الخميس ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

الاقتباس من القرآن الكريم

قبل سنين كانت مسألة الاقتباس من القرآن مثار نقاش حاد، وذلك حول قصيدة محمود درويش "أنا يوسفٌ يا أبي"، حيث كان هناك من حرّم اقتباس الآية أو جزء منها، بل أراد تقديم المغني مارسيل خليفة للمحكمة بتهمة المس بالمقدسات، فكيف تُغنّى كلمات الآية!

وقد نسي هؤلاء أن الشعر العربي القديم كان فيه من الآيات أو جزء منها، وذلك ليجمّل هذا الشعر وينبه المتلقي إليه، حتى يتقبله، بل يحببه إلى جمال الصياغة في التصادي القرآني.
ثم إن من طبيعة الشعر أنه كان يُغنّى في كثير من المواقف.

الاقتباس في تعريف البلاغة:

"أن يُضمّن الكلام شيئًا من القرآن أو الحديث لا على أنه منه، ويجوز أن يُغيَّر في الأثر المقتبس قليلاً".

أما اللفظة فتعود إلى (القبس) أي شعلة النار، فالاقتباس هو الأخذ منها، وبالطبع فهنا استعارة لطلب العلم.

ووقفتنا هنا هي على الشعر، ولنقرأ بعض الاقتباسات الدالّة:

قال شاعر:

لا تطمعوا في النزْر من نَيله
هيهاتَ هيهاتَ لما توعَدون

هناك من المُحدّثين من يرى ضرورة وضع إشارة الاقتباس "هيهات هيهات لما توعدون".

العجُز بأكمله مقتبَس من سورة "المؤمنون، 36.

قال بديع الزمان الهمَذاني:

إذا ما حللت بمغناهمُ
رأيت نعيمًا وملكًا كبيرا

العجُز مقتبس من سورة (الإنسان، 20).

نُسب إلى ابن الرومي:

لئن أخطأتُ في مدحيـ
ك ما أخطأتَ في منعي
لقد أنزلتُ حاجاتي
بوادٍ غير ذي زرع

أورد الأغاني (ج 6، ص 110) هذين البيتين على أنهما لإسماعيل القراطيسي في مدح الفضل بن الربيع، وكان الفضل قد ضنّ عليه بالعطاء، فقال:

لئن أخطأتُ في مدحيـ ... ك ما أخطأتَ في منعي
لقد أحللتُ حاجاتي ... بوادٍ غير ذي زرع

...بوادٍ غيرِ ذي زرْع- إبراهيم، 37.

قد يحدث التغيير لضرورة الوزن- كما في قول شاعر:

لا تعاشر معشرًا ضلّوا الهدى
فسواءٌ أقبلوا أم أدبروا
بدتِ البغضاء من أفواههم
والذي يُخفون منها أكبر

وأصل الاقتباس:

بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ- آل عمران، 118.

قال جلال الدين السيوطي وهو مفسر القرآن، وأحد الجلالين- مقتبسًا الآية يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلا- الفرقان، 27:

إن كانتِ العشّاقُ من أشواقهم
جعلوا النسيمَ إلى الحبيبِ رسولا
فأنا الذي أتلو لهم: يا ليتني
كنت اتخذت مع الرسول سبيلا

ومن سورة الفجر اقتبس جلال الدين وبتغيير طفيف:

قد بُلينا في عصرنا بقضاةٍ
يظلمون الأنام ظلمًا عـمّـا
يأكلون التراث أكلاً لماّ
ويحبون المال حبًّا جمّــا

ولا يخفى أنه اقتبس وبتغيير حرف المضارعة:

وتأكلون التراث أكلاً لمّا

وتحبّون المال حبًّا جمّا- الفجر، 18-19.

ونسب لشاعر اقتباسه من سورة يس:

قد حارت الألباب في سرّ ذا
وطاشت الناس فقال الحكيمْ
لا يُسأل الخلاّق عن فعله
ذلك تقديرُ العزيز العليمْ

وعجز البيت الثاني هو جزء من آية ذلك تقديرُ العزيز العليم- يس، 38.
..
وقال صلاح الصفدي مقتبسًا من سورة الشعراء:

يا عاشقين حاذروا
مبتسمًا عن ثغره
فطرْفُه الساحر إن
شككتمُ في أمره
يريد أن يُخرجكم
من أرضكم بسحره

فالبيت الأخير هو جزء من آية وردت في سورة الشعراء، 35:

يريد أن يُخرجكم من أرضكم بسحره...

وغير ذلك كثير!

الغرض من الاقتباس القرآني- كما أشرت- هو تجميل المعنى، فكأنه بذلك يكتسب صِدقية ما يقول، ثم لتنبيه المتلقي إلى ثقافة يعمد إليها الشاعر، حتى يتقبل شعره، بل يحببه إلى جمال الصياغة من خلال تعالق النص بالأصداء القرآنية.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى