الجمعة ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٨
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

24 عيد السويس القومي

السويس مدينة لها تاريخ عريق بدأ مع العصر الفرعوني حيث اتخذ منها فرعون مصرقاعدة لعملياته الحربية لتأمين مناجم سيناء ولردع الغزاة وأطلق عليها اسم ( سيكوت ) عام 2563 قبل الميلاد وفى عهد الأسرتين 19 و 22 كانت تسمى ( يو ــ سويتس ) ثم أطلق عليها اسم ( يوسويتس ) وإبان حكم اليونان أطلق عليها اسم ( هيروبوليس ) أي : مدينة الأبطال وعندما حكمت كليوباترا أطلقت عليها اسم ( كليو باتريس ) وفى القرن 19الميلادى أطلق عليها خماروية بن أحمد بن طولون اسم ( السويس ) .
فى 25 أبريل عام 1859 بدأ حفر قناة السويس لتصبح شريانا يربط البحر الأحمربالبحر المتوسط وافتتحت للملاحة في 17 نوفمبر 1869وأصبح لمدينة السويس أهمية عالمية كمدينة تجارية وسياحية وصناعية من الدرجة الأولى .
السويس محافظة الكفاح والبطولات فقد كافحت الغزو البريطاني وسطر أبناؤها بدمائهم الزكية أروع ملاحم البطولة حيث تشكلت كتائب الفدائيين من أبناء المدينة التي كانت تهاجم المعسكرات البريطانية الموجودة عند أطراف المدينة وخاضوا معارك ضارية ضد العدو الجاثم على أرضها وحين أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس عام 1956 واجهت السويس العدوان الثلاثي الذي قامت به اجلترا وفرنسا وإسرائيل واستطاع أبطال المقاومة الشعبية في بورسعيد والإسماعيلية والسويس الصمود وعقب هزيمة 5 يونيو 1967 سرعان ما تشكلت كتائب للمقاومة وفي يومي 15 و 14 يوليو عام 1967حاول العدو انزال بعض القوارب في القناة بهدف احتلال النصف الطولي للقناة الموازي للبر الشرقي للقناة ورفع العلم الاسرائيلي على الشمندورة الموضوعة في القناة التي تحدد المجرى الملاحي وما أن أقتربت القوارب من الشمندورة حتى تصدى لها أبطال المقاومة الشعبية بقيادة البطل الفدائي محمد عبد ربه أحد العاملين بهيئة قناة السويس وتمكن الأبطال من أسر ضباط وجندي إسرائيلي وكانا أول أسيرين يتم تسليمها إلى القوات المسلحة وعقب هذه العملية وفشل العدون في تحقيق أهدافة راح يقصف المنازل والمساجد والكنائس بقذائف المدفعية الثقيلة من شرق القناة بهدف إضعاف الروح المعنوية والقضاء علي المقاومة الشعبية ولم تسلم مصانع البترول من طائرات العدو التي كانت تمطرها بالصواريخ لذلك صدر قرارا بضرورة تحفيف الكثافة السكانية للمدينة لإفساح المجال للقوات المسلحة للمواجهة مع العدو ولهذا قررت لجنة الأمن القومي في 8 أغسطس عام 1967 بحضور محافظي مدن القناة الثلاثة بتهجير السكان والاحتفاظ بالحد الأدنى لموظفي وعمال الحكومة والقطاع العام وتم تفريغ المدينة من السكان حيث وفرت لهم الدولة المساكن المناسبة في معظم مدن الجمهورية .
السويس كانت وما زالت محط أنظار العالم وكل عدو لمصر يضعها دائما هدفًا نصب عينيه بوصفها بوابة مصر عن طريق البحر الأحمر ومياه الخليج كما أنها تتمتع بموقع استراتيجى عالمى ولها أهمية بحرية بوصفها المدخل الجنوبى لقناة السويس كما أنها المحافظة الأقرب للعاصمة.
قال عنها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر : ( ما من بلد ارتبط اسمه بالتاريخ كما ارتبط السويس به ) .
خلال معارك أكتوبر 1973 حاولت إسرائيل إعادة هيبتها أمام العالم ورد القوات المصرية التى عبرت القناة ففى منتصف ليلة 23 أكتوبر 1973 وصل لوائين مدرعين إسرائيليين إلى مشارف مدينة السويس في الوقت الذى كانت فيه فرقة الجنرال ماجن تحاول عزل السويس عن العاصمة ورغم أن القوات الإسرائيلية فقدت نحو 200 دبابة أثناء تقدمها إلا أنها أصبحت مع نهاية ليلة 23 أكتوبر على مشارف السويس التى كانت على موعد مع التاريخ لتسجل واحدة من أعظم معارك الدفاع عن الأرض والكرامة ولتجعل من عتباتها مقبرة للغزاة.
مع الساعات الأولى من يوم 23 أكتوبر أدرك شعب السويس أن القوات الإسرائيلية على وشك مهاجمة المدينة ولذلك فقد أستعد كل من في المدينة للزود عن الأرض ولأن السويس لم يكن بها في ذلك الوقت أي وحدات عسكرية نظامية فقد أعتمد الأهالى على السلاح الخفيف وأصبح الدفاع عن المدينة على عاتق رجال الشرطة وأبطال منظمة سيناء العربية التى كانت تضم بين جنباتها مجموعة من أروع الفدائيين وفي اليوم نفسه أصدر مجلس الأمن قرارا ثانيا بوقف إطلاق النار على أن يبدأ سريانه اعتبارا من السابعة من صباح 24 أكتوبر 1973.
مع أول ضوء من يوم 24 أكتوبر بدأ العدو في دك المدينة بالطيران ثم اشتركت المدفعية في القصف في الوقت الذى بدأ الفدائيين في تنظيم أنفسهم ولاحظوا أن القصف يتحاشى مداخل المدينة فأدركوا أن العدو سيستخدم هذه المداخل في اقتحام المدينة وعلى الفور تم تعديل أماكن الكمائن وكما توقعوا بدأت الدبابات الإسرائيلية التقدم على ثلاث محاور :
1 ) محور المثلث وهو المدخل الغربي للمدينة ناحية الطريق الرئيسي القادم من القاهرة إلى السويس وامتداده هو شارع الجيش وميدان الأربعين.
2 ) محور الجناين عبر الطريق القادم من الإسماعيلية حيث المدخل الشمالي للسويس حتى منطقة الهويس ثم شارع صدقي ومنه إلى ميدان الأربعين.
3 ) محور الزيتية وهو المدخل الجنوبي لمدينة السويس من ناحية ميناء الأدبية وعتاقة بمحاذاة الشاطئ ويمتد حتى مبنى محافظة السويس والطريق المؤدي إلى بور توفيق.
قام الفدائيون الأبطال بنصب الكمائن على المحاور الثلاثة فهناك كمين رئيسي وعدة أكمنة فرعية عند كوبري الهويس على امتداد محور المثلث وكمين رئيسي عند مزلقان البراجيل بشارع الجيش وبه أفراد من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين بقيادة أحمد أبو هاشم وفايز حافظ أمين من منظمة سيناء العربية وفي ميدان الأربعين كمين آخر يضم محمود عواد قائد الفدائيين ومعه محمود طه وعلي سياق من المدنيين إضافة إلى عدد من الجنود ورجال الشرطة وكمين آخر عند مزلقان السكة الحديد بجوار مقابر الشهداء ويضم محمود سرحان وأحمد عطيفي وإبراهيم يوسف إضافة إلى عدد من الجنود ورجال الشرطة وكمين آخر حول ميدان الأربعين به عبد المنعم خالد وغريب محمود غريب من منظمة سيناء ومعهم آخرون وعند مبنى المحافظة كمين آخر يقوده نقيب شرطة حسن أسامة العصر ومعه بعض الجنود.
أصبحت السويس محاصرة تماما بفرقتين مدرعتين وقبيل بزوغ الصباح وسريان وقف إطلاق النار بدأت القوات المعادية التقدم ودخلت المدينة دون مقاومة وكانت خطة الفدائيين هى إدخال القوات الإسرائيلية الشرك ثم محاصرتها وهى نفس الخطة التى أستخدمها أهالى مدينة رشيد المصرية ضد حملة فريزر الإنجليزية عام 1807وبدأت الدبابات الإسرائيلية في السير بما يشبه النزهة داخل المدينة التى بدت خالية على عروشها حتى أن بعض الجنود الإسرائيليين نزلوا لالتقاط بعض التذكارات من الشوارع.
فجأة فتحت السويس أبواب الجحيم في وجه العدوان الإسرائيلي ودارت معركة طاحنة بين الفدائيين وقوات العدو وكانت أشرس المواجهات في ميدان الأربعين حيث واجه محمود عواد ومجموعته رتل من الدبابات وقام عواد بإطلاق ثلاث قذائف RBJ لم تكن مؤثرة وأنتقل الكمين الذى كان يتمركز عند سينما رويال لمساندة محمود عواد ومجموعته وفي الوقت الذى كانت تتقدم فيه دبابة من طراز سنتوريون العملاقة أعد البطل إبراهيم سليمان سلاحه وأطلق مباشرة ليخترق برج الدبابة وتطيح برأس قائدها الذى سقطت جثته داخل الدبابة ليطلق طاقمها صرخات مرعبة ويفروا مذعورين ومن خلفهم طواقم جميع الدبابات خلفها.
فتح الفدائيون النيران على جنود العدو من كل شبر في ميدان الأربعين فأصيبوا بالذعر والهلع وتركوا الدبابات للبحث عن أي ساتر ولم يجدوا أمامهم سوى قسم شرطة الأربعين أما دبابات الموجة الثانية فقد أصابها الرعب هى الأخرى واستدرات هاربة وتصادمت مع بعضها البعض وأندفع أبطال السويس يصطادون الدبابات المذعورة وفي ذلك اليوم سقط أول شهداء السويس وهو البطل أحمد أبو هاشم شقيق الشهيد مصطفى أبو هاشم الذى أستشهد في 8 فبراير 1970.
بعد تدمير معظم المدرعات الإسرائيلية التى دخلت المدينة تركزت المعركة في مبنى قسم شرطة الأربعين بعد أن فر إليه جنود العدو وتحركت كل الكمائن لمحاصرة القسم وإطلاق النيران عليه من كل جانب وحاول الجنود الاستسلام لكن المحاولة فشلت ولم يعد أمام أبطال السويس إلا اقتحام القسم وجاءت المبادرة من البطل إبراهيم سليمان بطل الجمباز ومعه أشرف عبد الدايم وفايز حافظ أمين وإبراهيم يوسف وتم وضع الخطة بحيث يستغل إبراهيم سليمان قدراته ولياقته البدنية في القفز فوق سور القسم لكن رصاصة غادرة من العدو أسقطته شهيدا فوق سور القسم وبقى جسده معلقا يوما كاملا حتى تمكن الفدائيون من استعادته تحت القصف الشديد.
جاءت المحاولة الثانية من البطل أشرف عبد الدايم وفايز حافظ أمين اللذان قررا اقتحام القسم من الأمام وبعد أن تحركا تحت ساتر من النيران فتح قناة العدو النيران عليهما ليسقط أشرف شهيدا على سلم القسم ويسقط زميله فايز شهيدا بجوار الخندق داخل القسم.
عند حلول ليلة 24 أكتوبر 1973 كانت قوات العدو قد انسحبت بالكامل خارج السويس بعد أن تركت قتلاها ومدرعاتها سليمة عدا المحاصرين في القسم وقام البطلان محمود عواد ومحمود طه بإحراق المدرعات الإسرائيلية خشية أن يتسلل إليها العدو.
انتصرت السويس انتصارا باهرا وأصبحت مقبرة اليهود ومنذ هذا التاريخ تحتفل مدينة السويس في 24 أكتوبر من كل عام بعيدها القومي وفقا لقرار الرئيس محمد أنور السادات الذي قال : ( إن السويس فى 24 أكتوبر 1973 لم تكن تدافع عن نفسها ولكن كانت تدافع عن مصر كلها ).
وفي مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية في أكتوبر 1973 قال : لقد خسر العدو في محاولته احتلال السويس 100 قتيل وحوالي 500 جريح رغم أنه استخدم فرقة مدرعة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلات فقد صد هجومه سكان السويس ومجموعة من الجنود .. إن ملحمة السويس هي شهادة أخرى للمواطن المصري ومدى قدرته على التحمل والتحدي وقت الشدائد.

وقال اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973 : لقد فشلت القوات الإسرائيلية في اتجاه مدينة السويس أمام المقاومة الشعبية بالتعاون مع القوة العسكرية المحدودة التي كانت بها.
نذكر للتاريخ أيضا أن يوم 26 أكتوبر عام 1973 موافق الأول من شوال أول أيام عيد الفطر وبينما كان المصريون في ربوع الوطن يحتفلون بأول أيام عيد الفطر المبارك كانت السويس تبدأ أول أيام الحصار الذي استمر 101 يوم.
الرئيس محمد أنور السادات كان يعلم أن السويس إذا سلمت ورفعت رايتها البيضاء للقوات الإسرائيلية فلن تتوقف في زحفها غربا إلا بعد دخول القاهرة واحتلالها وكان السادات واثقا في بسالة الفدائيين بالسويس.
صمدت السويس أمام الحصار الإسرائيلي وحينما تلقى الرئيس السادات إشارة اللواء بدوي الخولي محافظ السويس أيام الحصار وطلب الجنرال الإسرائيلي أدان بتسليم المدينة كان يعلم أن أهلها لن يسلموا وقال الرئيس السادات : استمروا في القتال .. الله معكم .
الرئيس السادات عهد على نفسه أن يصلي عيد الفطر في السويس كل عام بعد الحرب ووفي بوعده.
يوم 4 يونيو عام 1974 كانت زيارة الرئيس السادات لمدينة السويس بعد حرب أكتوبر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى