الأحد ٣٠ تموز (يوليو) ٢٠١٧
بقلم جمال قصودة

الأيقونات الثلاث للحركات الشبابيّة في تونس

إن الحركات الشبابيّة نوعان سياسيّة و أخرى اجتماعية – وهي التي نروم الحديث عنها- وهي حركات يتّسم ظهورها بفجائيّة و التلقائية و لا تندرج تحت الهياكل التقليدية كالأحزاب وهي في الغالب حركات ثوريّة متمرّدة – لما يعرفه الشّباب في تلك المرحلة العمريّة من اندفاع – لا بل تتبنّى في غالبيتها مبدأ "أنارشيزم" (اللا سلطويّة) تلك الفلسفة التي تتبناها الحركات الشبابية/ الثوريّة و تعارض بموجبها توجّهات السلطة القائمة و تحاول تقويضها و إسقاطها، و يتّسم منتسبوها بالتنوّع الفكريّ و الإيديولوجي- على عكس الحركات الشبابيّة السياسيّة- و تعرّف أيضا بكونها سلوك جمعيّ او جهد جماعيّ يستخدم جميع الوسائل المتاحة لتحقيق هدف معيّن، و قد يكون لنشاط هذه الحركات أثر سياسيّ و لكنها بالنهاية ليست حركات سياسية لأنها لا تسعى للسلطة بل تمرّدت عليها، و قدّ تتنوع وسائل تحقيق الهدف التي اجتمعت حوله و تشكّلت بموجبه الحركة فتتبنى بعض الحركات العنف الثوريّ و تتبنى حركات أخرى النضال السلمي المدنيّ و تتبنى ثالثة التعبيرات الفنيّة الثائرة، هذه الحركات في الغالب ذات تنظيم أفقي لا رأس له و إن تقدّم هذا أو ذاك ليكون ناطقا رسميّا أو غير رسميّ أملته الظروف و جرّاء كلّ الأشياء التي ذكرناها سابقا لا يمكن لهذه الحركات ان تتطوّر لتصير هيكلا أو حزبا لان وجودها محدد بالهدف الذي وجدت من اجله لذلك فمتى تحقّق أو استحال التحقّق ستتلاشى الحركة تدريجيّا و تذوب.

الثورة التونسيّة ثورة شبابيّة بامتياز،إذ كان الشّباب موقدها ووقودها و حطبها، لذلك كان من طبيعيّ جدّا عن نعيش على وقع حركات شبابيّة ثائرة متناسلة، تموت واحدة لتولد من رمادها ثانية و ثالثة و ألف كما العنقاء تماما.

 1- حركة "تكريز":

هي من أقدم الحركات الشّبابيّة في تونس (في العشريّتين الأخيرتين)، تأسّست سنة 1998 و "تكريز" هي كلمة عامية –باللهجة التونسيّة- تعني الغضب العارم الذي اكتسح نفوس الشّباب التونسي المتطلّع للحريّة و الكرامة في ظل سلطة آلة القمع و الدكتاتورية و تعرّف الحركة نفسها من خلال إحدى مدّوناتها بالتالي: "التكريز هي أول حركة رائدة في ميدان حرية التعبير والنضال الافتراضي في مجال الدفاع عن الحريات الفردية. يتبنى "التكريز" ايديولوجية و يتبع ميثاقا أسس على ثلاثة محاور: حرية صدق و سرية. حركة "التكريز" حركة مفتوحة لكل من يرى في نفسه تواصلا مع مبادئ الحركة و يمكنه الانضمام بمجرد التعبير عن الرغبة في الدفاع والذود عن الحقوق و الحريات الفردية والمساس بهيبة الوطن..... "التكريز" موجة الانترنات منذ بلوغها سواحل قرطاج لتلعب دور الرّيادة في إيصال صوت شبابنا اليافع الى السلطات التونسية التي هدمت مستقبله و ما انفكت تهمشه ولم تعطه الفرصة في بناء غد أفضل هو المعني به بدرجة أولى وأمام قمع وتكميم أفواه الشباب المنادي بالحرية والرافض للركوع و محاولات التهميش وجدنا أنفسنا نخوض حربا ضد الدكتاتورية والإرهاب الفكري فمنا من قتل و منا من يقبع في السجون وسنظل نقاوم حتى يفهم الدكتاتور أن لا رئاسة مدى الحياة ولا توريث إلا إذا فرغت تونس من شبابها و رجالاتها"

عرفت هذه الحركة بقدرتها العجيبة على التخفّي و السريّة و عرفت أكثر بالقدرات التقنيّة الفائقة لمنتسبيها، تلك القدرات التي مكنتهم من زعزعة عروش نظام المخلوع بن علي و فضحه من خلال منشورات و رسائل مصوّرة في كثير الأحيان لم يتمكن النظام و معاونيه -عمّار 404 - من فكّ شفرات مرسلها او من يقف ورائه، اتسمت الحركة أيضا بتبنيها العنف الثوريّ – برغم حديثهم في التعريف عن سلميّة نضالهم – فكانت منشوراتهم في الغالب منشوارت تحريضية بخطاب فاحش و لكنّه مبرّر من حركة اختارت لها من الأسماء و العناوين، عنوان الغضب العارم، و الغضب العارم لا يقيّم أخلاقاويّا لهذا يمكن ان يوضع خطابهم في سياقه الثوريّ و التاريخي، خاصة أن الشّجاعة التي اتّسموا بها لا نظير لها في ذاك الزمن و إن كانوا من وراء لوحة المفاتيح، و الحديث هنا عن نضالهم الافتراضي لا ينفي وجودهم في ساحات و شوارع النضال و إن كانت هويّاتهم غير معلومة إلى اليوم فالسريّة مبدأ قامت عليه الحركة و أتقنوه. تلاشت الحركة او خفت حضورها في السنوات الأخيرة خاصة بعد حظر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي في شهر ماي 2011 اذ اعتبرت وزارة الداخلية – زمن الحبيب الصيد – صفحة الحركة من الصفحات التحريضيّة.

 2- حركة" زواولة ":

"زواولة" كلمة عاميّة تعني الفقراء وهو اسم حركة فنيّة ثائرة اختصت في فنون الشّارع "الغرافيتي" تحديدا، يوصف أعضاء هذه الحركة بــ"مقاتلي الخفاء من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية"، و كغيرها من الحركات الشبابية الثائرة اعتمدت على السرّية في تحركاتها الليليّة إذ تخيّر هذه الحركات عدم الإفصاح عن أسماء منتسبيها خوفا من الملاحقة القانونية و هذا ما حصل فعلا مع حركة "زواولة" التي اتخذت اسما حركيّا و شعارا في شكل (Z) لتذييل و إمضاء منجزاتها الفنيّة الثائرة، و تعرّف الحركة نفسها بــ: "نحن في "زواولة" نمثّل حركة شارع بأتم ما تعنيه الكلمة، ونحن نناضل ونحاول إيصال أصواتنا وأصوات الفقراء عبر فن الجرافيتي، ونضم في صفوفنا شبابا تخرّج من معاهد الفنون الجميلة، كما نضمّ شبابا درس الحقوق ومن اختصاصات أخرى، لكنهم موهوبون ويجيدون هذا الفنّ".

و برغم السريّة التي طبعت اغلب تحركاتهم تمكنت يد النظام من الامتداد إليهم لتطالهم، اذ ظهرت الحركة للعلن من محافظة قابس الجنوبية اثر حادثة اعتقال أسامة بوعجيلة وشاهين بالريش اللذين ضبطا بصدد رسم بعض الشعارات على جدران كان هذا محتواها: "الزوالي يطلب ويساسي، واللعبة لعبة كراسي" و"الزوالي دفنوه وعينيه حية".... وتعرضا للتعنيف من طرف الشرطة وتمت إحالتهما على القضاء بموجب ثلاث تهم وجهت لهما وهي:الكتابة على عقار عام دون رخصة، خرق قانون الطوارئ، نشر أخبار زائفة من شأنها تعكير الصفو العام، هذه المحاكمة التي أثارت الكثير من اللغط في بلد يعيش على وقع ثورة عارمة كان مطلب حريّة التعبير من أهم مطالبها،تواصلت المحاكمة الى حدود 10 ابريل 2013 يوم حكمت المحكمة الابتدائية بقابس بعدم سماع الدعوى وقررت تغريم أسامة بوعجيلة وشاهين بالريش بــ 100 دينار، و تجدر الإشارة هنا بكون وجود الحركة لم يقتصر على قابس بل انتشرت في اغلب المحافظات التونسية، و كسابقاتها من الحركات الشبابيّة انحصر وجودها و تلاشت في السنوات الأخيرة.

 3- حركة " مانيش مسامح":

عنوان حركة أو حملة "مانيش مسامح " هو عنوان بالعامية التونسيّة أيضا و يعني "لست متسامحا أو متصالحا" والخطاب هنا موجه للحكومة و النظام السّاعي إلى تبييض رموز الفساد في المنظومة القديمة عبر قانون المصالحة الذي يتعارض مع العدالة الانتقاليّة المشروطة بكشف الحقيقة و المحاسبة و الاعتذار، تتكون الحملة من فئة شبابيّة تتبنّى "المقاومة المواطنيّة المجتمعيّة "المنحازة كلّ الانحياز للثورة و لمبادئها و لا تقدّم نفسها كمكوّن سياسي و ان كان لفعلها و نشاطها اثر سياسيّ جلّي، فالحملة او الحركة متنوّعة المشارب بل لا يعنيها التجانس و لا تقدم نفسها على أساسه لارتباط من فيها بهدف معلن وهو إسقاط قانون المصالحة المراد تمريره من طرف الحكومة و الأحزاب الحاكمة، تعرّف الحملة نفسها بــ:"مانيش مسامح هي حراك مواطني مجتمعي مستقل يجمع كلّ الأفراد الرافضين لقانون تبرئة الفاسدين و تبييض الفساد المسمّى "قانون" المصالحة في المجال الاقتصادي و المالي، انطلق عمل الحملة منذ شهر جوان 2015 و نفّذ اوّل تحرّك ميداني يوم 28 أوت 2015 في ساحة محمّد علي"، و كما ذكرنا سابقا تشكّلت الحملة بموجب هدف معلن وهو:" الهدف الأساسي للحملة هو سحب مشروع قانون تبييض الفساد و رفض الانقلاب على مسار العدالة الانتقاليّة الذي يقوم على الكشف عن الحقيقة و حفظ الذاكرة، المساءلة و المحاسبة،جبر الضرر و ردّ الاعتبار، إصلاح المؤسسات، المصالحة."

سنتان الآن من عمر هذه الحركة التي لم يخفت بريقها بل اتّسع انتشارها لتصل تحركّاتها الميدانية إلى مدنين بأقصى الجنوب التونسيّ و يعود هذا الانتشار لأنها رسمت الهدف وفقا لخطوط العرض لا الطوّل و لم تتبنى التنظيم الهرمي بلّ خيّرت الانسياب كالماء في عروق و طين هذه الأرض فأثمرت و اشتدّ عودها و لسنا نجانب الصواب حين نقول انها نجحت في إرباك عجلة تمرير هذا القانون، فلم تجد الحكومة بدّا غير تأجيل النظر فيه ليتواصل فشلها في تمريره و يتواصل تعنّت الشّباب و تشبّثهم بمطلبهم و هدفهم الذي رسموه و لن يحيدوا عنه، حتّى انّ المتتبّع الموضوعيّ بوسعه أن يقرّ أن هذه الحملة قد نجحت في تنظيم ثاني اكبر تحرّك عرفته تونس بعد الحشد الذي رافق جنازة الشهيد شكري بلعيد، هذا الحشد الذي تحقق في تحرّك السّبت 13 ماي 2017 ناهز عدد المشاركين فيه 5 ألاف مشارك مع أن وزارة الداخلية في حينها قد نفت العدد المعلن من طرف بعض أعضاء الحملة و أعلنت عن 12OO مشارك فقط و مهما يكن العدد الحقيقي للمشاركين في ذاك التحرّك بوسع أي متتبع محايد أن يقرّ بنجاح الحملة و التحرّك، آخر المحطّات النضاليّة للحركة كانت في باردو بتاريخ يوم الخميس 28 جويلية2017 ليلا اذ خيّر الشّباب الاعتصام تمهيدا لمسيرة الغد إلا انه و برغم سلميّته لم يخلو من مناوشات مع قوّات الأمن التي رفضت وجودهم و عارضت نيّة الشباب نصب خيمة فاجبروا على المبيت في العراء، لكن نجاح هذه الجولة -كمثيلاتها- قد يخفّف من معاناة و تضحيات الشّباب اذ أجّلت لجنة التشريع العام بمجلس نوّاب الشّعب النظر في قانون المصالحة إلى جلسة قادمة بعد العطلة البرلمانية،تأجيل المعركة لا يعني حسمها و لكنّه بالنهاية نجاح آخر للحملة.

في بلد يتنفّس شبابه الثورة لا يمكن أن نختصر الحركات الشبابيّة في ثلاث حركات لان العدد لا يتسّع له المقام و لكن على سبيل الذكر لا الحصر توجّب ان نذكر الكثير من الحركات الأخرى التي عرفتها تونس و منها:"حركة اهل الكهف"، حركة"خنقتونا"، حركة "تمرّد"، حركة "فنّي رغما عنّي" (التي تحوّلت إلى جمعيّة)، حركة "عدنا"، حركة "كش مات"، "الحركة الثقافية الثورية" و غيرها، كل هذا الزخم يؤكد أن الأرض التي يقف عليها أي معاد للثورة هي أرض رجراجة من الرمال المتحركة التي قد تعصف بها رياح الشّباب في أيّ حين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى