الثلاثاء ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

رواية صامتة

متقوقعٌ أنتَ في غرفتك... تكتب وتكتب، ولا ترد على الرسائل، ولا تأبه لرنين الهاتف... أعرف أنك بقدرتك العقلية الفائقة تستطيع أن تتحكم بالأمور... كي لا تشرد قليلاً عن أفكارك... وتبقى رهين الورق والخيال.

متقوقعٌ أنتَ في غرفتك... إذاً... لا تخرجْ منها، وإن استحضر خيالُك صورةََ المكان الذي التقينا به... لا تتعب نفسك في الذهاب إليه، لأنك إن خرجتَ سيجمد أفكارَك البردُ الذي يعربد في الخارج...، ولكن إن أردت الخروج لأمر ما، تدثّر بكل أوراقك وحروفك، فربما تهب عاصفة على غرفتك فتكسر نوافذها وتسرق ما رتبته من أوراق وحروف، وتبعثرها في شوارع حزينة لن تقدر على أن تلملمها بمفردك، وأنت وحيد في هذا العالم..

وحيدٌ أنتَ... وتبنّيتَ الصمت منهجاً كي تجد لك مكاناً في هذا العالم، لا... لن أكلمكَ... ولن أقطعَ سلاسل الصمت التي خضتَ متاهاتها بحثاً عن ذاتك... وإن أردت قراءة أفكاري، لا تفتح بريدك، لأنك ستضطر إلى محادثتي، وأنا لا أريد قطع سلسلة صمتك... ابقَ كما أنت في صومعتك، ولا تلق بالاً لما يحدث في الخارج، في أقرب نقطة إليك، وفي أبعد نقطة عنك.. وحيدٌ أنتَ، ومتقوقعٌ في غرفتك... إذاً، أغلق هاتفك ولا تستقبل أية رسالة من أية جهة كانت، فربما تشرد قليلاً عما أنت فيه، ولا... لن أكلمكَ، ولن أرسل حروفي إليك... فقد تضطر إلى أن ترسل حنينك وأشواقك ومتاعبك وأوراقك وأفكارك كلها، وأنا غير مستعدة بعد دهر من الفراق أن تنهال عليّ جميعها فأحار عن أيها أجيب!

وحيدٌ أنت، وأفكارك تتعبك، ولا تعرف كيف تبدأ بصياغتها... إذاً، إن رن جرس هاتفك، لا ترفع السماعة، فقد أكون أنا، وقد تضطر إلى أن تترك قلمك لتكلمني، وأنا لا أريد أن أبعثر حروفك، فيمضي زمنُك في البحث عنها.

وحيدٌ أنتَ، وأنا لا أريد أن أقتحم عزلتك، فما من داع لأعبر عن اشتياقي وعن لهفتي وعن جنون أحاسيسي تجاهك، لا... لن أجعلك متعباً من خفقات قلبي لك، يكفي أن تكونَ أنتَ أكثر راحة من أشواقي!!.

دع عنك لومي، ولا ترد على أسئلتي، وإن غضبتُ وعلت نبرةُ صوتي، لا تنفعلْ، ولا تهز خلية من خلاياك، فقد تتوه أفكارك وتأخذ لنفسها مجرى آخر، وقد تغضب منك فتخرج من باب غرفتك وتصفعه وراءها وتذهب إلى غير ما رسمتَه لها، وحينها لن تعرف كيف ستعيدها إليك، ولن تفلح في أن تجلب بعضاً منها، بعد أن جعلتَها تغضب منك حين فارقتَها بخيالك، وستضطر إلى أن تمزق الأوراق لتعيد الكتابة مرة أخرى.

متقوقعٌ أنتَ، تكتب وتكتب، ولا تفتح بابك لأحد، للذين تركوا عليه لصاقات ورق ليعلموك أنهم أتوا إليك...، لأصدقائك الذين ظنوا أنك ميت...

متقوقعٌ أنتَ، إذاً، إن داهمك الوقت ووجدت عقارب ساعتك تشير إلى الثالثة صباحاً، ووددت أن ترتاح قليلاً قبل أن تذهب إلى النوم، لا تفتح جهاز الكمبيوتر لترد على رسائلي الملقاة في بريدك، لأنك ستكون متعب الفكر، منهار القوى، ولن تفهم كلمة واحدة من التي كتبتُها إليك، ستجدني أبالغ في القول وفي الخيال، وإن وجدتني أسألك : ما الحب؟ لا ترد... لأنك ستجيب بدقة متناهية، وستضطر إلى أن تشرح تفاصيله بعناية كأنك ممسك بزمام أموره، وأنا لا أريد أن أحيل فكرك إلى أمر قد يشرد بك عما أنت فيه، إلى أمر لن تبلغه إن بقيت منعزلاً عن حنيني وأشواقي... دع فكرك يجول فقط على الورق!!.

* * *

يمضي الزمن بخطواته الثقيلة... سنة... سنتان... وفي كل يوم أفتح بريدي ولا أجد فيه رداً على رسائلي إليه... تُرى هل غيّر عنوان بريده الإلكتروني؟... أتصل به ولا أسمع سوى نداء المجيب الآلي.... تُرى هل غيّر رقم هاتفه؟... هل هو مريض؟... هل سافر إلى مكان ما؟... هل انتهى من الكتابة؟... هل مات قبل أن ينهي الكتابة؟...

أمشي في الشارع أبحث عن خطواتي، تتراءى لي كتب في واجهة إحدى المكتبات، أقترب، أقرأ عنواناً جذبتني إليه كلمة طالما سحقت ذاكرتي سنين طويلة (الصمت... رواية... بقلم...) أدخل المكتبة، أطلب نسخة من الرواية... أمسكها بكلتا يدي، أفتح صفحة الإهداء، أقرأ: (إلى التي صممتُ آذاني عن حبها، وبقيت صورتُها لا تبرح خيالي... إليها أهدي روايتي هذه، والشوق يغلي في عروقي إليها...!!).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى