الاثنين ٢٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم هند فايز أبوالعينين

إذاعة سوا .. وبرنامج "سوا شات"

عندما بدأ بث هذه الإذاعة باللغة العربية من العاصمة الأمريكية واشنطن، أشهرت أن رسالتها الإعلامية هي أن تقارب بين المفاهيم الشبابية الغربية والعربية من خلال الموسيقى. وبدأت تبث الأغاني الأحدث عربيا وأجنبيا ، كما تضمنت برامجها تحديث معلومات الشباب عن كل ما هو جديد في السينما والموسيقى الغربية. ترى هل هذه هي الطريقة التي يتم بها مقاربة المفاهيم الشبابية بين أقطاب العالم، كما يراها البنتاغون؟ أم أن هناك ما هو باطن تحت هذه الأهداف وخلف هذه الطرق؟

في آب الماضي، وبعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان بأسبوع، طرحت الإذاعة الشبابية سؤالا من خلال برنامجها " سوا شات" والذي يطرح سؤالا عاما ويتلقى الأجوبة من الشباب في الشارع العربي. ولم أستطع أن أعرف من خلال الأجوبة المطروحة ما إذا كان السؤال يستهدف تغيير فكرة في عقول الشباب ووعيهم السياسي، أم أنه يهدف إلى القول بأن التوجيه قد تم وانتهى، لكن للعلم فقط؟

السؤال المطروح على الشباب العربي بعد انتهاء الحرب على لبنان كان : هل تعتقد أن على الدولة أن تحتفظ بجيشٍ قوي؟

طُرح هذا السؤال في وقت كان يتم فيه نشر الجيش اللبناني في الجنوب اللبناني، ووقت تم فيه النصر لحزب الله لقوة تدريب جيشه وليس لحداثة ترسانته، وهو ذات الوقت الذي وعى الشعب اللبناني والعربي فيه أنه بدون حماية جيش حزب الله فلبنان تجلس في مهب الريح وتحت إرادة إسرائيل تماما. إلا أن ما راعني هو فئة من الأجوبة التي أذيعت على سوا شات، وهي بأصواتٍ بعض منها لبنانية ، ولا أعلم إن كان معد هذا البرنامج قام متعمدا بإنتقاء هذه الأجوبة، أم أنها أصلا إجابات ملقـّنة وليست ارتجالية.

فقد أتت إجابات متعددة ، تكاد تشكل نصف ما أذيع، بأن لاضرورة للاحتفاظ بجيش قوي في الدولة إن كانت الحكومات فيها ديموقراطية؟؟!!

هذه الإجابات تعني أحد تفسيرين، أحدهما داهية والثاني أدهى.

فإن الشباب الذين يعتقدون أن دمقرطة حكوماتهم كفيلة بإغنائهم عن الجيش القوي ، فهذا يعني أن الجيل العربي المعاصر قد تربى على أن الجيش في دولته هو أداة حماية للحكومات من شعوبها. وأن غرض الدولة من الاحتفاظ بالجيش القوي هو قمع إرادة الشعب وتكتيف أية قوى معارضة للأحزاب الحاكمة. أي أن وجود الجيش في الدولة أصلا معناه وجود القمع والخوف من الكلمة الحرة. ومعنى أن يتربى الشعب والجيل بأسره على هذا المفهوم أن الإنسان العربي في حالة عداء فطري مع حكومته، أيا كانت توجهاتها، لمجرد وعي هذا الانسان بأن في الدولة جيشا قويا.

أما الأدهى من ذلك في دلالات هذه الإجابة، هو أن الجيل العربي المعاصر لا يعي أنه تحت تهديد مستمر من الكيان الإسرائيلي، القابع في قلب الشرق الأوسط كما ينبض السرطان في القلب. أيعقل هذا؟؟ وبعد حربٍ أثبتت - من بين حقائق عديدة - أثبتت أن خطر العدوان قاب قوسين أو أدنى، أيعقل أن بقي شاب عربي يعتقد أن الجيش القوي في بلاده هو لمجرد التباهي وقمع الشعب ، وأن لا داعي لوجوده إن حلّت الديموقراطية في بلاده؟؟

قد يكون هذا هو ما كسبه العقل الصهيوني من لعبة الزمن. فبعد تخدير ٍ امتد إلى ثلاثة وثلاثين عاما منذ أن قامت آخر حرب عربية ضد إسرائيل، استخدموا الإعلام في التخدير العربي الجماعي، بحيث أن حربا بكامل هولاتها على دولة "ديموقراطية" هي لبنان لم يفعل مفعول وخز إبرة صغيرة في الجسد العربي الكبير. والحقيقة الأقوى بين الحقائق التي أثبتتها هذه الحرب، وهي أن كل دولة عربية بحاجة إلى جيشٍ قوي ليثقل كفتها في ميزان الرعب في الشرق الأوسط، لم تأخذ مفعولها في العقل العربي.

تـُرى، هل أذاعت "سوا إف إم" هذا السؤال وإجاباته في ذلك التوقيت مصادفة ً؟ أم هو التبجح بأن خسارة معركة في الحرب لا تعني خسارة الحرب كلها؟ فقد ربح العقل الصهيوني حرب العقول والتخدير لأجيالٍ قادمة، وإن خسر بضع جنود.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى