الأحد ٢٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

إدريس البصري

تقديم

لم يعد خاف على أحد أن الكثير من القائمين على الأمور في العديد من القطاعات استغلوا مواقعهم واستعملوا نفوذهم لخدمة مصالحهم ومصالح ذويهم وتقديمها على خدمة الشأن العام المكلفين بتدبيره.

وهذه قاعدة ظل العمل بها قائما على امتداد عقود منذ أن حصل المغرب على استقلاله في منتصف الخمسينات ومن هؤلاء إدريس البصري، وزير الداخلية المخلوع، الذي انكشفت فضائحه وفضائح آله هنا وهناك.

إدريس البصري قضى أكثر من ثلاثين سنة في سدة الحكم وخبر السياسة والتحكم في مصير المغاربة. وطوال هذه المدة لم تكن له حياة واحدة وإنما حيوات شغلت الناس أيام كان في أوجه وجبروته. وبعد أن داق حالة اليتم السياسي بعد فقدان ولي نعمته ظل يروج ولازال أنه لم يكن سوى منفذ للتعليمات ومجرد عبد مأمور، "خادم النظام" المكلف بترتيب البيت.

وهناك من سعى إلى تبرير مواقفه وممارساته، وكل هؤلاء كانوا في لحظة ما من ندمائه الذين استفادوا من جزيل عطاءاته. لكن الأغلبية الساحقة من المغاربة نعتوه بأرذل النعوت ونادوا بقوة بمحاسبته ومساءلته، بل بمحاكمته لأنهم تعرضوا للسعات سياطه وضربات هرواته وقساوة زنازنه المظلمة واحترقوا بنار جبروته وتعسفات معاونيه وظلمهم واكتووا بدهائه ومكره.

وملف هذا العدد سعى إلى تسليط الأضواء على جوانب من حياة إدريس البصري الذي يرى نفسه سوبرمان زمانه، ويراه المغاربة فأرا استأسد بالأمس القريب.

من هو؟

إدريس البصري هو ابن حارس بسجن علي مومن بضواحي سطات، تابع دراسته الثانوية بالدار البيضاء والتحق بالإدارة العامة للأمن الوطني في بداية الاستقلال في عهد رئاسة محمد الغزاوي لها، عُين مفتش شرطة ثم سرعان ما ترقى لرتبة ضابط قبل أن يتسلق إلى مرتبة عميد شرطة ممتاز. ظل إدريس البصري يدعي أنه ينحدر من الشاوية في حين كشف أحد المصادر المطلعة، أنه أصلا من منطقة تاونات.

منذ تعيينه إلى فجر سبعينات القرن الماضي اضطلع بمسؤوليات متفاوتة الأهمية، منها رئيس للاستعلامات العامة بالأمن الإقليمي بالرباط ثم مديرا رئيسا للاستعلامات العامة بالإدارة العامة للأمن الوطني قبل أن يترقى لمنصب رئاسة الكتابة الخاصة ومصالح التراب الوطني بالإدارة العام للأمن الوطني. ثم عينه الملك الراحل الحسن الثاني مديرا للشؤون العامة والولاة بوزارة الداخلية ومسؤولا على إدارة التراب الوطني.

ومن النعوت التي وصف بها على امتداد مشواره، "الصدر الأعظم" بفعل آليات صنع القرار في عهد الملك الحسن الثاني، وظل ينعت بـ "المناضل المخزني" والشرطي الأول في المملكة العالم "بالشاذة والفادة" وبما يجري ويدور من طنجة إلى الكويرة.

مشواره وشخصيته

إن منطق التاريخ يقودنا إلى القول إن بروز إدريس البصري كان صدفة محضة كرس امتدادها بالانصياع الأعمى للأوامر والاجتهاد في تطبيقها.

عين وزيرا للداخلية سنة 1979 ولم يتزحزح منه إلا بعد أن خلعه الملك محمد السادس في 9 نوفمبر 1999 وتعويضه بأحمد الميداوي وظل يحتفظ بمنصب أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط. بعد وفاة الجنيرال محمد أوفقير وإبعاد أغلب معاونيه المعروفين، تكلف إدريس البصري بمختلف القضايا المشبوهة التي كان يدريها الجنيرال تم الكشف عن بعضها، لاسيما ما تعلق بشركة "شيب شاندلز" المتخصصة في تموين البواخر بميناء الدار البيضاء والمحمدية، فقد عايش العديد من المسؤولين الذين تركوا بصماتهم في تاريخ المغرب وكان له رجاله وعيونه تربطهم به علاقة عمودية تستند بالأساس على الولاء والتنفيذ.
إن شخصية إدريس البصري لا يمكن فصلها عن مفهوم السلطة المتداول في المغرب وهي نتيجة لمسار قهري واستبدادي للسلطة. إن وزير الداخلية "المستدام" كان صاحب الحل والعقد لديمومة سلطة الدولة وسياستها، لذلك فإن محاسبته أو مساءلته هي في واقع الأمر محاسبة ومساءلة لتجربة سياسية ونمط تدبير شؤون الحكم على امتداد أربعة عقود. ويكاد المحللون السياسيون يجمعون على أن إدريس البصري استطاع بدهائه السياسي ومكره "البدوي" أن يؤسس شبكة واسعة ومتداخلة من العلاقات مزجت بين الجانب الأمني والسياسي.

رغم اضطلاعه بمهمة التدريس في التعليم الجامعي وخبرته الطويلة في تدبير الشأن الأمني والسياسي، لم يكن يمتلك خطابا سياسيا واضح المعالم، مؤسسا على أرضية مفاهيمية ترتكز على رؤية نسقية أو تشعبه بنظريات سياسية ما..

وقد قال متحدثا عن نفسه: "أنا رجل سياسة ولم أزاول شيئا آخر غير السياسة، والرجل السياسي يظل مفتوح على جميع المجالات، وعلى الخصوص المجال السياسي".

في واقع الأمر، إن همه الأساس ظل هو ممارسة السياسة في نطاق المصلحة الفردية ومحاربة الخصوم السياسيين واستعمال كافة الأسلحة والوسائل للإطاحة بهم.

إن عقيدة إدريس البصري في تكريس انصياعه الأعمى للتعليمات ظلت تعتمد على نهج الضربة الأمنية الاستباقية. وهو نفس النهج الذي سارت على هديه الأجهزة الأمنية عملا بمقولة الملك الراحل الحسن الثاني، "المزرعة ينبغي أن تستأصل منها الأعشاب الطفيلية كل موسم"، وهذا استنادا إلى ما نسب خطأ وربما زورا للإمام مالك قولته بجواز قتل ثلثي الأمة لاستصلاح أمرها. وقد أكد التاريخ فشل هذه الرؤية، باعتبار أن المواطنين المغاربة ليسوا أعشابا طفيلية في أرض غيرهم، وإنما هم مواطنون أحرار في وطن هو ملك الجميع ووطن جميع المغاربة وليس مزرعة أو حظيرة في ملك أحدهم دون الباقي.
عموما وعلى امتداد مشواره اعتمد إدريس البصري سياسة المكيدة وحرب التقارير الأمنية التي كان يتقنها ويبرع فيها، الشيء الذي مكنه من حرق المراحل وحرق منافسيه.

البصري وفرصة العمر

في سنة 1971 كان إدريس حصار مديرا للأمن الوطني وطلب منه الملك الراحل الحسن الثاني الحضور للقصر الملكي بالرباط مرفوقا ببعض الأطر الكبيرة بالإدارة العامة للأمن الوطني الذي سبق وأن أدلى بأسمائهم قصد تعيينهم في مناصب حساسة. في ذلك اليوم رافق إدريس البصري حصار إلى القصر الملكي من أجل لقاء الملك، بحضور المراقبين العامين : الحمياني والمهدي بن سعيد والغزاوي والودغيري وحسن الصفريوي، وكذلك العميد الإقليمي مصطفى بشري بجانب عميد الشرطة الممتاز إدريس الذي كان أصغرهم سنا ورتبة.

لم يكن أحد يعلم سبب الاستدعاء بما في ذلك الجنيرال محمد أوفقير الذي كان يشرف على كل تفاصيل الحياة الأمنية والسياسية بالمغرب آنذاك.

حضر الجنيرال أوفقير للقصر فوجد إدريس حصار رفقة الأطر الأمنية في انتظار مقابلة الملك، سأله عن سبب الحضور فأجابه بعدم علمه بالموضوع، وقبل ذلك نبه عن عدم إخباره بالأمر : فقال له الجنيرال : " انتظر هنا مليا سأعود إليك " دخل الجنيرال على الملك، غاب لحظة ثم عاد فقال : " لقد أقنعت الملك الحسن الثاني بأن إدارة الأمن الوطني مازالت في حاجة إليكم ولا يمكنها أن تتخلى عن خدماتكم لأنه في أمس الحاجة إليكم وعليكم الآن أن تذهبوا إلى حال سبيلكم، ما عدا أصغركم سنا، إدريس البصري" وبعد لحظة قام الملك بتعيين إدريس البصري مديرا للشؤون العامة والولاة بوزارة الداخلية ومسؤولا على إدارة التراب الوطني، ومن تمة ولج إدريس البصري دوائر صنع القرار، وبعد المحاولة الانقلابية الثانية ( 16 غشت 1972) بدأ تسلقه سلاليم الاقتراب من الملك بحكم الأسرار التي علمها من الجنيرال أوفقير شخصيا، من خلال تقربه منه وكانت أول قفزة على هذا الدرب الارتقاء إلى درجة كاتب الدولة في الداخلية، ثم وزيرا للداخلية، فوزيرا للدولة في الداخلية والإعلام مع احتفاظه بمهام الإشراف على مديرية المحافظة على التراب الوطني، إلى أن أصبح الرجل الأكثر قربا للملك الحسن الثاني والرجل القوي.

" ما رشال" حرب التقارير الأمنية إدريس البصري مهندس المكائد

مع بداية تألق إدريس البصري في دواليب صناعة القرار والقرب من الملك سادت حرب التقارير الأمنية بالمغرب، وكان الصراع على دائرا على استباق جمع الأخبار والمعلومات وتكرست خطط اعتماد المكائد المضادة. آنذاك كان الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية هو القضاء على السياسيين الحاملين للأفكار الثورية والداعين إلى ضرورة التغيير بأي ثمن، كان الصراع على أشده بين الأجهزة الأمنية لإخبار الملك بكل مستجدة واشتد الصراع بين جهاز الداخلية وإدارة المحافظة على التراب الوطني " الديسطي" من جهة، وجهاز الأمن وجهاز الدرك الملكي الذي كان من الصعب بمكان الوقوف في وجهه، وجهاز الأمن الخاص للملك والجهاز الموالي للمديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) من جهة أخرى. كان الصراع على أشده بين هذه الأجهزة وسعى إدريس البصري إلى الإنفراد بثقة الملك، وكانت خطته لبلوغ مراميه فرض نفسه كمسؤول أمني لا يمكن الاستغناء عنه، وكانت وسيلته في ذلك هي اعتماد الحيلة وابتكار الدسائس واختلاق الأكاذيب وفبركة الحجج والبراهين لتكسير خصومه وأنداده. كما حاول تركيع الأعداء والمعارضين الذين لم يتمكن البصري من إخضاعهم.

بدأت خطة إدريس البصري بتكسير نفوذ الأمن الوطني والدرك الملكي لأنهما كانا يعملان خارج نفوذ ومراقبة وزارة الداخلية. ولما كان جهاز الدرك الملكي عصيا على منال إدريس البصري، باعتبار أن القائمين عليه من الجيش، فكر في سبل تكسير شوكته في عيون الملك، ولأن البصري لم يكن قادرا على مواجهة الجنيرال حسني بن سليمان المتربع على كرسي مسؤولية الدرك الملكي، والكولونيل ماجور المسؤول على استعلاماته سعى نحو إضعاف قوتهما، وبذلك عمل على اختراق جهازيهما بواسطة عناصر تكن له الولاء.
وبدأ تنفيذ خطته بدعم عناصر من مدينة سطات لتمكينهم من احتلال مواقع المسؤولية ومناصب سامية تمكنهم من الإطلاع على أسرار جهاز الدرك الملكي، وكلفهم بإمداده بالمعلومات والمعطيات يقوم هو بنقلها للملك قبل الجنيرال حسني بن سليمان. وقد نجحت خطة إدريس البصري بعد أن تمكن من تعيين الموالين له الذين أحاطوا بالجنيرال حسني بن سليمان. لضمان نجاح الخطة، عمل إدريس البصري على إبعاد وتهميش جملة من العناصر المشهود لهم بالكفاءة والتجربة والحنكة والتي كانت تشكل خطورة على مستقبله. وهكذا توصل إلى تقزيم نشاط جهاز الدرك الملكي وتقييد مجال حركته.

ولاستكمال الخطة، سعى إدريس البصري لضمان عدم تسرب أي معلومة للملك الحسن الثاني قد تضر به أو بوضعيته، وهذا ما دفعه إلى تكريس فكرة منح الولاة والعمال اختصاصات واسعة. وهذا ما حدث، إذ أصدر الملك سنة 1993 ظهيرا يقضي بإعطاء الولاة والعمال مسؤوليات كبيرة وواسعة داخل نفوذهم الترابي، وبذلك أصبحوا ممثلين للملك في الأقاليم والعمالات، وكان غرض إدريس البصري هو حصول الولاة والعمال على معلومات حول الدرك الملكي والأمن الوطني في حينها وبالتالي إخباره بها لاستغلالها قبل غيره. وفي هذا الصدد، صرح لنا مصدر مطلع أن إدريس البصري كان يختار الصيغ قبل تبليغ الملك بما توصل به من معلومات، بل كان يختار إما تبليغها أو تحويرها وفق هواه أو استغلالها للنيل من خصومه. وهكذا أصبحت وزارة الداخلية ( إدريس البصري على وجه التحديد) الجهة الوحيدة التي تمد الملك الحسن الثاني بالأخبار والمعلومات

التحكم في المعلومات الواردة من الخارج

على غرار ما خطط له بخصوص مركز المعلومات الأمنية بالداخل، عمل إدريس البصري على التحكم في المعلومات الواردة من الخارج، لذلك انصب اهتمامه كذلك على الأجهزة الأمنية العاملة في هذا المجال من خلال وضع المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) تحت سيطرته باعتبارها مسؤولة على تتبع نشاط الجاليات المغربية والمعارضين السياسيين والمثقفين المغاربة بالمهجر والأجانب المناهضين للمغرب.

لقد سعى إدريس البصري لمعرفة مختلف الأسرار التي تتوصل بها "لادجيد" التي كان يرأسها آنذاك الجنيرال أحمد الدليمي زميله في الاستعلامات العامة في عهد الجنيرال محمد أوفقير. ولبلوغ هدفه اعتمد خطة المكائد حيث شرع في الإكثار من إبلاغ الملك الحسن الثاني تقارير ضد الدليمي بغية تأليب الملك عليه. وكانت أول خطوة قام بها إدريس البصري هي تكليف عناصر من "الديسطي" بمراقبة لاصقة لأحمد الدليمي وتتبع كل تحركاته. وبعد توصله بالتقارير كان يغربلها قبل تسليمها للملك، وهذا ما مكنه من أن يكون الصوت المسموع لدى الملك لاسيما بعد تنحية الجنيرال أحمد الدليمي بواسطة سيناريو حادثة السير الغريبة بمدينة مراكش.

وفي هذا الصدد، يقول أحد المصادر أن الشخص الذي قيل أنه كان يرافق الدليمي ليلة الحادثة كان على اتصال وثيق جدا بإدريس البصري.

نحن أربعة لا خامس لنا

يعتبر إدريس البصري أن المغرب لم يعرف في عهد الملك الراحل الحسن الثاني إلا خمسة خدام أوفياء ومخلصين للملك والعرش وهم: محمد أوفقير، أحمد الدليمي، محمد رضا جديرة وإدريس البصري. ثلاثة منهم قضوا نحبهم، منهم اثنين لقيا حتفهما في ظروف غامضة مازالت لم تكشف كل خيوطها إلى حد الآن (أوفقير والدليمي)، ولم يبق إلا إدريس البصري، آخر رجال هذه الطينة.

وفي نظر البصري، إذا كان الجنيرال أوفقير خائنا، فالخيانة مسألة ظرفية، لكنه يظل من أكبر خدام المغرب. أما بخصوص أحمد الدليمي، فهو ليس خائنا وإنما رجل وطني إلى أقصى حدود الوطنية.

ولعل هذا التصريح هو الذي دفع جملة من المحللين إلى التساؤل بخصوص طبيعة العلاقات غير المعلن عنها التي ربطت بين إدريس البصري من جهة والجنيرالين، محمد أوفقير وأحمد الدليمي ومن وصفوا بالانقلابيين أو بلانكيين.

بديعة مسناوي وإدريس البصري

عندما قام الجنيرال أوفقير بإعادة تنظيم وزارة الداخلية والأمن الوطني و "الكاب1" وضع رجاله وعيونه في أهم المواقع. احتفظ بالسيدة بديعة المسناوي بديوان وزارة الداخلية ومنحها صلاحيات واسعة. وبديعة المسناوي هذه هي زوجة محمد مسناوي عضو " الكاب1" وهي التي أصبحت اليد اليمنى للجنيرال مكلفة بكل الملفات السرية الخاصة به.
وظات بديعة مسناوي مديرة الكتابة الخاصة لوزير الداخلية على امتداد الفترة الممتدة ما بين 1961 وأواخر 1999، وقد كانت أمينة أسرار إدريس البصري وتمكنت بفعل هذا الموقع من توظيف مختلف الصلاحيات التي منحها لها الوزير المخلوع واستغلتها لجمع ثروة طائلة عبر تدخلاتها ووساطتها لدى رجال السلطة (قواد، عمال، ولاة، مسؤولي الداخلية) في جميع مدن المغرب. كما كلفها إدريس البصري بالإشراف في الكواليس على توزيع الأراضي والعقارات والهبات والامتيازات على كوادر وزارة الداخلية والمقربين للوزير.

من مكر سي إدريس

من المعروف أن إدريس البصري تألق في تجنيد أعوانه ومخبريه لمراقبة جملة من الشخصيات الوازنة رغبة منه في الاحتفاظ على موقعه كأقرب المقربين للملك الراحل الحسن الثاني ورجل ثقته الأول. وقد حاول تطبيق هذا الأسلوب مع الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك).

عمل إدريس البصري في البداية على تعبئة فريق من أعوانه ورجال ثقته لمراقبة ولي العهد آنذاك وإعداد تقارير عن جلالته كان يسلمها للملك الراحل الحسن الثاني. ولم يقف الوزير المخلوع عند هذا الحد وإنما عمل كل ما في وسعه على خلق شبكة من "الجواسيس والمخبرين" في صفوف المقربين للملك (ولي العهد آنذاك). وقد كشفت بعض المصادر أنه دأب على توزيع مبالغ مالية على بعض العاملين بالإقامة الملكية، وهذا ما أغضب الملك، وزاد غضبه عندما علم بأن الوزير المخلوع كان يقدم للملك الراحل الحسن الثاني تقارير سرية مبالغ فيها أحيانا عن تحركاته. وأكد أكثر من مصدر أن هذه النازلة عجلت بتنحية "خادم الأعتاب الشريفة" الذي ظل يسعى لتوسيع دائرة نفوذه مستغلا احتكاره لمصادر الأخبار والمعلومات بعد أن نجح في تقزيم دور كل الأجهزة الأمنية ووضع القائمين عليها تحت إمرته.

داخلية البصري.... جدة الوزارات

حطم إدريس البصري الرقم القياسي العالمي بخصوص مدة توليه شؤون وزارة الداخلية.

وظل يعتقد أنه يمثل آخر طينة وزراء الداخلية الذين عرفهم المغرب والذين كان يسري عليهم المثل القائل: "الرجل المناسب في المكان المناسب" من أمثال امبارك البكاي وأحمد رضا جديرة وإدريس المحمدي والجنيرال محمد أوفقير وإدريس بنهيمة (وآخرهم إدريس البصري) الذي ختم اللائحة.

في عهد هؤلاء، يقول الوزير المخلوع، كانت وزارة الداخلية لا تعتبر أم الوزارات فحسب إنما "جدتها". ويرى أن القائمين الحاليين على وزارة الداخلية بعيدين عن مواصفات الطينة التي ينتمي إليها والتي هي الصالحة للمغرب دون سواها.
واتسمت وزارة الداخلية بقيادة البصري بالخوف من رجال السلطة والرهبة من رجال الأمن، الذين لا يجيدون إلا القمع والتنكيل والتزوير وفبركة الأحزاب.

واتفق أغلب المحللين على أن الخطة "البصرية" في ممارسة السلطة تأسست على مبدأ "فرق تسد"، واعتمدت على ممارسة التفرقة واستعباد الموالين والمأمورين وتكريس الخنوع وتشجيع الفساد وتوزيع "قبلات الموت" وإشهار "الهراوة" مع استعمال "الجزرة" أحيانا.
لقد سهرت وزارة الداخلية في عهد البصري على فبركة "كراكيز" وإحداث جمعيات وتنظيم تظاهرات وبث العيون في مختلف أرجاء البلاد.
وإذا كانت وزارة الداخلية تعتبر "أم الوزارات" فيما مضى فإنها الآن تحاول أن تحتل موقع أخت الوزارات حسب تعبير قيدوم الصحفيين، مصطفى العلوي.

سوبرمان زمانه هذا هو أنا

كلما زاد غضبه يتفنن إدريس البصري في وصف نفسه.

يقول: "أنا أستاذ، أستاذ كبير. بطل زمانه وعملاق عصره. أنا رجل دولة ومكانتي في المغرب ناتجة عن إخلاصي وتفاني وتشبتي بالعرش العلوي والجالس عليه واستقامتي تجعل مني في مرتبة "مارشال"... لست دجالا كالآخرين... أنا دكتور في القانون، وفيلسوف ومنظر الملكية المغربية الحديثة. كنت دائما أول أقراني على امتداد مشواري الدراسي بدءا من قسم التحضيري.. أنا رجل قضيت حياتي في خدمة المؤسسة الملكية، رجل تميز بالاستقامة والنزاهة والموضوعية وغير مرتش، رجل إخلاص ووفاء وما شابه ذلك من المواصفات النبيلة... النزاهة والإخلاص هما أساس سلوكي، مستقيم وذو روح زكية... وقبيلتي هي الشاوية وما أدراك ما الشاوية.

هكذا يرى إدريس البصري نفسه، سوبرمان زمانه.

إدريس البصري بعين حقوقية

إدريس البصري هو من قمع المواطنين الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية سلمية على الزيادة في المواد الأساسية، في حين ظل هو وزبانيته يوزع أموال الشعب على الأحزاب وبعض الجرائد وفئات واسعة من الشعب تعيش مأساة الجفاف وتجميد الأجور.

إدريس البصري خلق شرطة القمع وقواد الترهيب وجلادي الضحايا والأبرياء، في وقت أشبعت بطنه من خرفان الشاوية وبنسليمان وساهم في تجويع الفقراء وكرس سياسة الإقصاء والتهميش.
إدريس البصري شجع جشع زبانيته وسهل لهم الترامي على أملاك الدولة وأملاك الغير من أراضي ومزرعات ودفع بفعله هذا إلى تهجير الضعفاء. وكرس المحسوبية والزبونية أصدقاء المصلحة.
هذا هو إدريس البصري، الوزير الأقوى من الوزير الأول، الذي كانت تكفيه مكالمة هاتفية كي ينقل الولاة والعمال والقواد والعمداء والضباط، ويأمر بأسر من يراه مشاغبا ويقذف به في "أحضان" الجلادين والسجانين دون محاكمة.

هذا هو إدريس البصري الذي أغدق الامتيازات والأراضي والعقارات على آله وذويه والمقربين منه.
هذا هو إدريس البصري بعين حقوقية.

البصري وزفاف الملك

استدعي إدريس البصري لحضور حفل الزفاف الملكي يوم 12 يوليو 2002، وفرح بالأمر، لكنه سرعان ما امتلكه الإحباط، وفي هذا الصدد قال إدريس البصري: "عادي جدا أن أكون من المدعوين لحفل زفاف جلالة الملك، إنني اعتبر نفسي من العائلة الملكية". لكنه يضيف بمرارة واضحة المعالم: "من بيتي بمدينة سطات إلى مكان إقامة الحفل تبعتني 7 أو 8 سيارات الشرطة، وخلال فترة تواجدي بحفل الزفاف شعرت أنني مراقب مراقبة لصيقة، كنت محاطا برجال الأمن من كل جانب أين ما اتجهت، لم يفارقوني قيد أنملة كما لو كنت أحد مبعوثي أسامة بن لادن".

البصري... منبوذ جامعة محمد الخامس

بعد خلع إدريس البصري من وزارة الداخلية أصدر جامعيون وطلبة وفعاليات من المجتمع المدني بيانا يطالبون فيه بإبعاده عن التدريس بجامعة محمد الخامس، باعتبار أنه لا يعقل استمرار قيام رجل، أياديه ملطخة بدماء شهداء "الكوميرة" وشهداء المعتقلات السرية وسمعته ملوثة بالتهريب والرشوة واستغلال النفوذ بإعطاء دروس في القانون في أعرق الجامعات العصرية بالمغرب.
وبعد اتساع حركة رفض قدوم البصري إلى الجامعة اتصل به الجنيرال القادري وأخبره برغبة الملك إيقاف الدروس التي كان يلقيها بكلية الحقوق.
غضب البصري كثيرا لكنه انصاع للأمر وصرح قائلا: "هل أنا نازي حتى أمنع من إعطاء الدروس بجامعة مغربية".

تركة سي إدريس

نادى الكثيرون بضرورة مساءلة ومحاسبة ومحاكمة إدريس البصري باعتباره يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في الفساد الإداري والمالي الذي استشرى في المغرب على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، لكن الأمر يبدو أكبر من هذا الحجم.

إن تركة إدريس البصري، باعتباره ساهم، فعلا، في صناعة السياسة المغربية على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، لا يمكن اختزالها فقط في فساد إداري ومالي وجرائم اقتصادية واجتماعية وتجاوزات جلية في تدبير الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ذلك لأن وزارة الداخلية والإعلام كانت هي أم الوزارات وأغلب الوزراء والمسؤولين الكبار كانوا تحت رحمته بشكل أو بآخر، كانوا يهابونه لأنه الوزير القوي ولأن كلمته كانت مسموعة لدى الملك الحسن الثاني.

وحسب أحد الوزراء، كان أعضاء الحكومة في عهد البصري يعتبرونه وزير الدسائس والمكر أكثر منه وزيرا للداخلية والإعلام، وقد سبق لأحدهم أن قال في جلسة حميمية: "كان سي إدريس البصري كيشريها لنا مع سيدنا". وقال آخر: "غلبنا لعروبي بالدهاء والمكر والطاعة العمياء والاجتهاد في الضرب على أعناق كل من كان يفكر في إزعاج الملك الراحل الحسن الثاني".

ومهما يكن من أمر، يبدو أن تركة إدريس البصري يمكن اختزالها في أمر واحد من شأنه أن يشمل كل الأمور الأخرى، خدمة مصالحه ومصالح آله عبر القيام بدور "خدام النظام" والتطبيق الأعمى للتعليمات. وهذا ما يؤكده الوضع الحالي لإدريس البصري كرجل لا يمتلك القدرة على التعبير والدفاع عن اختياراته بلغة واضحة لا لبس فيها ولجو إلى لغة البكاء والتمسح بأولياء نعمته والاختفاء الدائم وراءهم.
وقد قال أحد أصحاب مزاج: "إن المغاربة شعروا أنهم (تقولبو)، فإدريس البصري الذي كانوا يهابونه، اكتشفوا أنه مجرد فأر كان يتمظهر في صورة أسد".

أول مشكلة صادفت إدريس البصري

في غضون سنة 1980 منح الملك الراحل الحسن الثاني لإدريس البصري ضيعة وقطعة أرضية تبلغ مساحتها 220 هكتارا كائنة على بعد 6 كلم من مدينة المحمدية بمكان يدعى الغزالة وأمر المعمر الفرنسي، الذي كان يدير ضيعة مجاورة في ملكية القصر الملكي، تزويد الضيعة الممنوحة بالماء مجانا مدى الحياة.

لكن أسبوعين بعد خلع وزير الداخلية، في يوم 28 نوفمبر 1999 انقطع صبيب الماء على الضيعة الممنوحة دون سابق إنذار وعلى حين غرة ظمئت أبقار وكروم سي إدريس، فغضب واحتج، وكان الجواب الرسمي: "إذا أراد إدريس البصري الاستفادة من الماء عليه تأدية ثمن فاتورته كباقي المغاربة، خصوصا وأن المنطقة تعرف خصاصا في الماء الشروب".

هدية البصري للملك

خلال زيارة الملك محمد السادس للديار الفرنسية أفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن إدريس البصري استغل فرصة تواجد العائلة الملكية بباريس ليبعث إلى الملك علبة شوكولاطة من النوع الفاخر وباقة ورد إلى عقيلة جلالته الأميرة للا سلمى.

وهذا بعد أن قام محمد منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك، بمنحه جواز سفره المثبت به في خانة المهنة: أستاذ جامعي.

أين ذهبت أموال الصناديق السوداء؟

لا يخفى على أحد أن وزارة الداخلية ومديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي) كانتا تتوفران على صندوق أسود، علما أن إدريس البصري كان المسؤول المباشر عليهما خلال الفترة الممتدة من سنة 1973 إلى سنة 1999 تاريخ إبعاده وإعفائه نهائيا من مهامه.
وظل يتصرف فيهما بدون حسيب ولا رقيب. هذا إضافة إلى الصندوق الخاص بملف الصحراء المسترجعة الذي كان يتصرف فيه كذلك تصرف المالك في ملكه الخاص كيفما كان يحلو له.

فأين صرفت الأموال الطائلة لتلك الصناديق؟ ومن تصرف فيها؟ وكيف صرفت؟ إنها أسئلة لازالت تنتظر الجواب ولم يسبق للوزير المخلوع أن أعارها أي اهتمام. وهذا ما دفع العديد من الجهات إلى المطالبة بضرورة محاسبته ومساءلته على جملة من القضايا والعديد من التجاوزات بدءا من ضحايا "شهداء الكوميرة" (حسب تعبيره المسيء لصفة المواطنة) ومرورا بالسطو والاستيلاء على عقارات الدولة والأراضي المسترجعة، ومن ضمنها الضيعة الكائنة بابن سليمان (240 هكتارا) وابتزاز المستثمرين، المغاربة منهم والأجانب والتعيينات الغامضة لاسيما المرتبطة ببعض رجال السلطة ورجال الأمن المنحدرين من إقليم السطات، ممن كانوا ضمن حاشيته وتهريب الأموال إلى الخارج وجملة من التلاعبات بخصوص الاكتتاب لبناء مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء والاشتراك في جملة من العمليات المشبوهة مع هشام المنظري أو إحدى مافياته التي كانت تضم أشخاصا يشرفون على بعض مشاريعه المستترة بالخارج، ومن ضمن هؤلاء "م – ل" و "ي – و" و "ك – ب" ومصائب أخرى مازالت لم تكشف بعد وكلها صادرة، بشكل أو بآخر، عن شخص يتبجح بالظهور كأول خادم للأعتاب الشريفة ورجل الثقة الأول للملك الراحل الحسن الثاني.

وزير الداخلية "وسلاح وجدة"

رغم أنه لم تسلط الأضواء الكاشفة الكافية على قضية "سلاح وجدة" في عهد الوزير المخلوع، إلا أن جملة من المصادر المطلعة أكدت على دور إدريس البصري في التخطيط لهذه المسرحية.

وذهبت أحد المصادر إلى القول إن إدريس البصري خطط لهذه الواقعة بتنسيق مع المخابرات الجزائرية لينال الحظوة عند الملك الراحل الحسن الثاني بإظهار تفانيه و "بطولاته" في خدمة العرش والتشبت بأهذابه وحماية المملكة.
وهذا من أجل فبركة براهين تدل على أنه الرجل الذي لا يمكن التفكير في التخلي عنه أو تعويضه.

ثروة إدريس البصري

تمكن إدريس البصري من مراكمة ثروة كبيرة، ظل جزء منها بالمغرب وحولت حصة الأسد منها إلى فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم أنه تمكن من مراكمة ثورة هائلة، ظلت عاداته ومظاهر حياته مطبوعة بعقلية البدو، ولم تظهر عليه مظاهر الغنى كما هي ظاهرة على أصحاب الثروات الطائلة ببلادنا.
منذ فجر الثمانينات أصبح اسم إدريس البصري يحتل مكانة في ساحة رجال الأعمال. في البداية استثمر البصري باسمه ثم باسم أفراد عائلته، اهتم بالعقار ومقالع الرمال والقطاع الفندقي والسياحي وقطاع الخدمات.
وقد اهتم الكثيرون بالبحث والتقصي حول ثروات إدريس البصري، ومن ضمنهم الصحفي الفرنسي "بيير بيا" الذي سبق وصرح أنه ينوي تأليف كتاب حول هذا الموضوع.

سكن ابن الوزير

في ثمانينات القرن الماضي قرر هشام البصري، ابن وزير الداخلية إدريس البصري، الالتحاق بالمعهد العالي للتجارة و إدارة المقاولات بالدار البيضاء لمتابعة دراسته العليا. آنذاك كان في حاجة إلى مسكن يليق بمقامه كابن أهم الوزراء المغاربة آنذاك و أكثرهم هيبة. و باعتبار أن التملق هو القاعدة، اقترح أحد القياديين النقابيين على الوزير تخصيص فيلا- كانت في ملكية المدينة- لجعلها مقرا لسكن الابن البار. و لضمان المبتغى فكر المتملق في تخريجة لعدم إثارة الانتباه حيث اقترح جعل العقار المذكور كدار للضيافة تابعة لنقابته "العتيدة" و بعد ذلك سلم المفاتيح لابن الوزير لاتخاذه مقرا لإقامته طيلة مدة دراسته العليا.

إلا أن الرياح هبت في اتجاه لم يكن يتوقعه المتملق الوفي للوزير المخلوع، إذ أن عامل المدينة رفض التخريجة و أصر على أن الفيلا في ملكية المدينة و بذلك خصص أرضها لبناء إقامة العامل. و فعلا هذا ما تم حيث صرفت على المشروع أكثر من 400 مليون درهم من ميزانية العمالة إلا أنه لم يكتمل و ظل ورشا لأن الوزير المخلوع تدخل لتفعيل و إعمال كل الآليات الممكنة لتوقيف إنجاز المشروع. و قد تم استعمال جملة من الإجراءات العادية منها و الماكرة، و من ضمنها ترويج أن الفيلا المعنية في ملكية عائلة فرنسية و أن رئيس الجمهورية الفرنسية تدخل لدى الملك لإرجاعها لذوي الحقوق. و عندما لم تنفع هذه الحيلة لجأ الوزير المخلوع إلى تدابير إدارية حيث أصدر قرارا تأديبيا في حق العامل العاق و المتمرد و القاضي بتنقيله إلى الإدارة المركزية و تجريده من المسؤولية لإزاحته من طريقه نهائيا.
وفي نفس الوقت كان رجال السلطة بالدار البيضاء مجندين ليل نهار لحل مشكل إيواء ابن الوزير الطالب و البحث عن مقر يليق بمقامه. وهكذا عملوا على منحه فيلا كانت في ملكية توزيع المياه و استقر بها آمنا مطمئنا و بدون مقابل إلى أن أنهى دراسته الجامعية. إلا أنه ارتأى الحفاظ بالفيلا التي حولها إلى مقر لإحدى شركاته و هذا ما تم فعلا.
إن الوزير المخلوع قرر أن يقفل ملف النازلة نهائيا لفائدة ابنه البار رغم أن مجلس المجموعة الحضرية لم يتخذ أي قرار بشأن بيع أو تفويت الفيلا و أرضها إلى المعني بالأمر. إلا أن عامل إحدى عمالات الدار البيضاء الكبرى سابقا قرر حل الإشكال بطريقته سعيا وراء نيل رضا ولي نعمته – الوزير المخلوع- و هكذا قام بتحضير مقرر باسم المنتخبين و دون علمهم. تضمن أن المجلس المذكور تداول و صوت بالإجماع على تفويت فيلات إلى الخواص و من ضمنها فيلا ابن الوزير.
و استنادا على هذا المحضر، أعدت وزارة الداخلية مرسوما يقضي بتفويت 4 قطع أرضية و بناياتها للخواص و كان هذا المرسوم على وشك النشر بالجريدة الرسمية للحصول على الغطاء القانوني للنازلة. و هكذا تم تزوير إرادة المنتخبين دون علمهم لتسهيل الاستيلاء على أملاك المدينة لفائدة المقربين. والسؤال المطروح هو كم من عملية من هذا القبيل تم طبخها؟ و كم من جريمة من هذا النوع تم اقترافها؟

آل قنير جنود آل البصري في الخفاء

عبد الرحيم قنير أحد أبناء مدينة القنيطرة، بعد استكمال دراسته العليا بفرنسا وبالولايات المتحدة الأمريكية، التحق بمكتب الاستشارات والهندسة التابع لوزارة التجهيز كمهندس، وفي سنة 1989 تجند ضمن صفوف آل البصري، وكانت البداية بتأسيس شركة للأشغال العمومية احتكرت صفقات أعمال توسيع ميناء الدار البيضاء الكبرى وتطهير الطريق السيار القنيطرة – العرائش وفاس – مكناس.

برز اسم عبد الرحيم قنير مع شركة "كونصوليدر" في بداية التسعينات عندما بدأت تضع يدها على جميع المشاريع الكبرى المرتبطة بالدار البيضاء. وقد تصدر قنير هذه الشركة منذ نشأتها إلى حدود 25 يناير 1995 حيث ظهر مديرها العام الحقيقي والفعلي، هشام البصري (نجل الوزير المخلوع).

وقيل آنذاك أن قنير فوت إلى هشام البصري 598 سهما من أصل 600 لفائدة شركة "هولدينغ هوميت" التي يملك هشام البصري 994 سهما من أصل 1000.
وشركة "كونصوليدر" رأت النور في يونيو 1993 وكان رأسمالها مائة ألف درهم وبقدرة قادر أصبح سنة 1995 يفوق 6 ملايين درهم، وأضحت في رمشة عين تنقض على كل الصفقات الكبرى في كل المجالات.
فكل الصفقات الخاصة بالدار البيضاء الكبرى، سواء المرتبطة بالدولة أو بالجماعات المحلية أو بالمؤسسات العمومية وشبه العمومية، تحركها شركة "كونصولودير" بدون منازع وعندما "كبرت" وفاض رأسمالها أصبح آل البصري، هم أصحابها العلنيين بعدما كانوا وراء الستار.

فعبد الرحيم قنير كان أحد جنود آل البصري والجسر الذي كانت تمرر بواسطته كل الصفقات، وإضافة لهذا اضطلع قنير بدور "الحّمال" إذ كان يحمل الأموال المهربة لإيداعها بالخارج في أسماء أولياء نعمته.
لقد تقمص دور رجل الواجهة، لكنه لم يكن "قنير" الوحيد المجند لخدمة آل البصري، بل عمل على تجنيد أغلب أفراد عائلته، ذكورا وإناثا، في "جيش" آل البصري. فلم يكن عبد الرحيم وحده الذي يدمر الأموال والمشاريع، بل كان لزاما عليه توريط عائلته لاستكمال دوره في المسرحية ولضمان سير الأمور كما خطط لها بعيدا عن عيون الفضوليين ومنعا للاضطلاع على الأسرار. وهكذا شكلت عائلة قنير "شغيلة" شركة كونصوليدر، أسسها عبد الرحيم وأثتها بأهله كأطر ومستخدمين: حميد وعبد العالي، سكينة، أيوب، توفيق ورضوان وكلهم من عائلة "قنير"، عناصر طيعة مستعدة للامتثال لأوامر عبد الرحيم قنير الموجه من طرف آل البصري.

ظلت الأمور على هذا المنوال، صفقات ومشاريع وتهريب أموال إلى أن دقت ساعة الانحدار إلى الهاوية. والبداية كانت مع اعتقال السليماني والعفورة اللذان كانا على علاقة وطيدة بجندي آل البصري، قنير.

إدريس البصري والصحفيين

منذ البداية وعى إدريس البصري بأهمية دور الإعلام وبالدور الحيوي الذي تلعبه الصحافة وطنيا وعالميا، باعتبارها ترفع درجة من تشاء وتنزل درجة من تشاء. لهذا سعى دائما لربط علاقات مع من يهاب أقلامهم لاتقاء شرهم وانتقاداتهم، ولدفعهم لنشر ما هو في صالحه.
وفي هذا الصدد، أكد لنا مصدر مطلع أن إدريس البصري كان يكلف بعض الصحفيين بكتابة بعض المقالات تنوه به مقابل مبالغ مالية مهمة. وقبل إنجاز المهمة كان يسلم لهم المبلغ كاملا بعد تمزيق الأوراق المالية يمنح نصفها للصحفيين ويحتفظ بنصفها الآخر وعندما يقوم الصحفي بالمهمة يستعيد أنصاف الأوراق النقدية المتبقية. أما الأوراق المالية الممزقة، فكان يسلمها لبنك المغرب لتعويضها بأخرى سليمة. كما كان يجتهد اجتهادا لتسليم الشيكات لبعض الصحفيين أمام الكاميرا.

وعلى النقيض من رجال الإعلام الذين استطاع استمالتهم، كانت هناك فئة من الصحفيين سعى لتدميرهم وفبركة التهم ضدهم والكيد لهم باختلاقه مشاكل لهم مع الملك الراحل.

وقد عٌرف على إدريس البصري أنه كان يغدق على بعض الصحفيين الأجانب الأموال ويطرد خارج المغرب من لا يمتثل لرغباته مدعيا أنهم يسيئون لسمعة البلاد ويكنون لها العداء البين.
وعندما أصبح وزيرا للإعلام تحكم بيد من حديد في مجال الصحافة وضبطه ثم وضعه تحت تصرفه سعيا وراء التعتيم على حقائق ممارساته. وقد أولى اهتماما بالغا لضبط مجال الإعلام خوفا منه ووعيا منه أنه يمثل خطرا عليه وعلى مكانته في عيون الملك الحسن الثاني.

البصري أعدم مجلة لا ماليف

إن تاريخ انتهاك حرية التعبير، والحق في الخبر (الذي ينص عليه دستوريا) والتصدي للصحافة ومعاقبتها حافل بالأحداث. فمنذ الخمسينات إلى حدود سنة 2001، ظلت الصحافة الجادة مستهدفة، لاسيما الجريئة منها.
وآنذاك كانت مراقبة، حيث كان من الضروري تقديم نسخة الجريدة قبل الطبع إلى مصلحة الرقابة التي عليها أن توافق على كل ما تحتويه وإلا فلا يمكن القيام بطبعها وبالأحرى توزيعها. وكان على القائمين بالجرائد الانصياع إلى أوامر الرقابة ( تغيير عنوان أو عبارة أو جملة أو صورة ..) وإلا فإن العدد لن يرى النور. وظلت هذه الرقابة سارية المفعول إلى حدود سنة 1977. وحتى بعد هذا التاريخ كانت وزارة الداخلية تحشر أنفها لتضييق الخناق على حرية الصحافة وترهيب الصحافيين، إما بإعطاء أوامر أو تحذيرات هاتفية، أو مطالبة الجرائد بعدم التطرق لقضية من القضايا، كما حدث سنة 1978 إذ أن الوزير اتصل بالجرائد لإخبارها بأمر مفاده عدم السماح بنشر أي شيء يتعلق بالانتفاضة التي كانت إيران مسرحا لها آنذاك.

وفي شهر يونيو 1989 صدر آخر عدد من مجلة " لاماليف" ( بالفرنسية ) بعد أن اضطرت مديرتها زكية داود لتوقيفها، لأنه على امتداد 15 يوما على التوالي كان يتم استدعاؤها من طرف وزارة الداخلية وتظل تنتظر ساعات عديدة وفي الأخير يطلب منها الرجوع صباح يوم الغد. وفي الأخير عندما تمكنت من لقاء إدريس البصري أفهمها بطريقة مباشرة بضرورة تخليها على إصدار المجلة.
هكذا أعدم إدريس البصري مجلة لاماليف.

إدريس البصري ومحمد المديوري

يعتبر محمد المديوري زميلا لإدريس البصري إذ أن كلاهما انحدرا من جهاز الأمن الوطني، وكانت تربطهما علاقة صداقة سرعان ما تحولت إلى عداء فأصبح الواحد يحتاط من الآخر، لاسيما وان مدير الأمن الخاص للملك ( المديوري) كان أقرب إلى الملك من إدريس البصري. وتجنبا "لخطره" عمد إلى التقرب من عدد من العاملين بـ " دار المخزن" وغدق كثيرا من الأموال عليهم ليتمكن من الاطلاع على كل ما يدور بها وسعيا وراء قطع الطريق على كل محاولة لتبليغ أمور للملك الحسن الثاني قد تضره وتفقده ثقة الملك.
وهكذا تمكن إدريس البصري من وضع عينه على كل الجهات التي من شأنها أن تزعزع مكانته لذى الملك الحسن الثاني.

البصري وهشام المنظري

صرح أكثر من مصدر أن هشام المنظري كان صنيعة إدريس البصري، إذ لم يكن ولوجه للقصر الملكي واقترابه من الملك الحسن الثاني أمرا عفويا أو غريبا عن الخيوط التي كان يحركها وزير الداخلية المخلوع عن بعد.
كما كشفت إحدى المصادر المطلعة عن العلاقة التي كانت تربط هشام البصري، ابن الوزير، بهشام المنظري. وكذلك علاقة هذا الأخير بمحمد المديوري وحفيظ بنهاشم المدير السابق لإدارة الأمن الوطني. واعتبرت أكثر من جهة أن ارتباط إدريس البصري بهشام المنظري يدخل ضمن خطته الساعية لاختراق القصر الملكي.

وأكد أكثر من مصدر أن زوجة إدريس البصري سعت كثيرا لزواج هشام المنظري من حياة الفيلالي المنتسبة لنساء القصر ودعمته.

ويقول أحد العالمين بخبايا الأمور أن زوجة البصري قامت بما قامت به بإيعاز من زوجها الوزير حتى لا يظهر في الصورة ويظل بعيدا عن الموضوع لعدم إثارة الشكوك حوله.

ومما يقوي هذا الطرح أن التقرير الذي أعده إدريس البصري بخصوص هشام المنظري بطلب من الملك الحسن الثاني، قبل ترخيص الزواج، كان في صالحه كشخص يستحق أن يصاهر القصر وتم التستر على كل نواقصه وإخفاء حقيقته.

ومن القرائن التي تشير إلى أن هشام المنظري عين من عيون البصري تدخل هذا الأخير لإخراجه، كالشعرة من العجين، بعد أن تورط في اغتصاب فتاة بالقوة بالرباط في نوفمبر 1995. كما ذهبت بعض المصادر إلى التأكيد على أن إدريس البصري ساهم في تسهيل هروب المنظري من المغرب بعد أن فاحت روائح فضائحه.
وبهذا الخصوص، أكد شاهد عيان أنه رأى هشام المنظري رفقة هشام البصري بمطار الدار البيضاء، لكنه لم يتمكن من مغادرة المغرب وبعد يومين تمكن من مغادرة التراب الوطني من مطار الناظور بتواطؤ مع أحد المسؤولين الأمنيين هناك.

البصري والإسلاميون

كل القرائن تؤكد أن إدريس البصري كان وثيق الصلة بالحركة الإسلامية منذ بروزها في فجر سبعينات القرن الماضي. كان يدعمها ويساندها قبل أن ينقلب عليها رأسا على عقب.
وقد صرح بنفسه وعلانية أنه كان وراء قيام حزب العدالة والتنمية تبعا لتعليمات الملك الحسن الثاني.

ومن بين المحطات التي انقلب البصري فيها على من كان يحميهم بالأمس، اعتقالات سنة 1982 التي طالت صفوف الشباب المنضويين تحت لواء الحركة الإسلامية. إن هذه الاعتقالات حصدت عشرات الشباب تحت غطاء توزيع منشور ركيك العبارة ذي مضمون سافر تمت فبركته على يد البصري وأعوانه ثم توزيعه. وأعدت محاكمات صورية أصدرت أحكام إعدام والسجن مدى الحياة. واعتقد البعض أن مثل هذه الممارسات بجانب أخرى، هي التي ساهمت في تجميع الشروط لبروز التطرف الديني بالمغرب.

كما اتهمت الشبيبة الإسلامية إدريس البصري بضلوعه في التهييء لاغتيال مرشدها عبد الكريم مطيع بالديار السعودية. وكشفت أنه قام، بمعية صهره، بتشكيل خلية مكونة من شبان (أغلبهم يحتلون مواقع قيادية في إحدى الأحزاب السياسية البارزة حاليا) لاختراق تنظيمات الحركة الماركيسية واستعمل بعضهم كمخبرين كانوا يزودونه بمعلومات عن تحركات أعضاء حركة الشبيبة الإسلامية بالأحياء والمؤسسات التعليمية. وساهم أحد الكولونيلات، رئيس حامية، وأحد العمال (رجل سلطة) القريبين جدا من البصري في تسهيل هذه المهمة.

ويقول عبد الكريم مطيع إن نجاح الحركة الإسلامية في غضون السبعينات دفع إدريس البصري إلى إقناع القائمين على استئصال قيادتها ليخلو له الجو ويسخرها لمصالح سياسية شخصية للمزيد من التقرب من الملك ونيل المزيد من ثقته. وبذلك تبخرت الحركة الإسلامية فذهب من ذهب إلى بن لادن وتوجه البعض إلى الجزائر والبعض الآخر إلى إيران والتحق الباقي بالسلفية الجهادية.

ويعتبر محسن بناصر، الناطق الرسمي للشبيبة الإسلامية المغربية، أن جملة من قادة حزب العدالة والتنمية كانوا على علاقة بالاستخبارات المغربية رغم أنه الآن يضم مجموعة من بعض المخلصين الذين يتخذونه وغطاء، كما أن جملة من المنضمين لحزب العدالة والتنمية يجهلون حقيقة قيادييه. ويضيف، أن البصري يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الحركة بدءا من منتصف السبعينات، وبعض المنضوين تحت لوائها جندتهم الدولة بواسطة البصري وصهره وحسني بن سليمان في حرب افغانستان ضد السوفييت، وهؤلاء هم الذين شكلوا النواة الأولى للمغاربة الأفغان.

البصري بعين بشير مصطفى السيد

رغم ابتعاده عن الأضواء يعتبر بشير مصطفى السيد (شقيق الوالي السيد مؤسس البوليساريو) ذاكرة للمفاوضات بين المغرب والانفصاليين. علما أنه وجد نفسه في صلب القرار الصحراوي بعد مقتل شقيقه.
لم يكن بشير مصطفى السيد يرغب في مقابلة إدريس البصري إطلاقا، فجل قادة البوليساريو ظلوا يعتبرونه المسؤول على إفشال كل محاولات اللقاءات السرية منذ الثمانينات.

وفي أول لقاء جمع إدريس البصري ببشير مصطفى السيد بأحد فنادق لشبونة سنة 1989 وقال الثاني للأول: "أنا لن أناقش معك ولن أتفاوض معك وكل ما أطلبه منك هو أن تسهل لقائي بالملك الحسن الثاني". أما في اللقاءات الموالية فقد حضر معه رضا جديرة (مستشار الملك) ومحمد بوستة (وزير الخارجية آنذاك).
وحسب بشير مصطفى السيد، كان البصري يعتمد أسلوب الاستفزاز إلى درجة – يقول بشير مصطفى – "أنني شعرت بأن ما يهمه هو إفشال أي مفاوضات أو مباحثات بين المغرب والصحراويين".
ويضيف أنه خلال لقائه مع الملك محمد السادس (ولي العهد آنذاك) هاجمه البصري فكان رده: "لو كنت موجودا في ضيافتنا لعلمت أن أخلاقنا لا تسمح لنا أن ننحط إلى هذه الدرجة". آنذاك تناول ولي العهد (الملك محمد السادس) الكلمة أمره أن يلتزم حدوده، فصمت البصري ولم ينبس بكلمة إلى أن انتهى اللقاء.

العفورة والسليماني يؤديان ثمن ما ارتكبه البصري

انتفض إدريس البصري عندما علم باعتقال عبد المغيث السليماني، رئيس المجموعة الحضرية للدار البيضاء الكبرى (عبد العزيز العفورة، عامل عمالة عين الشق الحي الحسيني). في تقديره جاء اعتقالهما وتوريطهما في الملف المعروض على أنظار العدالة للانتقام منه. فالسليماني ابن عم زوجته والعفورة من أقرب العمال إليه وأحسنهم في نظره، وهو الذي كان قائما على حملة التطهير والتي قادها بكل "نزاهة وجدية".

وحسب رواية إدريس البصري (الفريدة من نوعها) بدأت الحكاية عندما صرح الملك محمد السادس في إحدى استجواباته أن مشكل الصحراء على وشك الانتهاء باعتماد الحل الثالث. آنذاك نشر الوزير المخلوع مقالا بجريدة "لوموند" الفرنسية وضح فيه موقفه بخصوص هذا الحل، ومباشرة بعد ذلك توصل ببرقية جاء فيها (حسب إدعائه): "... إن لم تصمت، سنتابع أقرب معاونيك".
هكذا بدأت الحكاية في تقدير إدريس البصري الذي رد قائلا على التهديد: "سوف لن أستسلم، وسأتكلم أنا أيضا وسأكشف أسماء وسأفجر فضائح تهم تدبير المال العام".

فؤاد عالي الهمة وحميدو العنيكري ألذ أعداء البصري الظاهرين

لم يترك إدريس البصري فرصة تمر دون التذكير بالعداء البين الذي يكنه لكل من فؤاد عالي الهمة وحميدو العنيكري اللذان يحملهما مسؤولية كل المحن التي تساقطت عليه منذ تنحيته يوم 9 نوفمبر 1999.
ويحلو له أن يقول ويعيد أن هاذين الشخصين عملا تحت إمرته لعدة سنوات. وظل ينعتهما بـ "الأميين السياسيين وبالأقزام".

وقد سبق وأن صرح أكثر من مرة أن فؤاد عالي الهمة وحميدو العنيكري هما اللذان اخترعا حكاية زوجته الثانية السرية، والمقالات المنشورة بخصوص هذا الموضوع نشرت بإيعاز منهما.

كما سبق لإدريس البصري أن أعلن أنه كان ينوي مقاضاتهما بفرنسا لأنهما كانا وراء منعه من السفر إلى الديار الفرنسية قصد تلقي العلاج وبذلك كانا قد عرضا حياته للخطر على امتداد أربع سنوات كاملة.

تحالف البصري – بوتفليقة

يعتبر إدريس البصري في تصريحاته المختلفة أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رئيس كبير، بخصوص مشكلة الصحراء المغربية، قال يوما "كانت الجزائر في تلك الفترة تتوفر على رئيس كبير هو الراحل الهواري بومدين بمعية الرئيس الحالي للجزائر الذي كان وزيرا للخارجية، ويجب أن نعترف اليوم أن بوتفليقة كان الرأس المدبر لكل النظام البومديني، لقد كان أحد المثقفين والأذكياء البارزين الذين عملوا كل ما في وسعهم لإيصال الجزائر إلى ما وصلت إليه في المحافل الدولية في إطار منظمة دول عدم الانجاز وأصبحت الجزائر البلد الناطق باسم دول العالم الثالث والقارة الإفريقية في الأمم المتحدة"...

البصري، جزائري حتى النخاع

في استجواب صحفي من ثلاث صفحات، ليومية عربية تصدر بلندن، ذكر ابن الشاوية إدريس البصري كلمة الجزائر أكثر من ثلاثين مرة دون أن يذكر بلده المغرب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على (عشقه) و (غرامه) بالجارة الجزائر، التي كانت تتجمع حولها تقارير سرية توضع في مكتبه لما كان رئيسا مباشرا لمديرية حماية التراب الوطني بتمارة.
وقد سبق أن قال البصري إنني كعربي ومغربي ومسلم سأكون فخورا ومعتزا إن عرضت علي الجزائر أي شيء فعندي في الجزائر أخوة لي أحبهم ويحبونني".

وقد سبق أن صرح بذلك ضدا على مسار التاريخ أن "الجزائريين ساهموا في التأسيس للثورة المغربية من أجل تحرير المغرب، قبل أن تبدأ الثورة في بلادهم، فالجزائريون ساهموا في تعليمنا في المدارس، وفي الثانوية التي كنت أدرس بها كان هناك أساتذة جزائريون"...

البصري والملك محمد السادس

سئل البصري يوما عن نقاط ضعف وقوة الملك محمد السادس فقال: لقد كان الملك محمد السادس شريكا لأبيه ومتعاونا مخلصا وكان يعيش حياته كأي شاب، فهو فرد من العائلة الملكية وفرد أيضا من الشعب المغربي، فلم يكن محمد السادس منعزلا ولم يكن متكبرا بل اجتماعيا وصديقا.
وقد قال الملك الحسن الثاني في حق ابنه: "ابني هو ابني فله شخصيته ولي شخصيتي" ويضيف البصري واليوم أقول أن الوضع مضطرب فالمغاربة يجهلون ما يدور في بلدهم في كل المسائل وفي كل الميادين، وهذا ناتج عن تلك العصابة التي تقول للملك "أن كل شيء بخير في المغرب".

خلاصة القول

أغلب المغاربة يعتبرون إدريس البصري اليد الظاهرة للبطش وخنق الحريات والدوس على حقوق الإنسان.
إن سمعة وزارة الداخلية، في عهده، سيئة في مختلف أوساط وفئات المجتمع المغربي، وهي سمعة نقشت على امتداد عقود من الممارسات التي مازالت انعكاساتها واضحة للعيان إلى يومنا هذا.
ظل اسم البصري مقرونا بوهم التآمر وبفكرة أن كل مغربي متهم ومشكوك فيه حتى تثبت براءته، أما القائمون على الأمور والمقربون فهم أبرياء ولو تبثث إدانتهم بالملموس.

إن وزارة الداخلية في عهد البصري منحت السلطة والجاه لأناس بدون وجه استحقاق وأدمت قلوب عائلات مغربية كثيرة.
أما بخصوص الأحزاب السياسية، فبالرغم من مشاعر الكراهية التي تكنها العديد منها له إلا أنها تقر بدهائه ومكره وإخلاصه اللامحدود للملك وأبناء منطقته. تعتبره المسؤول المباشر عن تخريب العمل السياسي.

ومهما يكن من أمر، فإن هناك شبه إجماع على أن إدريس البصري يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية فيما حصل بدءا من نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من اعتقالات وشهداء "الكوميرة" واختطافات وتعذيب ومصائب أخرى كان وراءها. ويذهب البعض إلى اعتبار أن تعثر المسيرة التنموية والديمقراطية كان بإرادة البصري الذي لم يهتم إلا بمصالحه ومصالح ذويه.

مصطفى العلوي: البصري كان ينفذ مخططاته باسم الملك

 من هو البصري ( مسؤول كبير عادي أم هو نتاج لظروف عامة اجتازها المغرب في مرحلة دقيقة من مساره)؟
 إدريس البصري، بالتحديد نموذج بشري من صنوف الكائنات الحية، التي تملأ دروبنا وبيوتنا.. لبشر لازالت له ارتباطات عرقية بالتخلف كما كان في العهد الحجري، حيث كانت المخلوقات لا تعرف أنها عندما تجر التوب الذي يخفي عورتها إلى الأعلى، فإنها تكشف بما هو أسفل.
 هل يمكن اعتبار البصري يدا أو وسيلة بطش تبعا لمقولة مكيافيلي في نظريته بخصوص الحكم و السلطة؟
 إدريس البصري، لم يكن يدا وإنما كان سوطا في يد، لم يكن صاحبها راغبا في أن يوسخها.. بينما الحكم والسلطة لا يستعملان السوط إلا في البلدان المتخلفة.
 ما مدى استفادة البصري من موقع قربه من الملك الراحل الحسن الثاني؟
 عندما قال الحسن الثاني: أنا صاحب الظل، أمشي في الشمس وهم يمشون في الظل، فإنه كان بالطبع يقصد البصري، الذي كان الكل في الكل أيام حكمه.
 هل كانت له صلاحيات واسعة (CARTE BLANCHE) في التصرف أم كان مجرد منفذ؟
 إدريس البصري، لم تكن له صلاحيات.. بل كانت له مبادرات يفصلها على مقاسه تجعله ينفذ مخططاته باسم الملك.
 هل شخصيات مثل البصري (كمسؤول و كمدبر للشأن الأمني سابقا) يمكنها أن تخدم البلاد؟
 كل بلاد لا تتوفر على هيكل ديمقراطي سليم، يكون المسؤول الأول فيها بحاجة إلى بصري.. وكل شعب متخلف، لابد له من رجل قوي متخلف مثله، واقرؤوا التاريخ.
 هل يمثل البصري مشكلا بالنسبة للنظام؟ و إن كان كذلك كيف سيتم التعامل معه؟
 اعتقد أن النظام أقوى من البصري، فما بقى للوزير أن يساوم به أكثر مما قرأنا(...)
 هل حياة البصري الخاصة لها تأثير في حياته العامة؟
 لقد ارتكب خطئا فادحا عندما أشرك أولاده وأصهاره في اقتسام الغنائم.. فأساء إليهم ولو كان البصري ذا بصيرة(..) لعرف أن الزمان يدور.
 يقال أن طريقة ضبطه لمنافسيه كانت تعتمد على توريطهم أو مسك أسرار خاصة بهم، إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الأسلوب منهجا "بصريا" في تدبير علاقاته مع أنداده؟
 لا يمكن تسمية أساليب الابتزاز المخابراتي منهجا بصريا فهو أسلوب قديم قدم المهنة المعلومة (...) وكلهم سواء.

"حسن سغروشني"

 لماذا رفعتم دعوى قضائية ضد إدريس البصري؟
 خلال سنة 1984 ومباشرة بعد إطلاق سراحي، كانت لدي رغبة ملحة في رفع دعوة قضائية ضد إدريس البصري، لكن الظروف السياسية آنذاك لم تكن تسمح بذلك وعندما بدأ عمل هيئة الإنصاف والمصالحة لم أرغب في أن تشوش دعوتي هذه، ضد إدريس البصري، على عمل الهيئة. وموقفي هو أن يكون التعويض مادي ومعنوي. وبعدما رفعت هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرها. قدمت ملفي لهذه الأخيرة وفي الآن نفسه رفعت دعوى قضائية ضد إدريس البصري وأنا أعتبره المسؤول الوحيد عما تعرضت له بالأمس. ومازلت أتعرض له اليوم.
 ما هي صفتكم لرفع الدعوى القضائية ضد إدريس البصري؟ هل بصفتكم الشخصية؟ أم في إطار تنظيم حزبي أو جمعوي؟ وعلى ماذا استندتم لرفع هذه الدعوى القضائية ضد إدريس البصري؟ وما هي إثباتاتكم؟
 الدعوى التي رفعتها ضد إدريس البصري تكتسي بصفة شخصية محضة وبصفتي معتقل سياسي سابق، استندت في رفع هذه الدعوى القضائية على ما تعرضت له من طرف إدريس البصري الذي كان في تلك الآونة المسيطر على الأجهزة الأمنية وكان صاحب القرار السياسي الأول في هذه البلاد، إضافة إلى نسخة من الحكم عن الفترة التي قضيتها في السجن وبعد ذلك الرفض الذي لقيته عندما أردت متابعة الدراسة في الجامعة وحرماني من جواز السفر مدة 6 سنوات.
 ما مآل هذه الدعوى القضائية؟
 كلنا نعلم جيدا الظروف التي كانت تعيشها البلاد خلال سنوات الرصاص فكل ناشط سياسي كان يتعرض للاعتقال والمضايقات بسبب تنديده ومناهضته للوضعية السياسية في البلاد آنذاك، وهذه الدعوى القضائية هي عمل فردي وشخصي حيث أنني لازلت أعاني من الإهمال عندما قدمت شكاية وانتظرت الجواب فترة معينة. وتقدمت برسالة مفتوحة عن طريق البريد المضمون.
 لماذا لجأتم إلى الإضراب عن الطعام؟ وهل لازلتم مصرين على محاكمة البصري؟
 قررت خوض الإضراب الإنذاري عن الطعام أيام الخميس، الجمعة والسبت لتجاهل الجهات المسؤولة وتعنت الدولة المستمرة لحد الآن. فقد أخبرت الجهات المعنية في الرسالة الموجهة إلى وزير العدل عن نيتي في خوض إضراب عن الطعام في حالة إذا ما استمرت الدولة في تعنتها وتجاهلها لرسالتي هاته. وأظن أن المعركة التي خضتها ليست بالهينة.

نعم أنا لازلت مصرا على محاكمة إدريس البصري وخوض الإضراب عن الطعام لإسماع صوتي إلى الدولة. لأني لم أحصل على إجابات أو ردود بعدما راسلت وزارة العدل وقدمت الشكاية. مما أثر سلبا على نفسيتي لأن حلمي سرق بالأمس مني والآن نفس الموقف يتكرر في حين أننا اليوم نعيش عهدا جديدا من الشفافية والديمقراطية والوضوح وحق المواطن في التصرف بالشكل المرغوب فيه والملاحظ أن كل هذه التغييرات مجرد شعارات لا غير وأظن أنه من حقي الحصول على رد أو جواب على الشكاية التي رفعتها والرسالة التي أرسلتها إلى وزارة العدل إما بالرفض أو القبول مع إعطاء تفسير لهذا الأخير. لكن رسالتي قوبلت بالتجاهل التام. وهذا ما لا أرغب فيه ولا أقبله.
 أين ستحاكمون إدريس البصري، هل في المغرب أم في فرنسا؟
 لقد قدمت الدعوى القضائية ضد إدريس البصري هنا في المغرب بحكم أنه كان وزير الداخلية الأسبق في تلك الفترة (سنوات الرصاص) وأظن أن عنوان إدريس البصري واضحا وجليا كما يعلم الجميع وما على الدولة إلى مراسلته وفي حالة عدم امتثاله للقضاء لماذا لا تتم محاكمته غيابيا كسائر المحاكمات التي تقام؟ فهو ليس فوق القانون.
 ألا تعتبرون خطواتكم هذه في غياب أي دعم (سياسي، مدني) مجرد مزايدة سياسية؟
 بالعكس فهذه رغبة سياسية أكيدة ولن أستطيع نسيان ما عانيته في الاعتقال طول تلك الفترة ولازلت أعانيه لحد الآن من تهكمات ومضايقات والكل يتفرج. إذن من يكون إدريس البصري هذا؟
 ماذا يمثل إدريس البصري بالنسبة إليكم هل هو مجرم "سياسي"، "اقتصادي"، أم دكتاتور نظام كان سيد الموقف فيه؟
 إن الجرائم التي ارتكبها إدريس البصري هي جرائم اقتصادية، سياسية واجتماعية ولا يجب أن ننسى أنه المسيطر على دواليب الدولة وكان يتصرف بالشكل الذي يرغب فيه، إضافة إلى أنه كان يرأس أم الوزارات وهو المسيطر الوحيد على جميع القرارات في البلاد وكل القرارات السياسية الصادرة كانت من اختصاصه وهو المسؤول الوحيد عن وضعية المغرب حاليا.

 كيف يمكن أن تقدموا للقارئ شخصية إدريس البصري؟
 إن شخصية إدريس البصري غنية عن التعريف ولنأخذ مثال شاب في العشرين من عمره وعلى الرغم من عدم معايشته لحقبة إدريس البصري. لكن ما سمعه وسيسمعه عن إدريس البصري وما فعله في الحقبة الماضية (سنوات الرصاص) سيمكنه من رسم صورة حقيقية على إدريس البصري الذي تعددت ضحاياه ولم يستطيعوا التعبير عما عانوه خلال فترة احتكاره للسياسة الداخلية للمغرب.

محسن بناصر الناطق الرسمي للشبيبة الإسلامية المغربية
عهد البصري كان عهد ظلم وعسف وتصفية الصادقين

يعتبر القائمون على أمور حركة الشبيبة الإسلامية أن إدريس البصري استهان في عهده بالوشائج الاجتماعية والروابط الروحية بين فئات الأمة ومكوناتها، وبذلك فوت على المغرب عقودا من الاستقرار والتقدم والإزدهار.
 من هو إدريس البصري في نظر الحركة الإسلامية؟
 إدريس البصري لا يمثل شيئا بالنسبة للحركة الإسلامية المغربية، هو مجرد رقم ابتليت به ثم اندثر، مثلما يصاب المرء في مرحلة الطفولة بالحصبة أو السعال الديكي.
إدريس البصري هو أحد مسؤولي الأجهزة الأمنية الداخلية في المملكة المغربية، ونظرا للثقة التي تمتع بها لدى الملك الراحل وقربه من مركز القرار ظن أن الحركة الإسلامية لحداثة نشأتها وسيلة سهلة لإثبات قدراته الأمنية ومهاراته البوليسية والبرهنة على إخلاصه للدولة، كما أن عجزه عن الممارسة العملية لتعاليم الإسلام بسبب تسيب وفساده ملأ قلبه غيظا على الملتزمين الصادقين فعمل على الانتقام منهم والسعي لإفساد علاقتهم بالقصر ومحاولة شق صفهم، مع العلم بأنه مجرد قطعة غيار في آلة قمع متكاملة لها نهجها ومهندسوها ، وليس من المعقول أو الموضوعية أن يتحمل وحده مسؤولية ما وقع. نحن في الحركة الإسلامية المغربية، نحس اتجاهه بالحزن والأسى لما آل إليه أمره، وندعو له بالتوبة النصوح والفرج واليسر، لأننا دعاة خير ورحمة ولسنا مطلقا دعاة حقد أو انتقام أو شماتة، لقد أمضى الرجل عمره في ترقيع دنيا غيره بإفساد آخرته، فلينتبه لما بقي له في الحياة ولتكن التوبة خير مآل له ولذريته.
 في اعتقادكم هل أساء إدريس البصري للمغرب؟
 نحن لا ندافع عن أحد أساء، ولكن ندعو للإصلاح ما استطعنا إليه سبيلا، أغلب الفاعلين السياسيين أساؤوا للمغرب منذ حصوله على الاستقلال، من جهل أو سوء نية أو سوء فهم أو ميل للاستبداد والتسلط،، وإن حملت فئة ما سيف العدل الحاسم فلن ينتج عنه إلا الفتنة والتقاتل والفساد. في حين أن المغرب في أشد الحاجة إلى صفاء القلوب والتصالح والتعاون المثمر بين كل فئات المجتمع.
نحن ندعو الجميع بما فيه أعضاء حركتنا إلى تصفية القلوب وإعادة مياه المودة بين مكونات الأمة إلى مجاريها. على ألا يفهم أن هذا الموقف نابع من فهم بوليسي أو حزبي.
 ما هي الأمور التي تؤاخذونه بها؟
 ليس لنا حاليا عليه أو على كل من أساء إلينا إلا مأخذ واحد هو عدم شعورهم بمسؤولية ما حدث وتأخرهم في إصلاح ما فسد.
 هل لجأ إلى الدسائس للتصدي للحركة الإسلامية و كيف ذلك؟
 لابد أولا أن نميز من هي الحركة الإسلامية، إن كنت تعني بها فئات المشتغلين، بصدق، بالتوعية الدينية وتبليغ الرسالة المحمدية لمن لا يعرف أحكامها، وفئات الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فهؤلاء لن ينجح أحد في التآمر عليهم، وإن كنت تعني ممارسي السياسة من أجل الحصول على مناصب في البرلمان أو الحكومة أو امتيازات مالية واجتماعية فهؤلاء لا علاقة لهم بالحركة الإسلامية وإن تلبسوا بها، هؤلاء طلاب دنيا. ونحن لا علاقة لنا بهم أو بنهجهم. الحركة الإسلامية المغربية بريئة منهم ومن تصرفاتهم ومتاجراتهم.
 ما وجه العلاقة بين البصري و محاولة اغتيال مرشد الحركة؟
 محاولات الاغتيال والاختطاف عموما مسؤولية جماعية للأجهزة، وليست مسؤولية فرد واحد، إنها مسؤولية الدولة. وهي ممارسات ما زالت سارية لحد الآن... على الرغم من منعها والتنديد بها.
 كيف تمكن البصري من اختراق حركتكم؟
 بكل دقة وموضوعية، نؤكد أن الأجهزة الأمنية كلها - وليس البصري وحده - كانت لها خططها التي زعمت أن بها تحمي الدولة من الحركات المعادية يسارية كانت أم إسلامية، وقد تمكنت من اختراق واستقطاب جميع الفئات التي استهدفتها، لم تسلم أي حركة من مثل هذه المحاولات، ونحن على يقين أن الذين سقطوا في الطريق - سواء من المحسوبين على اليساريين أو على الإسلاميين - كان لا بد أن يسقطوا، لأن غايتهم في الأساس لم تكن إلا مصالحهم الشخصية، وقد حققوها، وفي نفس الوقت طهر الله منهم صف العاملين الصادقين. كل الحركات التغييرية في العالم وعبر جميع مراحل التاريخ عرفت مثل هذه الظواهر وعلينا ألا ننزعج منها. إن كل من يسعى إلى ربه لابد أن يتفرغ له متعبدا بمجرد الالتقاء به، من كان يعبد المال عبده إن التقاه، ومن كان يعبد السلطة سجد لها عند لقائها، ومن كان يعبد الله تعالى فالموعد هو الآخرة.
 كيف تقيمون حصيلة عهد البصري؟
 لاشك أنه كان عهد لظلم وتعسف وتصفية الصادقين، واستهانة بالوشائج الاجتماعية والروابط الروحية بين فئات الأمة ومكوناتها وإفساد العلاقة بين الدولة وبين المخلصين من أبنائها وقد فوت على المغرب عقودا من الاستقرار والنماء والتقدم والازدهار.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى