الأربعاء ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
القصة الفائزة بالمركز العاشر في مسابقة دع الثامنة
بقلم مي محمد الكردي

الثورة

تلاعبت بالقداحة الذهبية بين أصابعي، وضعتها فوق الرصيف الفحمي الباهت لونه بفعل ألاف الأحذية التي اغتالته بلا رحمة فزاد ذلك من تألق لونها بفعل بيضاء الصيف الحارقة، انتشت سجيتي جراء حصولي عليها من ذلك المدلل المتكبر، نظرات عينه الخضراء تتأجج غضبا أسعدتني كعصفور أنهى بناء عشه للتو بشجرة ثابتة فروعها عالية بعيدا عن المخاطر، كانت تلك أول مرة أفعلها، أول مرة أتمكن من رؤية ذياك العجز يتقلب بجنبات عقله الشيطاني، لم يتمكن من الاقتراب مني لاستعادتها، تشبث به أصدقاءه خوفا من مديتي التي أشهرتها بوجههم منذ قليل، ولأزيد من سخطه التقطت سيجارتي المشردة مثلي من ثنايا سروالي المهترئ، أشعلت تبغها الرخيص بتياك القداحة المذهبة، توغل دخانها خلايا جسدي المنهك سلفا، فأثارت بي نشوتي المعتادة، لكن هذه المرة كان دخانها أكثر بهجة احتراقها كان يوازي احتراق روحي بقاياها التي ألقيها أرضا تشبه رماد حياتي المبعثرة أهانة وفقرا، أطلت تلذذي بها فتوهج تبغها زاذ من توهج غضبه الذي كنت أتوق لأشعاله بشدة، فمراهق مشرد مثلي فراشه شوارع مظلمة وغطاءه سماء قاتمة تتلصص عليها نجوم قليلة من حين لأخر، لا يملك سوى التذلل لنيل ما يسد به رمقه فقط، تحملت عجرفة المدلل وأهانته يوميا، لكن اليوم ثرت وأشهرت مديتي بوجه، وكانت تياك القداحة الذهبية هي مكافأة ثورتي، وتبعاتها كان احتراق تبغ سيجارتي التي شارفت الأن على الفناء كنشوتي، فما أن يعرف والد الفتى بفعلتي سيحرقني يوميا كألاف السجائر التي يشعلها ويلقي بي أرضا ليدهس انسانيتي البائسة، انتصبت واقفا وألقيت بمعشوقتي ساحقا إياها بحذاء ممزق ضعيف، ولسوء حظي لم يكتمل نصري لأكثر من عمر سيجارتي، رنوت والده قادما نحوي، صارخا باسم والدي حارس عقاره، وطبعا لم ينس ألقاء قذائف السباب النارية بوجهي ووجه والدي الذي أتى مهرولا يستعطفه، مقبلا يده التي كانت ستطال وجهي، مكبلا قدمه بالذل قبل أن تركلني، لم تكن ضرباته ستوجعني بقدر مهانة والدي، غامت عيناي سحابة عبرات مغبرة برمال تناثرت جراء ضيم أحاط أبي نفسه به كي يحميني، سقطت أرضا كما أدمعي واحتضنت والدي فنالتني آخيرا الركلات والسباب التي أستحق، فألقيت بقداحة ثورتي الصغرى أرضا، لكن يبدو أن فعلتي أثارت غضبه أكثر فقال لي أمرا بعد ثلة من الشتائم لتكبري أنا وعدم تأدبي أنا:

 ألتقطها وأذهب لتعطها لسيدك.

نظرت له والبغضاء تقطُر من عيني، وكدت أرفض صارخا لكن نغزات يد أبي المحيطة بظهري منعتني، فأخذت القداحة التي تحالفت معهم ضدي فجاء مستقرها عند قدم والد المدلل، أخذتها ناهضا وتوجهت إليه، مع كل خطوة أقترب بها إليه يزداد شموخه وعجرفته حتى تحول لطاووس يتباهى بريشاته الزاهية ألوانها في موسم التزاوج، تطاحنت عبراتي بمقلتلاي لتتساقط ولكنني منعتهم بقوة محارب يأبى السقوط عن فرسه بحرب ضروس، فنظرات عينه المتشفية منحتني إقدام لا يسعني دفع ثمنه، مددت يدي ليأخذها حتى أبتعد قبل أن أنفذ به مجزرة بخيالي تدور، لكن كيف له ألا يتبجح أكثر حيث قال:

 نظفها.

طفح كوب صبري لكنني تجرعت مُره، ونظفتها ثم أعطيتها له قائلا:

 في المرة القادمة لن أشعل بها سيجارتي فقط، ولن يتمكن من إنقاذك أحد.
عادت إلي نشوتي متناسيا هواني بيد والده، فنظرات رعبه كانت هي كل مأربي.


مشاركة منتدى

  • أعجبني ما تخطّين...تذكّري أنّ لكل جواد كبوة و لكل عالم هفوة....ذاعبت أو عبثت أو حرّكت القداحة بين أصابعي أنسب من تلاعبت...رمادي اللون من أثر أقدام السائرين التي غيّبت ملامح لونه أنسب من الرصيف الفحمي الباهت لونه بفعل ألاف الأحذية التي اغتالته بلا رحمة ....متأجّجة غضبا و ليس تتأجّح غضيا.....على العموم لديك جمالية في الكتابة و سيولة في الوصف إن أمكن القول...شذّبي أسلوبك بالإكثار من ممارسة نشاط الكتابة بأسلوبك الخاصّ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى