الأحد ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩
بدون مؤاخذة
بقلم جميل السلحوت

دفاعا عن الثقافة

قطع الإنارة المتعمّد عن مسرح عشتار أثناء عرض مسرحيّ على مسرح جامعة النّجاح في نابلس من قبل أستاذ جامعيّ، بحجّة أنّ العرض لا يتناسب وتقاليدنا يثير تساؤلات كثيرة إجاباتها ليست في صالحنا كشعب، ولا لصالح ثقافتنا، ولا لصالح قضيّتنا الفلسطينيّة خصوصا وأنّنا أخر شعب يعيش تحت احتلال بغيض أمعن فينا قمعا وقتلا وسجنا وتشريدا. وأنا شخصيّا لا أعرف اسم الأستاذ الجامعيّ، ولا أعرف أسبابه في وقف العرض المسرحيّ، لكنّه بالتّأكيد تصرّف تصرّفا فرديّا لا يليق بأستاذ جامعيّ. لكنّ فعلته التي تثير تساؤلات كثيرة حول الحرّيّات الشّخصيّة والعامّة كما تثير تساؤلات حول مدى استعداد جامعاتنا لرعاية الثّقافة في وطننا المحتلّ، كما يحضر بشكل قويّ سؤالنا حول تقاليدنا وعاداتنا، فهل هي مقدّسة؟ وهنا يحضرني ما كتبته عندما قام موظّفون في وزارة التّربية والتعليم بإعدام كتاب "قول يا طير" وممّا جاء في مقالتي" فإذا كانت " ألف ليلة وليلة " وغيرها قد دُوّنت في عصر الخلافة العباسية، مع ما تحويه من استعمالات للهجة المحكيّة، ومضامين جنسية صريحة، فمن غير المعقول ومن غير المنطق أن يتم اعدام كتاب"قول يا طير" وما يحويه من الحكايات الشعبية العربية في القرن الواحد والعشرين من قبل موظفين فلسطينيين عام 2007. واذا كان أولئك الموظفون قد أدركوا متأخرّا –بعد الضّجّة التي حصلت جرّاء فعلتهم- الخطأ الذي وقعوا فيه، فإنه لا يزال-مع الأسف- حتى أيامنا هذه من لا يدرك أهمية تراثنا الشّعبيّ، معتقدا أنّ فيه ما يخدش الحياء! غير مدرك أن مقولته هذه فيها تهمة "قلّة الحياء" لآبائنا وأجدادنا الذين ورثنا عنهم هذا التّراث، وهذا أمر غير معقول، ويجانب الحقيقة."

لم أحضر العرض المسرحيّ لعشتار، ولا أعرف مضمون العرض، لكنّني أعلم أنّ الثّقافة ومن ضمنها المسرح لا تخضع لرقابة، ويجب أن لا تخضع، فالمبدع ليس واعظا في مسجد أو كنيسة، وليس منظّرا أخلاقيّا أيضا. وما يبدعه لا يعكس شخصيّته ذاتيّا، ومن المعروف عالميّا أنّ المبدعين طلائعيّون، يعملون من خلال إبداعاتهم على التّغيير، وطرح الجديد للنّهوض بمجتمعاتهم، فقد يقوم بعض الفنانين مثلا بتجسيد شخصيّة مجرم قاتل، أو تاجر ومدمن مخدّرات، أو مومس...إلخ. ويمثّل هذه الشّخصيّة بطريقة مقزّزة ومنفّرة للمشاهد، ولا يعني هذا أنّ هذه هي شخصيّة الفنّانة أو الفنّان الذي قام بهذا الدّور.

ولا أعرف المشهد الذي استفزّ الأستاذ الجامعيّ عندما قطع الإنارة عن خشبة المسرح، لكنّني أتساءل حول الصّلاحيّات التي يتمتّع بها هذا الأستاذ لقيامه بفعلته هذه؟ ومن منحه تلك الصّلاحيّات؟ وكيف نصّب نفسه حاميّا للتّقاليد؟ وهل قطعه للإضاءة جاء من اعتباره لنفسه وصيّا على من كانوا يشاهدون العرض المسرحيّ وهم زملاؤه وطلابه الجامعيّون؟ عدا عن التّهم للفنّانة ولطاقم مسرح عشتار والتي تضعهم في الشّبهات وتدينهم دون محاكمة؟

وكيف سينهض شعبنا وسنتحرّر من الاحتلال، ما دامت ثقافتنا تخضع لقوانين العيب، وما يتبعها من تكفير وتخوين قد يؤدّي إلى إزهاق أرواح بريئة، وما جرى ويجري في سوريا، العراق وليبيا وغيرها ببعيد؟

ويبقى السّؤال حول موقف إدارة الجامعة ممّا حصل في حرمها الجامعيّ لنتبيّن الحقيقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى