الاثنين ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
بقلم مهند النابلسي

ذا آرايفال (الوصول) (2016)

سحر التواصل الانساني في فهم الكائنات الفضائية وبعد ميتافيزيائي- مستقبلي جديد لرؤيا مصيرية-معرفية ذات نكهة فلسفية شيقة:

انه فيلم الخيال العلمي الجديد للكندي-الفرنسي "دينيس فيلينوف"، من كتابة "أريك هايسدر"، واستنادا لقصة قصيرة بعنوان "قصة حياتك"، من كتابة "تيد شيانغ"، ومن تمثيل كل من "آمي آدامز، جيرمي رينير وفورست ويتاكر"، وقد تم افتتاح الفيلم في مهرجان فينيسيا الدولي...مدح النقاد الفيلم لسياق قصته الغريبة وأجواءه الشيقة، وكذلك أثنى معظمهم على أداء "آمي آدامز" المذهل، وقد حقق الفيلم 93 مليون دولار من العروض العالمية.

حبكة الفيلم:

يبدأ الشريط مع عالمة اللغات "لويزا بانكس" وقصة حياتها الحزينة مع ابنتها التي ماتت صغيرة بسبب نوع نادر من السرطان.

(1) تهاجم كوكب الأرض بشكل متزامن 12 سفينة فضائية غامضة ضخمة تشبه "العدسات اللاصقة"، ويطلب منها الكولونيل "فيبر" بأن تنضم لفريق متخصص لبحث أسباب وصول هذه المراكب الفضائية للأرض، ويصاحبها في مهمتها عالم الفيزياء الكونية "ايان دونلي"، ويحدث أن يدخل العالمان للمركبة كل ثمان ساعات عندما تفتح دوريا من خلال مصعد خاص، وعندئذ تتواجه لويزا مع رفيقها الفيزيائي مع كائنين فضائيين ضخمين بسبعة اطراف كالسحالي وتسمى "هيتابودز"، ويسميهم ايان "آبوت وكوستيلو"...ثم تكتشف لويزا ان الغرباء يستخدمون "لغة مكتوبة" ذات رموز دائرية معقدة، وتحاول جهدها لتعليمهم الرموز المرتبطة بمفرداتهم البدائية بغرض التواصل، ونلاحظ أنها كلما توغلت اكثر في معرفة أسرار لغتهم الدائرية الغريبة، تداهمها "تخيلات حلمية" تتعلق بحياتها وذكرياتها القصيرة الحزينة مع ابنتها الصغيرة المتوفاة.

(2) ..وعندما تسأل لويزا الغرباء عن طلبهم، يجيبون بأنهم يرغبون بأسلحة، ويلاحظ أنهم يرددون نفس الطلب في المواقع الاخرى التي نزلوا اليها (ومنها روسيا والصين وباكستان والسودان)، وقد استفز ردهم السلطات في الدول الاخرى مما استدعى اغلاق التواصل معهم، حتى أن بعض الدول كالصين وروسيا قد استنفرت قوتها العسكرية لمواجهة ما يعتقدون أنه بمثابة "تهديد جدي" من الكائنات الفضائية...ولكن لويزا "عالمة اللغات البارعة" لا تيأس من دراسة لغتهم، وتعتقد أن كلمة السلاح ما هي الا تعبير بديل لكلمة "آداة"!

(3) يتغلب رأي العسكريين الأمريكان، فيأمرون بزرع متفجرات في السفينة الفضائية بدون معرفتهم المسبقة بدخول لويزا وأيان لداخل السفينة لمفاوضة الغرباء، اللذين يقومون بعرض مئات الرموز الدائرية...ثم يغادر كوستيلو احترازا قبل وقوع الانفجار، فيما يدفعهما آبوت خارجا بسرعة (مضحيا بحياته)، منقذا حياتهما قبل فوات الآوان
...ثم يستفيقا من غيبوبة الاصطدام، وتغادر المركبة مرتفعة في السماء، ويحلل آيان النماذج الرمزية الدائرية معتقدا انها ترتبط بمفهوم الزمن، وبأنها ربما قد تكون جزءا من الرسالة الفضائية، التي لن تكتمل الا باستقبال باقي الرموز من المركبات الفضائية الاخرى.

(4) وخلال ذلك الوقت يستعد الصينيون لهجوم على مركبة الغرباء الفضائية، ولكن لويزا تستدرك الأخطار فتهرع للمركبة في "مونتانا"، التي ترسل لها عربة بيضوية صغيرة لحملها للداخل... وتتحدى المخاطر، فتقابل كوستيلو لوحدها، الذي يبلغها بأسى وحزن أن رفيقه "آبوت" قد قضى في التفجير...ثم تعرض له لويزا حالتها الشخصية وهواجسها، فيشرح لها كوستيلو بأنها ترى المستقبل، وبأن أحلامها ما هي الا نوع من "الاستبصار المستقبلي"، ويشرح لها كوستيلو بأنهم قدموا لمساعدة الانسانية وأنهم قصدوا بشروحاتهم اللغوية المعقدة شرح مفهوم الزمن "الغير خطي"، وبأنهم قصدوا بتعبير السلاح تقديم "آداة" كهدية للجنس البشري، ثم يستطرد بأنهم ربما سيحتاجون لمساعدة انسانية بعد ثلاثة آلاف سنة من تاريخ زيارتهم لكوكب الأرض.

(5) تعود لويزا للمخيم الذي تم اخلاءه بحالة طوارىء، وتلاحظ وجود حالة احتفالية لزيارة الفضائيين الغرباء، ثم تلقى الشكر والتقدير من الجنرال الصيني لأنها نجحت باقناعه هاتفيا لالغاء الهجوم المخطط على الفضائيين، وتكاد تنسى حيثيات ذلك، ولكن الجنرال "تانغ" يذكرها بأنها اتصلت بهاتفه الخلوي على عجل، شارحا لها تفاصيل المكالمة الهامة، وتتذكر حينئذ بأنها سرقت بالفعل "الموبايل الفضائي"، واتصلت وهي في حالة "غيبوبة ذهنية تخاطرية" ثم كررت على مسامعه كلمات زوجته الأخيرة المتوفاة، طالبة منه أن يتحلى بالشجاعة ويوقف الهجوم المتوقغ، وبأن موقفه الحاسم ذلك هو الذي اوقف تلقائيا الهجوم على السفن الفضائية الاخرى (لماذا تم اختيار الصين تحديدا وليس روسيا، هل لأن كاتب القصة من أصل صيني؟)...وقد فتح ايقاف الهجوم مجالا للتواصل السلمي مع "الغرباء المسالمين" حتى غادرت السفن الفضائية الأرض بسلام.

(6) وعندما تهرع لويزا لحزم حقائبها للمغادرة، يصارحها آيان بحبه الجارف لها، وينتهي الشريط بنقاش فلسفي غامض فيما اذا كان على المرء ان يتغير اذا ما رأى ما سيحدث في المستقبل...حيث ترى لويزا آيان كأب مفترض لابنتها المتوفاة...ثم تستمر الرؤيا بسؤال آيان لها فيما اذا كانت ترغب حقا بطفل جديد؟ وتجيب بنعم، راغبة حقا "بالمشاركة الزمنية مع طفلها المستقبلي" بدلا من الضياع والعدم!

حافل بالمضامين السينمائية الفلسفية الذكية:

يطرح هذا الشريط الشيق الاستثنائي عدة اسئلة: فهل هم علماء ام سياح ام غزاة أذكياء؟ وما مدى صدقهم؟ ثم التميز بتصميم السفينة الفضائية البيضوية التي تشبه العدسات اللاصقة، انه تشويق فضائي غير مسبوق بلا معارك ومطاردات ساخنة، وبدا هذا الفيلم وكأنه لا يتحدث فقط عن هذه الكائنات الفضائية الغريبة، بقدر ما يتحدث عن سحر التواصل البشري وأهميته لفهم عالمنا المضطرب...لقد انغمست د.بانكس لتعلم لغة الغرباء ليس لمعرفة ما يقصدون فقط وانما لمعرفة ذواتنا ودهاليز هواجسنا كبشر تائهين، أسهب هذا الشريط في توضيح قيمة المعرفة ودفء الاتصال وحيوية التواصل البشري، وبدا وكأنه برنامج "تعليمي" حول اهمية "الانصات والتعلم والصبر والحلم والسيطرة على ردود الأفعال"، كما شرح العلاقات الهشة بين الدول وضعف التنسيق وهيمنة سوء الفهم والشكوك والعدوانية التي ما زالت سائدة في السياسة الدولية، مما يصعب من خلق اجواء الثقة وحل المشكلات، وطرح الفيلم سؤالا محوريا ملحا حول وجودنا كبشر: فهل نفتقد كبشر مجتمعين لرؤيا استراتيجية طويلة الأمد لانقاذ كوكب الأرض؟! وفي الخلاصة فهذا فيلم مناهض للحروب والكراهية والنزاعات، ويحمل في طياته رسائل مجازية حول اهمية التفاهم وحسن النوايا والسلام.

تكامل ابداعي مع تحف "خيال علمي" اخرى:

أظهرت الممثلة "آمي آدامس" تألقا غير مسبوق بانغماسها التقمصي، وتفهمت تعقيدات وهواجس شخصية البطلة "عالمة اللغات" المكتئبة التي تعاني من حزن فقدانها لابنتها الصغيرة الوحيدة، وبدت "خائفة ومعجبة" في آن من هذه الكائنات الفضائية الفريدة، وواجهت التحديات بشجاعة وحماس وشغف، وبدت حقا وكأنها الممثلة الأكثر ملائمة لهذا الدور الصعب المتداخل ببعده الظاهري والنفسي والتفاعلي...وبدا الشريط متماثلا ومكملا لأفلام خيال علمي لافتة مثل: لقاءآت قريبة من النوع الثالث لسبيلبيرغ، كما تماثل لحد ما مع اداء كل من "جودي فوستر وساندرا بولاك" في فيلمي "اتصال وجاذبية"، وتكامل ضمنيا مع أفلام "اوديسا الفضاء وسولاريس"، وأبدع المخرج وكاتب السيناريو وواضع الموسيقى التصويرية الصادحة التي اتسمت بالحنين والروحانية وقد استعار "الكومبوسر" الأيسلندي "يوهان جوهانسون" بعض مكونات موسيقى "براهامس" ببعدها الرومانسي الآخاذ، ناهيك عن روعة المؤثرات الخاصة التي وضعتنا في اجواء واقعية جذابة وشيقة بعيدا عن ضجيج وصخب النمط"الهوليوودي" الدراج في مثل هذه الأفلام، كما بدت نهاية الفيلم ميتافيزيائية كشريط "بين النجوم" لكريستوفر نولان. باختصار فهذا الفيلم هو تحفة سينمائية "أنيقة وساحرة" يصعب نسيانها ويمكن أن يحصد بعض الاوسكارات.

وصول

في الإطار الخيالي العلمي ذاته، وفي ثنايا الحكايات التي تتعاطى ومخلوقات فضائية تهبط الأرض يأتي «وصول» حاملاً الخامـة الفنية الخاصّـة بمخرجه الكندي دنيس فيلينييف الذي انطلق من دون تمهيد منجزاً في العام 2010 فيلم «حرائق» حول جحيم الحرب الأهلية ونتاجاتها الدرامية في بلد عربي تركه بلا إسم. لو راقبنا مسيرته لوجدنا يغير أنواع أعماله لكنه يحافظ على جديتها وبحثها في ذوات شخصياتها. بعد «سيكاريو» في العام الماضي، يعود في «وصول» منتقلاً إلى رحاب حكاية حول عائلة من الفضاء وصلت الأرض وقررت أن تسكن في أحد بلداتها. جيرمي رَنر وفورست ويتيكر وآمي أدامز في البطولة.

(عن مدونة الناقد اللبناني محمدرضا: ريدر/ 248)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى