الاثنين ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤
بقلم أشرف شهاب

محمد عودة: الفلسطينيون أسقطوا العولمة

محمد عودة واحد من المثقفين المصريين الذين يشار إليهم بالبنان. فهو استطاع أن يستوعب مفردات الثقافة العربية ودمجها بالثقافة السياسية ليصنع لنفسه وجهة نظر خاصة. وهكذا لم يتحسس محمد عودة مسدسه عندما ذهب مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود لمناقشته ليخرج الحوار التالى:

 فلسطين: أولا نرحب بالكاتب الكبير على صفحات مجلتنا. يمر عالمنا اليوم بتغيرات متسارعة، ويشهد نموا متزايدا للحركات المناهضة للعولمة حتى فى داخل الولايات المتحدة الأمريكية. فما هو تقييمك لمفهوم العولمة؟

 عودة: لقد أثبتت العولمة فشلها. ورغم أن مظاهر العولمة انتشرت فى كل مكان فى العالم إلا أنها لم تستطع أن تقدم النموذج الإنسانى الذى يرضى عنه العالم. لقد كان البعض يتخوفون من أن تهدد هذه العولمة الثقافات الوطنية وتسعى إلى فرض نمط موحد من التفكير ومن أسلوب الحياة. ولكن من الواضح أن كل دعاوى العولمة قد فشلت. وأبرز مثال على فشل العولمة هو نموذج المقاومة الوطنية الفلسطينية الذى استطاع إسقاط النمط الاستهلاكى الذى تفرضه العولمة فى أربعة وعشرين ساعة فقط.

 فلسطين: كيف تم ذلك؟
 عودة: عبر المقاطعة. لقد استطاعت الانتفاضة الفلسطينية أن تحشد الناس خلفها لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية. والمثير أن طلبة الجامعة الأمريكية أنفسهم تحمسوا لهذه الدعوة. وهكذا أثبتت انتفاضة الشباب والأطفال أن تتحدى رموز العولمة. ويرجع الفضل فى هذا إلى عراقة الشعوب وأصالتها. هذه الأصالة هى التى أثبتت لمناصرى العولمة أن قدراتهم محدودة جدا فى مواجهة الحضارات التى تترسخ داخلها جذور الهوية.

 فلسطين: ولكن ذلك لا يعنى أن العولمة قد تلقت ضربة قاضية أو أنها فشلت.. ربما ستتم إعادة حسابات.
 عودة: لا. أنا أقول أن العولمة فشلت أنها لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تحقق مجتمعا أفضل. فشلت فى أن تحقق الرخاء والعدالة التى تزيد من إنسانية الإنسان. بل على العكس من ذلك خلقت قيما سلبية، وحاولت صنع مجتمعات استهلاكية. وأثبتت أنها فى نهاية الأمر تعمل لصالح الطبقات العليا المالكة والحاكمة فى الولايات المتحدة الأمريكية. هؤلاء هم الذين ساعدوا الروس فى البداية على غزو أفغانستان، ثم ساعدوا حركة طالبان. وبعد أن حققت لهم طالبان ما يريدونه قالوا إنها إرهابية. وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتستكمل سيناريو السيطرة على العالم عبر احتلال أفغانستان.وتأمين منابع النفط الجديدة.

 فلسطين: ألا تعتقد أن العولمة نجحت فى تثبت نفسها فى فترة وجيزة وأنها ما زالت فى مرحلة تؤهلها للاستمرار رغم كل المعارضة التى تلقاها؟
 عودة: ا يجب أن ننسى أن العالم يموج بالمقاومة. الصين تقف قبالة الولايات المتحدة. وكافة المجتمعات العربية ترفض أمريكا. ولم يعد لأمريكا حلفاء فى المجتمعات العربية سوى بين الطبقات الحاكمة. يمكنك أن تفهم وضع العولمة من خلال وضع أنصارها فهم معزولون جماهيريا ويواجهون السخط من جانب شعوبهم.

 فلسطين: حسنا.ما دمنا قد استغرقنا فى النقاش فى مفهوم العولمة فيجب أن نسألك عن تعريفك لها.
 عودة: أولا يجب أن أوضح أن أى دولة استعمارية فى التاريخ لن تعترف فى أى وقت أنها تستعمر العالم. بل على العكس كانوا يقولون أنهم يحملون شعلة الحضارة والتنوير للعالم. ولكن الأمريكان كانوا أكثر صراحة عندما أعلن الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت فى بداية القرن العشرين أن القرن التاسع عشر كان بريطانيا ولا بد أن يكون القرن العشرين أمريكيا. وهو ما يعنى أن ينتقل مركز ثقل العالم عبر المحيط ليستقر على شواطىء الولايات المتحدة. وما زالت هذه الفكرة تعشش فى رؤوس الأمريكان إلى اليوم. وجاءت فكرة العولمة لتطرح السيطرة على اقتصاد العالم لصالح الشركات الأمريكية. وهكذا فمن الواضح أن ملخص فكرة العولمة هو نوع من الاستعمار الجديد. العولمة هى مجرد غطاء للهيمنة الاستعمارية على اقتصاد العالم. ولهذا لم يكن غريبا أن تنفجر المقاومة فى وجه العولمة فى قلب المدن الكبرى فى سياتل وواشنطن ولندن. لأن سلبيات العولمة أكبر بكثير من إيجابياتها حتى بالنسبة لمواطنى الولايات المتحدة الأمريكية. لقد سعت مائتى شركة للسيطرة على اقتصاد العالم ليزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا.

 فلسطين: لماذا تتحدث عن العولمة على أنها إنتاج أمريكى فقط؟ ألا ترى أن هناك دولا أخرى يهمها فرض نموذج العولمة؟
 عودة: النسبة الكبيرة من الشركات العابرة للقارات والشركات الأساسية فى العالم هى شركات أمريكية. صحيح أن هناك شركات كبيرة من اليابان أو فرنسا وإنجلترا. ولكن الواقع يقول أنه لا يمكن أن تظهر فى العالم شركة عابرة للقارات أو متعددة الجنسيات دون أن يكون للأمريكان دخل فيها أو حصة منها.

 فلسطين: يعتبر البعض أن العولمة هى نتيجة طبيعية للتطور التكنولوجى.
 عودة: هذا الكلام معاد ومكرر ويقولونه منذ أيام الثورة الصناعية. أيام الثورة الصناعية قالوا أن الآلة ستحرر الإنسان من العمل اليدوى ومن الأعمال الشاقة والثقيلة. ولكن الواقع أثبت عكس ذلك. لأن التكنولوجيا تأتى فى إطار نظام يسعى إلى تحقيق الربح. ولا تأتى فى إطار نظام يسعى إلى تحقيق العدالة والقيم الإنسانية. أما القول بأن التكنولوجيا تتطور لكى تهزم الإنسان فهذا قول مغلوط.

 فلسطين: هل يعنى ذلك أنك لا ترى فى العولمة سوى السلبيات، دون أى إيجابيات؟
 عودة: العولمة فى حد ذاتها كمفهوم ليست سلبية. فهى تعنى رؤية العالم بشكل شامل رؤية عادلة ومنصفة. وهى تعنى تنظيم الاقتصاد العالمى تنظيما شاملا يراعى توزيع الموارد. وبالتالى تحقيق قدر أكبر من العدالة فى توزيع الثروات. ولكن ما يحدث هو أنها تحولت إلى وسيلة لإغراق العالم ببضائع تتسبب فى إغلاق مصانع الدول النامية. وهكذا ظهر اقتصاد عالم غير متوازن. الدول العربية والأفريقية لا تستطيع التصدير وأمريكا والدول الصناعية تفتح الأسواق مستخدمة آليات التجارة الحرة، والعولمة لتذليل العقبات التى تقف فى طريقها نحو تحقيق الأرباح.

 فلسطين: طرحت أحداث 11 سبتمبر قضية العلاقة بين الأصولية والعولمة.
 عودة: لا علاقة من وجهة نظرى بين الأصولية والعولمة. نحن لدينا مشكلة تتلخص فى توفير مجتمع إنسانى يحقق الرخاء والعدالة. أى التوزيع العادل للسلطة والثروة والمعرفة. حتى العولمة طرحت نموذجها الخاص. ولكن الأصولية لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تقدم أى نموذج للمجتمع الذى يتحدثون عنه. إذا الصراع فى العالم ليس بين الأصولية العولمة ولا بين الأصولية والعلمانية. الصراع هو بين الرأسمالية التى تطرح نموذج العولمة والنظم الأخرى التى تطرح حلولا أخرى كما فى أوروبا التى تنتشر فيها التيارات الاشتراكية الديمقراطية. وهناك الطريق الثالث فى مواجهة تاتشر وهيلموت كول.

 فلسطين: أنت تنظر إلى العولمة على أنها غطاء للاستعمار الأمريكى. ألا يحمل هذا المفهوم جزاءا من نظرية المؤامرة؟
 عودة: هناك بالفعل مؤامرة. ألم يكن استدراج مصر للحرب عام 56 مؤامرة؟ ألم يكن الاستيلاء على أرض الفلسطينيين مؤامرة؟ ألم يكن استدراج الفلسطينيين للتوقيع فى أوسلو مؤامرة؟ أنا لا أتحدث عن المؤامرة بالمعنى الضيق للكلمة، ولكننى أتحدث عن منهج متكامل يفرضه علينا النظام الرأسمالى. وهذا المنهج يقوم على أسس علمية وقواعد تحليلية. ويعتمد على أساليب متقدمة فى البحث والتحليل والحصول على المعلومة ودراستها حتى يحقق أهدافه. المؤامرة لا تعنى أن هناك عصابة تتآمر لهدف ما، ولكنها تعنى التخطيط الواسع القائم على نظم وأركان معرفية.

 فلسطين: نشكرك على هذا الحديث الشيق. ونتمنى أن نجرى معك حوار عاما فى مرة قادمة.
 عودة: (ضاحكا) هل رأيت؟ لقد تركت العولمة أثرها على الحوار. وها هى غيرت من خطته التى كنا قد اتفقنا عليها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى