الأربعاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

قضايا مغربية - القسم الخامس ـ المقاطعة ….والمصالح الإسرائيلية ببلادنا

أكثر من جهة نادت ولازالت تنادي بمقاطعة المواد والمنتوجات والخدمات ذات الصلة بشكل أو بآخر بإسرائيل أو بحليفتها التاريخية والاستراتيجية: الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا التصرف من قبيل أضعف الإيمان بالنسبة للمواطن العادي الذي يعاين يوميا تقتيل الشعب الفلسطيني في ظل صمت العالم ونكايته. لكن المطالبة بالمقاطعة، بالإضافة للمواد والمنتوجات الظاهرة والمعروفة. يجب أن تطال كذلك المصالح الإسرائيلية والتصدي إليها.

وهناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا وفي أكثر من بلد عربي. لاسيما وأن الإسرائيليين تمكنوا من التسرب بمختلف الأشكال في جملة من القطاعات الاقتصادية وتمكنوا من إرساء مصالح أكيدة تساهم في تمويل الآلة الحربية الإسرائيلية مباشرة.

وقد يقول قائل أن العلاقات انتهت رسميا مع إسرائيل منذ 23 أكتوبر 2000، في عهد نتنياهو، مع إقفال مكتب الاتصال الإسرائيلي، على مختلف الأصعدة ومن ضمنها العلاقات الاقتصادية والتجارية إلا انه في الأيام الأخيرة قامت مجموعة من الفعاليات المغربية بتوجيه التماس إلى عبد الرحمان اليوسفي لمطالبته بمنع استيراد أي منتوج قادم من إسرائيل إلا أن وزيرنا الأول لم ير من الأجدى أن يولي الاهتمام لهذا المطلب لهذا كافي زيادة للتساؤل حول استمرار العلاقات التجارية بين بلادنا و إسرائيل، لكن ألا توجد علاقات من تحتها" لا " تخفى على القائمين على الأمور، و من ضمنهم الوزير الأول ؟.

فمن الأكيد كذلك أنه كانت هناك علاقات تعاون على الصعيد العسكري مع إسرائيل لا سيما بعد معاهدة أسلو سنة 1993وهذا ما تطرقت إليه أكثر من جهة و لم يتم تكذيبه في حينه.

و لا يخفى على أحد أن في منتصف تسعينات القرن الماضي لم يفت الإسرائيليون أي فرصة للاستثمار ببلادنا. ألم يتم توقيع اتفاق بين الخطوط الملكية الجوية و شركة عال الإسرائيلية عندما كان سيربح بريدكو وزيرا للسياحة ؟ كما أنه في تلك المرحلة بالضبط سمعنا عن مشاريع بين رجال أعمال مغاربة و إسرائيليين رغم أنها لم تر النور كلها و لم تجسد على أرض الواقع مثل مشروع هنا مردخاي في القطاع السياحي بأكادير و محاولة المجموعة المالية الإسرائيلية كول بيس بروجكت إحداث فرع لها بالبيضاء من طرف دافييد عامران وهو ضابط سامي سابق بالجيش الإسرائيلي هذه المشاريع لم تكتب أن تر النور لكن أليس هناك مشاريع أخرى أنجزت فعلا ألم تستثمر رؤوس أموال إسرائيلية في قطاع التجهيزات و التكنولوجيا الفلاحية، لا سيما فيما يرتبط بالماء و السقي ؟ ألم تتكلف شركة " تاهال " بتطهير المياه ببن سليمان و استعمالها في سقي ملعب بهذه المدينة ؟ ألم يكن هناك حضور إسرائيلي بارز في مشروع ضيعة التجارب بأزمور ؟ ألم تنشأ شركات ترميم آلات و تقنيات السقي و شركات الملاحة البحرية بمساهمة رؤوس أموال إسرائيلية ؟ فمن الأكيد أنه في تلك الفترة قامت عدة وفود مغربية بزيارة إسرائيل و عدة وفود إسرائيلية بزيارة المغرب، و أغلب عناصرها كانوا من رجال الأعمال و أصحاب رؤوس الأموال في السبعينات كانت الشركات الإسرائيلية تبيع تجهيزات فلاحية للمغرب مباشرة، و بعد ذلك استمرت هذه المبيعات بواسطة الشركة الهولندية " سلويس و كروت " و غير من الشركات الأوروبية لا سيما تلك المستقرة بقبرص، و في هذا المضمار ساهم البنك الدولي في تمويل جزء من واردات بلادنا في هذا المجال و بهذه الطريقة و لجت منتوجات شركة " نيطافيم " إلى الضيعات المغربية و لا زال الرأي العام يتذكر فضيحة بذور الطماطم المستوردة من إسرائيل
و في هذه الفترة تمكنت بعض الشركات الإسرائيلية مع أخرى أوروبية مثل فيف كونترول " و هي إسرائيلية " و ريكافيم و قيل أنها إسرائيلية إسبانية شركة " زيماك " و شركة «تاهال" و شركة "سوبروما" و شركة "حيفا شيميكال" و شركة "مارتيشيم".

فشركة "زيماك" المحدثة بالدار البيضاء سنة 1983 هي في الحقيقة فرع لشركة "زيم" للملاحة و التي تساهم فيما الدولة الإسرائيلية بأكثر من 48% في رأسمالها و هي تؤمن رحلة بحرية مرة أو مرتين أو ثلاث مرات بين أشود ) حيفا – برشلونة – الدار البيضاء ( وشركة تاهال فهي متخصصة في تكنولوجيا السقي الزراعي، ساهمت في إقامة مشاريع بين سليمان و بوجدة أما شركة ريكافيم فقد أنشئت سنة 1993 كشركة إسبانية و هي فرع لشركة " نيطافيم الإسرائيلية و هي متخصصة كذلك في التكنولوجيا الفلاحية و هناك كذلك شركة "سوبرومان" المتخصصة في شتائل الموز و بذور الطماطم.
أما شركة " حيفا شيميكال" هي متخصصة في الأسمدة و ممثلة من طرف الشركة الفلاحية لسوس و هناك شركة مارشيم" و هي ممثلة من طرف الألمنيوم الفلاحي لسوس.
ولقد حضر رجال أعمال إسرائيليين لبلادنا للمشاركة في المؤتمر العالمي للماء في شتنبر 1997 المنعقد بمراكش إلا أنه ابتداء من سنة 1999 أصبحت الأمور تجري في الخفاء اعتبارا لتوسع مدى الجولة الثانية للانتفاضة الفلسطينية لكن هذا لم يمنع رواج و ترويج المنتوجات الإسرائيلية ببلادنا حيث تم تسجيل سنة 2000 ارتفاع المبيعات بنسبة 18% على الأقل.

فمن المعلوم أن تقنيات السقي الإسرائيلية تغطي أكثر من 32000 هكتار ببلادنا، علما أن 60% من الفلاحين الذين يتعاطون للبواكر يفضلون التجهيزات و التقنيات الإسرائيلية، لا سيما التي تدعي «بابريلا" و " ووادانيلا" من الصعب التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي لأنها تهم أكثر من 5000 هكتار و لأن منتوج الطماطم المصدر يحقق رقما للمعاملات يناهز مليارين من الدراهم، علما أن 85% من الفلاحين يستعملون البذور الإسرائيلية.

فكيف تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى بلادنا في حين لا وجود لأي علاقات تجارية ؟ الجواب بسيط جدا، إن الشركات الإسرائيلية تبيع امتياز تلفيق سلعها لشركات أوروبية ) إيطالية أو أسبانية ( و بالتالي يختفي المصدر الأصلي و الحقيقي للمنتوج، أو أن فروع شركاتها بالمغرب تقوم بفتحها و تأسيسها شركات إسبانية، و هذا ما هو حاصل بالنسبة لشركة «ريكافيم" و هي ممثلة في أكثر من مدينة ببلادنا، و التي تعتبر رسميا تابعة للشركة الأم ريكابير برشلونة و لكنها في واقع الأمر هي فرع من فروع نيطافيم و هي شركة إسرائيلية عابرة القارات.

أما بأية و وسيلة تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى ببلادنا فهناك خط بحري تؤمنه شركة "زيماك" و هي فرع لشركة زيم أن المنتوجات تنتقل من حيفا ) أشدود ( إلى برشلونة و من هناك تأتي إلى الدار البيضاء كمنتوجات أوروبية.
و إذا علمنا أن جملة من المساعدات المسلمة للمغرب من طرف الإتحاد الأوروبي هي مرصود لاقتناء تجهيزات السقي و التقنيات المرتبطة بها فهذا يجرنا إلى التساؤل التالي: فهل هذه المساعدات مرصودة لاقتناء تجهيزات السقي و التقنيات منتوجات إسرائيلية ليس إلا ؟ و يبدو أنه لكل هذه الأسباب و غيرها لم يبادر الوزير الأول للإجابة على ملتمس توقيف قبول المنتوجات الإسرائيلية ببلادنا. وكل هذا يجرنا كذلك إلى التساؤل حول و جود لولبي إسرائيلي بالمغرب ؟ ولعل أول المجالات التي قد تستقطب الأنظار، المجال العسكري.
فلقد كتب الكثير هنا و هناك حول إمكانية حدوث تعاون عسكري بين المغربي و إسرائيل و هناك مؤشرات قديمة في هذا الصدد.

لقد جاء في كتاب أحمد البخاري أن تعيين الجنرال أفقير سنة 1959 على رأس الأمن الوطني عوض محمد الغزواني كان بإيعاز من "إيسير هاريل" رئيس الموساد، و كذلك الشأن فيما يخص اضطلاع المخابرات الأمريكية بإعادة هيكلة المصالح الخاصة بالمخابرات المغربية.كما أنه في كتاب" أنيس بنسيمون " المعنون " الحسن الثاني و اليهود أن الجنرال أوفقير كان على علاقة بالموساد و انه ساهم في تسهيل مهمة المنظمة السرية: " ميسيكري" المحدثة من طرف إسرائيل للإشراف عن ترحيل اليهود المغاربة إلى أرض الميعاد.

و لعل اللوبي الإسرائيلي بدأ في إرساء دعائمه ببلادنا مع بداية الترويج للكذبة الصهيونية الاستعمارية مع تهافت المتشبثين بأهدابها و على رأسهم آنذاك " أنظري شوارق" الكاتب العام للرابطة الإسرائيلية العالمية و هو الذي اهتم أكثر من غيره بدراسة أحوال اليهود شمال إفريقيا، كما ساهم بشكل كبير في تسميم عقول الشباب اليهود المغاربة آنذاك عبر الجريدة الصهيونية " نوار " و هكذا… كانت البداية لتكوين اللوبي من طرف الصهاينة و المتصهينين. و يفيدنا التاريخ حول أولى هجمات هذا اللوبي بمناسبة صلاة " بيصاح" أي السنة القادمة في القدس ، إذ تم استغلالها للكذبة الصهيونية ببلادنا على يد أحد " رسل " الصهيونية و أبرز مؤطريها آنذاك بالمغرب " برو سيبير كوهن " فمنذ بدأت تقوية قاعدة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا للحرس على تحقيق كلما من شأنه خدمة المشروع الصهيوني آنيا و مستقبلا لقد عمل اللوبي الصهيوني العالمي على خلق صلات بين المغرب و إسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي و يذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد أن طرح قضية تمثيلية للشعب الفلسطيني من طرف منظمة فتح دون غيرها، كانت بفعل هذا اللوبي لأن إسرائيل كانت تريد التخلص من دور عاهل الأردن الملك حسين آنذاك في القضية الفلسطينية، لا سيما و أنه كان الوحيد الذي يستطيع إحراج الكيان الإسرائيلي قانونيا بالمطالبة بالعودة إلى خطوط ما قبل يونيو 1967 ارتكازا على مضمون قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في وقت للم تكن فيه منظمة التحرير الفلسطينية قد ظهرت بعد.

كما أنه من المحتمل أن يكون ذلك اللوبي قد لعب دورا كبيرا في تمكين الموساد من الاستماع على مؤتمرات القمة العربية المنعقدة في الستينات.

فلقد جاء في كتاب:" المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل " أن الجينرال الدليمي حمل سنة 1976 أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين: إلى الرئيس أنور السادات.كما جاء فيه أن اللوبي الإسرائيلي بالمغرب عمل جاهدا من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث الرئيس السادات حسن التهامي و مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن و الجنرال موشي ديان في شتنبر 1977 و من القضايا التي ساهمت في كشف قوة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا و أساليب و آليات الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل , فمن المعروف أن بلادنا كانت الداعية و الراعية لأمل عقد مؤتمر اقتصادي بين العرب و إسرائيل سنة 1992 في الدار البيضاء . و كان هذا المؤتمر محاولة جريئة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية ،و قد اعتبرها البعض من بصمات فعل اللوبي الإسرائيلي بامتياز
كما أن تتبع جملة من المواتيق و الممارسات و المهام من شأنها توضيح وجود لوبي إسرائيلي ببلادنا.

فالكل يعلم حاليا أن سيرج بير ديكو، و هو الوزير السابق للسياحة تربطه علاقات وطيدة بحزب" ميفدال " الإسرائيلي و هو حزب يميني متطرف. و قد عمل سيرج هذا على إعداد العدة لتنظيم مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بمراكش سابقا.
ومن الأحداث التي تسير في هذا المسار عقد لقاء سري سنة 1999 بفندق" الميراج " بطنجة جمع بين مسؤولين مغاربة و مسؤولين إسرائيلين، لم يعلم أحد ما دار فيه.

كما انه من بصمات اللوبي الإسرائيلي ببلادنا الحملة المسعورة التي استهدفت الفنان السنوسي.

و كل هذه المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بوجود لوبي إسرائيلي ببلادنا و لعل من هذا المنطق يجب النظر في إشكالية المقاطعة.

قضايا الفعل السياسي

صناعة القرار السياسي
إشكالية التعددية الحزبية ظروف النشأة
رأي في الحركات الاسلامية
أحزاب تحول دون استكمال الانتقال الديموقراطي
تنحي اليوسفي ليس في مستوى مساره الطويل
الاتحاد الاشتراكي بين الموت و الاستجابة لسياق التحولات

صناعة القرار السياسي بالمغرب

لقد لاحظ الجميع أن أهم القرارات التي عرفها المغرب منذ سنتين الى الآن كانت صادرة عن القصر و أن أجدى المشاريع في مختلف القطاعات و الميادين كانت خلال هذه الفترة من صنع القصر و إبداعه. و قد تأكد هذا المسار في وقت كثر فيه الحديث عن المسلسل الديموقراطي و التناوب على السلطة بمفهومها الجديد. كما أنه خلال هذه الفترة بالذات ظهر نوعا من الهجوم و التراجع واضح المعالم في مجال الحريات و حقوق الإنسان، لاسيما حرية التعبير و الصحافة.

و منذ بدأ الحديث عن التناوب اعتقد الجميع أنه ستحدث تغييرات فيم يخص آليات اتخاذ القرارات، لاسيما فيما يتعلق بإقتسام السلطة بين القصر و الفاعلين السياسيين بالمغرب، بل أكثر من هذا، هناك من تحدث على نموذج الملكية البرلمانية على غرار الملكية في بريطانيا. إلا أن المسار على أرض الواقع اتخذ اتجاها آخر مخالفا لما كان منتظرا. لاسيما و أنه تبين أن التناوب التوافقي كان بالأساس لإعادة ترتيب الأوراق و التوازنات، و قد لعب عبد الرحمان اليوسفي دورا حاسما و حيويا في هذا المضمار. و سرعان ما ظهر من جديد أن آليات القرار لا تتخطى دائرة القصر و الدائر الاستشارية و الهيئات التقنوقراطية غير المسيسة ذات العلاقة الوثيقة بمركز الحكم. و هكذا تبين أن المسلسل الديموقراطي مازال في في بداية بداياته بالمغرب، لاسيما و أن حكومة إدريس جطو، ذات طبيعة تختلف عن حكومة اليوسفي، إذ أنها ذات بنية تقنوقراطية، و قد تقوت هذه البنية بجلاء بفعل قصور الفعاليات السياسية في التأثير على القرارات المتخذة. و هكذا أضحى القصر يقود مشروع الاصلاح و مشروع المجتمع الحداثي لدرجة أنه يظهر كفاعل أول و وحيد على أرض الواقع في هذا المجال، و لا يظهر أثر لا للأحزاب السياسية و لا للبرلمان و لا للنخبة السياسية في هذا الصدد.

و زاد الطين بلة في وقت تجلى فيه ضعف الساسة و عدم كفايتهم و ابتعادهم عن تحمل المسؤولية و ممارستها. و بذلك أضحت الساحة خالية لتدخل التقنوقراطيين الذين أصبحوا يساهمون بشكل كبير في صياغة القرار عوض السياسيين كما هي القاعدة في كل الديموقراطيات. و تنضاف الى ذلك وضعية البرلمان الحالية و واقعه، لاسيما فيما يرتبط بفساد ممثليه و دورهم الصوري و عدم قدرتهم على القيام بدورهم، لاسيما فيما يخص المراقبة و المتابعة و قوة الإقتراح. و لعل هذا الواقع، علاوة على فشل الأحزاب و النخبة السياسية يشكلان السبب الرئيسي في تغيير مجرى السياسة و الحكم بالمغرب حاليا. لقد كان من الضروري أن يسد القصر الفراغ، و قد نتج عن هذا الوضع اضطلاع أشخاص غير منتخبين، و إنما مختارين، بالتحكم في آليات بلورة القرار بالمغرب. و أضحى هؤلاء، في الواقع الفعلي، يقومون مقام الساسة و أحيانا كثيرة مكان المؤسسات الدستورية.

و هذه نتيجة طبيعية و منتظرة بفعل ضعف الحقل السياسي الناتج عن ضعف تعبئة المواطنين من طرف الأحزاب السياسية المغربية، أي و بكل بساطة، فشلت فشلا دريعا و أفلست إفلاسا واضحا و غير مسبوق على مستوى التأطير و التعبئة، و كذا على مستوى انتاج و إعادة إنتاج النخب المؤهلة. و بذلك تكون الأحزاب المغربية قد فرطت مرة أخرى في موعدها مع التاريخ عندما كان المطلوب منها هو إعادة النظر في نفسها و أوضاعها و مهمتها و دورها، و لم تقم بذلك لحد الآن بل ربما قامت بعكس المطلوب، إذ بالرغم من أن عدة أصوات نددت بغياب الديموقراطية داخلها و بسيادة ثقافة الزعامة فإن لم تعر أي إهتمام للأمر. و قد وصلت هذه الأحزاب الى وضعية أصبحت الملكية – والتي يقال أنها تقليدية- تطالب الأحزاب السياسية بتحديث نفسها.

و الغريب في الأمر أن بعض هذه الأحزاب كانت و لازالت تطالب بالتخلي عن الطبيعة المخزنية للحكم في المغرب في وقت يقود فيه القصر قاطرة الحداثة بالمغرب.
و خلاصة القول أن واقع المغرب الحالي يعرف و يعاين تجميع كل الشروط لاحتكار اتخاذ القرار على كافة المستويات بفعل عدم قدرة المؤسسات الدستورية و الأحزاب السياسية و النخب السياسية على القيام بالدور المنتظر منها.

إشـكالـية التـعـدديـة الحـزبـيـة بـالمـغـرب ظـروف الـنـشـأة

إن مشروع المنظومة الحزبية بالمغرب عرف النور في منتصف عشرينات القرن الماضي. وهي منظومة فرضتها قوى سياسية وتنظيمية عاشت ظروفا خاصة في تقلص المجال الحزبي آنذاك وعدم التجانس التنظيمي وضعف التأطير.
وما دام كل مشروع حزبي يختزن في جوهره هيمنة إديوليجية وسياسية، فقد استندت الفكرة الحزبية في المغرب على القومية والإصلاح كمنظومة سلفية تمحورت أهدافها بالأساس حول مبدأ الإصلاح

وبعد الاستقلال عرف المغرب بنية امتدت وتوسعت على شكل هرمي تميزت بتفشي الرشوة والتدبير والركود. وتميز الركح السياسي آنذاك بكثرة الأحزاب المتناقضة مع الطابع المنسجم و المتماسك للجهاز البيروقراطي المهيمن.وهكذا أضحت التعددية الحزبية يقابلها جهاز بيروقراطي متكمن من جميع القطاعات الاجتماعية الحيوية. علما أن حالة المغرب ظلت تعتبر من الحالات النادرة في إفريقيا و العالم الثالث عموما فيما يخص عدم سيادة الحزب السياسي الوحيد، رغم أن الحركة الوطنية شكلت كتلة تاريخية تنظمت من خلال حزب كاد أن يكون وحيدا إلى حدود السنوات الأولى من الاستقلال. وهذه الصيرورة فعلت فيها عوامل سوسيولوجية وعوامل سياسية.

في رأيي ثلة من المحللين فإن التعددية بالمغرب لم يكن لها تأثير كبير ومباشر على النظام السياسي المغربي، كما أن حزب الاستقلال – وهو أعرق الأحزاب المغربية – لم يستطع أن يكون حزبا وحيدا و أن الحركة الوطنية لم تنجح في تجاوز خلافاتها وتحقيق وحدتها.

ومن العوامل التي طبعت هذا المسار، هناك الاختلافات العرقية والجغرافية والاجتماعية والتباينات الإيديولوجية والاختلافات الشخصية، وكلها عوامل أثرت بشكل أو بآخر على صعيد التنظيمات النقابية والجمعيات المهنية وغيرها وليس فقط على صعيد الركح السياسي والحزبي الضيق. وهذه التباينات تعكس في الحقيقة التنوع الاجتماعي الذي ظل يطبع المغرب.
إلا أن هذا التنوع الاجتماعي لا يفضي بالضرورة إلى تعدد في التنظيمات ما دام قد أفضى في دول أخرى عديدة إلى نظام الحزب الواحد.

وحسب زارتمان – وهو صاحب مؤلف حول التعددية بالمملكة المغربية – فإن كل تنظيم سياسي يمكنه أن يتحول إلى حزب وطني وحيد متى استطاع احتكار الوسائل المادية والإيديولوجية التي تخول له احتواء مختلف الصراعات. لكن متى استطاع احتكار هذا التنظيم هدفه الأساسي في الوصول إلى السلطة وفقد حماسه الحزبي تحول الأمر إلى دولة بدون حزب، و إذا وجدت قنوات بديلة عن السلطة ومنحت الحرية في المشاركة و التنظيم فإن ذلك سيسفر عن تبلور نظام سياسي تعددي.

إلا أن التعددية السياسية بالمغرب منذ انطلاقها شلت حركة التنظيمات السياسية ولم تجعلها تلعب الدور الأساسي في اتخاذ القرارات، إذ أنها ظلت تلعب دور جماعات المصالح دون أن تؤثر في آليات »خلق السلطة « حسب تعبير » زارتمان «.
إن التنظيم السياسي للحركة الوطنية لم يكن يستند على أسس مصلحية واضحة المعالم، وحزب الاستقلال كان يضم شرائح اجتماعية مختلفة ومن أجيال مختلفة وحرص أن يظل كحزب مهيمن. وفي سنة 1958 تشكلت حكومة ذات أغلبية استقلالية إلا أن برزت في صفوفه خلافات لم يقو على احتوائها فظهرت أحزاب جديدة منافسة له في ذات الوقت الذي عرفت فيه شرخا كبيرا في صفوفه.

وانسلخ منه حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما أنه فقد جملة من أطره وشخصياته ذات النفوذ والتي أسست حركة الأحرار المستقلين ) وهي الفائزة بربع عدد المقاعد في الانتخابات الجماعية ( المجالس المحلية في سنة 1960.

إلا أن أغلب المحللين السياسيين يعتبرون التعددية السياسية التي عرفها المغرب سنة 1960 لم تكن عبارة عن تشر ذم سياسي و إنما كانت عبارة عن نوع من التمايز الطارئ في صيرورة إعادة ترتيب الركح السياسي المغربي. وفي هذا المضمار يكون الانشقاق تعبيرا عن اندماج حزب الاستقلال في اللعبة السياسية لا سيما بعدما تخلص من عناصر التحالف الوطني القديم. فحزب الاستقلال كان يضم زعماء تقليديين لهم نفوذ في مختلف أرجاء البلاد، كما ضم التجار و الحرفيين وصغار البرجوازيين، لكن كانت تتزعمه البرجوازية الفاشية بالأساس. أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فكان يضم زعماء لهم ارتباط بالمدن الصناعية الكبرى ، إضافة للمنشقين من حزب الشورى والاستقلال كما كان له حضور بارز وسط صغار الموظفين ، وقد استطاع الفوز في انتخابات 1963 في المدن الساحلية من طنجة إلى أكاد ير . أما حزب الحركة الشعبية فإنه تماثل خصوصا مع الشرائح البربرية وشرائح تقليدية تعيش في مناطق فقيرة، وقد تميز هذا الحزب بارتباطه بالملكية وانتقاده الشديد لحزب الاستقلال اعتبارا لسخطه التاريخي على البورجوازية الفاسية.

وهكذا يمكن اعتبار التعددية الحزبية بالمغرب أنها قامت على أكتر من معيار. فهناك صراع الأجيال والصراع الثقافي مدن، بادية، سهول، جبال، والفئات والشرائح الاجتماعية – حداثة – والصراع الجغرافي العرقي.

ومختلف هذه الأحزاب عرفت تمايزا إيديولوجيا وسياسيا، فعلى المستوى الإيديولوجي غالبا ما كان حزب الاستقلال يؤكد على القيم التقليدية في حين يؤكد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على قيم عصرية مستوحاة من التجارب العالمية تجربة اليابان، الدول الاشتراكية إلا أنه لا وجود لفصل إيديولوجي واضح المعالم بين الحزبين، إذ أنهما يؤكدان معا على نفس القيم الوطنية و الدينية دون تحديدها بشكل واضح، وهذا جعل من الصعب تصنيف أي من الحزبين بين العصري و التقليدي. فكلاهما يتبنى بشكل متفاوت مقولات العصرنة و التحديث و الدعوة إلى التنمية الاقتصادية و إلى الديمقراطية والتطور العلمي و التكنولوجي.

وحسب بعض المحللين، فإن الحركة الوطنية المغربية لم تستند على أرضية إيديولوجية واضحة الشيء الذي أدى إلى بروز نوع خاص من الأحزاب بالمغرب، الحزب الزبوني والذي شكل أحد ثوابت الحياة السياسية المغربية. وهذا النوع من الأحزاب لا يقوم على أساس إيديولوجي و إنما يقوم بالأساس على مصالح مشتركة.

ويرى البعض أن هذه الصيرورة التي عرفتها الساحة السياسية المغربية كانت بالأساس نتاجا لطبيعة البنية الاجتماعية المغربية ونظامها السياسي. إن التطور الدستوري الذي عرفه المغرب يعتبر حسب هؤلاء صيرورة تبديل أدى إلى الخروج من السلطنة المخزنية إلى الملكية العصرية. وهذه الصيرورة ألجمت من حرية حركة وحركية الأحزاب المغربية، إذ أضحى التنافس الحزبي قائما ليس فقط على ضرورة تغيير النظام السياسي أو عدم تغييره و إنما بالتنافس حول إشكاليات دستورية بحتة.

وعموما يبدو أن التهميش الذي عاينته الأحزاب المغربية كان نتيجة للتطور العام على مستوى البنية الاجتماعية المغربية ولمناورات سياسية.فعلى سبيل المثال، إن تأميم التجارة الخارجية ومنح بعض الامتيازات للنقابات أفضى حسب البعض إلى إضعاف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.كما أن اختفاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية يعزوه البعض إلى كون أن رجال الأعمال و أصحاب المصالح و الثروات شعروا و أحسوا أن بإمكانهم الدفاع عن مصالحهم و تنميتها بالاتصال مباشرة مع الدوائر العليا في البلاد دون حاجة إلى أي وساطة حزبية كما هو الأمر في دول أخرى. وقد تم دعم هذا بالاتصال مع المؤسسات المالية الدولية. وتكتمل الصورة إذا علمنا أن المشاريع الإنمائية في الميدان الفلاحي قد جعلت نخب و أعيان البادية المغربية ترتبط بالنظام أكثر من ارتباطها بالأحزاب السياسية التي لم تقم على امتداد تاريخ وجودها على اختراق البادية أو التجدر فيها، علما أن العالم القروي بالمغرب كان تحت مراقبة المخزن السلطة ) هكذا كانت نشأة التعددية بالمغرب

رأي في الحركات الإسلامية بالمغرب

هناك قوى سياسية تستمد أفكارها من الإسلام، موجودة فعليا وفعلا في المجتمع المغربي، هناك منها العلنية والمعترف لها بالشرعية وأخرى محجوب عنها حق الوجود الشرعي وبالتالي محرومة من حق تشكيل حزب سياسي رغم رغبتها في ذلك، وهناك منها من لا ترغب في الشرعية، وهذا الحجب عن الشرعية ومنع تأسيس الحزب أو هيئة سياسية يرتكزان بالأساس على كون القانون ببلادنا لا يسمح بقيام أحزاب على أساس ديني، لكن هذه التيارات التي لا تتوافر حاليا على الشرعية القانونية، هل تتوفر على الشرعية السياسية والاجتماعية والثقافية ؟ وكيف تتعامل تلك التيارات مع الواقع الحالي ؟

من أكبر التيارات المحجوبة عن الشرعية من حيث الحجم والفعل في الركح المجتمعي هناك جماعة العدل والإحسان. وهو تيار ينعته البعض بتيار الإسلام السياسي. ومن المعلوم أن الإسلام السياسي ليست ظاهرة جديدة أو وافدة على المجتمع المغربي. فالإسلام السياسي كان دائما يعتبر أحد الثوابت الأساسية في التكوين الحضاري والسياسي للمجتمع المغربي.
قبل دخول الاستعمار إلى المغرب كانت القيم والأفكار الإسلامية هي السائدة. وهي التي كانت تطبع السلوك السياسي والاجتماعي سواء بالنسبة للنخبة أو العامة، ودون الدخول في حيثيات إشكالية عدم تطابق التصور السائد ( الإسلام الموروث أو التدين الشعبي) مع الإسلام الحق في أصوله وثوابته.
فالإسلام كان يعتبر الدعامة الأساسية للحياة المجتمعية رغم ما انتابه من خلط بين التصورات الشعبية وبين الإسلام كعقيدة وشريعة. لكن الاستعمار في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 أدخل على مجتمعنا أنساقا أخرى للقيم والسلوك للضبط الاجتماعي وبذلك عوض القانون الغربي نظام الشريعة، الشيء الذي أدى إلى حدوث ازدواجية نظامية وقيمية في المجتمع المغربي، وكان الإسلام آنذاك حاضرا بامتياز في الصراع مع التيارات السياسية الدخيلة وقد برز هذا بجلاء منذ القرن الماضي.

لكن منذ السبعينات حدثت تحولات بمجتمعنا،تأسيس تصور جدري للحركات الإسلامية بلادنا، حيث أنه أصبحت الأفكار ترتكز على تحليل الواقع، والتي اعتبرت أن منظومة المجتمع المغربي مرفوضة بدعوى أنها مقامة بالأساس على " الجاهلية" وعدم التزامه بالأصول الإسلامية ما دامت تعتمد على تصورات ضالة خارجة عن دائرة شرع الله.ف " الإسلام السياسي" ظل كامنا بمجتمعنا، إلا أن تطورات الأوضاع الداخلية والعربية والدولية (هزيمة 1967، تعنت الكيان الصهيوني، هجوم الإمبريالية ) ساهمت بشكل كبير في بروزه، ألم تظهر أولى التنظيمات الإسلامية بالمغرب في السبعينات؟
هكذا بدأ جيل ينخرط في الفعل السياسي الإسلامي، سريا في البداية وعلنيا بأشكال أو بأخرى منذ سنوات قليلة.
فمنذ النشأة ركزت الدعاية السياسية على التشكيك في الرموز والقيم وأنماط السلوك السائدة في المجتمع مع الدعوة لتأسيس معايير جديدة للحكم على الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة، ومع اتساع الاعتقالات في صفوف أعضاء الحركة الإسلامية فتر فعلها إلا أن دعوتها ودعايتها بين الفئات الشعبية ظلت قائمة على امتداد سنوات منذ منتصف السبعينات، رغم القمع الشديد الذي كانت تواجهه آنذاك. وفي خضم هذا الصراع ظهر تأثير جملة من الأفكار على الركح المجتمعي. مثل أفكار التكفير والمجتمع الجاهلي والهجرة إلى الله وكلها أفكار تلتقي في بوتقة واحدة: إصدار أحكام قيمة على المجتمع والفرد.

ومن الواضح أن السياسات الرسمية المتبعة عجزت عن مواجهة الأفكار الإسلامية " الساسية" وعن التصدي للتصورات المجتمعية التي رافقتها وبفعل القمع الشرس اتسعت الهوة بين مختلف المؤسسات الدينية الرسمية ومختلف الحركات والجماعات الإسلامية الفاعلة، بشكل أو بآخر في المجتمع المغربي، ووصلت الأمور في نهاية السبعينات إلى مفترق الطرق، حيث عرفت البلاد انعطافا تاريخيا مع اتضاح الهوة بين الدين والدولة والإيديولوجيات الوضعية وتصورات المشاريع المجتمعية المعبر عنها، وبدأت الجماعات الإسلامية الفاعلة في الركح المجتمعي تبحث عن توحيد الصفوف وتقريب الرؤيا، كما ظهرت جماعات صغيرة جديدة أخرى، وكانت للثورة الإيرانية التأثير المباشر على الحركات الإسلامية ببلادنا، حيث برزت بالنسبة للبعض كنموذج لمشروع مجتمعي، لاسيما وأنه أظهرت بجلاء إمكانية مواجهة الغرب بمختلف تلاوينه اعتمادا على الإسلام كنهج ومنظومة سياسية واجتماعية ودولتية قابلة للتنفيذ بامتياز في العصر الحالي. كما جعلت عجز المؤسسات الدينية الرسمية يبرز على السطح بوضوح وبدأت تساؤلات جريئة تحوم حولها أكثر من السابق. لاسيما فيما يخص عجزها التام وشللها الواضح في مواجهة تحديات الحياة عبر تفعيل آليات النهج الإسلامي الحق بواسطة الاجتهاد لمواكبة المتغيرات ومتطلبات التفتح والتصدي للانحرافات.

وفي غالبيتها دافعت الجماعات الإسلامية على مشاريع إسلامية تعارض الأشكال الرسمية التي انتقدتها بشدة شكلا ومضمونا رافضة المؤسسات الدينية الرسمية التي اعتبرتها مؤسسات موالية، لأنها لا تؤدي دورها المنوط بها وهو الذي يتأسس أولا وقبل كل شيء على تطبيق شرع الله في الدولة والمجتمع.

وتعتبر حاليا جماعة " العدل والإحسان" الأكثر تجربة وتراثا على مستوى التنظير والممارسة والفعل في الركح المجتمعي والتعامل مع مختلف فئات الشعب، حتى على مستوى المواجهة والتصدي على الركح السياسي وفضاءات المجتمع المدني، علما أن أغلب الجماعات خرجت من عباءة الشبيبة الإسلامية التي عرفت النور بموازاة مع الحركة الماركسية اللينينية منذ فجر سبعينات القرن الماضي.

ولازالت بعض الجماعات الإسلامية تعتبر أن الديمقراطية منهاج للحياة مخالف لنهج الإسلام الحق. وحسب هذا التصور أن صاحب سلطة التشريع في الأنظمة الديمقراطية يحرم ويحلل، وذلك من شأنه أن لا يتناسب والنهج الإسلامي. وبعضها أعادت طرح إشكالية الجهاد كواجب لتغيير الباطل، رغم السكوت عن هذه الإشكالية وتجنب التطرق إليها بشكل مباشر.

وعموما عرف الإسلام السياسي ببلادنا تباينا في مواقف الجماعات من الواقع والأهداف المتوخاة وسبل بلوغها، وهي مواقف تختلف بين أطراف النقيضين. فالطرف المتطرف كان دائما يرفض الواقع السائد بأحزابه ومؤسساته ويشكك في شرعيتها ويدعو إلى العزوف عن الانخراط في الأحزاب والساحة السياسية ومقاطعتها، والطرف الاعتدالي، لا يقول بعدم شرعية المؤسسات ولكنه يطالب بتطبيق الشريعة والسماح للتيارات الإسلامية بالممارسة في الشرعية والعلنية.
بشهادة الجميع يعتبر تنظيم " الشبيبة الإسلامية " أول تنظيم حركي إسلامي بالمغرب.

في البداية، في فجر السبعينات ثم تأسيسي جمعية الشبيبة الإسلامية بواسطة مجلس ضم آنذاك أربعين عضوا من رجال التعليم وكان المسؤول الأول فيها هو عبد الكريم مطيع ينوب عنه إبراهيم كمال وكلاهما من هيئة التعليم وحددت الجمعية جملة من الأهداف تمحورت حول إعادة التربية من أجل تربية إسلامية ومحاربة الأمية والتوجيه والاهتمام بالمرأة ومجموعة من الأنشطة الثقافية والمدنية.

وفي سنة 1975 اغتيل عمر بنجلون ووجهت أصابع الاتهام للشبيبة الإسلامية واضطر عبد الكريم مطيع لمغادرة البلاد واعتقل إبراهيم كمال نائبه.

وبعد تهجم الشبيبة الإسلامية على النظام ورموزه تعرض أعضاؤها لحملات قمع شرس لاسيما بعد إصدار عبد الكريم مطيع جريدة " المجاهد" بالخارج سنة 1981، وتعرضوا لاعتقالات واسعة النطاق.

ومنذئذ بدأت سيرورة تشتت هذا التنظيم الذي أفرز عدة جماعات وتوجهات.

منذ بداية سنة 1978 بدأت تظهر داخل الشبيبة الإسلامية اختلافات بين عبد الكريم مطيع والقيادة بالداخل، وتمخض عن ذلك بروز أكثر من توجه:

ـ توجه القيادة داخل الوطن.
ـ توجه مساند لعبد الكريم مطيع المتواجد بالخارج.
ـ توجه يدعو إلى " التبيين ".
ـ توجه يدعى " الحركة من أجل الأمة " الذي ظهر في 1992.
ـ البديل الحضاري الذي برز في 1995.
وتوجهات أخرى قليلة الأنصار والمساندين ففي سنة 1981 التف جزء مهم من مساندي قيادة الداخل حول عبد السلام ياسين وظهرت " أسرة الجماعة " التي أسست في 1983 جمعية الجماعة الخيرية " وفي سنة 1987 رفع شعار " العدل والإحسان «.

وفي سنة 1981 كذلك ظهرت الجماعة الإسلامية المنبثقة من بعض مساندي عبد الكريم مطيع ومنها انبثقت جماعة " الإصلاح والتجديد " سنة 1982 والتي أنجبت بدورها جماعة " التوحيد والإصلاح «.
وانبثقت جمعية الشروق الإسلامية من دعاة " التبيين " وهي الجماعة التي توحدت مع الجماعة الإسلامية بالقصر الكبير وجمعية الدعوة الإسلامية بفاس، وفي 1994 ونتيجة للتجميع ظهرت رابطة المستقبل الإسلامي.

وتحتل جماعة " العدل والإحسان " موقعا خاصا بين التنظيمات الإسلامية الأخرى، حيث أنه رغم الحصار الشديد المفروض عليها تحاول بشتى الطرق والسبل أن تتواصل مع محيطها السياسي والفكري والاجتماعي سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. ولعل هذا الحصار الشديد يدفع الجماعة أكثر فأكثر إلى الإصرار وتقوية المجهودات المبذولة من أجل التجدر وسط الفئات الشعبية وتعريفها بمواقفها وآرائها ومناهجها وأهدافها.

فمنذ 1989 برز توجهان:

 العدل والإحسان لعبد السلام ياسين.
ـ الإصلاح والتجديد لبنكيران.

لكنهما وجدا صعوبات كثيرة في تجميع وتوحيد الجماعات والجمعيات المتفرقة.

ومن الشائع لدى المثقفين أن الحركة الإسلامية هي حركة سياسية ترتكز على الدين وتهدف للوصول إلى السلطة قصد تطبيقه حسب منظورها وتصورها ومنهجها.
والحركات الإسلامية المغربية ما زالت لا تعبر عن مميزات خاصة بها تميزها عن الحركات الإسلامية المعروفة على الصعيد العالمي، إنها لا تنهل من ثقافة دينية مغربية وإنما من تجارب ونماذج شرقية (الثورة الإيرانية، الثورة الأفغانية، الإخوان المسلمون...)

والمرء يلاحظ بسهولة التأثير الكبير الذي تمارسه هذه النماذج على الحركات الإسلامية المغربية، علاوة على الأفكار والتصورات فهناك تأثير حتى على مستوى اللباس والهندام.

نشر هذا المقال في دجنبر 2000

في البداية تم اعتقال المسمى محمد مرابطين من طرف عناصر من مصلحة المحافظة على التراب الوطني D.S.T بطنجة .
وهو مواطن ذو جنسيتين فرنسية وجزائرية، سبق له أن حارب بجانب مجاهدي البوسنة والهرسك، وذلك لسبب علاقاته بالإسلاميين المتشددين بالمغرب، لقد ألقي عليه القبض في شهر يوليو سنة 2000، هذا الاعتقال لم يتسرب خبره إلا مؤخرا رغم المدة التي قضاها لدى عناصر المحافظة على التراب الوطني "الديسطي " ومعلوم أن هذه الأخيرة ليست هي الشرطة القضائية، لهذا اعتقالاتها تبقى وتظل غالبا أو دائما في كامل السرية حتى تتمكن من الوصول إلى الاعترافات، والمعلومات اللازمة والمطلوبة أو المرغوب فيها وكامل خيوطاها.

هل المرابطين الجزائري اجتمع عبد السلام ياسين ؟

وحسب أكثر من مصدر مطلع، فإن محمد مرابطين اجتمع أكثر من مرة مع الأستاذ عبد السلام ياسين الرافض للعنف، سواء بطنجة أو بسلا. كما تأكد وجوده بالمغرب إبان أحداث فندق إسني بمراكش 1994 ولقد اعتقل وأطلق سراحه بدون متابعة لانعدام الحجة، بعد هذا توجه محمد مرابطين إلى فرنسا رفقة عائلته دون شوشرة وعائلته مكونة من زوجته الفرنسية من أصل صربي – كرواتي ـ وثلاثة أطفال ظلوا تحت رعاية القنصلية الفرنسية طوال مدة احتجاز الزوج من طرف " الديسطي DST".

لكن لماذا تم اعتقال محمد مرابطين ؟

في أواسط شهر يوليوز 2000 أو أواخره تمكنت عناصر من الشرطة والجمارك بطنجة من ضبط حمولة من المخدرات " الحشيش" بإحدى الشاحنات المتوجهة إلى أوروبا كمية تقدر بحوالي 19 طنا محمولة مع كمية من الملابس ومنتوجات نسيجية، وتم القبض على سائقها وهو حامل للجنسية الفرنسية أصله جزائري وليست هي المرة الأولى التي يأتي بها السائق الفرنسي إلى المغرب, وله أسلوب خاص حيث اعتاد ترك الشاحنة بعد دخوله إلى طنجة دون قيادتها إلى المكان المرصودة إليه، حيث كان يتركها ويضل ينتظر عودتها ليقودها ثانية إلى أوروبا، وهذه من التصرفات التي أثارت انتباه رجال الأمن ومما أثار الانتباه كذلك أن الكمية من الحشيش (19 طن) لم تكن مخبأة بطريقة جيدة، وبعد أيام من ضبط الشاحنة المذكورة تم اعتقال جزائري آخر حامل للجنسية الفرنسية كذلك من طرف " الديسطي DST بميناء طنجة وهو يتأهب للصعود إلى الباخرة مع عائلته بسيارة شخصية. فهل هذا الاعتقال له علاقة ب 19 طن من الحشيش التي تم ضبطها بأقل من أسبوع قبل هذا.

مهرب المخدرات له علاقة وطيدة مع الإسلاميين ؟!

والظاهر أن الديسطي DST ربما كانت لديها معلومات وافرة عن الشخص الثاني، حيث اتضح أنه كان مهربا للمخدرات وأصبحت له علاقات وطيدة مع الإسلاميين خاصة المتطرفين علاوة أن تواجده بطنجة قد تزامن مع وجود محمد مرابطين بها.

إن الأقوال والإشاعات وما راج منذ بضعة أشهر عن احتمال أسلحة قادمة أو مهربة أو ما شابه هذا قد تكون سربت إلى المغرب من عدة دول من أوربا ومن الجزائر ومحتمل جدا أن تكون هذه الأسلحة موجهة خصيصا لضرب مواقع أمريكية وإسرائيلية،
ويعتقد أن اعتقال محمد مرابطين كان في إطار التحريات حول كمية من الأسلحة من الجزائر ومن بعض الدول الأوربية، ويقال ويروج أن تلك الأسلحة كانت مرصودة لمجموعة " البهتي" وهي خلية لإحدى الجماعات السلفية المنظمة جدا، خاصة بالدار البيضاء، وأميرها يدعى " البهتي" .

ما راج في بعض الكواليس بالدا رالبيضاء أن البهتي أمير الجماعة الإسلامية المغربية بالدا رالبيضاء قد تكون له علاقة بالأمير حسن الحطاب الجزائري أمير الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائري، الذي يعتبر عند بعض الإسلاميين من الأمراء المعروفين حتى خارج الجزائر.

و هناك شكوك كبيرة حول محاولة المتطرفين الجزائريين في تسريب كميات من السلاح الناري إلى المغرب، وإن كانت بالنسبة لنا مجرد شكوك لأن حسب معلوماتنا لحد الآن ما زال لم يعلن عن أي اعتقال في صفوف منظمة أو جماعة البهتي إلى أنه من المعروف أن غضب هذه المجموعة الإسلامية السلفية منصب على ثلة من فعاليات المجتمع المدني: 1 شخصيات سياسية، 2 اجتماعية مغربية، 3 جميعات نسائية، 4 أمريكية صهيونية.

ويقال أن الخطاب الإيديولوجي الإسلامي البهتي متطابق مع خطاب حسن الحطاب أمير الجماعة المسلحة الجزائرية، هل المدعو البهتي له وجود حقيقي، وهل هذا الاسم مستعار ؟وهناك أقوال تروج على أن البهتي وهابي مؤمن بالوهابية السعودية .

كما يجب الإشارة إلى أن أجهزة الأمن المصري قد كشفت في نفس الفترة على اعترافات مجموعة المعتقلين الإسلاميين المصريين وغيرهم، والتي مفادها أن مجموعات موزعة على بلدان المغرب العربي كانت تستعد للقيام بهجومات مسلحة تخريبية على مصالح...ومؤسسات..وعلى مؤيدي التطبيع مع الكيان الصهيوني.

و مهما يكن من أمر فان هناك إجماع على صعيد المجتمع المدني حول رفض جميع أشكال التطرف و التنديد بها.
فبعد النتائج التي أدى إليها التطرف أصبح من الضروري ـ حسب البعض ـ من نفض الغبار عما هو معاد للثقافة والحياة في التراث، لاسيما فيما يخص ما بلورته " إيديولوجية الموت " من تكفير التفكير وتبديع الإبداع. تلك الإيديولوجية التي ارتكزت على التفكير القرنوسطى الذي قال أن المنطق تزندق وأن المنطق يؤدي إلى الفلسفة وما يؤدي إلى الكفر كفر، أي المرتكزة على الجوانب المظلمة في التراث، المعادية لنور العقل، واستمدت منه سلاحين من أسلحة الدمار: الرقابة والقتل.

هذه الإيديولوجية هي المسئولة على أحداث ماي بالدار البيضاء، وقبلها عن دعوى الردة على الفنان محمد عبد الوهاب من أجل أغنية " من غير ليه «، وكذلك الحكم بالردة على نصر حامد أبو زيد، والاعتداء على نجيب محفوظ بالسلاح الأبيض تنفيذا لفتوى بردته من أجل " أولاد حارتنا ".

لماذا " إيديولوجية الموت " تتبع هذا المنحى؟ تكفير التفكير والمفكرين ويبدعون الإبداع والمبدعين وينشرون الموت والدمار ؟ أولا لأن التعصب متأصل في بنيتهم النفسية ، يوهمهم امتلاكهم للمعرفة الإلهية. وفي واقع الأمر إن التعصب يكون بديلا عن حقيقة لا يستطيع مواجهتها دون التفكير في الانتحار. كما أن المتعصب والمتطرف يكون مسكونا برغبة في توجيه البشرية، وهذه الرغبة مزيج من النرجسية والسادية والميل إلى التلصص، الشيء الذي أدى به إلى فرض وجهة نظره على الآخرين أي على جميع الذين لا يوافقونه الرأي.

أحزاب تحول دون استكمال الانتقال الديمقراطي

لا يخفى على أحد أن الأحزاب السياسية تعتبر حجر الزاوية في بناء الديموقراطية لاسيما و هي تعكس تعدد الاتجاهات السياسية و تباين و تناقض المصالح بين الطبقات و الفئات الاجتماعية و التصورات
و في هذا الصدد لا يمكن إنكار الدور الفاعل الذي لعبته الأحزاب الديموقراطية بالمغرب و الذي أسفر عنه إصلاحات دستورية و سياسية و هي ذات الإصلاحات التي فتحت باب الأمل في إمكانية تحقيق انتقال ديموقراطي.

إلا أنه اليوم، و أكثر من أي وقت مضى، من الملاحظ أن فعل الأحزاب السياسي بالمغرب قد تراجع و أضحى باهتا إلى درجة تدعو إلى التساؤل حول جدوى وجودها و استمرار تحمل البلاد و العباد انعكاساتها السلبية لاسيما فيما يرتبط بمسار المسلسل الديموقراطي الذي لازال في بداية الطريق.

علما أنه من المفروض أن تساهم هذه الأحزاب في تفعيله و توسيع مداه. لاسيما فيما يتعلق بترسيخ الثقافة و التقاليد و الأعراف الديموقراطية لتأهيل المجتمع المغربي لانخراط فعليا في إنجاز المشروع الديموقراطي الحداثي الذي طالما تطلع إليه المغاربة.

لدينا أكثر من ثلاثين حزبا سياسيا، إلا أن أثر معظمها السياسي و فعلها في الدفع بالمسار الديموقراطي غائبا. و لا تظهر تلك الأحزاب إلا في الانتخابات لتروج نفس الخطاب و نفس الشعارات المستهلكة و لتكريس ذات الممارسات المطبوعة بشراء الذمم لاسيما و أن المجمع لازال غارقا في الفقر و الجهل و الأمية و التخلف و عدم التشبع بمفهوم المواطنة.
لم يعد المغربي يرى في الأحزاب ذلك التنظيم السياسي الذي يحرص على استقطاب الأطر و المثقفين و أصحاب الكفاءات القادرين على بلورة التصورات و تجديد البرامج و اغناء و إثراء الفكر السياسي و التخطيط لتفعيل النشاط الحزبي. كما أنه لم يعد يعاين المناضل بمفهومه الصحيح، ذلك الإنسان المتميز بقناعته و تشبعه بجملة من القيم و المبادئ و المستعد للتضحية و الدفاع عنها.

فما أصبح المغربي يلاحظه و يعاينه هو تهافت الأحزاب على استقطاب رجال الأعمال و أصحاب الأموال مهما كان مصدرها، ما دام هؤلاء في امكانهم شراء كل ما يمكن شراءه للفوز بالمقعد في البرلمان و في الجماعة و الجهة و الغرف، و ما دامت هذه المقاعد هي التي أضحت تحدد أهمية الحزب بالمغرب حاليا.

و فعلا لقد رشحت جملة من الأحزاب أصحاب الأموال رغم عدم وجود علاقة تنظيمية فعلية و ذات مصداقية بها. و هذه من الممارسات التي تجعل النتائج المحصل عليها في نهاية المطاف لا تعبر على التمثيلية الحقيقية لا على المستوى الاجتماعي و لا على المستوى الإيديولوجي و لا على مستوى تصور و مشروع مجتمعي. و هذه من أبهى الصور لتزييف الخريطة السياسية بالمغرب. و بالتالي يصبح من الطبيعي معاينة عدم الانضباط و الترحال. و هذا لن و لم يساهم في استكمال الانتقال الديموقراطي، بل على العكس من ذلك، عرقل بامتياز المسلسل الديموقراطي.

فإلى أين نحن سائرون بالمغرب ؟ انه سؤال مرعب و يدعو إلى التخوف من الغد القريب البعيد بالمغرب.

تنحي عبد الرحمان اليوسفي ليس في مستوى مساره الطويل
اعتزل عبد الرحمان اليوسفي العمل السياسي قبل شهور فقط من انعقاد المؤتمر السابع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و هذا يدعو إلى التساؤل.

و بعد أن استقال اليوسفي و اعتزل العمل السياسي و أنهى عضويته بالحزب أصبحت قيادة الحزب أمام محك تدبير المرحلة الانتقالية.

و مهما يكن من أمر، فان استقالة اليوسفي تعتبر سابقة بالمغرب. لاسيما و أن السائد عندنا، و مند زمن طويل جدا، هو التشبث بالمواقع و الكراسي الحزبية و السياسية مدى الحياة إلى حد أن بعضها أضحى وراثيا أبا عن جد. و على الكثيرين من ساستنا المغاربة أن يأخذوا العبرة التاريخية و السياسية و الأخلاقية و لمعنوية من هذه الحادثة بغض النظر عن دوافعها و أسبابها و ملابساتها.

فحسب البعض جاءت استقالة اليوسفي و اعتزاله عن السياسة في وقت يعرق قيه المغرب مرحلة الانتظارية كادت أن تخلق السأم على أرضية ملغومة بأكثر من قنبلة ملغومة و موقوتة تؤثثها عدة أزمات خانقة.

و كيف ما كان الحال يعتبر مسار عبد الرحمان اليوسفي من مسارات الرجال الذين طبعوا تاريخ المغرب المعاصر.
انخرط اليوسفي في النضال مبكرا، ففي سنة 1943 و عمره لا يتجاوز 19 ربيعا انخرط في صفوف حزب الاستقلال لاسيما عندما انتقل من مدينة طنجة إلى مدينة الرباط لمتابعة دراسته بثانوية مولاي يوسف و هناك أسس خلية نضالية. و سرعان ما تعرض لمطاردة السلطات الاستعمارية، كما كان الحال بالنسبة لرفيق دربه المهدي بن بركة. و استمر فارا من الاعتقال بين مدينتي أسفي و مراكش قبل أن يستقر بالدار البيضاء لممارسة العمل النضالي السري في صفوف المقاومة. و كان ينشط بالأساس بدرب مولاي الشريف الذي أصبح بعد الاستقلال مشهورا بمعتقله السري الذي مر من غيا هبه مناضلو مختلف الأجيال المغربية بدءا من خمسينات و مرورا بستينات و سبعينات و ثمانينات القرن الماضي.
و كان أول ظهور إعلامي لعبد الرحمان اليوسفي عندما استقبله الملك محمد الخامس صحبة الزعماء الجزائريين، بن بلة و بوضياف و آيت أحمد و خيضر و الأشرف.
لقد كانت بداية لمسار نضالي حافل على امتداد أكثر من 6 عقود، بدءا بالتصدي للمستعمر و مرورا بالمعارضة للمخزن و وصولا إلى قيادة تجربة التناوب التوافقي.

و عبد الرحمان اليوسفي هو أولا و قبل كل شيء رجل قانون، عرف بالتزامه القوي بالنضال الحقوقي، خريج المعهد الدولي لحقوق الإنسان. اضطلع بمسؤولية التنظيم النقابي في صفوف الحركة العمالية بالدار البيضاء من 1944 إلى 1949 و بالعمال المغاربة المهاجرين إلى فرنسا فيما بين 1949 و 1952. و ابتداءا من سنة 1952 مارس المحاماة كمحامي دولي بطنجة.

و مع نفي الملك محمد الخامس إلى مدقشقر سنة 1953 اهتم اليوسفي بتنظيم المقاومة و جيش التحرير إلى غاية 1956. و هي السنة التي حصل فيها المغرب على الاستقلال السياسي الذي و جهت إليه عدة انتقادات صادرة من أكثر من جهة لاسيما عناصر وازنة من المقاومة و جيش التحرير.
و مند غشت 1956 عرف المغاربة عبد الرحمان اليوسفي كرئيس للمجلس الوطني للمقاومة، إلا أنه بعد الاستقلال، إبان حكومتي البكاي و بلافريج، دفعته الظروف مرة أخرى للعمل السري، لاسيما و أنه كان من بين المتأففين آنذاك و المتعالين عن قبول اقتسام الغنائم و تناسي المبادئ. و هكذا سافر إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا. و ذات الوقت الذي عاد فيه عبد الرحيم بوعبيد إلى المغرب للمساهمة في صياغة المشاركة السياسية بالبلاد.

و في سنة 1959، كان اليوسفي أحد مهندسي قيام حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمعية المهدي بن بركة و محمد الفقيه البصري و المحجوب بن الصديق و عبد الرحيم بوعبيد و عبد اله إبراهيم. و بمناسبة انتفاضة يناير 1959 عاد اليوسفي إلى المغرب لرئاسة الجامعة الجهوية لطنجة حيث اضطلع كذلك بمسؤولية تحرير جريدة التحرير من 1959 إلى 1965. آنذاك كان ميلاد عبد الرحمان اليوسفي المعارض حتى النخاع، و بالضبط منذ دجنبر 1959 عندما اعتقل رفقة مدير تحرير الجريدة، محمد الفقيه البصري، و وجهت لهما تهمة المس بالأمن الداخلي للدولة. و قد تم الاعتماد على افتتاحية الجريدة لتكييف هذه التهمة، إلا أن ملف هذه النازلة تم حفظه بدون تعليق. لكن في يولي 1963 يتعرض اليوسفي للاعتقال من جديد بمعية المكتب المسير للحزب و يحكم بسنتين حبسا مع إيقاف التنفيذ. وبعد الافراج عنه تولى الاشراف على سير الحزب حيث عمل على تصحيح مساره و الذي أدى منذ يوليو 1972 إلى التمهيد لبروز حزب جديد في سنة 1975، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

و عندما تم اعتقال أعضاء المكتب السياسي للحزب و نفيهم إلى قرية ميسور بجنوب المغرب، قام اليوسفي بتوجيه الحزب و عمله النقابي في إطار الكونفدرالية الديموقراطية للشغل. و ذلك علاوة على نشاطه الحقوقي للدفاع عن الحريات و التصدي للقمع، لاسيما ضمن الأمانة العامة لاتحاد المحامين العرب.

و في نونبر 1965 يغادر اليوسفي المغرب متجها إلى باريس لحضور محاكمة مدبري اختطاف المهدي بن بركة قصد اغتياله. و منذ ئد بدأ منفاه القسري الذي دام 15 سنة. خلال هذه الفترة توبع اليوسفي غيابيا خلال محاكمات مراكش ( 1969-1975)، حيث حوكم بالإعدام. و من فرنسا ينخرط اليوسفي في الحركة الحقوقية، و يصبح كاتبا عاما بالنيابة لاتحاد المحامين العرب من 1969 إلى 1990، و عضوا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان و جمعية مناهضة التعذيب، و المعهد العربي لحقوق الإنسان. و في سنة 1975 عين اليوسفي كمندوب دائم للحزب الجديد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالخارج، ثم عضوا بالمكتب السياسي للحزب خلال المؤتمر الثالث المنعقد سنة 1978.

و في سنة 1980 يعود اليوسفي إلى المغرب بعد استفادته من العفو، و يضطلع بتسيير الحزب منذ 8 يناير 1992 بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد.

و بعد شهور فقط يقدم اليوسفي استقالته للتنديد و الاحتجاج على التزوير الذي طال انتخابات شتنبر 1993 و يتوجه إلى مدينة كان بفرنسا بنية الاعتزال عن العمل السياسي. و بعد إلحاح رفاقه في الحزب يقبل من جديد الاضطلاع بمهمة الكاتب الأول للحزب ابتداء من غشت 1995 من أجل قيادة المطالبة بالتعديل الدستوري و الانتخابات قبل الأوان.

و في سنة 1998 يقبل اليوسفي قيادة حكومة التناوب التوافقي، و ظل وزيرا أولا إلى حدود 27 شتنبر 2002.
لقد خاض اليوسفي صراعا مريرا مع الحكم المركزي في سبيل مغرب يؤطره الحق و القانون و العدالة الاجتماعية. و قبيل أواخر مشواره قبل اليوسفي بركوب مغامرة تسيير الشأن العام بغية تحقيق الانتقال الديموقراطي و تحقيق القطيعة مع السنوات الرصاصية.

فمن معارض شديد اللهجة و الممارسة إلى حليف تاريخي للملكية الدستورية، هكذا يمكن وصف مساره هذا الرجل الذي ترك بصماته واضحة في تاريخ المغرب المعاصر. و كان هذا التحول بواسطة الميثاق الذي عقده الرجل مع الملك الراحل الحسن الثاني، في وقت كان فيه المغرب مهددا " بالسكتة القلبية" . آنذاك غامر اليوسفي على أرض ملغومة. و كانت أول خطوة قام بها هي إقناع أعضاء الحزب للانخراط في منظور التناوب التوافقي رغم المعارضة لهذا الاتجاه لاسيما و أن تاريخ الحزب ظل مطبوعا بالمواجهات بينه و بين المخزن على امتداد سنوات طوال.

و عبد الرحمان اليوسفي هو المعرض حتى النخاع، المحكوم عليه بالإعدام أكثر من مرة، ظل وفيا لمساره النضالي إلى النهاية. و عاد مرفوع الرأس إلى المغرب بعد منفى قسري دام طويلا ليخرج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من طوق المعارضة التي حكمت مساره منذ نشأته الأولى.
فهل اليوسفي كان جسرا بين مرحلتين متناقضتين؟
و الظاهر أن اليوسفي كان مقتنعا بخوض تجربة التناوب، إلا أن الرياح عصفت في اتجاه لم تكن تشتهيه السفن. و كانت الحصيلة دون قوة درجة الانتظارات الجماهيرية.
و حسب العديدين تظل مرحلة اليوسفي مطبوعة ببروز انتهازيي الحزب الذين ضربوا عرض الحائط جزءا كبيرا من حلم مناضليه الأوفياء. و قد عاب الكثيرون على اليوسفي سهولة قبوله لتنازلات كبيرة في ظل وضع يتميز بوجود جيوب مقاومة التغيير المنشود.
و هذا ما يفسر في نظر البعض الخسارات الكبيرة التي لحقت به في أخر مساره الحكومي السياسي.

و من أهم محطات هذه الحصيلة أن الحزب انشطر إلى عدة اتجاهات، الاتحاد الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، جمعية الوفاء الديموقراطي و التائهون بين هؤلاء و هؤلائك.
و قاأن هناكأن أهم عمل قام به عبد الرحمان اليوسفي أنه لم يترك للجيش فرصة التدخل, و يبدو هذا هو الالتزام الذي وضع يده على القرآن بسببه في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني.كما أن هناك أكثر من صوت داخل الحزب تحمله مسؤولية مآله الذي أصبح عليه.

و إذا كانت استقالة عبد الرحمان اليوسفي قد فاجأت البعض، فان الكثيرين اعتبروا من الطبيعي أن يقدم الكاتب الأول للحزب على تنحية نفسه في هذه المرحلة بالذات. و الظاهر أن المكتب السياسي للحزب لم يكن من عداد المفاجئين و هذا له دلالته الكبرى.

و أغلب قادة ا الأحزاب السياسية المغربية أرجعوا تنحي اليوسفي إلى الخلافات التي تنخر الحزب، و اعتبروها السبب الرئيسي الكامن وراء هذا القرار. و قد اعتبر بعضهم أن الخلافات المتناسلة داخل الحزب منذ المؤتمر السادس كانت كافية و زيادة على دفعه إلى اتخاذ قراره. إلا أن الجميع يتفق أن استقالة اليوسفي تعد خسارة كبيرة للحقل السياسي بالمغرب. و مهما يكن من أمر، فان استقالته كانت واردة، و جاءت لتكشف مدى الخلافات داخل الحزب، و الشرخ في تنظيماته و مؤسساته.

لقد تذرع عبد الرحمان اليوسفي بالسن 79 سنة) و الصعوبات الصحية، لاسيما و أنه يحيا منذ مدة برئة واحدة. إلا أنه من بين مناضلي الحزب من يبلغ 86 سنة و لازال على الدرب صامدا. إلا أن الأسباب الحقيقية و الفعلية للاعتزال تكمن بالأساس في مآل الحزب و وضعيته الحالية و طبيعة النتائج المحققة منذ ولوج تجربة التناوب التوافقي. لاسيما و أن اليوسفي وجد نفسه وحيدا في آخر المطاف لا أحد يدعمه فلم يلق خيرا في الحلفاء و لا في المخزن و لا في الحزب و لا في أصدقائه. هذه الأسباب التي أسرها بمرارة لجملة من مناضلي و مناضلات الحزب.

و يعتقد البعض أن استقالة عبد الرحمان اليوسفي، في هذا الظرف بالذات، تندرج بالأساس ضمن منطق محاولة لتبرئته من واقع سياسي مطبوع بالمكر السياسي و سياسة المكر و الأكاذيب. كما يرجع البعض الآخر أسبابها إلى صدمة تعيين وزير أول تقنوقراطي بعد انتخابات شتنير 2002، علما أن اليوسفي صرح بعد تعيين إدريس جطو وزيرا أولا تصريحا ببلجيكا انتقد فيه مآل الديموقراطية بالمغرب و طالب فيه بنهاية وزراء السيادة و إلغاء الغرفة الثانية و أجراء تعديلات دستورية تقوي الوزير الأول و تربط مسؤوليته بالأغلبية البرلمانية.

كما يرى البعض الآخر أنه كان من الطبيعي أن يكون مآل عبد الرحمان اليوسفي هو اعتزال العمل السياسي في هذا الوقت بالذات، اعتبارا لكون مرحلة التناوب التوافقي قد وصلت نهايتها مع الانتقال السلس للسلطة و العودة إلى نهج القيادة التقنوقراطية بعد الانتخابات الأخيرة. علما أن البعض يعتبر استقالته جاءت متأخرة اعتبارا للتنازلات و التراجعات و الاحراجات التي تلقها اليوسفي من جراء جملة من التصريحات و الممارسات. و في هذا الصدد يمكن ذكر تصريحات أندري أزولاي المتعلقة بالانتقادات الشديدة للأداء الاقتصادي لحكومة اليوسفي.

و يرى البعض أن اليوسفي ظل 17 سنة خارج المضمار التنظيمي للحزب، يشتغل بالأفراد و اعتمادا عليهم لا بالمؤسسات. و من الأمور الداعية إلى التساؤل في هذا الإطار، توجيه رسالة الاستقالة المؤرخة في 27 أكتوبر 2003 إلى عبد الواحد الراضي عوض تسليمها لنائبه محمد اليازغي أو توجيهها لأعضاء المكتب السياسي للحزب.

و إذا كان منصب نيابة الكاتب الأول للحزب لا يطرح مشكلا بفعل تواجد محمد اليازغي، فان الاضطلاع بإعلام الحزب يعتبر من الأمور الشائكة. فمن المعلوم أن هذا المشكل ظل مطروحا منذ انعقاد المؤتمر السادس للحزب في منتصف 2000 حين أقدم اليوسفي على تحميل خالد عليوة مسؤولية العلاقات الخارجية للحزب و تعيينه مديرا لتحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي دون طرح هذه القضية للنقاش على أنظار المكتب السياسي. كما أن اليوسفي قدم لائحة الوزراء الاتحاديين للمساهمة في حكومة إدريس جطو ( الوزير الأول التقنوقراطي) دون استشارة المكتب السياسي.

و تظل أقوى الضربات تلقاها اليوسفي عندما كان على رأس حكومة التناوب، و كانت هذه الضربات صادرة من أقرب الناس إليه. و كان هذا في الوقت كان فيه المغرب في مفترق الطرق- دواعي ضمان استمرارية الملكية و الانتقال الديموقراطي و إعادة الحسابات على الصعيد الاقتصادي...

و بصدد حل مشكل تعويض اليوسفي على رأس الحزب بدأت تطفو إلى السطح جملة من الحسابات و الخلافات. و يرى البعض أن الرجل الذي ذاق ويلات السجن و التعذيب رفقة عبد الرحيم بوعبيد و عمر بنجلون. و كان أحد ضحايا الرسائل المفخخة و التي مازال يحمل آثارها على وجهه و جسده. و قد عرف اليازغي بمواجهته الشديدة لتوجه محمد الفقيه البصري و بمواجهة تيار عبد الرحمان بنعمرو و أحمد بنجلون (حزب الطليعة الاشتراكي) و كذلك تيار نوبير الأموي و مجمعة محمد ساسي و نجيب أقصبي.

و يعتبر مؤيدو محمد اليازغي أن عبد الرحمان اليوسفي لم يحترم الضوابط التنظيمية في تقديم استقالته. علاوة على هذا استمر اليوسفي بعد استقالته في التصرف كمسؤول على الحزب حيث اتصل بالنيابة العامة و تنازل لمحمد الصديقي (أمين المال) بتسيير جريدة الاتحاد الاشتراكي و كلف الحلوي بإتمام الإجراءات القانونية لانتقال الجريدة من يد اليوسفي إلى الصديقي. و هذا اعتبره مؤيدو اليازغي قفزا صارخا على الضوابط التنظيمية. و ليست هذه المرة الأولى التي يقفز فيها على تلك الضوابط، فقد سبق له أن انفرد بدفع خالد عليوة لعمادة الدار البيضاء و نشر افتتاحية بجريدة الاتحاد الاشتراكي اعتبرها مؤيدو اليازغي أنها قلبت التوجه السياسي للحزب المشارك في الحكومة. علما أن هؤلاء كلهم خارج الحكومة، و يعتبرهم الكثير من المحللين السياسيين بالمغرب مشروع مستوزرين في انتظار حقائب وزارية لاحقا.

و مهما يكن من أمر، فان تنحي عبد الرحمان اليوسفي لم يكن في مستوى مساره السياسي و النضالي الطويل، و هذا هو السائد داخل الرأي العام بالمغرب.

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين الموت السياسي و الاستجابة لسباق التحولات

يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكثر من تصدع، و ذلك منذ انعقاد مؤتمره الوطني السادس، و بهذا التصدع يدشن مرحلة انكسار الشعور الاتحادي الذي حمله أكثر من جيل. فرغم أن الحزب احتل المرتبة الأولى في انتخابات شتنبر 2003 الأخيرة، فقد تمت معاينة انسحابات و انشقاقات و صفها البعض أنها بمثابة انكسار حركة وطنية تقدمية انطلقت منذ نهاية خمسينات القرن الماضي.

و في نظر هؤلاء أن المعالم الأولى لهذا الانكسار بدأت في الظهور منذ انعقاد المؤتمر الخامس للحزب في مارس 1989 الذي عمل أساسا على إرجاء الانفجار إلى وقت لاحق. و رغم أن المؤتمر السادس لمارس 2001 انعقد تحت شعار الوحدة و التجديد، إلا أنه لم يوحد و لم يجدد إذ وقع على إثره انشقاق و كانت البداية لانطلاقة سيرورة الشتات الاتحادي و انكسار الحلم الذي حمله جيل بأكمله و الذي دفع الثمن باهضا في السابق. و بذلك أضحى المناضلون البسطاء يحملون المسؤولية للأطر التي استسلمت إلى إغراءات التصالح و قدمت تنازلات جوهرية فكرية و إيديولوجية و سياسية مقابل مجرد وعود مائعة استفادت منه كمشة من نخبة الحزب إذ حقق فعلا أفرادها قفزة نوعية غير مسبوقة في مواقعهم الاجتماعية و المهنية و في استفادتهم من امتيازات. حيث أن تيار الانتهازيين و الانتفاعيين عرف كيف يسيطر على الحزب و يبني سلطته و نفوذه داخله من خلال التحكم في واجهات الحزب الإعلامية و البرلمانية و عبر اكتساح المواقع القيادية و التنظيمية. و هذا ما يفسر إلى حد كبير التحالفات غير المنطقية و غير المفهومة التي طبعت الانتخابات الجماعية الأخيرة في أكثر من منطقة بالمغرب.

و زاد انكسار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وضوحا بفشله الذر يع في تجديد هويته السياسية و فشله في استقطابه لأطر سياسية جديدة أو على الأقل تهييء الخلف من مناضليه القاعديين و فشله الكبير في حل العلاقة بين العمل السياسي و العمل النقابي بطريقة تصمن وحدة القاعدة العمالية للحزب و فشله الذريع في تفعيل انخراط الشباب من أجل تحقيق الحلم الاشتراكي الديموقراطي كما كان يتبجح بذلك قادة الحزب.
و هذا الواقع يشير إلى أن دور هذا الحزب لم يعد رائدا في الانتقال الديموقراطي بالمغرب، و ربما هذا يؤكد قولة الدكتور المهدي المنجرة- مخزنة النخب و بجلاء.

و الآن و الحالة هاته، فليس أمام هذا الحزب إلا خيارين لا ثالث لهما : إما الموت السياسي ( و في أحسن الأحوال قبول البقاء على الهامش) أو مراجعة النفس و الانتباه لسياق التحولات قصد القيام بما يجب القيام به للبقاء على الركح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى