الثلاثاء ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١٧
قراءة في
بقلم حسن عبادي

«الكافرة» لعلي بدر

قرأتُ رواية «الكافرة» للكاتب العراقي علي بدر، الصّادرة عن منشورات «المتوسط» الإيطالية وتحتوي على 227 صفحة من الحجم المتوسط، لوحة الغلاف للفنانة هدى الروقي.
علي بدر هو روائي عراقي صدرت له قبل هذه الرواية عدة روايات: بابا سارتر، شتاء العائلة، صخب ونساء وكاتب مغمور، الوليمة العارية، الطريق إلى تل المطران، الركض وراء الذئاب، مصابيح أورشليم، حارس التبغ، ملوك الرمال، الجريمة الفن وقاموس بغداد، أساتذة الوهم، وبعد هذه الرواية صدرت له عازف الغيوم بالإضافة إلى كتابات أخرى.

إنها رواية تُصوّر حكاية فاطمة (صوفي) – كانت تعيش في الفقر في مدينة سيطر عليها مسلحون متشدّدون، مدينة غير معرّفة وتصلح لتكون في أيّة بلد عربي، ونتيجة للفقر المدقع – الأب يلتحق بالمسلّحين، كان شخصًا مُهملًا وأراد أن يصبح مهمًا، ارتدى حزامه الناسف واختفى إلى الأبد، والزوج تسلّح لأن التسلّح يمنح الحماية ويقوم بعمليّة انتحاريّة فنرى أن دوافع الالتحاق بالمسلحين لا تمُت للدين بصلة وبعيدة عن دين الاسلام، دين الفطرة والرحمة والرأفة والأمن والسّلام، حيث قتل النفس يُعَدُّ من أكبر الكبائر ويأتي بعد الشرك بالله، فالله عزّ وجل هو واهب الحياة وليس لأحد أن يزهقها وجاء في القرآن (وّمَن يقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمدًا فجزاؤُهُ جهنّم خالِدًا فيها وغضِبَ الله عليه ولَعَنَهُ وأعَدَّ لهُ عذابًا عظيمًا)(سورة النساء – الآية 93).

يتطرّق بدر إلى وضع المرأة المقهورة في المجتمع العربي الشرقي، فجميلة (صديقة الطفولة) قتلها والدها لأن جارهم اغتصبها وهرب دون أن يتزوّجها، وزوج أمها (الأرملة) يضربها (سكّير/ لاعب قمار) وتصير مُعنّفة، رفض تزويج الأخوات لئلا يُطالبن بالإرث، بعد موت الزوج – الكل يريد مضاجعة الأرملة (يذكّرني بإبراهيم نصرالله وروايته "زيتون الشوارع")، المسلحون يحرصون على مضاجعة السبيّات: مسيحيات/أزيديات/ زوجات مسلمين، المرة الأولى التي يحدثها والدها فيها "المرأة هي بكارتها، إن فقدت بكارتها فقدت حياتها"، وغيرها.

فاطمة تقرّر الهروب/الهجرة/اللجوء إلى الغرب بعد موت زوجها مباشرةً لأن المتشددين قرروا تزويجها الى عنصر من جماعاتهم التكفيرية فلم تمتثل لأوامرهم وقررت الهرب فتستجير بمهرِّب متديّن من العراق الى أوروبا عن طريق ايران – تركيا – بلغاريا – المانيا – بلجيكا في شاحنة فواكه، يقوم باستغلالها بالسعر الباهظ الذي جباه منها ومن ثم اغتصابها عنوة في الطريق.

حال وصولها الى بلجيكا شعرت بالأمان والامتلاء "رميت النقاب بالمزبلة القريبة وشعرت أنّي حرّة، لم أعد أفكر من أين آتي بالطعام أو أين أنام"؟؟ وبدأت باكتشاف جسدها وأنوثتها حين رأت جسمها في المرآة لأول مرة "هذه المرة الأولى التي أرى فيها جسدي كاملًا، بالمرآة" (ص 164).

تصب الرواية بجانر الكوميديا السوداء ، تدور حول مواضيع يتم التعاطي معها بشكل ساخر مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع، تعتمد على الشيء الذي يؤلمك وتدفعك للضحك، لذلك فهي كوميديا ليست بالسهله أبدًا، فساعة رجم الزانية/الكافرة تقول فاطمة "كان علينا أن نكون كلنا كافرات، ولا ندعها تموت وحدها"(ص 48)، وفي تفشّي ظاهرة الحجاب تقول "أصبح النقاب يغطي النساء من أعلى إلى أسفل. لقد أصبحت مدينة من الغربان السود" (ص 90).

يصل بدر إلى قمة سخريته السوداء في الحوار بين بطلته وزوجها عشية قيامه بعملية انتحارية وموته حين يقول " اسكتي... غدا سينتظرني سبعون حورية عذراء في الجنة" (ص 126) فتُجيبه: "سبعون عذراء يا ابن القحبة... تريد أن تضاجع سبعين عذراء؟ وأنت معي لا تستطيع أن تفعلها مرتين" "سبعون يا ابن القحبة، هل سيعطونك فياغرا مقدّسة؟ ماذا ستلتهم لتضاجع سبعين عذراء؟ ألهذا أنت اليوم مبتسم؟ من خدعك يا حمار؟" فيُختصر الموضوع بقولها:"يجاهدون من أجل النصف الأسفل للمرأة" وحين وصلت إلى اوروبا وعرفت أن الحورية هي امرأة نصفها الأسفل سمكة mermaid) ) أشفقت على زوجها رياض: "كان يعجبني أن أقول له: راحت عليك يا رياض.. ماذا ستصنع بسبعين امرأة نصفها الأسفل سمكة؟ ستُضاجع مَن في الفردوس؟؟" وحينها قررت أن تنام مع سبعين رجلًا تختارهم وتجرّهم جرًّا إلى فراشها، لتجرّب طعم الفردوس، الذي نحر زوجها نفسه من أجله. (يُذكّرني بليلى سليماني "في حديقة الغول").

في مرحلة البحث عن الذات والهروب من ماضيها وبؤسها تقع بعلاقة غرامية مع أدريان (ولد في أوسلو، عاش في ستوكهولم، أبوه لبناني (جبّور) انتقل الى بروكسل) من أصل لبناني مسيحي، قُتِلت عائلة والده جميعها أثناء الحرب الأهليّة في لبنان، فينتقم الأب بقتل مجموعة من الفلسطينيين في مخيم لاجئين، ولكن تفلت منه طفلة صغيرة تختفي عن ناظريه. يهرب الأب إلى النرويج ويعمل هناك ليتزوج من امرأة اسكندنافية وينجب طفلا وهو أدريان ثم ينتقل إلى السويد للعمل والعيش، إلا أن شبح تلك الطفلة الناجية يظل يلاحقه، فيجن جنونه وينتحر في يوم عيد ميلاد أدريان. تؤثر هذه الحادثة على أدريان كثيرا، ولا سيما أن أباه اعترف بجريمته في فيلم وثائقي مع مخرجة ألمانية (يبدو أن القصد لفيلم "المجزرة" Massaker من إخراج مونيكا بورغمان ولقمان سليم وهيرمان تايسين وفيه حاول مخرجو الفيلم التوصل إلى الدواعي للقيام بأعمال العنف والقتل في مجزرة صبرا وشتيلا من قبل المليشيات المسيحية بحق اللاجئين الفلسطينيين العُزّل حين يتحوّل القتل المتعمّد إلى أمر اعتيادي !؟!) وقد حكت في الفيلم تلك الفتاة الناجية وأصبحت شابة، فيسافر أدريان إلى بيروت باحثًا عن تلك الصبيّة ويتزوجها دون أن يذكر لها أنه ابن الرجل الذي قتل عائلتها. يحملها معه إلى السويد، وتنجب ابنتهما سالي، إلا أنها تعيش في خوف من شبح الرجل الذي قتل عائلتها وتتخيل أنه سيأتي لقتل ابنتها ويجنّ جنونها، فيهرب أدريان إلى بروكسل وهناك يلتقي بفاطمة/صوفي وتربطهما علاقة حب حتى يصاب بحادث طرق.

خلال بحثها عن ذاتها تصل بطلة بدر إلى النتيجة الحتميّة أن الحيوان يقتل الغير من أجل البقاء ولكن الانسان يقتل من أجل إيمانه بفكرة أو من أجل إيمانه بإله !! بغض النظر عن ديانته وكونه مسلمًا أم مسيحيًّا!!

أبطال بدر يتحدّثون لتفريغ الذاكرة من شحنة مُرعبة من الصور والأحداث والتداعيات وعلاج للتنفيس عن الكتمان والاحتقان، فأن تتذكر كل شيء مع التفاصيل الدقيقة شيء سيء للقلب، لكنه جيد للروح، وبنظرة تشاؤميّة شرقيّة يقول "السعادة لا تستمر طويلًا، إنها مثل الشمس لا بد أن تختفي ويحل الظلام محلّها".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى