الاثنين ٢٨ أيار (مايو) ٢٠١٨
بقلم عادل عامر

عالم البلطجة في مصر

أن تفشى ظاهرة البلطجية في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة أثمر عن 10 ملايين قضية بلطجة منظورة أمام القضاء المصري وتراكم مليون و300 ألف حكم قضائي أمام شرطة تنفيذ الأحكام التابعة لوزارة الداخلية. إن البلطجية من عائلات إجرامية وقد اكتسبوا الخبرة بالوراثة وهم في أكثر الأحوال مولودون لأب وأم مجرمين وتبدو علامات الإجرام علي وجوههم وفي دمهم وهم خريجو سجون ونشاطهم الإجرامي في تزايد مستمر ومسجلون شقي خطر فئة "أ" ولا يخافون العقاب أو السجون.

ويتضمن نشاطهم الإجرامي فرض سيطرة ومقاومة السلطات بالسلاح ومهاجمة مجموعات من الناس تجمعهم رابطة واحدة. وأما عن الأدوات الإجرامية للبلطجة فإنهم يطورون هذه الأدوات ويمكن أن نجدهم يستخدمون الموتوسيكل الطائر بدلا من الجمل والحصان كما أن لديهم أسلحة مسروقة من الأقسام وسجناء هاربين كما يستخدمون السلاح الأبيض بجميع أنواعه والمولوتوف معبأ بنزين

أن أسباب الانفلات الأمني ترجع لعدة أسباب من أهمها، توعية المواطن لأنه العنصر الرئيسي وراء ظاهرة الانفلات الأمني، وكذلك الانفلات الإعلامي من خلال الترويج للجريمة من خلال مهاجمة جهاز الشرطة وإظهاره بمظهر المنهار، وغياب دور النخب السياسية في وضع خطة لإعادة الأمن، وعدم تطور أداء الداخلية وعدم هيكلة الوزارة بالشكل الذى يمكنها من أن تؤدى دورها، وتمويل البلطجية وهناك أشخاص لهم مصالح يستثمرون هؤلاء البلطجية في خدمة مصالحهم، وإشاعة الفوضى والسلوكيات السيئة بين الطلاب والتلاميذ وجماهير كرة القدم وانتشار الأسلحة وانتشار المخدرات وعدم القبض على الخارجين عن القانون، وغيرها من الأسباب التي أدت للانفلات الأمني،

أن هناك زريعة أسباب وعوامل وراء تدهور الأمن على رأسها العامل الاقتصادى، فكلما ساءت الأوضاع الاقتصادية كلما أسهمت فى انتشار الجريمة والاضطراب الأمنى، وثانى هذه العوامل هو الوضع السياسى المضطرب وأيضاً العامل الاجتماعى فكلما اضطربت الأوضاع الاجتماعية وزاد العنف الاجتماعى، كلما أسهم ذلك فى الاضطراب الأمنى وغيرها العديد من العوامل التى أدت للانفلات الأمنى،

أن تطوير المحور الأمنى يحتاج إلى عدة عوامل مهمة أولها تطوير الجندى المصرى التى توكل إليه المهمة الرئيسية فى ضبط الأمن ورفع مستواه الثقافى والاقتصادى، لأن مستوى الجندى قد وصل لحالة متدنية وأيضاً تزويد الأجهزة الأمنية بأحدث وسائل التكنولوجيا والأجهزة الحديثة لكشف الكذب والبصمات المختلفة، وأيضاً رفع رواتب الضباط والأمناء والأفراد والعاملين بالشرطة، وأخيراً وضع تشريعات وقوانين جديدة تنظم العملية الأمنية فى مصر

هناك تحولات جذرية في المجتمع بسبب الخصخصة والنيوليبرالية وظهور أنماط جديدة من الاقتصاد والمصالح والحقوق الاجتماعية والاقتصادية في ظل ضعف القنوات القانونية والقضائية، ووجود للمال السياسي تمثل في الحزب الوطني، وإدارة أمنية. ثلاثي كبير تسبب في توحش واستفحال ظاهرة البلطجة كما نعرفها اليوم.. حتى صارت بعض الإحصاءات تقدر أعداد البلطجية بما يتراوح بين 200 ألف و500 ألف بلطجي في عموم مصر، وهي أعداد يصعب التأكد من صحتها، ولكنها تشير بالتأكيد إلى ضخامة الظاهرة.

البلطجة عموما في مصر هي خليط من إرادة القوة وبسط النفوذ، والرضوخ لابتزاز المال، أو الخوف من البطش والعقاب من قبل رجال الأمن. أن هناك العديد من العوامل المسببة لسلوكيات "البلطجة"، وتعود معظم جذور هذه العوامل إلى الأسرة، قد تكون هذه العوامل جينية وقد تكون بيئية،

من العوامل الجينية هناك: الحالة المزاجية والذكاء، أما العوامل البيئية، فقد يدخل فيها تأثيرات الأسرة، والعلاقات بين الوالدين والأطفال، ومهارات الإدارة الأسرية، وهى العوامل الأشد تأثيرًا سواءً أكانت تتسبب في أذى الآخرين، أم لا، وهذا يعني أن الطفل الذي يمارس سلوكيات بلطجة لا يولد كذلك بالرغم من وجود الخصائص الجينية غالبًا، لكن بعضهم عدواني ومسيطر بطبيعته، وهذا لا يعني أيضًا أنه سيكون "بلطجيًّا" بصورة آلية، فالبلطجة سلوك متعلم، وليس سمة شخصية.

أن سلوكيات "البلطجة" تنتقل من جيل لآخر، فإذا كانت العلاقات بين الأجيال المختلفة في الأسرة الواحدة علاقات إيجابية، تقل احتمالات هذه السلوكيات بين أفرادها، أما إذا كانت هذه العلاقات سلبية فقد تزيد احتمالات هذه السلوكيات، ويمكن القول بصفة عامة: إن الأجداد والآباء الذين تنتشر بينهم سلوكيات غير اجتماعية، تتشرب ذرياتهم هذه السلوكيات في فترة المراهقة.

أما عن دوافع سلوكيات البلطجة، فيما يلي:

1 - الحاجة القوية لممارسة السلطة أو السيطرة.

2 - الشعور بالراحة عندما يتسببون في أذى أو معاناة يصاب بها ضحاياهم.

3 - الحصول على مكافأة مادية أو نفسية عند أذى الآخرين.

سلوكيات "البلطجة" أن الغرض من هذه السلوكيات هو إخفاء الضعف، وترتبط درجة "البلطجة" بدرجة هذا الضعف، ويسقط هؤلاء الذين يمارسون هذه السلوكيات ضَعفهم على الآخرين للأسباب الآتية:

1 - تجنُّب مواجهة عدم كفاءتهم، وتجنب فعل أي شيء لمواجهة ذلك.

2 - تجنب قبول المسؤولية عن سلوكهم وتأثيره على الآخرين.

3 - صرف الاهتمام بعيدًا عن الشعور بالضعف.

4 - التقليل من الشعور بالخوف عند اكتشاف هذا الضعف، وعدم الكفاءة، وعدم القدرة على المنافسة.

تاسعًا: آثار البلطجة على الضحايا:

يصف أحد الشباب تأثير سلوك بلطجة زملائه عليه حينما كان صغيرًا، فيقول: "تخيل أنك تذهب كل يوم إلى مكان تعرف أنك سوف تتعرض للأذى فيه، إن الألم الملازم لك وأنت ذاهب إلى هذا المكان الذي تتعرض فيه لهذا التعذيب البطيء، يخترق عقلك في كل ثانية في اليوم، إن زميلك البلطجي يخترق عقلك، وهو يعرف كيف يفعل ذلك فعلاً، كنت أحاول دومًا وأنا في المرحلة المتوسطة أن أعرف أين سيكون هذا البلطجي؛

حتى أتجنب مواجهته بطريقة مباشرة كنت أفكر دومًا كيف أحتال عليه، حينما كان المدرس يشرح الدرس، ويساعد الطلاب على فهمه، كان ذهني مشغولاً في مشكلتي الكبرى مع البلطجي: كيف أرضيه وأصرفه عني حتي لا يؤذيني، ولا يحرجني مع زملائي، لقد وصلت في تفكيري في هذه المشكلة إلى درجة أنني لم أعد أود أن أبقى طويلاً في هذه المدرسة وشيئا فشيئًا أصبحت صامتًا، وكنت لا أحضر إلى المدرسة كثيرًا، كنت أحاول أن أضع نفسي عمدًا في مشكلة حتى لا أذهب إلى المدرسة.

إن وقوعك في مشكلة يسعد البلطجي، وأحيانًا يحبك بسبب ذلك؛ ولهذا يحاول البعض من الطلاب الوقوع في مشاكل؛ حتى يكونوا مقبولين من هذا البلطجي، ومن ثم يتمكنون من التعامل معه، فسلوك البلطجي سلوك نفسي في المقام الأول".

ان تتناول آثار البلطجة على الضحايا على تأثير سلوكيات البلطجة على نفسيات الضحايا وعلاقاتهم الاجتماعية، إلى ما يلي:

1- تأثير البلطجة على احترام الذات: يتصور الآباء أنه طالما تمكنوا من إيقاف سلوكيات "البلطجة" التي تقع على صغارهم، فإن المشكلة تكون قد انتهت، خاصة حينما لا يكون الخطأ قد وقع من جانبهم، وعلى الرغم من صحة هذه النقطة، فإن الطفل قد يحتاج إلى بعض المساعدة؛ لأن القضية التي ستشغله دومًا هي لماذا استهدف هو بالذات لسلوكيات "البلطجة"، مما يعني أن الطفل في حاجة إلى استعادة ثقته بنفسه.

2- تأثير البلطجة على نمو الذات: من أهم الآثار البعيدة المدى للبلطجة في المدارس التي يتعرض لها الطفل في حياته المتأخرة، هي افتقاده القدرة على تنمية ذاته، ويظهر هذا جليًّا في المواقف التي يلزمه البروز فيها؛ مثل: المقابلات الشخصية عند التقدم لوظيفة ما، أو في مواقف القيادة، وقد يملك الشخص المهارات الأكاديمية والقدرة على المنافسة، لكن خبرة الماضي قد تعوقه عن استكمال مقومات النجاح.

3- تأثير البلطجة على مهارات الاتصال: قد تؤثر خبرات "البلطجة" في مرحلة الطفولة على قدرة الصغير حينما يكبر في تنمية مهارات الاتصال مع الآخرين، وخاصة في مجال العمل، والبيئة الاجتماعية.

4 - تأثير البلطجة على علاقات الصداقة: قد يعاني البالغون الذين تعرَّضوا لسلوكيات بلطجة في فترة الصغر لصعوبات في تشكيل علاقات اجتماعية في المستقبل مثل علاقات الصداقة، ولهذا يلزم مساعدتهم في تعلم الثقة في الآخرين، وإشعارهم بأنهم يستحقون ذلك.

5- تأثير البلطجة على التوافق مع الآخرين: إن شعور الصغير بعدم احترامه لذاته، وافتقاده ثقته بنفسه، لا يمكن علاجه بمعجزة حينما يصبح بالغًا، فلا بد من مواجهة هذه الصعوبات في سن صغيرة؛ حتى يمكن مساعدته على التوافق مع الآخرين من زملاء العمل والأصدقاء بكفاءة عند البلوغ.

أن الصغار يخشون إبلاغ ذَوِيهم عن سلوكيات الطلاب الذي يمارسون ضدهم سلوكيات بلطجة، خشية أن يزيد البلطجي من عدوانيته، أو أن يقوم بإيذاء أحد أفراد أسرة الضحية؛ ولهذا يتحمل الصغار هذه السلوكيات على مضضٍ شديد، وهذا من شأنه أن يعزز هذه السلوكيات على مستوى المجتمع بأسره.

أن برامج مكافحة "البلطجة" في المدارس يجب أن تكون فعالة، ويجب أن ينظر إلى المدرسة كمجتمع صغير يلزمه في علاج مشاكله أن يغير مناخه ومعايير سلوكه، ويعمل على تحسين علاقات الطلاب مع بعضهم البعض؛ بحيث تكون المدرسة بيئة سارة وأكثر أمنًا.

أن "البلطجة" سلوك متعلم وليس سلوكًا ولد به الإنسان، خاصة وأن الدراسات الحديثة فجرت قنبلة أن "الجينات ليست مرتبطة بالسلوك".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى