السبت ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم ليلى بورصاص

زمن اللافرسان

...طوت آلامها بين حنايا نفسها... لم يعد هناك من تشتكي له... كانوا كلهم متفرجين على محنتها... اختفت من وجوههم الإنسانية... بدوا كالأنعام... أليس الموت بشرف أفضل من حياة بلا شرف... ديست رجولتهم بالنعال كما ديس شرفها...
كانوا يظنون أنهم نجوا من تيار الموت الجارف لما صمتوا...لقد اعتبروها قربانا... بل قدموها قربانا في معبد الجبن... يضمنون به عدم التعرض لهم... لكن جرت رياح الغدر بما لا تشتهي سفنهم... توالى التدنيس... توالت القرابين... توالت المحن والكرب... إنها لا تريد الشماتة في أي منهم... لكنها لا تحس بالشفقة اتجاههم... فرحهم أو مصائبهم عندها سواء... إنها لن تنس ليلة مظلمة اقتيدت فيها إلى مشارف القرية... ضرب، شتم، اغتصاب... إنها لن تنس عندما استنجدت بهم... فآثروا الصمت المهين حتى لا تطالهم الأيادي الآثمة... عمي محمد؟ عمي مسعود؟... الم تكونا تناديانني بابنتي... عمار؟ الم تكن تعدني أنه لن تمسني نسمة هواء وأنت في الوجود؟... لو كان والدها على قيد الحياة لافتداها بنفسه... مجرمين "حقارين"... إحساس غريب ملاها لم تعرف كنهه... خوف، نقمة، كره، احتقار، تقزز.. بل خليط من كل ذلك... قاومت الوحش الآدمي الإرهابي بكل جسدها... بكل روحها... أنشبت فيه أظافرها فسالت دماؤه... صفعها... انهارت وكانت النهاية الأليمة...

بعد أن ذهب الأوغاد... خرجت والدتها العجوز تبحث عنها في ظلام رهيب... ودت أن لا ينجل... أفاقت.. أدركت ما حدث... يا ليت الموت يكتنفها بصمته وستاره...

–الله وكيلك يا ابنتي...

–لن أستطيع أن أرفع عيني في القرية... كيف أعيش فيها وأنا ملطخة النفس قبل الجسد؟...

–بل ارفعيها... هم الأنذال الذين يجدر بهم ألا يعدوا أنفسهم رجالا...

وجاءت أدوارهم تباعا... كل يوم يترامى إلى مسمعها نبأ... أليم... مخز.. ليس فرحا ما تحس.. لكنهم أصبحوا سواسية... حتى ابنة عمي مسعود لم تسلم... وأخت عمار كذلك.. صار بإمكانها الخروج والحلول بأي مكان... ولا داعي لان تخفي بطنها الذي بدا في البروز... لقد أضحوا جميعا عبابيدا...

تراهم كظلال رجال يجلسون مطأطئي الرؤوس... سلبت رجولتهم.. هدرت كرامتهم... تلمحهم يهمسون همسا كحفيف الأفاعي... لم تعد تهتم لشيء سوى لمخلوق بريء تحمله بين ضلوعها... ليس له ذنب... هو ضحية مثلها... بل ألعن منها... لن تخبره شيئا... وعندما يسال عن أبيه ستروي له الأساطير... ستحكي له عن مكارم أخلاقه.. وعن نبل صفاته.. وعن شهامته ورجولته.. وعن فروسيته... ابتسمت ابتسامة سخرية... إن القدر يهزأ منها ومن مأساتها...

قررت الرحيل عن هذا المكان... يجب أن ينشأ.. طفلي بمكان فيه رجال يقتدي بهم... حملت ووالدتها العجوز ما تبقى لهما من متاع... ومع أول خيوط الفجر رحلتا... التفتت إلى القرية الصماء ونظرت إليها نظرة خالية من أي إحساس... ثم شقت طريقها نحو المجهول... لا خوف.. ولا أمل.. ولا موت أيضا...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى