الاثنين ٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٧

للأرض ذاكرة البقاء

زاهد عزت حرش

مما كتبت في (كتاب الياسمين) عبارة تقول: (يحمل الوطن في ثناياه رائحة الأرض والإنسان.. إلا أن الإنسان، الإنسان فقط هو الذي يحمل رائحة الوطن).. وقد جاءت هذه العبارة تفسيرًا لما عايشته مدى سنوات العمر، ذلك من خلال ما حمله والداي من رائحة الوطن الذي جاءوا منه إلى فلسطين. فوالدتي من مدينة حماة، مدينة نهر العاصي، ذات النواعير والذكريات الطيبة، ووالدي من بيروت، مدينة الحب والحرية وساحة الشهداء.. وقد عاش كلاهما في هذا الوطن الذي ليس لنا من وطن سواه.. الوطن فلسطين.. والوطن العربي على امتداد ما بين البحر والبحر!! بحب وانتماء. وقد لمست حرارة هذا الانتماء بيقين جاء بعبارة أن الإنسان، الإنسان فقط هو الذي يحمل رائحة الأرض.

وللأرض ذاكرة البقاء.. فهذه فلسطين التي مزق صدرها الغزاة والعابرون.. على مر العصور والسنين.. باقية! لأن حتمية البقاء فيها، استمدت قوتها بمعزل عن قانون العرض والطلب.. وعاصية على متاهات الجدل بين الشك واليقين. فمن أراد للبقية الباقية فيها، من تراب وصخور وبشر.. أن يتحولوا إلى ذاكرة حنين وبكاء.. جاء "يوم الأرض" ليضع الحد الفاصل بين الشك واليقين.. وليعيد كل الحسابات إلى نقطة البداية. مؤكدًا، على أن الصبار والزيتون، وهذه البقية الباقية على ثرى هذا الوطن.. لا زالت تحمل في ثناياها رائحة الوطن.. الذي يعيش فيها أكثر مما تعيش هي فيه.

القس شحاده شحاده رئيس لكنة الدفاع عن الأراضي

ثلاثون عامًا ونيف، مضى على يوم الأرض الخالد. وكلما فتحنا جعبة التاريخ، نلتقي بملامح ترابية اللون، لأبناء سطروا بعقيدتهم وثيقة حب لهذه الأرض ولهذا الوطن.. وساهموا في صنع هذا التاريخ المجيد.. واحد منهم هو القس شحاده شحاده، الذي نجد اسمه يتردد في صفحات هذا التاريخ. وهو الذي حمل في شغاف القلب، أطيب الذكريات.

جاء اللقاء ملتصقًا بالمكان.. في فضاء ارض دار عائلة منصور، التي استولى عليها الاحتلال الانجليزي وأقام فيها مكاتب لشركة البترول، إبان الانتداب اللعين!! ومن ثم استولت عليها شركة "سونول" للوقود، ذلك بعد أن احتل البلاد أبناء صهيون.. ومع مرور الزمن تحول البيت إلى خربة يسكنها الغربان وشحار البين.. إلى أن تم تحريرها بفعل اليقين والإيمان، بان هذا المكان لنا. لتصبح اليوم عامرة باسم "مركز الكرمل".. التابع لمركز مساواة وجمعية التوجيه الدراسي.. عنوانها "مركز الكرمل" شارع سانت لوكس، منارة تضيء قلب حيفا.

يعود القس شحاده بالذاكرة إلى البداية، ويحدثنا انه بعد أن قررت أجهزة الدولة مصادرة 30 ألف دونم من أراضي المل.. قام الحزب الشيوعي بمبادرة دعا من خلالها عدد من أصحاب الحس والانتماء الوطني، لعقد اجتماع تشاوري في حيفا.. شارك فيه طيبوا الذكر حنا نقاره، جرمس دله، صليبا خميس، توفيق زياد، والطيبون فتحي فوراني ومحمد ميعاري وآخرون. يقول القس شحاده.. "وربما أن اسمي موجود في صفحات هذه المسيرة، لأنني واكبتها منذ البداية، وشاركت في كل اجتماعاتها ونشاطاتها الفكرية والنضالية.. واحمل في قلبي كثيرًا من الحنين لتلك الأيام، ولؤلئك الذين كان لهم الدور الفضل الكبير في الدفاع عن الأرض والإنسان".

ويقول القس في سياق الذكريات: بعد الاجتماعات الأولى في حيفا، دعونا إلى عقد اجتماع موسع في قاعة جراند نيو في الناصرة، شارك فيه، عوضًا عن الهيئة التأسيسية قرابة 120 شخص ممكن صودرت أراضيهم. من هنا وضع تصور شمولي، يهدف إلى العمل على زيادة الوعي العام بين الناس، لأهمية الأرض والتصدي لمصادرتها وتضيق الخناق علينا. كان الهدف تحريك الجماهير وتحول القضية إلى قضية حياتية يشارك فيها كل الناس. هكذا بدأ التحضير لمؤتمر جماهيري يتحمل الناس قضية البث والقرار فيه. وقد أقيم المؤتمر في سينما ديانا.. غص المكان بالجماهير، الشوارع المحاذية، المحلات، الساحات.. كل مكان هناك! وكان تفاعل الناس وحماسهم شديدًا جدًا. في هذا المؤتمر طرحت أسماء أعضاء أول هيئة تأسيسية للجنة الدفاع عن الأراضي، تشكل من ثلاثمائة اسم تقريبًا، من كافة مناطق هذا الوطن، من النقب جنوبًا وحتى أعالي قرى الجليل. وانتخبت الهيئة العامة أول لجنة للدفاع عن الأراضي. وانتخبت اللجنة المرحوم د. أنيس كردوش أول رئيس لها، إلا إن المرض لم يمهله طويلاً، إذ توفى قبل حلول يوم الأرض الأول. بعد رحيل د. أنيس كردوش، انتخبتني اللجنة رئيساً لها. وبقيت فيها حتى عام 1990.

لجنة الدفاع والحزب الشيوعي

يستمر القس شحاده في سرد الذكريات ومسرة العمل النضالي لتلك الأيام، ويروي كيف عملت لجنة الدفاع عن الأراضي، التي وقف إلى جانبها الحزب الشيوعي بكوادره وتنظيمه وإمكانياتها الإعلامية.. وذلك النموذج الرائع للعمل المشترك، لأجل تعبئة الجماهير وتفعيل الشارع العربي، لمواجهة مخططات المصادرة.. وإيجاد الوسائل التي يمكنها أن تلغي المصادرة وتحد من مصادرة أراضي أخرى.

ويقول: قمنا بتوجيه رسالة إلى كافة المؤسسات الحكومية التي لها صلة بالموضوع.. كما توجهنا إلى كافة الكتل النيابية في الكنيست، ولم نتلقى سوى ثلاثة ردود.. واحد من رئيس الكنيست.. يقول فيه "وصلتنا رسالتكم.. يبدوا إنكم توجهتم إلى العنوان الخطأ" ويعقب القس على ذلك ساخرًا.. "انتهى الحبر لديهم على ما يبدوا"..

أما الرد الثاني فجاء من حركة النساء، التي ترأستها آنذاك شولاميت الوني، وكان ردها ايجابيًا. والرد الثالث جاء من كتلة الحزب الشيوعي الذي دعانا إلى زيارة مكتبه في الكنيست، والعمل على طرح الموضوع هناك.. وهناك التقينا بالعديد من النواب، كان من بينهم أمنون لين، الذي دعانا إلى طرح قضيتنا أمام أعضاء كتلته، لكنه لم ينتج عن ذلك أي شيء!! لقد صمموا على مصادرة الأراضي ونحن بدورنا صممنا أن ندافع عن أراضينا.. عن وجودنا! بأي ثمن.

لقد وصل عدد القوانين التي أقرتها الحكومات المتعاقبة لتبرير مصادرة الأراضي العربية.. إلى أكثر من ثلاثين قانون. منها قانون "الحاضر غائب" و "الأراضي البور" و " الأرض الموات" و " الأراضي الصخرية".. وبواسطة هذه القوانين تمت سرقة الأراضي العربية.

وللخيانة والعمالة دورها أيضًا

تعود ملكية أراضي فلسطين إلى أهلها.. فقد ملك أهل فلسطين قرابة 93 بالمائة من مجمل أراضيها، وتعود نسبة 17/1 منها إلى الوقف الإسلامي. وقد استولت السلطات الصهيونية عليها بحجة أن أصحابها والقائمين عليها غير موجودين.. وهكذا أحالت مسؤولية التصرف بها إلى وزارة الأديان.. عندها قامت هذه الوزارة بتعين لجنة ترأسها واحد من أبناء حسن شكري، رئيس بلدية حيفا السابق، وعدد من المتعاونين مع السلطة، ليتم تسريب أملاك الوقف الإسلامي والاستيلاء عليه بتوجيه من الموساد.

لقد ساهم هؤلاء وأمثالهم في تسهيل مهمة تسريب الأملاك الفلسطينية إلى أيدي السلطات والملاكين اليهود. إنها الصورة المتكررة دائمًا، فالعملاء في كل الشعوب لا يموتون، بل يتناقلون بالتوريث والميراث.. فمن خضعوا لأسيادهم في ظل الحكم التركي، خضعوا لأسيادهم إبان الاحتلال البريطاني لهذا الشرق.. وهم أيضًا امتثلوا لأسيادهم في ظل الغزو الصهيوني لفلسطين. وبعضهم من كان يتفاخر علانية بقوله "أنا صهيوني قبل أن تخلق الصهيونية"! وهو من أصبح زعيمًا في ظل الدولة العبرية, وله سجلاً تفخر به هذه الدولة، ومن كان في شك ميما نقول، عليه أن يراجع سجلات "الكنيست"، عبر موقعها في الانترنت!! ليقف على حقيقة تاريخ هؤلاء.. وعلى مدى مساهمتهم في العمالة والخنوع، حفاظا على امتيازاتهم وألقابهم.. وهنا بيت شعر يقول:

من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام

مؤامرة لإلغاء الإضراب العام

يتابع القس شحاده حديثه.. كان إسحاق رابين رئيسًا للحكومة يومها.. وقد قمنا في لجنة الدفاع عن الأراضي بإعلان الإضراب العام للجماهير العربية.. وحددنا موعده في الثلاثين من آذار عام 1976. وكان الحزب الشيوعي وشبيبته يقفون بثبات إلى جانبنا.. قيادة وكوادر. وكان رد السلطة وعلى رأسها رابين، أن أوقفوا الإضراب.. كي نستمع إليكم!! وكان ردنا "إما أن تلغوا المصادرة وإما الإضراب".

بعدها قام يسرائيل طوليدانوا بدعوة رؤساء السلطات المحلية العربية، إلى اجتماع عام في بلدية شفاعمرو، وقد خطط له منذ البداية علة أن يصدر قرارًا بإلغاء الإضراب العام. يقول القس شحاده.. جئت إلى الاجتماع، وكان عدد كبير من كوادر الشبيبة الشيوعية والشباب الوطني الحر متواجد حول دار البلدية.. ومنذ وصولي التقيت برئيس بلدية شفاعمرو، المرحوم إبراهيم نمر حسين، استقبلني وقال لي: "تستطيع أن تحضر الاجتماع شرط التزام بقراراته".. لكنني بدوري سألته: بأي حق تجتمعون لإصدار قرار يلغي الإضراب.. هل انتم من أتخذ هذا القرار.. إن أحدًا لا يحق له إلغاء هذا الإضراب سوى الجماهير، فهي صاحبة هذا الإضراب وهي صاحبة الحق في إلغاءه.

كان طوليدانو يجلس في "البسيس"، مدرسة الشرطة القطرية الواقعة على أراضي شفاعمرو, وكان يدير مهام الاجتماع الفعلية من هناك. حضر إلى الاجتماع في بلدية شفاعمرو، أكثر من 43 رئيس سلطة محلية عربية، صوَّت إلى جانب إعلان الإضراب العام سبعة رؤساء.. اذكر منهم مثالاً لا حصرًا، توفيق زياد، حنا موس، جمال طربيه.. وأربعة آخرون. امتنع اثنان من الرؤساء، أما ما تبقى منهم فقد صوت إلى جانب إلغاء الإضراب. وقد ردت الجماهير عليهم في الانتخابات التي تلت يوم الأرض، فأسقطت معظمهم.

صوت الجماهير

يستطرد القس في الذاكرة.. كنت خارج الاجتماع، وأحسست بقوة الغضب التي اعتمرت في صدور الشباب المتواجدين حول مبنى بلدية شفاعمرو.. وأتذكر دور القائد الوطني الشيوعي الفذ توفيق زياد، الذي أحس بنبض الجماهير المحتشدة.. وقد اكتشف المؤامرة المبيتة والمخطط لها مسبقًا، لكنه حين ظهرت نتيجة التصويت التي كانت معدة في الصندوق مسبقًا، على ما اعتقد.. صعد فوق الطاولة واخذ يصرخ بوجه الرؤساء.. فما كان من الجماهير إلا أن استجابت لثورته.. وهكذا انطلق الحجر الأول في إضراب يوم الأرض من ارض شفاعمرو.

كانت السلطة قد أعدت العدة لكسر الإضراب.. وكانت قد حشدت قرابة 300 شرطي في قاعة للسينما في إحدى البيوت القريبة من دار البلدية.. وما إن وصلت المعلومات إلى طوليدانو، حتى أعطى أوامره لهم بالانقضاض على الجماهير.. وهكذا خرجت شرارة انطلاق الإضراب العام وأكدت المواجهة بين السلطة والجماهير العربية.

لمن يهدي القس شحاده ذاكرة يوم الأرض

القس شحاده: أهدي يوم الأرض أولاً إلى بناء شعبنا في النقب. الذين ما زالوا يعانون من وطء المصادرة والاقتلاع والترحيل.

وأهدي يوم الأرض إلى الأجيال الشابة.. والى الذين ولدوا بعد يوم الأرض، علهم يتذكرون أن ولادتهم جاءت مع الأرض. فمن ليس له ارض ليس له وطن.

الفنان محمد بكري

يوم الأرض:

كان الشرارة التي وجهتني لصقل شخصيتي الفنية والوطنية

ليوم الأرض ذاكرة لا تنسى.. إذ شكل النقطة المفصلية التي وضعتني أمام الكثير من التساؤلات الصعبة الجارحة.! كنت أيامها منكبًا على دراستي المسرحية في جامعة تل أبيب. جاء يوم الأرض كأنه صفعة مدوية، أيقظتني من وتيرة حياة كدت التعود عليها!! فارتفعت أمام عيني علامات استفهام بلون الدماء التي سفكت على تراب بلاد عشتها وحفظتها كأنها جزء من كياني.

منذ تلك الصفعة المدوية، وتساؤلات رهيبة تماثلت أمامي عن الدماء، الانتماء، الهوية، المصادرة، الاقتلاع، النكبة، الوطن.. مفردات، ليس لها نهاية!! وفي تلك الفترة أيضًا، كنت أعاني من أزمة تشرد، لأنني بلا مسكن، فكلما وجدت بيتًا استأجره، كان المؤجر يرفض إتمام اتفاقية الإيجار بمجرد أن يسمع اسم "محمد".

يوم الأرض مَثَّلَ بالنسبة لي الشرارة التي بدأت تضيء متاهات الأيام في حياتي، والتي عملت على صقل شخصيتي من خلال تعرفي على منارات الأدب الفلسطيني، أميل حبيبي، محمود درويش، جبرا إبراهيم جبرا، غسان كنفاني وغيرهم.. هنا كان للاجتهاد الخاص والتثقيف الذاتي دور أساسي في التعرف على حقيقة الأمور وتكوين شخصيتي بذاتي.

كلما تذكرت يوم الأرض، تخطر ببالي صورة ذلك الشاب الرياضي من مجد الكروم.. أيامها كان فريق مجد الكروم لكرة القدم إحدى الفرق العربية الصاعدة، التي نالت تأيدًا واسعًا من جماهير شباب منطقة الشاغور، وكنت احد مشجعي هذا الفريق. وبعد مرور قرابة ثلاث سنوات على يوم الأرض، كنت في مجد الكروم، فشاهدت شابًا يسير في الطريق بصعوبة وبشكل يكسر القلب، يعاني من إعاقات صعبة جدًا، تفرست به وإذ هو الشاب الطويل الجميل الذي كان واحدًا من لاعبي فريق مجد الكروم.. واتضح لي حينها انه تعرض للضرب والتكسير على يد قطعان البوليس وحرس الحدود في يوم الأرض. كان هذا اللاعب بنظري مثالاً للفتوة والشباب، كأنه الحصان الأصيل، وقد حولته أذرع القمع المجرمة إلى إنسان معاق!! هكذا أتصور يوم الأرض، بالمصادرة، بدماء الشهداء، بالسجناء، بضياع شباب العمر.

في السنوات التي تلت يوم الأرض، تجلت مظاهر الوحدة الوطنية من خلال إيحاء ذكرى شهدائه الأبرار.. كان توفيق زياد واقرأنه من الوطنين الشرفاء، مثالاً للوحدة والانتماء الوطني.. إلا أن مهرجانات اليوم ما هي إلا ساحة أخرى للسجالات الحزبية والانتخابية والشخصانية ضيقة!! صراعات تكاد تقضي على يوم الأرض تفقده أعظم مزاياه.

الفنان الشاعر د. سليم مخولي.. كان هنا أيضًا!

تجتمع حكاياتنا المخبئة في ذاكرة الحنين، لأيام أوثقت عزيمة بقاء هذا الشعب على ثرى هذا الوطن الحبيب.. رغم جحافل التهجير والتجهيل والبؤس الشديد. وحين نربط خيوط كل الذكريات الصادقة، نجدها تلتقي في روافدها، لتشكل هذا النهر الكبير من العطاء البشري، الذي صنع معجزة التحدي في يوم الأرض الخالد.. ومن هذه الذكريات بعضًا ما رواه الفنان الشاعر د. سليم مخولي، حيث قال:

كنت مقرب من الحزب الشيوعي، ولي صداقات متينة تربطني بالعديد من الرفاق. وفي لقاء مع طيب الذكر الرفيق رمزي خوري، حدثني عن مشروع إقامة لجنة شعبية للدفاع عن الأراضي، فتوافقت الرؤية بيننا، على انه من الضروري أن تكون اللجنة شعبية وغير حزبية، كي نضمن التفاف اكبر عدد من الجماهير حولها، وان يتم التوجه إلى القوى السياسية الأخرى لتساهم فيها. واقترحت عليه فيما اقترحت، التوجه إلى عضو الكنيست مسعد قسيس، رئيس مجلس معليا المحلي في حينه، واقترحت عليه أيضًا دعوة القس شحاده شحاده، الذي كان راعي كنيسة البروتستنت في شفاعمرو.. وقد تمت دعوة الاثنين إلى الاجتماع التحضيري الأول الذي عقد بالحي الألماني في حيفا.

لقد حضر هذا الاجتماع على ما أذكر، رمزي خوري، صليبا خميس، محمد ميعاري، مسعد قسيس، القس شحاده، توفيق زياد، علي رافع، وأنا.. وقد صدر بيان عن هذا الاجتماع نشر في صحيفة "الاتحاد"، مع ذكر أسماء المشاركين فيه. وتم من خلال هذه الهيئة التحضيرية العمل لعقد كافة الاجتماعات، التي شكلت لجنة الدفاع عن الأراضي. والتي عملت من خلال أعضائها، ومن خلال لجانها الفرعية في البلدات العربية، على توسيع المشاركة الجماهيرية للوقوف في وجه مصادرة الأراضي العربية. وأعتقد أن نجاح الجماهير العربية لتصدي للمصادرة في حينه.. جاء نتيجة للعمل الجماهيري المكثف، الذي قام به المخلصون لهذه القضية، من أعضاء لجنة الدفاع والمتعاضدين معها في كافة القرى والبلدات العربية.. وعلى رأسهم قادة الحزب الشيوعي وكوادره.

ذكرى شهداء الأرض وتخليدهم

يتابع د. مخولي.. لقد انتُخبت منذ البداية عضوًا في سكرتارية لجنة الدفاع عن الأراضي، وشغلت مهمة أمين الصندوق فيها، وهكذا تابعت مسيرتها لسنوات طويلة. وأذكر انه بعد أحداث يوم الأرض التي سقط ضحيتها ستة من أبناء شعبنا، عقد اجتماع للجنة الدفاع في بيت محمد زيدان في كفر مندا.. تطرق المجتمعون فيه إلى قضية إقامة النصب التذكاري لشهداء يوم الأرض، وقال حينا طيب الذكر صليبا خميس، أن لجنة الدفاع لا تستطيع تحمل عبء إقامة النصب التذكاري، لان تكاليفه تصل لأكثر من سبعين ألف ليرة.. فقلت له إنني على استعداد لتمويل أقامة النصب التذكاري، وحين تجمع التبرعات يعاد لي ما دفعته.

هكذا كتب لمشروع أقامة النصب التذكاري الحياة، وفي هذا الاجتماع تم إلقاء مهمة متابعة مشروع إقامة النصب التذكاري عليّ، وقمت بدوري بالاتصال بالفنان عبد عابدي، الذي كان قد باشر بالعمل مع الفنان غرشون كنسبيل على إقامة النصب التذكاري. ودفعت لهم بواسطة شيكات من حسابي الخاص، كما دفعت لمعمل الصب الذي يملكه عبدالله عمرية. وقد تم جمع الجزء الأكبر من التبرعات من الناس، لتمويل إقامة هذا النصب، أعيدت لي، وما تبقى كان تبرعًا مني لهذا المشروع.

أذكر أن الفنان عابدي قد اقترح في حينه، أن احتفظ بالمجسم المصغر للنصب التذكاري، على أن أضعه في حديقة بيتي المطلة على الشارع العام.. ليكون شاهدًا على ذاكرة الأيام.. إلا أن المجسم قد اختفى.. ولم يظهر سوى في هذه الأيام. ويقال انه وجد مطمورًا بالتراب، في حديقة منزل الفنان كنسبيل، وكان كنسبيل قد هاجر إلى البرازيل منذ سنوات، لكنه اليوم موجود في البلاد، وسيشارك في إحياء ذكرى يوم الأرض وذكرى إقامة النصب التذكاري لشهدائنا الأبرار.

ومن خلالكم.. وبهذه المناسبة، أتمنى أن يعود لي مجسم النصب التذكاري المصغر لشهداء الأرض، كي أضعه في المكان المعد له منذ ثلاثين عام. هنا في حديقة بيتي المطلة على الطريق العام، ليراه الناس.. وليكون شاهدًا على مسيرة الأرض والبقاء.

الفنانة أمل مرقس..

يوم الأرض هو علاقة متصلة بالأرض على مدى الأيام

أمل مرقس، هذا الصوت المشحون بصوت الأرض والزيتون، بأغنياتها التي تحمل عبق النعناع والزيزفون، وتردد موسيقاها كلمات شعراء الأرض.. ماذا تقول؟

جاء صوتها كما أحببته دوماً، ولم أزل.. واثقًا مشبعًا بالأمل والذكريات.. قالت: "يخطر ببالي، هكذا على عجل.. أيام صبايا الأول، ونحن برفقة والدي، نقطع بعض الطريق سيرًا على الأقدام.. نمر بأشجار الزيتون، في طريقنا للمشاركة بإحياء ذكرى يوم الأرض.. وأذكر كيف كنت اقطف تلك الزهرة النادرة الوجود في ربوع بلادنا.. زهرة تدعى "زنبقة القمح"، ذات اللون الزهري الغامق. وما زلت أشارك في إحياء ذكرى يوم الأرض كل سنة، ومنذ سنوات وأنا اصطحب معي أولادي، لأنني أومن بأن للذاكرة بقاء.

وتتابع أمل.. لكنني أخشى أن تذهب الأرض ويبقى يوم الأرض مجرد ذكرى!! الأرض بالنسبة لنا، على الصعيد العائلي، قضية حياة.. فما زلنا نعيشها بصورة فعلية، من خلال زرعها والعمل فيها.. ووالدي ما زال يزرع الزيتون في أرضنا كل عام من جديد.

ماجد ابو يونس

أن المبادئ التي صنعت يوم الأرض تعرف كيف تكرم الشرفاء والوطنين من أبناء شعبنا

تعود الذكريات إلى عشية يوم الأرض.. وماجد أبو يونس واحد من رفاق الشبيبة والحزب الشيوعي، الذين واكبوا العمل النضالي الشعبي في مسيرة التصدي لمصادرة الأرض.. وسخنين ارض المل، ارض الزيتون والصبار، ارض التراب المبلل بعرق الفلاحين والعمال.. تأبى الخنوع! ترتفع هامات أبنائها لتطال مجد الشمس كما كانت في البدء، فها هي اليوم أيضًا تتابع مسيرة هذا الكفاح.

يقول أبو يونس.. كان دورنا في تلك الأيام العمل على تعبئة الجماهير من اجل إنجاح يوم الأرض. اذكر إنني كنت أعمل دهانًا مع مجموعة من العمال في ورشة بناء مدرسة في كريات آتا.. ومعي بعض من الرفاق، نتحدث إلى الآخرين من العمال الذين كانوا من أماكن عديدة، نحثهم على المشاركة في الإضراب. كان نجاح الإضراب يشكل قضية تحدي بالنسبة لنا.. لذلك لم نترك أية فرصة إلا وتوجهنا بحماس وعقيدة ثابتة.. انه من حقنا أن ندافع عن أرضنا ووجودنا الأبدي.

عشية إضراب يوم الأرض الأول، كنا نجوب البلدة لتعبئة الناس، ومع أول ساعات المساء بدأت قوات من الجيش والشرطة وحرس الحدود تدخل إلى دير حنا، وأخذ صوت الرصاص يصل إلى مسامعنا, والأخبار عن اشتباكات بين الأهالي وقوات السلطة تصلنا تباعًا.. تجمعنا وتوجهنا إلى هناك، وما إن وصلنا إلى عرابة حتى علمنا انه تم اعتقال الرفيق فضل نعامنه. وهناك قالوا لنا عودوا إلى سخنين الدور جاي عليكم.

عدنا إلى سخنين وبدنا نعد أنفسنا لمواجهة الآتي، سرنا في مظاهرة جابت شوارع سخنين، وانتهت في ارض البركة، موقع بلدية سخنين الجديدة اليوم، وهناك وجدنا فضل نعامه بعد أن أطلقوا سراحه.. وحث فضل نعامنه الشباب على البقاء في سخنين والاستعداد لما يمكن إن يحدث، ووافقته الأمر كما وافقه جزء لا بأس به من الحاضرين.. إلا أن الجزء الآخر ذهب باتجاه عرابة ودير حنا، وفي الطريق اشتبكوا مع القوات القادمة باتجاه سخنين.

هكذا بدأت الاشتباكات بين الجماهير وقوات السلطة المدججة بالسلاح والعتاد الحربي، دخلت هذه القوات إلى سخنين بصعوبة لان الشباب كانوا قد صمموا على مواجهتها. وكلما تقدموا خطوة كان الاشتباكات تشد قسوة.. ووصلت مدرعة إلى وسط البلد، حيث يقام النصب التذكاري لشهداء الأقصى، ومن شدة مقامة الشباب لها ورميها بالحجارة، ضيعت الطريق وصعدت فوق عبارة على جانبه، وصار بمقدورنا القضاء على من فيها.. بعد قليل وصلت قوات إضافية إلى المكان، وبدءوا بإطلاق الرصاص الحي باتجاه الناس، سقط من جراءه العديد من الجرحى، عندها توجب علينا نقل المصابين، وأذكر إنني ومن كان معي نقلنا احمد محمد غنايم الملقب "أبو الرصاص"، ومحمود حمد غنايم اثر إصابتهما.. كنا نحاول إسعافهم بقدر الإمكان، وإيجاد سيارة لنقلهم إلى المستشفى.

في ظل تلك الاشتباكات وإغلاق الطرقات الرئيسية بحواجز الشرطة وحرس الحدود.. كانت مهمة نقل المصابين تكاد تكون مجازفة، فبعد صعوبة الوصول إلى الطريق الرئيسي باتجاه حيفا ونهاريا، كان يعترض المصابين حاجز الشرطة، ويتم استجوابهم والتصرف معهم بشكل بشع.. يتخلل ذلك إهانة ومضايقات.

ويتابع ماجد أبو يونس سرد تلك الذكريات.. مع ساعات الصباح الأولى، جابت المركبات العسكرية مدرعة ومجنزرة طرقات القرية، واذكر إننا كنا سوية، صالح إبراهيم شواهنه، محمد قاسم غنايم وأنا.. بحثنا عن مكان نختبئ فيه، فدخلنا غرفة بيت احد المواطنين، وإذ بقنبلة دخان مسيل للدموع تدخل معنا، بقينا لساعة وأكثر على هذا الحال، كلما حاولنا فتح الباب للخروج منها تلقى قنبلة باتجاهنا.. في أخر الأمر تسللت زحفًا على ارض لتأكد من إنهم ذهبوا.. خرجنا نبحث عن مكان بعيد عن بيوتنا، لأننا عرفنا إنهم يقومون بحملة اعتقالات خاصة لرفاق الحزب والشبيبة.

حول حفل التكريم

بادرت الجبهة القطرية لإقامة حفل تكريم لرؤساء وأعضاء السلطات المحلية الذين صوتوا إلى جانب الإضراب، ولتكريم قادة لجنة الدفاع عن الأراضي. مساء اليوم الخميس في قاعة البتراء بسخنين. ولقد قمنا بتوزيع عدد كبير من الدعوات الشخصية، والإعلان عن هذا الحفل ونشر دعوة عامة في صحيفة "الاتحاد".. لمشاركة اكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا.

يقول أبو يونس.. إن شعبًا خرج من بين أبناءه قادة صانت كرامته وصنعت يوم الأرض، دفاعًا عن الأرض والبقاء.. دفاعًا عن وجودنا في هذا الوطن الذي ليس لنا من وطن سواه.. يثبت

زاهد عزت حرش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى