقة الوجد،
على من حفظ العهد،
وخشف ناعم الخد،
مليح عبل الردف،
صبيح لين الوطف،
أدار الكأس والطاس،
وحاكى الورد والأس،
لعمري منه خدا وعذارا
ولقد طالت عليه حسراتي
بعدما كانت قصارا
فهل يرجع ما فات،
وهيهات وهيهات،
فلو تنظر أشياء نظرناها،
بأيام قضيناها
بحيث ابتسم الزهرُ،
وقد بلله القطرُ.

أما من بند ابن الخلفة الحلي الشهير في مدح الأمامين الحوادين (ع):

ألا يا أيها اللائم في الحب،
دع اللوم عن الصب،
فلو كنت ترى الحاجبي الزج،
فويق الأعين الدعج،
أو الخد الشقيقي،
أو الريق الرحيقي،
أو القد الرشيقي،
..................
..................
أهل تعلم أم لا ؟
أن للحب لذاذات،
وقد يعذر لا يعذل
من فيه غراماً وجوى مات،
فذا مذهب أرباب الكمالات،
فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات،
فكم قد هذب الحب بليداً
فغدا في مسلك الآداب والفضل رشيداً
صه: فما بالك أصبحت غليظ الطبع لا تعرف شوقاً،
لا ولا تظهر توقا،
لا ولا شمت بلحظيك سنا البرق اللموعي
إذا أومض من جانب أطلال خليط منك قد بان،
وقد عرس في سفح ربى البان،
ولا استنشقت من صوب حماة نفحة الريح،
ولا هاجك يوم للقاه من جوى وجد وتبريح.
لك العذر على انك لم تحظ من الخل بلثم وعناق،
وبضم التصاق،(44)

نكتفي بهذا القدر الوافي الشافي عن تحرّك الأدب والشعر في بغداد والحلة محركاً الفقهاء والشعراء والأدباء بعد جيل وجيلين من عصر بحر العلوم وكاشف الغطاء، متأثراً به، وفي الحركة بركة، فلاعجب أن أن يُبدع البند، وأن تطفر النجف بعد أقل من قرن من الزمان بحقبة العشرة التي أنجبت عمالقة الشعر والأدب العربي، فإلى الحلقة القادمة، وما يأتي به القلمُ، لنورٍ نبضه علمُ...!!!
ـ
(30) راجع عنه:

 الموسوعة الحرّة - عبد الغني آل جميل.

 كتاب البغداديون أخبارهم ومجالسهم - إبراهيم عبد الغني الدروبي - مطبعة الرابطة - بغداد 1958م.

- المسك الأذفر - محمود شكري الآلوسي - تحقيق عبد الله الجبوري - الرياض 1982 - صفحة.

 العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع - تأليف عبد الحميد عبادة - تحقيق الدكتور عماد عبد السلام رؤوف - مطبعة أنوار دجلة/بغداد - مسجد آل جميل، صفحة.

 تاريخ الأسر العلمية في بغداد - محمد سعيد الراوي - صفحة.

(31) راجع عنه:

 الموسوعة الحرة - الألوسي الكبير.

 أخبارهم ومجالسهم - تأليف إبراهيم عبد الغني الدروبي - مطبعة الرابطة - بغداد 1958م -
(32) راجع مقالة (لشيخ عمر رمضان الهيتي): قحطان محمد صالح الهيتي.

الحوار المتمدن-العدد: - (33) راجع عنه:

 الموسوعة الحرّة - عبد الغفار الأخرس.

البغداديون أخبارهم ومجالسهم - إبراهيم عبد الغني الدروبي - مطبعة الرابطة - بغداد - 1958م - صفحة.

(34) الموسوعة الحرّة: مادة البحث: عبد الغفار الأخرس.

(35) راجع عنه:

الموسوعة الحرّة - عبد الباقي العمري. - عبد الباقي العمري البغداديون أخبارهم ومجالسهم - إبراهيم عبد الغني الدروبي - مطبعة الرابطة - بغداد 1958م صفحة.

- مقدمة الترياق الفاروقي - دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الاشرف - 1964.

(36) راجع بحث الدكتور حازم سليمان الحلي: (السيد حيدر الحلي...شاعر عصره) على الرابط:
http://sadik70.tripod.com/diwan01/haidarhuli.htm
(37) العامة تسميه أبو حواض، بلا همزة للتخفيف.

(38) السيد حيدر الحلي شاعر عصره: حازم سليمان الحلي - 2003 م - كربلاء - وراجع الرابط:
http://sadik70.tripod.com/diwan01/haidarhuli.htm

(39) ديوان السيد حيدر الحلي: حققه علي الخاقاني ج ص - ط 4 - 1984م.

(40) شعراء الحلة: الخاقاني ج ص.

(41) راجع - شبكة كربلاء المقدسة: الشيخ محمد بن الخلفة، تجعل وفاته 1227 هـ، وكذلك في (أدب الطف).
http://www.holykarbala.net/books/adab/adabaltaf6/07.html

(42) (الحصون المنيعة في شعراء الشيعة): علي كاشف الغطاء ج ص.

(43) راجع (المدخل إلى الشعر الحسيني): الشيخ محمد صادق الكرباسي ج - البند ص -..... للتوسع بشكل آخر مع الأمثلة.

 شبكة جامعة بابل: الفنون الشعرية المشتحدثة - القوما - البند، هنالك خطأ من حيث تعريف الكف، وتخلطه مع القبض، وتأخذ (مفاعلن)، والكف (مفاعيلن) تصبح (مفاعيلُ)، ولكن تورد شعراء من نظم البند بتواريخ وفاتهم

 الفنون الشعرية العربية المتجددة بقلم فالح الحجية
موقع الألوكة - المجلس العلمي، ينقل بند الشاعر عبد الغفار الأخرس.
http://majles.alukah.net/t149189/
(44) راجع: (أدب الطف): السيد جواد شبر ج


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى