الأحد ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٤

عزيمتي قوية

مها أبو سرور ـ مديرية مدرسة بنات جورة الشمعة الثانوية ـ فلسطين

آذان الفجر يوقظني، والنوم ما زال يملأ جفوني، وعظامي محطمة كمن داس فوقه كبش أو ثور هائج، أزحف من السرير زحفا، وأدعية الصباح تخرج من فمي ببطء وتتسرب خيوط الشمس الذهبية ويبدأ النهار، وأبدأ بالركض أفتح التلفاز على المحطات المحلية والمذياع على أخبار السادسة والنصف لأرى وأسمع ما جد وما حدث.

أرتدي ملابسي وأركض رغم تخلخل عظامي ذاك الطريق المنحدر، وألوح بيدي إلى السيارات ويكاد يلمحني أحدهم، أركب، مطب تلو مطب، وحفرة بعد حفرة، ويفرمل ويكاد وجهي يرتطم ، وأقول يا ساتر يا رب، وأحمد الله أنني وصلت مركز المدينة، وأبدأ بالتفكير من أي طريق سأذهب؟ أم من الممر الجبلي، فأهونهما وأسهلهما أمّر من العلقم، سأذهب عن طريق الحاجز العسكري، الطريق سهل وربع ساعة أكون في المدرسة، لا سيوقفني الجندي ويأخذ هويتي وربما يعيدني من حيث أتيت، وإن تكرّم وسمح لي بالمرور سأبحث عن شاحنة وأتسلقها بين الحصى تارة وبين المواشي تارة أخرىوما أجمل ركوبي بسيارة نقل تحمل بمبة وشيبس!...... إذن سأذهب من الممر الجبلي، آه ما أصعب ذلك الممر، الوادي عميق والممر ضيق ومتعرج، والأرض كالصابون والسائق متهور، هل سأموت هناك، هل سأفقد صحتي وعافيتي؟ هل سأعدم شبابي؟ وما أدراني قد أذهب طريقا أطول، وحفرا أكثر، وبرك ماء بلا أسماك ولا حتى ضفادع، هل ستنتظرني سيارة الجيش أم جرافته؟ هل ستحفر الطريق؟ آه إنه محفور أصلا! هل سيجددون تحفيره؟ هل سيعاكسنا جيب الجيش؟.

تأتي سيارة ونركب وصوت فيروز يرتفع، صيّف يا صيف رجعتنا قريبة(طب أخبط) حفرة ثم مطب ثم حفرة، اليوم عن الوادي يقول السائق : ما في طريق غيرها، أتحسس جيبي نفذت نقودي، نقودي وصحتي وشبابي، لم يبق سوى عقلي الذي أفقده عندما ينتهي خيط الزفته ويعود لي عندما تدوس عجلات السيارة أو طرف للزفته، وتغني فيروز والكل يتكلم وأصمت أصمت والدموع تترقرق في عيني ماذا جنيت؟ أترجح يمينا ويسارا خمس وثلاثون دقيقة نتأرجح فيها إلى اليسار وإلى اليمين وإلى الأمام وإلى الخلف، والغبار يملأ صدري ويعلق بملابسي، وعيوني ترقب الوادي، هل سأموت هنا؟ هل أنا قادرة على العمل حال وصولي إلى المدرسة؟؟ هل نحن نخدم الوطن؟؟ هل حب الوطن لا يضاهيه ثمن؟؟ هل صحيح أن الراتب لا يعني شيئا؟؟ هل صحيح أن الكل يحترمني لأنني أعمل لأجل الوطن؟؟تساؤلات وتساؤلات ! حسرة وألم، ونصل حافة الزفتة، وأنسى ما كان، وأنسى ما نظمت من أشعار وما ألقيت من خطب وما كتبت من رسائل.

ويبدأ الدوام وتنتظم الدراسة وننعزل عن العالم الخارجي ويأتي النذير، الجرافة أغلقت الوادي لا يهم سنكمل ما جئنا لأجله، سنكمل رسالتنا، وأتساءل ما سبب تلك الآلام أسفل في ظهري؟؟ ربما من الحذاء؟ أو ربما من الجلوس؟ وأتذكر بأنه الطريق الطويل ، طريق الشقاء.

وينتهي الدوام ويقرع الجرس، ونركب من جديد وأغيب في عالمي، وأنظم أشعارا وأنظم مظاهرات، لا سأنظم مسيرة، سأحمل رايات، سأرفع أعلام.

بدأ الخط الأبيض، وتركنا الأسفل خلفنا ، وأتأمل الصخر، أتأمل الشجر، أتأمل العشب والزهر إنه ينمو ويعيش لا يهمه جرافة ولا طريق وعري. أقول في نفسي: سأكون كجذر شجرة تشق الصخر وتمشي جميع الطرق المفتوحة، أنزل.. أطلع.. أتقدم.. وأتراجع، وتطل بيت لحم بمبانيها، ونصل الزحام، والناس تتراكض، وهنا مسيرات وهناك غاز، أهربوا ... أسرعوا.. إنفروا، وتنهمر دموعي وأبحث عن منديلي في جيوبي، وأنسى أنني مسحت به حقيبتي من الغبار الأبيض، وأتذكر أن دموعي تنهمر من الغاز عندما أرى دورية الجيش.

مها أبو سرور ـ مديرية مدرسة بنات جورة الشمعة الثانوية ـ فلسطين

هذه القصة منقولة عن كتاب مركز ابداع المعلم في رام الله ـ فلسطين وقد قام الاستاذ حذيفة سعيد جلامنة بتنسيقه وتحريره وتدقيقه .
موقع المركز هو
www.teachercc.org


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى