الخميس ١٩ تموز (يوليو) ٢٠١٨
الفنان التشكيلي الفلسطيني عبد عابدي
بقلم علي بدوان

في حيفا باقون وصامدون

الفنان التشكيلي الفلسطيني عبد عابدي، أول من التقط وأمسك بالريشة داخل الوطن المحتل عام 1948، وفي مدينة حيفا بالذات، فَجَعَلَ منها أداة فعّالة، وهائلة، وذات بعدٌ انساني وحضاري، في الكفاح اليومي المرير الذي خاضه ماتبقى من شعبنا داخل الوطن بعد النكبة الكبرى.

ولد عبد عابدي في مدينة حيفا عام 1942، وادي النسناس، وما يزال يعيش في الأراضي المحتلة ، شاهدنا بعض أعماله مثل لوحاته: الانبعاث ـ المسيرة ـ الخلاص وغيرها (وعبد عابدي فنان الحائط بجدارة، وهو يميل إلى التعبير الكلامي، واستعماله للأبيض والأسود في الطباعة على الحجر يعبر عن المأساوي المفجع بأكثر العناصر أساسية في فن (الغرافيك) ـ كما يقول الفنان الفلسطيني كمال بلاطة، ويضيف: إن أعمال عابدي، تذكرنا بأعمال كاث كولوتز، ولي فن، الفنان الفيتنامي من هانوي، الذي تعرّف إليه عبد عابدي في درسدن بألمانيا الديمقراطية، وكما رسم الفنان ريفيرا الصور الزيتية الجدارية، ليصل إلى الأكثرية الساحقة من الشعب المكسيكي، كذلك اختار عبد عابدي الفن التخطيطي، حيث يمكن طباعة قطع الأعمال الأصلية وتوزيعها بأثمان زهيدة إلى أكبر عدد من الجمهور، إنه فنان من الشعب ويرسم للشعب.

عبد عابدي لا يرسم مأساة 1948 فقط، إنه يغني فلسطين في خطوط عفوية دقيقة الاستدارة، ينشر التفاؤل أبيض كالثلج تحت الخطوط السوداء المنقوشة، عرض أعماله في حيفا والناصرة، وفي درسدن مع محمود صبري من العراق وبرهات كركوتلي من سوريا وإبراهيم هزيمة الفلسطيني، وأعمال عبد عابدي في تغير وتطور مستمر.

في عام 1973 أقام عبد عابدي معرضاً (حفر) في حيفا، وكانت لوحاته المعروضة هي باكية (تخطيط) ـ نساء في الانتظار(تخطيط) ـ ظهور المسيح الجديد (ليثوغرافية) ـ نساء في الانتظار (ليثوغرافية) ـ لاجئون في الصحراء (تخطيط) ـ الانتظار في الميناء (تخطيط) ـ السد(تخطيط) ـ طبيعة متوحشة (تخطيط).

وهذه بعض التعليقات حول المعرض:

يوم التقيت بعابدي قبل عشر سنوات ـ لم أستطع إلا أن أتوقع له مستقبلاً جاداً ومثمراً، كان يوم ذاك في الحادية والعشرين من العمر، ووجدتني أحتفظ بإحدى لوحاته المبكرة، لأرى فيما بعد، مدى التطور الذي سيحققه هذا الرسام الشاب في أواخر 1964، اخترت إحدى لوحات عبد عابدي، غلافاً لديواني (أغاني الدروب)، لقد التحم بأغوار مأساتنا وبدأ مغامرته في اكتشاف الخطوط واللمسات التي تؤكد ذاتنا قومياً، وطبقياً في آن واحد، لا ريب في أن عيني عبد عابدي اللتين تحلمان دائماً، استوعبتا الكثير من عوالم سيكيروس وإسماعيل شموط وكيتا كولفتس، غير أن هاتين العينين أبصرتا أيضاً بعدهما الخاص، درس سبع سنوات في درسدن ـ ألمانيا الديمقراطية... لاحظت ميله لأعمال الحائط الكبيرة: الطفلة ـ الشجرة ـ الموجة ـ الشمس القائمة والباب المشرع وخط الأفق المنكمش، كلها مشحونة بانتظارنا المأساوي.

مدينة حيفا مسقط رأس عبد عابدي، يوم كان في السادسة من العمر، سقط قسم كبير من عرب حيفا، ضحية للحرب القاسية التي شنتها (الصهيونية والاستعمار البريطاني ضد الشعب الفلسطيني)، أحياء حيفا التي أخليت، أو تلك التي نجت من أنياب تراكتور متقدم، كانت دائماً خلفية لمواضيع عبد عابدي، يعيش عابدي وديان حيفا المهجورة، ومصير أبناء شعبه الذين تركوا وراءهم فراغاً، منذ بدأت مسيرة تشردهم التي لم تنته حتى يمنا هذا، 25 سنة من المأساة القومية تلقي بظلها القاتم على عبد عابدي، حيث البقع السوداء وخطوط الصراع، تلف أعماله بقشرة من الظل، وتتداخل في ثنايا الكوفية ومطاوي القمباز، كيف ينسى عبد عابدي أبناء شعبه: أحمد، توفيق، سميرة، هاجر، قاسم، إن محفورات عبد عابدي وتخطيطاته تصره في صمتها، صمت المرأة التي تغطي الكوفية فمها، وليس من باب الصدفة أبداً أن يتواجد جنباً إلى جنب، ثلاثة أيتام في ظل القمر، أم وطفلها مدثرين تحت قبة السماء، والراحلون عن قريتهم: شخوص مرفوعة الأيدي وراء الأسلاك الشائكة، ووجه تجمدت عليه الدمعة ـ هل أوصدت كل الآفاق، جموع تلوح بأيديها، ألم يعد هناك بصيص من أمل!، سلسلة من المحفورات وتخطيطات صارخة... بعضها وضعت في بلاء الغربة، أيام دراسة عايدي في ألمانيا سبع سنوات، حيث عمل في مجالات التخطيط واللغة، وإبداع النصب التذكارية.

ما هي آراء عبد عابدي في الفن والثورة؟

يقول عبد عابدي في منتصف السبعينات ما يلي: الحديث عن موقف الفنان وقضية الساعة التي نتحدث عنها الآن، ليس من اختصاص الفنان، ولعل من واجب الناقد الفني أن يتحدث عنها ولكن الفنان يعيش صدى الأيام وأحداث الماضي والحاضر وصراع الإنسان وقوى الشر والهدم، ولا بد أن يأخذ مكانه في الجموع التي تدافع عن القيم الإنسانية التي يشكل جزءاً منها، لذا عليه أن يتخذ موقفاً واضحاً ومثابراً ومقرراً من العوامل التي تتهدد القيم الخلاقة التي من أجلها دافع وناضل، ولا يمكن التغاضي عن تلك المهمات، كما قال بيكاسو في دفاعه عن الشكل والمضمون اللذين يتأثران مباشرة في عملية الحصار الفكري والتقييد الإبداعي، في ندائه إلى مؤتمر الرسامين الأمريكيين قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، يقول بيكاسو: أود أن أذكركم في هذا الوقت، بأنني آمنت وما زلت أؤمن بأن الفنان الذي يتعامل ويعيش مع عقله ووجدانه، لا يستطيع في أوقات الأزمة والحدة الرهيبة، وفي الساعات التي تصل فيها قضية الإنسانية والحضارة ذروه الحسم .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى