الثلاثاء ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٨
بقلم وفاء شهاب الدين

أشرف العشماوي:لا أكتب إلا ما أحب

"أحب الهدوء وأكره أصحاب الصوت العالي ولاشئ أحلى من الموسيقى والبحر والطبيعة وربما العزلة أيضا، لا أكتب إلا ما أحب أن أكتبه، ومعظم أفكار رواياتي تأتي من قراءة الجرائد القديمة والوثائق بعناية"

تخرج من كلية الحقوق منذ أكثر من ثلاثين عاما، عمل محررا صحفيا بجريدة الأهرام ثم بالديسك المركزي بعدها إلتحق بإحدى مكاتب المحاماة فلم يحقق نجاحا يذكر حتى صار وكيلا للنائب العام عام 1990 بعدها بدأت شهرته المدوية فى عالم الجريمة والمجرمين، احتلت صوره الصفحات الأولى بالجرائد لأكثر من عشرين عاما متصلة لكن من داخله كان شاردا يشغله أمرا أخر لم يحققه، لا يشعر أن هذا الطريق طريقه الوحيد، هناك هاتف بداخله يناديه للكتابة الروائية ويؤجله حتى استجاب منذ عشرين عاما وراح يكتب رواية زمن الضباع برمزية شديدة عن رؤسائه بالعمل ومن قابلهم فى حياته من مشاهير، وكلما انتقل من وظيفة لأخرى راحت صفحات روايته تكبر وتكبر إلى أن جاء موعد القدر المحدد للنشر وزكاه الكاتب الكبير أنيس منصور لدور النشر بعدما نصحه بترك القضاء والتفرغ للرواية فقط ، باعتباره يقدم نهج مختلف يمزج بين التحقيق الصحفي والكتابة الأدبية والتشويق الراقي واللغة السلسة، توليفة جديدة كما قال عنه أنيس منصور فى مقاله الشهير مواقف بجريدة الأهرام وهو يقدمه للقراء.

أشرف العشماوي لم يترك الفرصة الوحيدة التي جاءت إليه على طبق من فضة تمر مرور الكرام واقتنصها باحترافية ووقع عقدامع الدار المصرية اللبنانية لسنوات طويلة نشر بموجبه كل ما كان بجعبته من روايات، كتبها على مدار عشر سنوات ثم تفرغ بعد ثورة يناير لكتابة النصف الثاني من مشروعه، ولو جاز لنا التعبير بأن روايات تويا والبارمان والمرشد ومن قبلها زمن الضباع هي روايات المراهقة الروائية للعشماوي أو إرهصاته الأولى التي قدم نفسه بها للقارئ العربي ولاقت استحسانا، فإن رواياته بعد الثورة عكست عمقا وفهما ونضجا مختلفا حافظ فيه على التشويق والمشهدية التى يجيدهما ببراعة لا يجاريه أحد على الساحة الأدبية بالوطن العربي الأن فيها، إلا أنها روايات عكست أيضا مفهومه عن الحياة والوطن والشأن العام بصورة أكثر دلالة وعمقا، فكانت روايات كلاب الراعي وتذكرة وحيدة للقاهرة وأخيرا سيدة الزمالك ولا ندري ما الذي سيحمله لنا العام القادم من رواية بعد هذا النجاح الذي صاحب روايته الأحدث سيدة الزمالك وكيف سيفاجئنا بعمل مختلف كعادته كل مرة.

- نجحت فى زمن قصير باعتبار أن القارئ عرفك فى 2010 لكنك منذ 2012 أثبت تفوقك بوصولك لجائزة البوكر العالمية لأفضل رواية بالوطن العربي ثم حصدت جائزة من الدولة عام 2014 والأن أنت الأكثر مبيعا فى مصر هل تعتبر نفسك موهوبا أم محظوظا؟

 الحمد لله انا أعلم إنني نجحت فى وقت قصير نسبيا واعتبر نفسي محظوظا بالطبع لكن باتأكيد هناك قدر من موهبة، أنا لم اظهر فجأة فى 2010 قبلها بسنوات كتبت القصة القصيرة والمقال لسنوات وأيضا كتبت بعض رواياتي الأولى ، عشر سنوات مرت دون نشر، الأمر كان مزعجا لي ومجهدا كنت أريد الظهور للنور بأي شكل فى النهاية والحمد لله وفقت بدار نشر رائعة قدمتني بصورة لائقة للقراء هذا حظ والباقي موهبة وإلا ما استمريت.

 يقولون أن الرواية الطويلة فى طريقها للاندثار وأنت لا تكتب غيرها فهل تقوم بالاتجاه للنوفيلا او القصة القصيرة؟

 شوف لا شئ فى الأدب ثابت ولا توجد قاعدة ، عندما كتبت ونشرت روايتي قالوا إنني أكتب بمشهدية وتشويق وهذا بعيد عن الأدب ثم قالوا هذا لون من الأدب مع إن النقاد فى العالم حولنا يقولون أن الحكي هو أرقى انواع الأدب لكن الأمر هنا مختلف، لدينا مشاكل نفسية مع الناجحين دوما ولدينا خبراء فى كل شئ يطلقون عشرات الفتاوي كل يوم على السويشال ميديا، مع ذلك أنا اتقبل النقد بصدر رحب لكني أحترم رأي القارئ دوما، أنا مقتنع أن الرواية الطويلة فى طريقها للاندثار لأن التكثيف صار فنا مهما وموهبة لكن هذا لا يعني الانتقال من اليسار إلى اليمين بقفزة واحدة، فلا يمكن أن انتقل للنوفيلا من رواية طويلة تصل لأربعمائة صفحة مرة واحدة الا اذا كانت الفكرة تسمح بذلك التكثيف والا سأفرغ الفكرة من مضمونها لو اختزلتها، لكني مدرك للتغيير من حولي لذا روايتي الأخيرة تتضائل عدد صفحاتها وأعمل على تكثيف المشاهد قدر الممكن فى كل رواية.

-قل لي بصراحة هل يضايقك أن يقال عن رواياتك أنها خبرية أحيانا؟

 كنت فى البداية أتضايق جدا ولا أعرف ما الذي ينقصني لكن مع الوقت ونصائح المخلصين أدركت إنني أسير على طريق صحيح، هذه قدراتي وتلك موهبتي التي أقدم بها عملا روائيا، أعمل على تطويرها لكنني لن أتصنع وأتفلسف لمجرد أن اكون عميقا كي أرضي ناقدا، القصدية تفسد الفن، أنا أقدم فنا للقارئ أحترم عقله فيه من خلال مشهدية ولغة سلسة وأعتبر أن هذا فنا ربما يصعب على غيري الاتيان به، سأقول لك سرا أحد الأدباء المشهورين بلغته القوية ورواياته عن موضوع واحد لا يغيره قال لي بالحرف أنه يدفع نصف عمره لكي يعرف سر التشويق الذي اقوم به فى رواياتي. فى رأيي أن كل واحد منا لديه موهبة فى منطقة ما مميز فيها جدا لدرجة التفرد وبالتالي هذا ما يحدث تنوع القراءة عند المتلقي. وإلا سنصبح كلنا شبه بعضنا.

- هل يمكن أن تكتب رواية من أجل جائزة؟

 نعم إذا توافر لدي الفكرة والوقت الكافي قبل موعد التقديم يمكنني أن أكتب لكي أقدم فى جائزة ولا أجد حرجا أن أقول ذلك ومن حق كل كاتب ان يفعل ما يريد بشرط ألا يتعجل أو يكتب أي كلام والسلام

- يقول عنك أصدقائك المقريبن إنك خجول لا تحب الظهور وغير اجتماعي قليل الكلام بينما فى ندواتك تداعب الجمهور ولا تتوقف عن الحديث فكيف يمكن لك كسر حواجز الخجل أمام القراء؟

 لا اعرف تفسيرا نفسيا صحيحا سوى إنني شخص يحركه المزاج للاسف الشديد، إذا كان مزاجي رائقا أتقبل أي شئ والعكس صحيح لكني بصفة عامة أميل للعزلة أحب الهدوء جدا وأكره الضوضاء وأصحاب الصوت العالي، الموسيقى تأسرني ومن بعدها البحر ثم الطبيعة، فى ندواتي أشعر أن هذا الجمهور تكبد مشقة ليحضر لي ويقرأ ويقول رأيه أنا أحترم ذلك وأقدره لذا تأتي مداعباتي كما يقال من باب المحبة المتبادلة بيننا. أنا أكتب لقارئ لا أعرفه فلما ألتقيه لابد أن يحدث بيننا نوعا من الألفة والتواصل وكسر الحواجز

- لك مقالات كثيرة عن الاصلاح الثقافي وكلها أفكار من خارج الصندوق عن تطوير الثقافة وتقديمها بشكل مختلف للمواطن ومع ذلك ترفض مناصب تنفيذية مثل محافظ ثم وزير للثقافة فى حكومة شريف إسماعيل الأخيرة فهل ترى أن المثقف يجب ان يكون بعيدا بالفعل عن السلطة حتى لو فى مقدرته خدمتها؟

 لأ الامر ليس بالابتعاد أو الاقتراب ولو أن الركون على يسار السلطة هو أفضل، لكنعن الوزارة والمناصب فأنا باختصار شخص متصالح مع نفسي إلى حد كبير، أعرف قدراتي وإمكاناتي وبالتالي لا أرى نفسي مديرا أو وزيرا للثقافة، لا أحب القيود التي تفرضها الوظيفة ولا أملك مقدرة ادارية على تسيير 44 ألف موظف بالثقافة ولا أملك العمل فى منظومة لا أعرف حدودها بشكل كامل ومدى صلاحياتي بها، حتى لو كانت لي آراء إصلاحية فهي كما يقال وأنا بعيد، مجرد رأي استشارى فى موضوع أو أخر، لكنني لا أملك تصور كامل لحل مشاكل الثقافة فى مصر بشكل يجعلني أقبل الوزارة لذا اعتذرت احتراما لنفسي أولا وللمواطنين ثانيا، أما منصب المحافظ فهو أمر لا أجد نفسي فيه على الاطلاق واعتذرت أيضا لما عرضوه علي قبل منصب وزير الثقافة ايام حكومة الببلاوي.

- لكن المثقفين رحبوا بك وعلاقتك بهم جيدة وكان من الممكن يتعاونوا معك لنجاح المسيرة التي تتوجها بلقب الوزير؟

 لا أجد فى لقب الوزير أي تتويج، أنا قاض وهذا يرضيني جدا، وأنا روائي أيضا وهذا يسعدني أكثر من أي لقب حصلت أو سأحصل عليه وعلاقتي بالمثقفين حتى لو كانت جيدة لا تكفي لإدارة وزارة الثقافة، أنا اعتقد أن هناك من هم أفضل مني بكثير لهذا المنصب، أنا أفضل أن اكون قارئ وكاتب وكفى هذا لو تعلمون عظيم.

- كُتبت عن فنك الروائي ثلاث رسائل ماجستير ودكتوراه وبعض أعمالك تدرس بالجامعات المصرية والمغربية وترجمت لك ثلاث روايات وأنت الأكثر مبيعا هل ترى إنك راض عن مسيرتك ومشروعك الأدبي؟

 دعني أقول شيئا مهما فى البداية عن المشروع الأدبي أنا شخصيا أرى أن هذه العبارة ظلمناها واستهلكناها كثيرا حتى صارت بلا معنى أنا مشروعي ينتهي بوفاتي ولا شئ أخر، مشروعي هو كتاباتي القادمة، هو تنوعي، هو قدرتي على خلق عوالم جديدة كل مرة، هو مقدرتي أن أقول جديدا، بل أن يكون لدي ما أقوله للقارئ، أما الرضا فهو أمر صعب المنال، شخصيا أرى إنني لو رضيت انتهيت كما يقولون، لا يوجد عمل كامل وكلنا ننشد الكمال ونبحث عنه ولا نبلغه وهذا سر من أسرار الفن الذي يجعلنا نجود كل مرة بحثا عن هذه القطعة المفقودة وكلما حسبنا إننا عثرنا عليها نكتشف أن هناك غيرها، تلك متعة الكتابة ومتعة أي فن من وجهة نظري. أما ما وصلت إليه من نجاح فلا أملك أمامه إلا أن أقول الحمد لله، أظن إنني موفق ومحظوظ وربنا أعطاني الكثير حتى الأن.

- كلاب الراعي ثم تذكرة القاهرة وأخيرا سيدة الزمالك، تعود بالتاريخ للوراء بمتعة كتابة حقيقية كما قال النقاد قبل القراء فهل ستستمرعلى هذا النهج فى الرواية القادمة؟

 لا أعرف.. أنا لا أقصد ولا أتعمد وإن كنت لا أرى عيبا فى ذلك لكن الحقيقة الفكرة تأخذني الى حيث تريد واذا ما كانت تقتضي الرجوع للتاريخ سأكون سعيدا فأنا أحب الكتابة عن فترات تاريخية مجهولة لا نعرفها بدقة أو وصلت إلينا بصورة كاذبة وأجد متعة فى الكتابة بتلك الفترة وافكار رواياتي تأتي من الجرائد القديمة وأرشيف الوثائق القومية وقراءاتي التاريخية فى كتب ومراجع ناردة، ارى ان على من دقق وبحث ورأى أن يكتب سواء رواية أو مقال أو رأي أيا كان المهم أن يكتب للقارئ ويقدم له فنا يمتعه، هذه غاية الفن الروائي ومبتغاه أن يكون القارئ راضيا ممتنا مكتفيا بما قرأ.

- أنت من جيل الوسط باعتبار سنوات النشر وسنك الذي وصل للخمسين ومع ذلك قلت فى تصريح انك ترفض التقدم لجائزة الدولة التشجيعية فلماذا مع انك حصلت على جائزة من الدولة عام 2014 عن روايتك البارمان؟

 لأن سني خمسون عاما ولأنني أنشر منذ ثماني سنوات وحققت نجاحات لا بأس بها لا يمكنني قبول جائزة تشجيعية الأن فى هذه المرحلة . هنا اكون اضحك على نفسي واحصل على ما لا استحق. كيف أتقدم لجائزة تشجع الجدد وأنا من جيل الوسط وتجاوزت الخمسين من عمري بعام ونصف. هناك شباب كتاب يستحقونها لذلك لم اتقدم لها ولن افعل أما جائزة الهيئة العامة للكتاب فتلك جائزة اعطتني اياها لجنة تحكيم برئاسة جمال الغيطاني الاديب الشهير وهي التي اختارت روايتي ولم يتقدم بها ناشري فى هذا العام اذن الامر مختلف وهي ليست تشجيعية انما جائزة افضل رواية بالوظن العربي لعام 14 وبالتالي هي تقدير أعتز به وأفخر بالحصول عليه.

- بعيدا عن العمل والكتابة هل تمارس الرياضة بانتظام. انا اعلم انك كنت بطلا رياضيا فى لعبة تنس الطاولة قديما لكن هل لازت ممارسا؟

 للاسف اصبحت كسولا والكتابة تساعد على الكسل لا اعرف لماذا، حصلت على ثلاث بطولات قديما فى تنس الطاولة ثم توقفت فجأة وعمري 19 عام تقريبا بدون سبب سوى الخوف من الفشل بعد نجاح كبير، لعبت بعدها كرة قدم لكني ظللت احتياطيا لم العب مباراة رسمية واحدة فتركت التدريب فجأة، الان امارس المشي والسباحة لفترة زمنية قليلة كل يوم ولا شئ أخر.

- لو تركت القضاء هل تعمل بالمحاماة ام تتفرغ للكتابة الروائية فقط؟

 سأتفرغ للكتابة الروائية فقط ولن أعمل بأي مهنة اخرى إذا ما تركت القضاء الكتابة تحب التفرغ التام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى