الأربعاء ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم ناصر الحجيلان

ظاهرة حلق الشارب أو تقليمه

إن تغير شكل الشارب لدى السعوديين الشباب وكبار السن –كذلك- أصبحت ظاهرة لا تخطئها عين المراقب. ولا أدري عن السر وراء ازدراء عدد من السعوديين لشواربهم في السنوات الحالية. كنت أعرف أشخاصًا في الأربعين وفي الخمسين من أعمارهم ولهم شوارب كثيفة ولما عدت إلى السعودية بعد غياب طويل وجدتهم إما بدون شوارب أو بشوارب تشبه خطوطًا رقيقة. وكان لي صاحب له شارب يشبه المعول وكان يفتخر فيه باعتباره رمزًا للرجولة وللفحولة؛ وحينما قابلته وجدت شاربه تحول إلى رقم ثمانية صغير يطرز شفته العليا التي تحولت هي الأخرى إلى رقم يشبه حرف السبعة ربما بسبب الحنين لذلك الشارب الذي كان يخفي معالمها لسنوات طويلة!

يبدو أن التعديل في شكل الشارب أصبح أمرًا واقعًا أكثر من كونه موضة مؤقتة؛ وقد يخلق بعض الصعوبات الأمنية لمن يريد مطابقة صورة الشخص في الهوية على صورته في الواقع. فقد كنت في أحد البنوك في شرق الرياض وكان أمامي رجل في الأربعينيات تقريبًا يكثر من الحركة والالتفات خلفه، وكأنه يتذمر من تأخر موظف البنك في أداء عمله. وحينما وصله الدور، طلب منه الموظف هويته وسرعان ما أنكره قائلا له بأن صورتك في الهوية تختلف عنك. احتدّ الرجل مستنكرًا هذا التصرف من الموظف لأن الفرق بسيط فهو في الهوية بشارب معقوف يشبه حرف الثمانية ولكنه الآن تخلّص من ذلك الشارب. لكن الموظف طلب منه هوية أخرى، فأعطاه رخصة القيادة التي كان فيها شاربه كثيفًا يتسربل طرفاه إلى أسفل من الشفتين. فرفض الموظف صرف الشيك حتى تدخل المدير واعتبر تغير صورة هذا الرجل في الرخصة وفي بطاقة الهوية عن صورته الحقيقية مسوّغًا لتصديقه.

ومن يدري فربما تجد إدارة الأحوال المدنية نفسها مضطرة للاستجابة لهذه الطوارىء التي ألمت بالمجتمع في التغير في أشكال وجوه الرجال وبخاصة أشكال الشوارب التي تغير ملامح الوجه نهائيًا. وإذا كان الشخص من هواة التغيير كل أسبوع فيمكن أن توضع له أكثر من صورة في بطاقة الهوية بأشكال متعددة للشارب وللدقن وللعوارض. لأن التغيير في شكل الشارب يعتبر قضية مهمة تتطلبها الحياة الحديثة ومتابعة القنوات والظهور بمظهر المثقف الواعي؛ ومن المنطقي أن يتجاوب الجميع معها بأريحية!

ولكن عند النظر في أسباب إقبال الرجال بشراهة على التخلص من شواربهم بجزّها ورميها في الزبالة -أكرمها الله من تلك المهانة-؛ فإننا يمكن أن نفهم سبب ذلك عند الشباب الصغير الذي يتبع الموضات والتقليعات الجديدة، ولكن السؤال عن الأشخاص من كبار السن؛ كيف استطاعوا التخلي عن شواربهم العريقة بكل بساطة؟

قال لي أحد الأصدقاء -الذي يلاحقني لكي أتخلص من شاربي- بأن السبب هو تقليد مذيعي القنوات الفضائية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب كثرة شكوى زوجات الرجال من تلك الشوارب الكثة المنغصة لهن. ولهذا فقد كان التخلص من الشوارب عند السعوديين أمرًا بسيطًا لم يحتج إلى مشاورات أو تخطيط طويل المدى؛ وقد تقبل المجتمع المحافظ هذا التغير الأساسي بسرعة وبتلقائية عجيبة. وربما يضاف إلى ذلك سبب جوهري وهو الرغبة في التخلص من الماضي الذي يوحي به ذلك الشارب الكثيف لمن كان له شارب، وهو ماض كشف الحاضر عن بؤسه في فترة الأسهم السعودية العام الماضي وما قبله. فقد أصبح الشاب الثلاثيني وما دونه مثلا يملك العام الماضي ملايين الدولارات من الأسهم، وهو نفسه قبل سنتين لا يملك قيمة لتعبئة سيارته بالبنزين. هذه النقلة الاقتصادية السريعة الهائلة جعلته يتذكر ماضي الشارب ولا يريد الارتباط به. لكن بعد عودة الأسهم إلى الانخفاض واستقرار الأمور؛ فهل ستعود تلك الشوارب إلى الظهور مرة أخرى؟

ولاشك أن للشارب قيمة ثقافية في المجتمع؛ ولكي نعرفها لابد من العودة إلى الزمن السابق حث كان الشخص الذي يحلق شاربه في نجد لا يجد الارتياح من الناس، بل إنه يعتبر شخصًا غير سعودي. ومن الأمور المستغربة عند الناس أن يروا خواجة يلبس شماغًا، ويذهلهم أنه يتكلم باللهجة المحلية! لهذا كان من الطبيعي أن يعتقد الكثيرون بأن حليق الشارب «أجنبي» أو «خارجي» أي من بلاد الخواجة؛ لأنه ظهر بمظهر يختلف عن الأغلبية، ولم يكن لرأي حليق الشارب قبول قوي اعتقادًا من الناس أنه يقول شيئًا غريبًا أو منقولا من بلاد أخرى. وكان حليقو الشوارب قلة يعدّون على الأصابع؛ أما اليوم فإنهم كثروا وربما يصبحون هم الأغلبية خلال فترة زمنية قصيرة إذا استمرت عملية محاربة الشوارب بشكل فعّال؛ وهي عملية تدرب عليها الحلاقون؛ لدرجة أنك تجد بعض الحلاقين يهوي على شاربك بالتقليم دون أن يسألك، ولو طلبت منه التوقف فإنه سيعتقد أنك تريد حلقه نهائيًا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى